💖الفصل الثامن والخمسون💖

6.2K 160 44
                                    


تأكد اليوم أن كل شيء كان بينهما قد انتهى، و لم يعد أي شيء مثل سابق عهده، تغيرت ندى و تغيرت كل حياتها، أحبت بصدق و عادت إلى فطرتها السليمة من بعد الشقاء و الركض خلف أحلامًا مزيفة نسجها لها والدها و وعدها بها، عادت حيث كانت تنتمي...
أخبرته أنها قد تزوجت، أصبحت نظيفة و خالية من كل شوائب الماضي العالقة بقلبها، فتحت صفحة بيضاء لحياة جديدة مستقلة عن نزوات والدها المريضة، و صنعت مستقبلًا تطمح بالعيش فيه هادئة البال وتحقق فيه بكل ما حلمت به في الماضي بل و أرادت بقوة تحقيقه..
ربما كان هو أحد أسباب ما وصلت إليه عندما نبذها من حياته و أعلن كرهه لها كلما أُتيحت له الفرصة، أخطأت معه و حملته ما لم يستطيع تحمله فأصبح هو بالنسبة لها مثل جثة هامدة جسد بلا روح، و عقل بلا منطق...
بينما حاول في يأس رسم سعادة مزيفة للوحة عائلية غير مكتملة الملامح و الألوان أمام الجميع... لوحة لا تنطبق مع واقعهم الأليم، عذبته و عذبها
و انتهي بهما المطاف في علاقة زوجية كارثية...
لم تعلن ندى عن اسم زوجها ولكنه توقع هوية الرجل ومن يكون !!
تمنى لها السعادة الحقيقة و العيش بسلام في حياة جديدة رسمتها الأقدار، صافحها بشدة ثم ودعها براحة لم يعرفها من قبل...
ولكنه الآن في حيرة من أمره كلما نظرت عيني زوجته في عينيه، و كأنها تخبره في صمت بأنها تعرف كل شيء ، وزاد الشك بخاطره فأصبح يخشى النظر في عينيها مثل متهم يخاف الإيقاع به، وتساءل في حيرة من أمره هل يخبرها بزيارة ندى أم يحتفظ به بين أوراق الماضي؟
"حمزة عملتلك نسكافيه"
تمكن ببراعة من إخفاء انتفاض كيانه عن عينيها و بدا عاديًا كحاله كل ليلة.. حينما مدت يدها الرقيقة بكوب النسكافيه الساخن الذي جاء في موعده ، أومأ برأسه وتناوله من بين كفيها قائلا بهمس:
"تسلم ايدك"
عادت دهب إلى موقعها تجلس بجانب وداد التي تتابع في صمت، بينما كانت كابر جالسة على الطرف الآخر وهي غارقة في أحاديث جانبية مع لبنى عن الحمل و الإنجاب و تربية الأطفال، أما إيسال المبتسمة كانت تستمع إليهما بفضول وهي تلمس بطنها من وقت لآخر في الخفاء بعيدًا عن أعين زوجها المراقبة لها في فضول و كأنه هو الآخر ينتابه الشك من شيءٍ ما أو ربما يُحيره...
أخفضت وداد عينيها عن مراقبة حمزة الذي يجلس في زواية وحيدًا و كأن هناك شيء يؤرق خاطره:
"هو حمزة ماله قاعد بعيد لوحده مش لازق فيكي زي عادته"
ردت دهب بنبرة فاترة وهي تدلك عنقها وساقها تهتز دون توقف:
"مش عارفة"
أمسكت وداد بذراعها تديرها إليها بهدوء وزجرتها:
"دهب كفاية هز في رجلك و ترتيني، دهب هو انتِ لسه بتفكري في المسج ؟"
ردت مشيحة بوجهها المتلبد بالشك بعيدًا:
"انتِ شايفه إيه يا داد؟ أهو قدام عينك، قاعد سرحان ومش بيتكلم ولا كلمة من ساعة ما وصل"
قالت وداد بهدوء وهي تبعد خصلة شعرها عن جبهتها:
"عادي في حاجة شاغلة باله في الشغل، مش هو قالك انه بيتأخر عشان عنده مشروع جديد شغال عليه"
هزت رأسها وهي تضع قطعة من الجاتوه داخل فمها قائله بحنق:
"خلاص يا وداد مش عايزة اتكلم في الموضوع ده"
سألتها وداد بفضول:
"هتقوليلوا على الرسالة؟"
بحيرة همهمت دهب وهي تضع قطعة أكبر بفمها:
"مش عارفه، أقوله ولا لاه"
شددت وداد أصابعها على ذراعها قائلة بنبرة خافته و صارمة:
"تقولي طبعًا، ديه حاجة متستخباش، افرضي اللي بعت الرسالة ديه ليكي بعت نفسها لجوزك"
و شهقت تغطي فمها:
"هاااا دهب مش يمكن حمزة ساكت كده بسبب رسالة اتبعتت له"
انتفضت دهب في جلستها شاهقة مبحلقة بوجه وداد المندهشة:
"تفتكري؟"
و قالت بإهتمام قلق سيطر عليها كليًا:
"واللى هيبعت رسالة هيقوله فيها إيه؟"
هزت دهب كتفها بعدم اكتراث بعد أن أثارت شكوكها:
"مش عارفه بس هيكتب أي حاجه توقع ما بينكم أكيد،دهب اللي يبعت الرسايل ديه عايز يعمل مشاكل"
تخللت أصابعها الرفيعة تلك الخصلات الناعمة على مهلٍ لتراقب الحدقتان السوداوان سقوطها واحدة تلو الأخرى ببطء ثم تحيدان بالنظر إلى شفتيها الناعمتين الخالتين من الزينة و تمسكهما بلونهما الوردي البديع في طبيعته...
رأته وهو ينظر لها تلك النظرات الشغوفة و كأنه يحبها من جديد، فإبتسمت له بأريحية رغم الشعور المسيطرعليها في تلك اللحظة...
ابتعدت عيناه عن عينيها عندما سأله والده:
"حمزة مسافرين بكرة معانا على البلد؟"
وضع كوب النسكافيه فوق الطاولة و قال لوالده وهو يفكر:
"لا يا بابا هنيجي ان شاء الله أول يوم رمضان، علشان عندي شغل كتير لازم أخلصه"
اقترحت وداد قائله:
"خلاص دهب تسافر معانا بكره"
رفضت دهب دون تفكير:
"لا أنا هاجي مع حمزة"
ابتسم لها ثم التفت لشقيقه:
"إنت مسافر مع بابا و ماما سهيلة بكرة ان شاء الله؟"
هز أيوب رأسه نافيًا:
"لا إحنا كمان هنسافر معاك إنت و دهب، عشان بكره لازم أعدي على الشركة أشوف أول رحلة ليا هتكون إمتى"
رفعت إيسال رأسها بتفاجؤ ثم قالت بقلق:
"رحلة إيه؟ إنت لازم ترتاح في البيت ع الأقل اسبوعين كمان، قوله حاجه يا بابا"
نظر لها عمار ثم أومأ برأسه قائلا لإبنه العنيد الذي يُصر على العودة للعمل:
"مراتك عندها حق إنت لسه في فترة نقاهة و لازم راحة تامة"
عبس أيوب بضيق وهو زافرً:
"بابا أنا زهقت من الراحة اللي بتتكلم عنها ديه، حاسس إني هرجع أتعب أكتر لو فضلت قاعد في البيت أكتر من كده"
صاحت إيسال بتذمر:
"أيوب ماينفعش إنت لسه تعبان"
عكف حاجبيه وهو يقرب وجهه الوسيم منها هامسًا بعناد:
"أنا كويس الحمدلله ومش هفضل أكرر كلامي كتير"
هزت رأسها في صمت وهي تلف وجهها عنه، تدخلت سهيلة قائله:
"خلاص يا عمار خليه براحته لو هو حاسس انه الحمد لله بخير و قادر يرجع شغله يبقى خلوه على راحته ،بس المهم ماتتعبش نفسك ياحبيبي"
أومأ رأسه:
"حاضر إن شاء الله"
تنحنح علي وهو يربت فوق فخده المتشنج:
"حمدلله على السلامة مقدمًا، نقوم إحنا بقا عشان عندي سفر الصبح بدري يلا كابر"
نهض علي قائلا للجميع وهو مبتسم:
"أنا مش عارف اقولكم إيه على الإحتفال الجميل ده"
وخص بالشكر إيسال التي استقبلتهم بكل ترحاب ومودة جمعت بينهم، و بعدها غادر جميع أفراد العائلة إلا دهب التي ودعت شقيقها متمنيه له التوفيق في رحلته و عودته سالمًا لهما بعد الفوز...
نهضت دهب و ساعدت، إيسال في توضيب المكان و تنظيفه وحينما انفردت بها داخل المطبخ قالت وهي تقوم بتنظيف الأطباق قبل وضعها داخل آلة التنظيف:
"إيسال أنا شايفة أن كلام عمي كله صح، أيوب لازم يعرف بحملك"
تنهدت إيسال وهي تجفف الكؤوس قبل وضعها داخل خزانة المطبخ:
"دهب أنا خايفة و قلقانة من رد فعله لو عرف بحملي"
قطبت دهب حاجبيها و اقتربت منها وهي تجفف يدها في منشفة كانت تعلقها فوق كتفها:
"ليه الخوف ده كله من أيوب معقول يزعل أو ياخد موقف منك"
مررت أصابعها على عنقها الطويل ببطء تبلع ريقها الجاف قبل أن تقول:
"الليلة وقبل ما كلكم توصلوا ماما سهيلة لمحت قدام أيوب بطريقة لطيفة على موضوع الحمل تعرفي رد قال ايه؟"
"قال إيه؟"
سألت دهب بإهتمام.. مدت إصبعها بين خصلاتها الناعمة تمشطها وهي تهتف بحزن:
"قال لسه بدري إحنا مش بنفكر دلوقتي في الولاد"
تحركت عيناها حول المكان قبل أن تذرف دموعها وهي تهمس بخواء داخلي:
"أيوب مش عايز ولاد مني يادهب"
جاء صوت دهب رزينًا وهي تجيبها نافية هذا التفكير:
"أكيد لاه، أيوب بيحبك جدًا بلاش تفكري بالشكل ده"
سألتها إيسال بصوت خفيض يائس متبعثر:
"لو بيحبني ليه رافض ان يكون عندنا ولاد، ليه رافض إني أكون أم وهو أب؟"
"أكيد له أسبابه اللي لازم تعرفيها منه بهدوء"
بررت دهب بصدق وهي تمسك بكف إيسال المرتجف و ضغطت فوقه قائلة:
"اقعدي معاه و اتكلمي بهدوء و إسأليه ليه مصمم و رافض، أنا واثقة إن في أسباب"
ضمت شفتيها مانعة شهقاتها الرقيقة من الخروج:
"ماعنديش أي قُدرة على الكلام، تعبانه و خايفة، أيوب نبهني من أول يوم في جوازنا إنه مش عايز ولاد"
و أخفضت وجهها بخجل وهي تمسح دموعها هامسة:
"و قبل، قبل أي مرة كان يفضل يأكد عليا و يسألني أخدت الحبة ولا لاه"
نفخت دهب هاتفة:
"أولا الحبوب ديه مش وسيلة أكيدة لمنع الحمل أنا قريت المعلومة دي أكتر من مرة، هو لازم يفهم كده و الحمل حصل رغم إنك بتاخدي ال...."
"لا أنا مخدتش الحبة كذا مرة"
قاطعتها إيسال وهي تهمس بتردد.. فقالت دهب بعدم اكتراث:
"مش مشكلة من حقك تبقي أم، أيوب هيفهم الشعور ده أما تقوليله، و بعدين احنا ليه نسبق الأحداث و نحط الأفكار الوحشة قبل الحلوة مش يمكن لما يعرف إنك حامل يفرح جدًا، ده مش ممكن، ده أكيد بإذن الله"
عادت إيسال تجفف الأكواب و الكؤوس مرددة بنبرة خفيضة بائسة:
"بعد ما سمعت كلامه مع ماما سهيلة أشك انه ممكن يفرح"
أطلقت دهب تنهيدة يائسة ثم قالت مؤكدة:
"بلاش تخلي الأفكار ديه تسيطر عليكي، لازم تتكلمي معاه في أقرب وقت و تقوليلوا، إيسال انتِ قدامك اسبوعين أو أقل و تقفلي الشهر التالت و بطنك هتبدأ تظهر و ساعتها أيوب هيعرف و ممكن يزعل منك و وقتها تبقى مشكلة صغيرة انحلت بمشكلة أكبر"
************
"مالك ياحمزة"
سأل أيوب شقيقه الأكبر باهتمام بالغ بينما كان يرمقه في شك:
"في ايه مضايقك؟"
ضيق حمزة عينيه وأجابه:
"لا مفيش حاجه مضيقاني، بس حصلت حاجة معايا قبل ما آجي على هنا"
كان متكئًا بذراعيه على سور الشرفة ينظر إلى السماء الصافية الخالية من النجوم و الهواء البارد يضرب وجهه فإلتفت أيوب يسند ظهره على السور بجانبه بينما كان وجهه يراقب في الداخل قائلا:
"حاجة مش عايز دهب تعرفها؟"
التوت شفتيه بابتسامة جانبية:
"عرفت إزاي؟"
أجابه أيوب مملسًا فوق شعيرات ذقنهِ النامية بينما عينيه تراقب الداخل حيث تجلسن الفتيات:
"شكلك كان متوتر طول الوقت، المهم حاجه إيه اللي حصلت؟"
استقام حمزة بظهره ينفخ:
"ندى جت زارتني في مكتبي الليلة"
ارتفع حاجب أيوب الأيسر بترقب و عينيه تلمعان:
"ندى!! جت زارتك ليه؟ عايزه ايه تاني منك؟مش خلصنا من الحكاية ديه"
ضم شفتيه وهو يضغط فكيه القوي ببروز واضح ورد بعد تفكير:
"جت تسلم و تطمن عليا قبل ما تسافر لبنان"
"لبنان، هي ندى عايشة في لبنان من امتى؟"
سأله أيوب مستغرب.. فأجابه شقيقه مباشرةً:
"ندى اتجوزت و عايشة هناك تقدر تقول استقرت، غير كده امها عايشة هناك"
ابتسم أيوب وقال ساخرًا:
"اتجوزت مين؟ امممم أمير المرسي"
أومأ حمزة يجيبه ضاحكًا:
"هي ماقلتليش مين بالضبط بس أنا اتوقعت زيك كده تمام"
قلب أيوب شفتيه وهو يحرك رأسه ببطء يدمدم:
"الله يسهلها، لكن اللي أعرفه ان أمير متجوز، بس المهم ايه اللي فكرها بيك كده؟"
استدار حمزة نحو شقيقه واضعًا كفيه داخل جيوب سرواله و بدا وجهه مظلما وهو يقول:
"والدتك، والدتك طلبت منها انها تزورني في مكتبي و ألحت عليها كمان"
التفت أيوب مجزوعًا يهتف وهو منفعلًا:
"ماما....!!"
هز حمزة رأسه مغمغًا بضيق يخفيه عن أخيه خوفًا عليه من نكسة أخرى تهلكه:
"المهم أنا مش ناوي أخبي على دهب هقولها طبعًا"
هز أيوب رأسه ليتحرر جمود عقله من وسط ضباب الشكوك:
"لازم تقولها علشان ماتعرفش من حد تاني و تفتكر إنك خبيت عليها"
وكان يقصد بقوله والدته بالتأكيد....
********
ظلت إيسال تراقبه من بعيد كان يبدو عليه الغضب الشديد خاصةً بعد حواره مع شقيقه داخل الشرفة، جلس فوق الأريكة أمام التلفاز يطبق كفيه مع بعضهما البعض شاردًا و مهمومًا، بينما ازداد شحوب وجهه:
"أيوب أنت ماخدتش أدويتك؟"
نظر إلى الطاولة أمامه فوجد أقراص علاجه مازالت في مكانها فقال وهو يرفعها نحو فمه مع كوب من الماء:
"إيسال سبيني لوحدي شوية لو سمحتي"
جلست جانبه تمسد كتفه المتشنج وهي تتلهف عليه بخوف:
"مالك حبيبي في حاجه تعباك حاسس بأي حاجه ق..."
قاطعها غاضبًا:
"إيسال أنا كويس مفيش حاجه تعباني، مش كل شوية تقوليلي إنت تعبان، عايز أقعد لوحدي فيها حاجة؟"
هبت إيسال من مكانها تلقائيا قائله بحزن قبل أن تبتعد عنه:
"طيب أيوب خليك براحتك، لوحدك، أنا طالعة آخد شاور و هنام"
هتف بجمود دون أن ينظر إليها:
"تصبحي على خير"
ردت وهي تبتعد عنه غاضبة من غضبه الغير متوقع:
"وانت من أهله"
ظل يراقبها حتى ابتعدت وسمع خطواتها وهي تصعد الدرج، ليمسك بهاتفه متصلًا بوالدته التي ردت على الفور:
"أيوب حبيبي، عامل إيه ياقلبي وحشتني، وحشتني خالص"
نادته روجي بلهفة حينما طال صمته:
"أيوب رد على أمك، طمني عليك حبيبي"
إحمرت عينا أيوب و إلتهب الغضب بهما وهو يسألها مباشرةً:
"انتِ عايزه إيه من أخويا؟"
دمدمت باستهانة و الغل يتطاير ككورات من اللهب:
"أخوك!! متصل بيا بعد كل المدة ديه عشان تسألني عن أخوك مش علشان تسأل على أمك اللي بتحبك و تخاف عليك زي عينيها"
ثم تابعت بغيظ:
"و أنا هعوز إيه من أخوك، أنا خلاص علاقتي اتقطعت مع عيلة أبوك بعد ما طلقني، إنت بس اللي ف...."
صاح بغضب من بين أسنانه:
"متكدبيش ..عيب يا ماما عيب، ندى قالتله إنك انتِ اللي بعتيها له مكتبه"
"الغبية، الغبية"
همهمت روجي غاضبة وهي تبعد الهاتف عنها و عندما أعادته ارتفعت ضحكاتها العالية الماجنة بينما كان هو يسمعها بثبات قبل أن يقول:
"عايزه إيه منه؟ إيه سبب عمايلك ديه؟"
"كذابة.. ندى بتكذب و أخوك كمان كداب، مش يتقابل مع ندى و يعملني هو و هي سلمة و حجتهم عشان يرجعوا اللي كان ما بينهم بعيد عن المغفلة دهب"
نهرها أيوب بصوت واهٍ متعضعض:
"انتِ اللى بعتيها، ندى هتقول كده ليه، هي اتجوزت خلاص يعني مفيش حاجه بينها وبين حمزة علشان تستغلك و ترجعله"
صرخت و عيناها تلتهب كجمرتين مخيفتين وهي تتوعد ندى بصرامة:
"كدابين عايزين يوقعوا بيني و بينك، كلهم متآمرين عليا عشان يبعدوك عني، يخلوك تكرهني، تكره أمك اللي بتحبك، فوق لنفسك يا أيوب قبل ما تندم"
إلتمع الإدراك في عيني أيوب الغاضبتين و ارتسمت على شفتيه ابتسامة قاسية ودمدم:
"انتِ السبب في كل اللي بيحصل ده، كرهك لحمزة و لإيسال حتى مهرة، كرهك لكل حد أنا بحبه و بيدخل حياتي هو السبب في كل اللي وصلنا له دلوقتي، ده حتى بابا عايزاه يبعد عني، عايزاني ملكك انتِ و بس، كأني لعبة في إيدك مش ابنك، ليه كل الكره ده؟ ليه يا ماما تعملي فينا كده؟"
صرخت بحقد كازه على أسنانها:
"انت ابني وحيدي، هما اللي عايزين ياخدوك مني، هما السبب مش أنا، أخوك اللي بيمثل عليك حبه و خوفه ده طماع كداب بيستغلك، عايز حب أبوك و ميراثه له وحده ، حتى اللي روحت اتجوزتها من غير ماتعرف أصلها ولا فصلها أخدتك مني و من حضني، إزاي واحد زيك إنت في عز شبابه و حيوته يتجوز واحدة زي ديه؟"
هتف متألم نفسيًا من كلامها الجارح:
"مفيش حاجة من اللي في دماغك ديه حصلت، ولا هتحصل أبدًا افهمي أرجوكى يا ماما، لا حمزة عايز ميراث ولا محتاج حب من بابا زيادة عني، حمزة أخويا اللي بيحبني أكتر حتى من نفسه"
صرخت بجنون:
"لا لا لا مش بيحبك و بيغير منك لأنه طول عمره بعيد عن أبوك، اتربي بعيد عنه و إنت لا"
"ومين السبب في ده مش انتِ؟"
سألها بجمود.. وأكمل:
"انتِ اللي كنتي عايزاه يتربى بعيد عن حضن بابا و عني، كنتي عايزه بابا لكِ وحدك و للأسف بابا وافق على كلامك ده، ماما كفاية والله العظيم أنا بس اللي بتضرر من عمايلك ديه مش حد تاني، لو كنتي بتحبيني حقيقي هتقفي جنبي، تحبي كل الناس اللي بحبهم، تحترميهم و تتقبليهم في حياتك"
هتفت بعناد رغم كل محاولاته:
"مستحيل أقبل واحدة زي إيسال تكون مراتك فاهم ،مستحيل يا أيوب"
قال بهدوء وقد نفذت كل طاقته:
"حتى لو قولتلك إني بحبها، مقدرش أبعد عنها ولا أعيش من غيرها، إيسال حبيبتي قبل ما تكون مراتي، هي مستقبلي"
عقدت روجي حاجبيها مجيبة بغل:
"ديه واحدة أكبر منك، ليها تجارب زي الزفت قبل منك وياعالم يمكن وهي م....."
بتر كلماتها بشدة و حزم:
"إياك تقوليها، إياك تشككي في إخلاص و شرف مراتي بعد كده حتى لو بحرف واحد، أنا واثق في إيسال وفي حبها ليا هي أكتر انسانة طاهرة و بريئة، و حتى لو كان ليها علاقات قبل ما أعرفها فده مالوش أي أهمية عندي، أنا كل اللي يخصني فيها و في علاقتي بيها بدأ من اللحظة الأولى اللي شوفتها و عرفتها فيها"
قالت مستهزئة من مشاعره و حبه:
"الكلام سهل بس الفعل عمره ما هيكون بالسهولة ديه أبدًا، أما أثبتلك هي كانت ايه هتعرف وقتها انك كنت غلطان، لا ده انت غلط غلطة عمرك أما ربطت اسمك بإسم واحدة زي ديه، على العموم هانت"
رفض كلامها بعدم اهتمام مجيبها ببساطة:
"صدقيني مش هيفرق معايا لا إثبات ولا غيره، أنا كل اللي طالبه منك إنك تبعدي عن كل اللي حواليا، بلاش تعملي مشاكل أكتر من كده لو عايزني أرجع علاقتي معاكي و نفتح صفحة جديدة، ابعدي عن حمزة و عن دهب، اتقبلي إيسال في حياتي مش هطلب منك تحبيها بس اتقبليها، اعرفي كويس انها بقت جزء من حياتي، زي ما أنا جزء من حياتك"
قالت بحنو وهي تذرف دموعها:
"إنت كل حياتي، روحي و قلبي، إنت ابني كل اللي باقي ليا"
تنهد قائلا وهو يمسح فوق وجهه:
"لو أنا غالي عندك كده، يبقى عشاني أنا انسي و افتحي صفحة بيضة معايا مفهاش مشاكل ولا مؤامرات ولا كره"
كزت على شفتيها قائله بهدوء و استسلام تمثيلي حتى تثبت له عكس ذلك:
"هحاول عشان خاطرك، صدقني هحاول، بس قولي هقدر أشوفك امتى؟ امتى وأخدك في حضني إنت وحشتني"
أطلق تنهيدة طويلة متعبة قبل أن يقول برفق:
"بس أحس فعلا إنك اتغيرتي، إنك رجعتي أمي اللي أعرفها ساعتها هتلاقيني قدام منك وفي حضنك"
أنهت روجي الإتصال مع أيوب و عادت لتقف أمام المرآة تنظر إلى وجهها الذي تلطخت زينته بدموع الغل و الإنهزام و الإشتياق أيضًا إلى ابنها الغالي روحها ونبض قلبها..
عادت لتمسح زينة وجهها بمزيل المكياج حتى تتزين من جديد قائلة لنفسها وهي تنظر لإنعكسها في المرآة:
"اهدي خالص و اعتبريها بداية جديدة، ابنك كلمك من جديد و واثق فيكي اعتبريها هدنة ياروجي لحد ماتثبتي لأيوب العكس، إيسال و حمزة و حتى عمار الناجي و كل عيلة الناجي مش أقوى منك، انتِ الأقوى دايمًا ، والليلة هثبتلك يا عمار مين هي روجي اللي طلقتها و رميتها بعد السنين ديه كلها، الليلة هي بداية جديدة"
تزينت و ارتدت أجمل ثيابها إغراءً و أناقة ،تعطرت و تجملت وقد أبرزت حقن البوتكس و الفيلر ملامحها الجميلة و أعادتها إلى إمرأة في بداية عقدها الرابع لاتزال تتمتع برحيق الشباب...
***************

في العشق والهوي Where stories live. Discover now