#6الحقيقة المرة..

34 5 31
                                    


في ردهة الجناح كنت مع مارثا، مدربتي، أمشي مثل الحمقاء على رأسي مجموعة من الكتب، أحاول أن لا أسقطها، أتمايل يمينا ويسارا، بينما مارثا تلقي بالتوجيهات المستمرة علي.

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.


أنا على هذا الحالة المؤسفة منذ ساعات، أحاول المشي بثبات حتى لا تسقط كتب أمي الثمينة، بينما كل ما كان يجول في ذهني هو:

لماذا؟. لماذا علي أن أتعلم المشي حتى أصبح زوجة جيدة؟، هل زوجي العزيز سيختارني على حسب جمال مشيتي؟، أم أنه سيستعملني كطاولة تحمل كتبه، حتى لا تسقط على الأرض؟. كانت تقاليد مجتمعنا ومازالت تثير حيرتي وتجعلني أتساءل، من في حق السماء الغبي الذي فكر في مثل هذه الأمور؟، والى أي حد من الملل يلزمك أن تصل حتى تفكر في أشياء...

"تافهة وعديمة النفع!!" خرجت هاته الكلمات التي كانت من المفترض أنها أفكاري الداخلية من فمي وبصوت عالي، فسقطت الكتب على الأرض، وفقدت توازني وسقطت أنا أيضا.




اقتربت مارثا مني، وانحنت لتحمل إحدى الكتب بين يديها، ثم تقول:"هل تقصدين بتافهة الكتب أم هذه التدريبات؟".
"أوليس واضحا؟، التدريبات الغبية هذه ما فائدتها؟".
"عليك العمل على هذه النبرة أيضا، لا تتحدث الٱنسات هكذا".
"حقا؟، يا الهي، كم أنني أهتم لطريقة تحدثهن وأريد تعلمها".
"أحقا تريدين التصرف هكذا؟، هذا ليس في صالحك خذي هذا كنصيحة مني.. والٱن، قفي باستقامة".
"حسنا" قلت بينما أقوم من الأرض وأعدل وقفتي.
"أريد أن أرى استقامة ظهرك هيا".
"حاضر".
"...عزيزتي، لكل شيء ثمن وثمن العيش بين أحضان عائلة غنية والتنعم بكل هذه الخيرات هو اتباع أوامر وواجبات محددة، هي صعبة أحيانا ولكنها لا تقارن مع صعوبة العيش في فقر".
"اذن بالنسبة لك-"
"النبرة!" قالت مارثا بصوت محذر مقاطعة كلامي، فتوقفت أعدل نبرتي وأختار كلماتي من جديد:
"ا...من وجهة نظرك، سيدتي، فستفضلين أن تتحملي هذه المشاق، مقابل حياة الغنى؟".
"وهل هذا سؤال حتى؟، بالطبع عزيزتي" أوضحت مارثا، ثم أكملت تمشي حولي وتلمس أساوري بيدها :"هذه الخيرات، هذا الجمال...لكل شيء ثمن".
"لكل شيء؟...اذن هل يمكن أن تُشْتَرَى دقائق معدودة من الحرية بثمن أيضا؟" سألت بجرأة، بينما أضع يدي على أساوري.
بابتسامة أجابتني هي، ثم قالت تدعي البراءة:"ماذا تعنين بالضبط؟".
"أعني ماذا لو...قدَمتُ للحياة في مقابل أن تدعني أخرج قليلا، ثمنا ما، وهو سوار من أساوري هذه؟".
كانت الاجابة لسؤالي ضحكتها، واضحة عليها السعادة، ثم تلاها صوتها يقول:"لا أدري، من الممكن أن يحدث هذا، فالحياة غير متوقعة...وقد تطلب سوارا واحدا مقابل الخروج اليوم".
"جيد، ولكن هل تظن الحياة أني غبية لهاته الدرجة؟، بل سوار واحد مقابل الخروج كل يوم لمدة اسبوعين كاملين".
"مضحك جدا، خمسة أيام".
"ثلاثة اسابيع".
"اسبوع واحد".
"اتفقنا"
"اتفقنا، عزيزتي".






أتممت صفقتي مع " الحياة" فأصبح بامكاني وأخيرا مغادرة الجناح في الليل ولكن في سرية وفي مرأى عن والدتي.
تلك الدقائق المعدودة التي أشتريتها، انا احتاجها وبشدة، فان بقيت بين أربع جدران أتمرن طول اليوم سأفقد عقلي وأجن في النهاية، بل سافقد ما تبقى من عقلي فقد تأكدت أني فقدت معظمه بالفعل. فلا يسعني إلا أن أتذكر كل لحظة ذاك الحلم الغريب، الحلم الذي بدا على أنه واقع، لا بل تجسد على ساحة الواقع، فالمياه التي كانت تغمرني في الحلم ملئت سريري وثيابي بشكل غريب وغير منطقي.




كنت في غرفتي أسترق السمع الى الخارج وانتظر الوقت المناسب للخروج. أخبرت مارثا والدتي أنه عند نهاية التدريبات سيكون علي أن أبقى بمفردي في غرفتي أكتب عن ما تعلمته حتى يترسخ جيدا في ذهني، ويجب أن لا يدخل أحد غرفتي أو يقوم بازعاجي. لا يمكنني تصديق كم أن فكرتها ذكية ومحكمة، انها فعلا بارعة في الكذب، يُخرِج الناس مواهبهم المدفونة ما ان تدفع لهم بعض الأموال، فان تعلمت أي شيء من هذا العالم الرأسمالي فهو أن المال يشتري أشياء لا يمكن تخيلها حتى.

نظرت من النافذة، لأرى المكان فارغا، والهدوء قد حل، واخيرا حان الوقت المناسب!.

وضعت يدي على المقبض وأدرته بحذر، ثم ببطء شديد فتحت الباب، حرصت أن أنظر يمينا ويسارا قبل أن أخرج بسرعة وأجري على أطراف أصابعي بعيدا عن الجناح.





ها أنا في الخارج أخيرا!. أشعر أني كنت محبوسة منذ زمن... كم اشتقت لهذا الاحساس بالنسيم الليلي العليل، كم اشتقت للمشي على ظهر السفينة، ورؤية البحر الأزرق، كم اشتقت لاستنشاق هوائه، والاستمتاع بسحره... كم اشتقت لهذا...

رغم أني لم أمكث في الداخل كثيرا إلا أنني روح حرة، أحب أن أسرح وأستمتع بحريتي دون جدران تقيدني...

أحب أن أجري وأتحرك كما تهوى نفسي...
أحب أن أمتع عيوني بجمال الطبيعة وأمتع حِسّي...
أحب أن أجعل النسيم العليل يشبع من رؤيتي ولمسِي...

هكذا أنا... فلا تلوموني...

 فلا تلوموني

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.
أوكيانوس: لنحبس أنفاسنا معا ||• 💙 Љ ..Where stories live. Discover now