١: في جرة اللصوص

302 21 50
                                    

« أغلقي باب داركم عليكم جيدًا يا أم بهاء؛ لديك ابنة مثل الورد، واللصوص يتجولون في الحي ليلًا لخطف البنات وبيعهن كجواري.
ألم تسمعي عن ابنة جمعان التي خطفوها قبل أسبوعين؟»

اتكأت أم بهاء على الحائط جوار الباب، متلثمة بطرحتها الطويلة الزرقاء، منصتة بقلق لجارتها وصديقتها هنية.
اعتدلت في وقفتها قليلا، ومالت للأمام هامسة بقلق:
« ألم تكن هذه إشاعات يا هنية؟»

« كلا يا أمجاد! أين تعيشين؟ ألم تسمعي آخر الأخبار؟
إنها فاجعة! لقد اختطفوا ابنة جليلة حقًا ولم تسافر كما قال أبوها! لا زالوا يبحثون عنها متكتمين، لكن لا بد أن الفتاة التعيسة قد تم بيعها في سوق النخاسة بثمن كبير! يالحظها التعس!»

ولولت هنية بصوت عال، وأشارت لها أمجاد بأن تخفض صوتها، لكيلا تسمعهما ابنتها.
اقتربت هنية حينها لتضيف هامسة:
« لقد سمعت بأن والي اليمام يشتري الجواري الحسان بثمن باهظ ويجمعهن جمعًا حوله كالجواهر! لذلك كثرت حوادث اختطاف البنات، خصيصًا الجميلات!
ابنتك قمر الزمان مثل البدر، خبئيها وأوصدي الباب عليكما بشيء ثقيل في المساء، خصوصًا أن أبا بهاء غائب.»

أومأت أمجاد بوجه مهموم، على زوجها وابنها الذين غابا في قافلة التجارة منذ ثلاثة أشهر، وسيحين موعد عودتهما بعد أسبوع من الآن. ومن جهة أخرى، ابنتها قمر، التي تحب التجول في الأسواق، والتفرج على مصارعة العبيد في الساحات، وطلوع النخيل في المزارع الطرفية مثل الصبيان، وكأنها ليست صبية في الخامسة عشرة.

« شكرًا لك يا هنية، سآخذ حذري، والحافظ رب العباد.
بعد أسبوع إن شاء الله يعود بهاء وأبو بهاء ومعظم الرجال، ونرتاح من القلق بشأن كل هذا.»

« في رعاية الله.» ودعت هنية وهمت بالذهاب، ثم توقفت وحمل وجهها التردد لحظة قصيرة، كغمامة صغيرة حملها الرياح.

« يا أم بهاء، لم تخبريني ما رأيك؟ ابني حنظلة من خيرة الرجال، كبر وملأ ثوبه. لقد كد وسعى منذ نعومة أظفاره واكترى قطعة أرض صغيرة صارت عمرانة بالنخيل. صار ساعد والده، وعمل بالتجارة، وساعده أخواله قبل وقت قريب كما أخبرتك وبنى بيتًا بجوارنا. لا أرى له أفضل من ابنتك.»

تنهدت أمجاد وصمتت هينهة، ثم أجابتها بود:
« حنظلة من خيرة الرجال، ولا أجد أفضل منه لحفظ قمر، لكن الرأي ليس رأيي وحدي، بل أنتظر أبا بهاء حتى يعود، وأشاوره.»

« أصبت، فالننتظر عودة الرجال من القافلة ان شاء الله.
في أمان الله.»
أردفت هنية وغادرت، وشيعتها أمجاد بناظريها حتى غابت ثم أوصدت خلفها الباب، وأحكمت العارضة الخشبية التي تغلقه بإحكام.

إلتفتت أمجاد مهمومة مفكرة، ولاحظت وحيدتها التي اختبأت خلف الجدار متنصتة، ثم خرجت ويعلو وجهها الصبوح تقطيبة خفيفة.
« هل حقًا سأتزوج حنظلة يا أمي؟»

قمر الزمان وخاتم الجنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن