١٤: وادي الذئاب

52 8 2
                                    

حين استعادت قمر وعيها بنفسها بعد لحظات، شهقت حين شعرت بيدين قابضتين على كتفيها، مسندتين إياها من الوقوع أرضًا. ثبتت قدميها الحافيتين على الرمال لتقف ثابتة، ورفعت رأسها لتحدق نحو الرجل الذي قبضها متفحصًا؛ كان ربعة كميمون، لا طويلا ولا قصيرًا، يرتدي ملابس البدو وعباءتهم الفضفاضة. كانت كل ثيابه سوداء كالليل البهيم، واعتمر عمامة سوداء كذلك.

في العتمة كانت ستحسبه ميمون، لكنها كانت تميز زوجها جيدًا، وذلك لم يكن هو. شعرت بمعدتها تؤلمها حين أخفض الرجل عينيه الداكنتين نحوها متفحصًا، وبدت ابتسامته العريضة كتكشيرة وحش لقمر، فطفرت الدموع في عينيها، وجاهدت بعنف للفكاك من قبضته دون جدوى.
على الأقل، يجب أن تغطي شعرها.

حين تحدث الرجل مجددًا، رفعت قمر ناظريها تجاهه هلعة؛ لم يكن دميمًا، لكن تقاسيم وجهه بانت خبيثة، وانكمشت للخلف حين مال نحوها أكثر.
« إذن، التقينا أخيرًا يا قمر الزمان. سمعت الكثير عنك، حتى وددت رؤيتك.
أهلاً وسهلاً في وادي الذئاب، منزلك الجديد أو قبرك القريب.
أشعل المشاعل يا غلام! أريد أن أرى المرأة جيدًا وأتأمل حسنها!»

نادى الرجل بصوت جهوري، وانكمشت قمر حين أضاءت نيران المشاعل وظهر حاملوها ضخام الأجساد داكنو الثياب، وبضوء نيرانهم أبصرت نفسها في الفلاة برفقة رجل غريب وبثياب نومها مجددًا، لكن حف المنطقة دغل وشجر، وشعرت قمر بأنها قد رأت ذلك المكان من قبل.
تقلصت معدتها حين أطال التحديق بها ثم ابتسم، وردد بإعجاب:
« حسناء بيضاء ناعمة، مثل حوريات الجنة.»

قطبت قمر جبينها وأشاحت وجهها غير حافلة بتغزل غريب مجرم بها، وأجفلت حين أمسك الرجل بذقنها ليعيد وجهها ناحيته ومس بإبهامه الشامة قرب شفتيها، وحين مال ناحيتها، أوجست خيفة ومالت للخلف مشمئزة، وذكرت نفسها بأنجع طريقة لإيقاف الرجال وأذيتهم.
« ابتعد عني أيها المسخ الكريه! أنا ذات بعل فلا تلمسني! قلت ابتعد أيها الشيطان! أعوذ بالله منك!»

صرخت قمر وجمعت قوتها في ساقيها الحرتين لتركله بعنف بين ساقيه، وحين أفلتها ولت راكضة لا تلوي. لدهشتها لم تسمع وقع خطوات خلفها، فتسرب الأمل لقلبها للحظات، ثم كاد نبضها يقف حين ظهر الرجل أمامها من العدم، وقبل أن تستعد سدد لها لكمة واحدة فحسب طرحتها أرضًا متألمة وأصابتها بالدوار، وجعلت فمها ينزف دمًا.

تبلورت الدموع على عينيها وغرست يديها على الرمال محاولة استعادة توازنها للوقوف، لكن خبطة قوية أخرى على رأسها جعلت بصرها مشوشًا، وأسالت الدم على جبينها.

حين انحنى الرجل وقبضها من ذراعها لتقف، لم تجد القوة للمقاومة، و بدت كدمية قماشية حين رفعها من الأرض ليحملها بين ذراعيه، وزجرها مقطبًا محتد النظرات:
« لا تقاومي أيتها المرأة! لقد خففت ضربتي وها قد أسلت دمك، إذا استمررت بإغضابي قد أقتلك دون أن أشعر.
لا تدفعيني لقتلك بسرعة كما فعلت بريحانة، فأنا لا أحب قتل الحسناوات إلا إذا أغضبنني»

قمر الزمان وخاتم الجنWhere stories live. Discover now