٢٥..حياة موازية

600 43 29
                                    

في اسطنبول..تترجل هزان من سيارتها المرسيدس السوداء..تحمل حقيبتها البنية التي تحتوي على حاسوبها المحمول و بعض الأوراق المهمة ثم تدخل الى مبنى جريدة الخبر..كانت ترتدي طقما رماديا مكونا من سترة و تنورة قصيرة تصل الى ركبتيها و تجمع شعرها القصير بمشبك شعر فضي..تعترضها إسراء سيكرتيرتها الخاصة و تقول:
_ صباح الخير سيدة هزان..لديك اجتماع مع المحررين على الساعة التاسعة و النصف..الطبعة النهائية للجريدة جاهزة و ننتظر موافقتك لكي نطبعها..التقريرين المالي و الأدبي جاهزين و ستجدينهما على مكتبك..و طلبت مني أن أذكّرك بأن تتصلي بدار النشر بخصوص قصّتك الجديدة.
ابتسمت و نزعت نظارتها الشمسية و ردت:
_ شكرا لك إسراء..هل قهوتي جاهزة؟
فتحت لها إسراء باب المكتب و أشارت الى القهوة التي تصاعد منها البخار فربّتت هزان على كتفها ثم وضعت الحقيبة من يدها و سحبت الكرسي و جلست..استأذنت اسراء في الخروج و أغلقت الباب وراءها..نظرت هزان الى الصورة الموضوعة على مكتبها..مررت اصبعها على الإطار و همست بصوت مبحوح:
_ حبيبي.
ثم سرعان ما استعاد وجهها ملامحه الجادة و هي تأخذ هاتفها و تتصل بماجد صاحب دار النشر الذي تتعامل معه و قالت:
_ صباح الخير سيد ماجد..كيف الحال؟
رد الرجل:
_ نهارك سعيد سيدة هزان..أنا بخير و أنت؟
أجابت:
_ في أحسن حال و الحمد لله..أردت أن أعلمك بأن قصتي الجديدة جاهزة..متى نلتقي لكي نناقش كل التفاصيل؟
ابتسم ماجد و قال:
_ يعجبني كثيرا حماسك سيدة هزان..هذه القصة الثالثة لك خلال سنتين..كم هذا رائع! يمكننا أن نلتقي الليلة على العشاء..ما رأيك؟
ردت:
_ بكل سرور..أرسل الي موقع المطعم و سأكون هناك على الساعة الثامنة..اتفقنا؟
أجاب:
_ اتفقنا..الى اللقاء.
أنهت هزان المكالمة ثم ارتشفت رشفة من قهوتها ثم  أخرجت مسودّة قصّتها الجديدة التي ستنشر قريبا..نظرت الى العنوان و لمعت نظرة حزينة في عيونها رافقتها تنهيدة عميقة..و رغما عنها..عادت بها الذاكرة الى ما قبل سنتين عندما كانت مع ياغيز..عندما كانت زوجته و حبيبته..عندما كانا سعيدين..قبل أن يرمي السواد و الحزن بظلاله عليهما و يفرّق بينهما..و قبل أن يخيّر الآغا أن يتخلّى عنها و يطلّقها..أغمضت عيونها بقوّة ثم فتحتهما و قد امتلأت نظراتهما غضبا جامحا و ثورة لا تهدأ..مرّرت يدها على الصفحة الأولى لقصّتها و التي كُتب عليها بخط واضح عنوان" أرض الموت" ..لقد حكت في هذه القصّة عن تلك التجربة المريرة التي عاشتها هناك..في وان..في أرض الموت التي حرمتها من أمّها و يتّمتها مرة ثانية..بين أسطر هذه القصة..انتقدت بطريقة لاذعة طريقة الحياة المعيشة هناك..العادات و التقاليد البالية التي يتمسّك بها سكان المنطقة..و تجارة الموت التي يسترزقون منها و يصرّون عليها رغم كل الخسائر البشرية التي يتكبّدونها في كل مرة ان كان بسبب الثأر أو بسبب الرصاص الطائش..و طبعا خيّرت أن تستخدم أسماءا مستعارة و ألا تطلق على وان اسمها الحقيقي لكي لا ترتبط أحداث قصتها بالأحداث الواقعية و لكي لا تسبب لها مشاكل هي في غنى عنها..خاصة الآن بعد أن أصبحت كاتبة مشهورة و بعد أن صارت مديرة جريدة الخبر و رئيسة تحريرها..فتحت حاسوبها و ضغطت على زر اتصال الفيديو..انها تتصل بأختها إيجه التي كانت قد تزوجت بعد شهر من مغادرتها هي لوان ثم سافرت بعد ذلك مع زوجها الى فرنسا و استقرّا هناك..ردت إيجه بسعادة:
_ مرحبا أختاه..كيف حالك؟ لقد اشتقت اليك كثيرا.
ابتسمت و قالت:
_ مرحبا يا جميلة..أنا بخير و الحمد لله..و أنت؟ ماهي أخبارك أنت و زوجك؟ كيف هي الحياة في باريس؟
أجابت أختها:
_ نحن في أحسن حال..و الحياة هنا رائعة..أنا أعمل في شركة هندسية و سنان يعمل في فندق لأحد أصدقاء العائلة هنا..فكرة الانتقال الى هنا أتت لصالحنا..و لصالحي أنا شخصيا..لقد رأيت حياة أخرى لا تشبه تلك التي كنت أعيشها في وان..لست أشتكي من الحياة هناك..لكن..هناك فرق كبير بين هنا و هناك..المهم..أخبريني..هل أنهيت قصّتك الجديدة؟
قالت هزان:
_ بلى..لقد أنهيتها..و ستُنشر قريبا جدا..و لا تقلقي..سأرسل لك نسخة من الطبعة الأولى.
ردت إيجه:
_ و كأنك قرأت أفكاري..هذا ما كنت سأطلبه منك..بالمناسبة أختاه..أتعلمين بأن ياغيز قد..
قاطعتها بعصبية:
_ إيجه..على ماذا اتفقنا نحن؟ هيا..اذهبي و اهتمي بزوجك..الى اللقاء.
لوّحت لأختها مودّعة قبل أن تنهي الاتصال و تقف و هي تحمل كوب قهوتها في يدها..ارتشفت رشفة أخرى ثم نظرت الى نفسها في زجاج النافذة المقابلة لها..نزعت مشبك الشعر الذي كانت تجمع به شعرها فٱنسدلت خصلاته القصيرة حتى رقبتها..لمست أطرافه و تنهدت بحرقة..يقولون بأن أول ما تنتقم منه المرأة عند شعورها بالخيبة هو شعرها..و هاهي تثبت صحّة هذه المقولة..نظرت الى ساعتها..انها التاسعة و النصف..لقد حان موعد اجتماعها مع المحررين..أعادت جمع شعرها و وضعت كوب القهوة على مكتبها ثم خرجت و اتجهت مباشرة نحو غرفة الاجتماعات..

الآغاWhere stories live. Discover now