٣: ميمون والغيهب

110 14 17
                                    

كان الحر قائظًا ذلك اليوم و كأنها لفحة من جهنم.

استيقظت قمر منهكة بسبب حركة الجمل الدؤوبة وخطواته الثابتة على الرمال. كانت قد نامت على الغيهب نومًا متقطعًا منذ أن أظلمت السماء وطيلة الصباح. شعرت بعظامها تؤلمها من نومها جالسة، تعامدت الشمس فوق رأسها لتشعر به يغلي بسبب العمامة السوداء التي جذبت لها كل حر الظهيرة، وكانت معدتها تأكل بعضها.

تحمحمت وألقت نظرة نحو الراعي، ونادته:
« أيها الراعي!»

استمر ميمون في سيره، وحسبت أنه لم يسمعها، فكررت بصوت أعلى:
« يا صاحب الجمل!»

أكمل ميمون خطواته بنفس وتيرته، وهمت قمر الزمان بمناداته بأبشع الأوصاف، حتى أوقفت نفسها مستدركة؛ ربما الرجل الخبيث يريدها أن تناديه باسمه، ماذا كان؟
« يا سعدون! لا... يا ابن النعمان!»

هتفت قمر بعد أن عزمت على ألا تناديه باسمه، وتوقف ميمون وإلتفت نحوها بابتسامة عريضة بعد أن كتم ضحكته.
« ماذا تريدين يا ابنة حمزة؟»

تمسكت قمر بسرج الغيهب حين مال بها للأمام متوقفًا لتوقف صاحبه، وأجابت:
« أريد أن أرتاح قليلا؛ الشمس فوق رأسي تحرقني.
أنت أيضًا، ألم تتعب قدماك؟ هل لديك تمر، أو أي شيء يؤكل؟»

« حسنًا.» أجاب ميمون وشد لجام الغيهب ليبرك الجمل الصخم، وتوقفت بقية الإبل وتوزعت بين من برك وبدأ في مضغ طعامه المجتر، ومن اتجه نحو الشجيرات الشوكية لأكل الصفق.

ترجلت قمر من الغيهب، وتناولت السجادة الصغيرة التي ناولها لها ميمون شاكرة. فرشتها على الرمال قرب الجمل للتخذ من ظل سنامه العظيم ملجأ، واستوت جالسة بينما أسندت ظهرها للجمل الأسود وشدت ظهرها متألمة، ورمشت متثائبة بينما رفعت رأسها تراقب ميمون الذي وقف مسندًا يمناه لخصره، محدقًا نحو الطريق الطويل اللامتناهي أمامهم.

من مكانها كان بمقدورها رؤية حبات العرق التي جرت على رقبته والتحمت مع قميصه الأبيض القطني الذي التصق بظهره. لكن رغم الحر، بدا الشاب منتعشًا، عكسها التي شعرت بنفسها في فرن بسبب طبقات ملابسها، لكنها عزت نفسها بالأجر لسترها.

تنهدت قمر حين مر هبوب لفح وجهها وأغمضت عينيها لثوان، وحين فتحتهما مجددًا ورفعت بصرها لتراقب رفيقها الوحيد، شعرت بنفسها تسقط حين نهض الجمل الذي اتكأت له فجأة.
سقطت قمر على ظهرها، وأبصرت من فوقها بطن الجمل الأسود، ثم حين انخفض ليبرك فوقها مجددًا ناويًا قتلها.

تدحرجت قمر فوق الرمال في آخر لحظة، وراقبت مكانها حيث برك الجمل بكل وزنه، ثم إلتفت نحوها وكأنه شعر بالخيبة لأنه لم يهرسها كحبة بندورة.

رفعت قمر طرف عباءتها الطويلة لتركض نحوه بقدمين حافيتين، واندفعت لتضرب الجمل على ظهره بكل قوتها، بخبطات متتالية بكلتي يديها.
« أيتها البهيمة الشيطانية! هل تريد أن ترقد فوقي! حين نصل للمنزل سوف أقنع أبي أن يشتريك من مالكك وينحرك لنا في عرس زمرد!»

قمر الزمان وخاتم الجنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن