الفصل السادس عشر

1.3K 33 0
                                    


مع كل دقيقة تمر تزداد خفقات قلبها جنونا .... حتى صارت فى النهاية دويا عميقا يعصف فى اذنيها ....و اخيرا انتهى الطريق و صفت سما السيارة امام المدخل ...... التفتت الى فارس الذى كان صامتا منذ فترة و سألت نفسها بما يفكر ..... هل يعيد أفكاره ....هل غير رأيه ..... لم تعد فجأة واثقة من نفسها ..... فثلاث سنوات ليست فترة هينة .... ثلاث سنوات افقدها فيها فارس ثقتها بنفسها تدريجيا حتى باتت معدومة .....حتى لحظات اقترابهما العاطفية , ظنت اكثر من مرة انه لا يفعل ذلك الا ليؤلمها بتركها بعد ان يرفعها لسماء المشاعر المجنونة ......لكن ما فعله الليلة ...... ما فعله الليلة كان حلما فوق الخيال ..... لم تشعر يوما بأنها سعيدة لهذا الحد المجنون ... الحد الذى اشعرها بالرعب .....الرعب من فقدان هذه السعادة .......آه يا فارس ... لا تفسد علي سعادتي .....ارجوك حبيبي لا تفسد علي سعادتي ...... قد اموت وقتها .... لم اعد استطيع التحمل اكثر ... لم اعد قوية بما يكفي .....
همس برقة و تردد
(لقد وصلنا يا فارس ........)
ظل صامتا لحظة غاص فيها قلبها رعبا ثم قال بصوتٍ يحاول فيه كبت الكثير
(هل انتِ مترددة ؟........)
اتسعت عيناها و هى لا تفهم سؤاله , او فهمت منه انه يتمنى ترددها ليظهر تردده هو الآخر .......فقالت وهى ترتجف
(ماذا تقصد ؟........)
اجابها بصوتٍ مكبوت و هو يحاول اخفاء انفعاله
(اسمع نبرة التردد فى صوتك ...... هل تعيدين التفكير فى علاقتنا ؟ لقد فاجأتك الليلة و لم اعطكِ الفرصة للتفكير فى تطور علاقتنا ....)
اخذ ارتجافها يتزايد و هى لا تصدق انهما جالسان فى السيارة يتحدثان بمنتهى الموضوعية فى أمرٍ كانت تظن انه بات جليا لديه ........
تنفست بصوتٍ مرتجف مسموع ثم سألته هامسة
( وهل تعطيني الآن الفرصة للتفكير بجدية ؟..........)
مد يده و نزع حزام الأمان ثم فتح الباب المجاور له و هو يقول بصرامة
(انزلي .......)
ثم نزل و صفق الباب بعنف و انتظرها الى ان وصلت اليه ثم سحبها من يدها و اندفع الى مدخل المنزل متعثرا وهو يجرها خلفه تتعثر هى الاخرى فى فستانها الطويل و هى تقول لاهثة
( انتظر يا فارس ...... انتظر سنسقط معا )
حاولت التوقف و هى تقول بارتجاف
( انتظر على الأقل لأحضر حقيبة ملابسنا من السيارة .....)
قال لها بعنف ( اتركيها ........)
حاولت جذب يدها منه مرة اخرى وهى تقول ( لكن ليس لدينا ........)
الا انه جذبها من خصرها اليه بشدة و هو يقول ضاغطا على اسنانه
(قلت لك ِ اتركيها والا القيتها في البحر و بقينا هنا بدونها ..........)
اخرج المفتاح من جيب سترته واعطاه لها وهو يقول بصلابة
( افتحي الباب ........)
فتحت الباب بعد عدة محاولات فاشلة من شدة ارتجاف اصابعها ثم شعرت به يدفعها أمامه بخشونة ........ الى ان دخلا ثم اغلق الباب خلفه بشدة و ما لبث ان التفت اليها ليمسك بكتفيها بقوة وهو يصر على اسنانه
( اذن ....... فانتِ تحتاجين فرصة أخرى للتفكير ؟.......بعد كل محاولاتك المستميتة لإغوائى ؟........الآن .... الآن يا سما تترددين حين يصل الأمر الى نقطة اللا رجوع ......)
صمت لحظة وهو يلتقط انفاسه الهادرة ..... ثم اكمل بما يشبه الفحيح اللاهب و وجهه يقترب من وجهها ليلفحه بأنفاسه الساخنة
( ثلاث سنوات ...... ثلاث سنوات و انا مرتبط بكِ , مخلص لكِ , اسمع همساتك التى تزداد نعومة كل يوم . اشعر بخطواتك من حولي و كأنك ترقصين لي دون ان اراكِ ....... تخرجين من شرنقتك يوما بعد يوم لتتحولين الى فراشة ناعمة تطير من حولي فى كل مكان ....... تلقي بسحرها الأخاذ علي لتهدد السيطرة الهشة التى فرضتها على نفسي ...........)
تركت يداه كتفها و امسكت بخصرها تشدها اليه بقسوة مما جعلها تشهق بشدة بينما حطت شفتاه على عنقها تداعبها وهو يأخذ نفسا عميقا منها ثم يهمس
(استنشق عطرك الذى تتعمدين اغراق نفسك به كل يوم ........ثلاث سنوات و انا امنع نفسى عنكِ .... لا اجرؤ على الاقتراب منك ِ وانتِ ملكى ........ )
تحرك وجهه ببطء ليمر بأنفه على صدغها و هولايزال يستنشقها بعمق و كأنه يتنفسها .......
(الى ان قررت ِ انتِ يا صغيرة لعب العاب الكبار .......منذ اشهر و انتِ تلعبين لعبة الإغواء والتى تجهلين قواعدها تماما .........)
اخذ فمه يقترب من فمها وهو يتابع همسه فوق جانب فكها
( هل تعلمين بماذا اشعر حين اجد تلك الصغيرة البريئة تحاول جاهدة استمالتي بكل الطرق الساذجة و البريئة التى تعرفها ........ و العجيب فى الأمر انها بكل سذاجتها اصبحت تشكل لي هوسا مع مرور الأيام ......... اصبحت اشد انواع جنوني ...... بت لا ارى غيرها ...... اتخيل نفسي معها , الامسها , اعلمها الحب كما تستحق , اذيبها بداخلي ....... اعلمها الا تعبث بلعبة الا ان كانت تدرك عواقبها ............عواقبها المجنونة ....جدا .....جدا )
كانت سما اثناء همسه الأجش تتنفس بصوتٍ يتعالى شيئا فشيئا حتى بات كشهقاتٍ لا تستطيع السيطرة عليها ........ وقتها ابتسم فارس بوحشية و جذبها اليه بعنف يهمس فوق شفتيها
( اذن يا سيدة سما ........ هل تحتاجين فرصة لإعادة التفكير ؟.... لانك لو كنتِ تحتاجين اليها ..... فيؤسفني ان اخبرك ان وقت التفكير قد انتهى منذ زمن ....... وآن وقت الأفعال )
ثم لم يلبث ان انحنى وحملها بحركةٍ واحدة جعلتها تشهق بصوتٍ اعلى و سار بها محددا مكان غرفة النوم بمنتهى المهارة ..........و ما ان دخل بها حتى انزلها على قدميها و مد يديه يتلمس ترحتها لينزعها عن رأسها و يلقي بها بعيدا ......ثم اعاد شفتيه الى الجانب المكشوف من عنقها و الذى يبدو انها تركته مكشوفا فقط ليقبله كما يشاء .........
شعرت سما بساقيها تذوبان من تحتها لا تقويان على حملها حين شعرت بيديه تجذبان طرفي الرباط المعقود اسفل ظهرها ثم تصعدان لتسحبان الرباط من عقداته المعقودة واحدة تلو الأخرى على طول ظهرها ..... ببطءٍ شديد كاد ان يحرقها الى ان انزل الثوب عن كتفيها و نزل بشفتيه معه .....حينها فقد الوقت معناه لكلا منهما و باتت الدقائق تمر بهما لا يشعران الا ببعضهما .... الى ان فقد فارس صبره اخيرا و حملها مرة اخرى وهو يتأوه هامسا
( اين الفراش ؟.........)
استطاعت سما النطق بصعوبة بصوتٍ لا يكاد يسمع وهى تنظر الى الفراش بعيونٍ زائغة
( بضع خطوات الى يمينك ...........)
ابتسم فارس حين سمع موافقتها المستترة اخيرا ثم سار بها الى الفراش بسرعة الى ان اصطدمت ساقاه به فالقى بها فوقه وهو يسمع صرختها الصغيرة فاخذ يخلع سترته بعصبية ثم يلقي بها ارضا ... تلاها قميصه ........و اخيرا وصل اليها و هو يميل بوجهه عليها يلهث من العاصفة الطاحنة بداخله ........ظل صامتا لحظة واحدة ثم قال بشراسة
( انتِ صغيرة جدا يا سما ....... و بريئة جدا .....جدا .... لا اريد ان اؤلمك اكثر مما آلمتك سابقا ...... لكنى لا استطيع الانتظار اكثر من ذلك ..........)
ثم هجم عليها ينهل من نبع حبها الذى حرم منه طويلا ..... طويلا ..... وظلت الغرفة صامتة لا يتعالى فيها الا اصوات تنفسهما و صوت امواج البحر الواصلة اليهما من النافذة التى ترسل بشعاع القمر ليغطيهما بوهجه الفضي ..............
.................................................. .................................................. .................................................
افاقت من نومها على اشعة الشمس الدافئة التى تداعب وجهها و على لمساتٍ كرفرفة اجنحة الفراشات تداعب كتفها و ذراعها .....رفعت يدها لتزيح شعرها الطويل عن وجهها ....... فرأت الوجه الحبيب يطل فوقها مبتسما بعبث ثم همس
( صباحا مباركا يا عروستي ...........)
احمر وجهها بشدة وخيالات الليلة الماضية تطوف برأسها فى لحظةٍ واحدة ......لم تستطع منع ابتسامة من الظهور فوق شفتيها فسألها
(لماذا تبتسمين ؟..........)
اتسعت عيناها و قالت هامسة
(كيف عرفت اننى ابتسم ........)
اجابها وهو يضحك بخفة
( الآن عرفت ...........)
ازداد احمرار وجهها و عبست بدلال ثم قالت ( لن تتغير ابدا .......)
ازداد اقترابا منها وهو يجذبها اليه هامسا ( الم اتغير ليلة امس عن فارس الذى عرفته قبلا .............)
شعرت ان وجنتاها ستنفجران من شدة اندفاع الدم اليهما و قالت بحنق ( فارس ........ توقف عن هذا )
اخذ يقبلها على شفتيها بكل رقة الى ان ذابت تماما بين ذراعيه ثم قال بصوته الأجش
( هل كانت ليلة أمس كما تمنيتِها وحلمتِ بها ...........)
عبست مرة أخرى وهى تقول ما بين الغضب و الخجل
(لم أتمنى شيئا ......... تجعلني أبدو يائسة )
اخذ يضحك بشدة و هو يقبل وجنتها و يقول
( نعم كنتِ شديدة اليأس و الإحباط ........ الا تعلمين اننى كنت استطيع تبين ذلك من صوتك الرائع بكل سهولة )
حاولت سما سحب نفسها منه وقد بدأغضبها يتزايد من مزاحه الثقيل و الذى احرجها بصدقه الا ان فارس ابى ان يتركها تبتعد عنه اطلاقا وهويشدد من تطويقه لها وهو يهمس لها بجدية
(لكني كنت اكثر منكِ يأسا و احباطا ...... هل كنت قاسيا عليكِ ليلة أمس ؟.....)
اسبلت جفنيها بخجل و هى تهمس ب (لا ) ناعمة دافئة جعلته يشعر بمشاعر غريبة بداخله فقال لها بوجوم
(لم ارد ان اؤلمك يا سما ......لكننى شعرت بتملك فظيع مؤلم لكِ ........انتِ تعلمين انكِ اصبحتِ ملكي اليس كذلك؟.......كنتِ دوما ملكي الا انكِ اصبحت كذلك قولا وفعلا ........... ولم يعد هناك مجالا للتراجع الآن , لن تكون حياتك لغيري ابدا فهل انتِ مدركة لذلك ؟........)
ارتجفت بين ذراعيه مع ارتجاف قلبها ..... لقد قال كل كلمة تسعدها ....يملكها ...يريدها ....يراها ...الا انه لم ينطق بالكلمة التى تتمناها اكثر من أى شىء فى هذا العالم .........جعلها تقولها له و ترددها كثيرا كثيرا الليلة الماضية فى غمرة هواهما ......لكنه لم يرد بها كان يسمعها ترددها كل مرة ليزداد جنونه .....لكنه لم ينطقها ولو لمرة واحدة ......ولم ينطقها الآن بعد ان هدأ جنونه ......... هل من الطمع و الجنون ان تشعر بلسعة الم خفية فى احدى زوايا قلبها ؟........بعد كل السعادة التى لم تعرفها قبله و جعلها تحياها ليلة أمس ........هل هى مجنونة .........ابعدت تلك الأفكار عن رأسها و حاولت تناسيها ثم نظرت لعينيه البراقتين الرائعتين و ما لبثت ان همست
(لطالما كنت ملكك يا فارس .....فكم مرة يجب ان أعيدها عليك لتصدقها ؟......)
ارتسمت ابتسامة شيطانية على شفتيه و هو يقترب منها بعينيه اللتين عادتا الى عبثهما من جديد و هو يقول
( ستكرريها للساعة الآتية ..........)
دفعته فى صدره و هي تقول ضاحكة
(كفى عبثا يا فارس ........... هل تتكرم و تخبرني كيف سنخرج الآن بهذا الشكل لنحضر حقيبة ملابسنا من السيارة ......)
اخذ يضحك وهو يقبلها قائلا
(و من قال اننا سنخرج من هنا ؟..........)
ابتعدت عنه تضحك بينما هو يشن هجوما جديدا عليها لينتهي بإسكات ضحكاتها تحت ضغط شفتيه المتوحشتين وهو يرفعها فوقه بحركةٍ سريعة و هو يعلمها الدرس الثاني من دروسه الفعالة...........الى ان غابت تماما عن العالم من حولها ........و بالتأكيد نسيا حقيبة الملابس تماما .........
كانت تجلس معه فى الشرفة صباحا .....الافطار معدا امامهما لكنه لم يُمس من أيا منهما .......الصمت يسودهما و الهواء البارد يلفحهما و قد شرد كلا منهما بافكاره ....... هى بعيدا ...بعيدا جدا .......تمسك بالغطاء السميك الذى لفه حولها منذ قليل و كأنه حبل النجاة الذى تتشبث به ........
بينما هو شاردا بأفكاره فيها هى ...دون غيرها .....يراقب وجهها الاحمر من لمسات الهواء الباردة ....ينظر مفتونا الى شعرها الطويل الذى يطيره الهواء و يبعثه ليكاد يلمس وجهه .......
مرت عدة أيام منذ زفاف فارس وسما و من يومها و هو يعاني معاناة قاتلة .....يحاول اخفاء ما يعانيه عنها , الا انه متأكد تماما انها تشعر بتغيره لكنها لا تتكلم .....فقط تنظر اليه بين كلِ لحظةٍ و أخرى .... نظرةٍ متألمة و كأنها تسأله عما به لكنه يتظاهر بعدم ملاحظة نظراتها التى فى الحقيقة تقتله قتلا ........
لا يستطيع كلما نظر اليها الا ان يتخيل خيالات مؤلمة مرت بها طوال الفترة التى بعدتها عنه ..... مما يجعله كالمجنون لا يريد ان يفارقها لحظة واحدة .....
تقريبا طوال سنوات حياتها و منذ ان كانت في الخامسة و هى فعليا تحت حمايته .....حتى و ان كانوا جميعا لا يدركون ذلك , منذ ان كان صبيا فى السادسة عشر من عمره وهو يعتبرها ملكه ومسؤليته الخاصة اكثر من أختيها دون ان يدري لذلك سببا .....الى ان كبرت أمام عينيه سنة بعد سنة و أصبحت صبية رائعة تخطف الأنظار .........لتشعل الوحشية الفطرية بداخله و التى كان يحاول السيطرة عليها على مدار السنين ........و فى المرة الوحيدة التى غفل عنها .........ضاعت منه ,........ضاعت لمصيرٍ أسوأ من الموت ......فكيف يحتمل ؟...... كيف يحتمل كل ما عرفه ؟........وهو الذى يغلق عليها الأبواب لا يحتمل نظرة أى كائن بشري لها .......يخاف عليها من نسمات الهواء ......
أعاد نظره اليها ففوجىء بها تشهق دون أن تصدر أى صوت و خطوطٍ من دموعٍ صافيه ارتسمت بنعومة على وجنتيها ......شعر ان قبه قد تلقى لكمة من منظرها الصامت .......فاندفع من مكانه ليجثو القرفصاء أمامها ...... ثم أمسك بيديها الصغريتين اللتين اختفيتا تماما داخل كفيه الضخمتين ....... ثم سألها برقة حتى لا تجفل
( حلا حبيبتي ........لماذا تبكين ؟.......)
نظرت اليه بحيرة و كأنها لم تفهمه ثم لم تلبث ان سحبت احد يديها منه لتمررها على وجنتها لتتأكد من وجود دموعٍ عليهما .......لم تدري بماذا تجيبه , لم تكن تدري أنها كانت تبكي ..... ها هي تثبت له من جديد انها لا تزال شخصية غير متزنة كما قال لها ذات مرة ........لقد بدأ يتغير .... ومن يلومه .....انه ادهم مهران الذى يستحق الأفضل .......وهى بالتأكيد ليست الأفضل..........
نظرت اليه تحاول الابتسام ثم قالت باهتزاز
(هل تصدقني لو أخبرتك اننى اشتقت لسما ؟........)
نظر اليها بجموح يهزه ضعفها ........بالرغم من أنه متأكد ان هذا ليس سبب بكائها الا انه صدق اشتياقها لسما .....وهذه علامة جيدة ...جيدة جدا ......فابتسم لها برقة و مد يده ليمسح دموعها بنعومة كادت ان تذيبها ....فاكملت هامسة
(كنت قد بدأت أعتاد على وجودها بجانبي الأيام السابقة .......)
ابتسم ابتسامة رائعة ثم قال لها بجدية تكاد تكون صارمة
( ان كنتِ تحتاجين اليها فما عليكِ الا ان تقولي و سآمرهما بالعودة ......ولو رغما عنهما ...)
ضحكت برقة وعذوبة وهى تقول
( كنت قد نسيت كم من الممكن ان تصبح وحشا ..........)
ازدادت ابتسامته عبثا وهو يقول بهزل أجش
( نسيت بهذه السرعة ؟.......بإمكانى ان اذكرك كل ليلة حتى لا تنسي أبدا .....)
احمرت وجنتاها بشدة و اطرقت بنظراتها بعيدا عن نظراته المشتعلة اليها ......هو لا يعلم كم هى تريده ان يذكرها بهذا كل يوم و كل ليلة وكل لحظة .......حين تكون معه .....حقا معه بين ذراعيه فى لحظاتهما المجنونة , تنفصل تماما عن واقعها وتنسى كل ما مر بها قبلا ....لذلك تتعمد اثارته دائما دون ان يشعر بتعمدها .......ليذهب بها الى عالم غير العالم الذى عاشته , والذى يبقى قابعا فى زوايا عقلها الى الآن .....آبيا ان يتركها لحياتها النظيفة التى لم تعرفها الا ببيته هنا .......
رفعت نظرتها اليه لتبتسم لعينيه اللتى تأكلها أكلا ......ثم همست
( انا لا أريد ان ازعجهما ........سما تستحق السعادة أخيرا لقد تألمت كثيرا هى أيضا .......)
شتمت نفسها بصمت حين شاهدت نظرته تتغير وتتصلب و تعود الى الغموض الذي يسكنها منذ أيام ......لماذا لم تفكر قبل أن تنطق كلمتها الأخيرة الغبية و التى عادت لتذكره بما لا يعرفه بعد عن ماضيها .........
رفعت يدها لتلمس خده برقة وهمست تحاول اعادته الى مشاعره الجامحة
(أدهم ابقى معي اليوم ........لا تذهب للعمل انا اشتاق اليك كثيرا )
ابتلع ريقه بصعوبة وهو لا يريد ان يضعف أمامها ثم قال بلهجةٍ حاول ان يخفي الألم فيها
( انا اشتاق اليكِ اكثر و اكثر يا حلا .........لكن ......لكن لابد ان اذهب اليوم .......اسمعي ....لقد اخبرت السيدة اسراء ان تصطحبك الى المجمع التجاري ما رأيك ؟........)
اتسعت عيناها بدهشة لا تصدق ما يقوله فى لم تخرج منذ تزوجته الا لزفاف سابين و زفاف سما....ثم قالت مصدومة
( حقا يا ادهم هل ستسمح لي بالخروج ؟.........)
اخذ نفسا عميقا وهو يتمنى ان يتراجع عن قراره ليعود ويغلق عليها ألف باب بألف مفتاح ........الا انه قوى قلبه ليقول لها بتأكيد لا يمتلكه
(نعم .......ستكون فرصة لكِ لتستمتعي قليلا , هل انتِ سعيدة ؟........)
بدت فجأة خائفة غير واثقة بالرغم من تمنيها سابقا للخروج من أبواب القصر .......ماذا لو حدث وقابلت اي شخص عرفها سابقا مثلما حدث في زفاف سابين ......وقتها لن يكون أدهم موجود لينقذها .......حاولت ان تهمس بتردد
( لِما .....لِما لا نؤجلها ليومٍ آخر ؟.......يوما تكون متفرغا به لتخرج معي )
اغمض عينيه وهو يتمنى بداخله ان يوافق على هذا الاقتراح الرائع ........لكنه اخذ نفسا آخر وقال بحزم
( سأخرج معكِ كثيرا يا حلا .....أعدك بذلك ......لكن اليوم اريد ان تخرجي قليلا .......اتفقنا؟.....)
أومأت برأسها بتردد وهى تحاول الابتسام ........فقام من أمامها وهو يمسك بيديها ليجذبها لتقف معه .....ثم ترك يديها ليمسك بوجهها بين كفيه وينظر لعمق عينيها .....وظلا هكذا لحظاتٍ طويلة الى ان قال اخيرا
(اعتني بنفسك جيدا يا حلا .........أتعديني بذلك ؟....)
اومات براسها مرة اخرى وقلبها يهتز في اعماقها من لهجته القوية ِ الدافئة .........ثم انحنى عليها ليقبل شفتيها بقوة عاطفته المتقدة ثم ابتعد ليتركها قبل ان يضعف من جديد ..........و ظلت هى تنظر لظله المبتعد طويلا
.................................................. .................................................. ................................................
اخذ يراقبها وهى جاثية على ركبتيها ترتب التربة الناعمة حول النبتة التى زرعتها بيديها و هى وردة من عدة ورود زرعتها على مدى الايام السابقة ........
ان وقتها الذى تقضيه مع هلال كل يوم هو الاتصال البشري الوحيد الذى اصبحت تملكه بعد رحيل سما ....هذا باستثناء السيدة اسراء التى بدأت تعتادها و تألفها مع مرور الأيام ........الا انها تتوخى الحذر تماما حين تتكلم معها فى اى موضوع لانها تخشى انتقاله مباشرة الى ادهم .......
أما مع هلال فالوضع يختلف فهو وأدهم لا اتصال بينهم ......لكنها لم تستفيض معه فى الحديث كثيراعن أمورٍ تخصها فقط تستمتع بصحبته ....فى الأيام السابقة تكلما كثيرا عن كل شيء وعن أى شىء .......حكى لها عن دراسته ودهشت حين علمت تعليمه الراقي و انه يعمل هنا فقط لأنه أحب هذا العمل الى ان يحقق طموحه ......اخبرها عن سفره الى العديد من البلاد لا لشىء الا ليتعرف على بشرٍ جدد عليه ......لا شىء يفعله بحياته محسوبا او ذو هدف معين فقط يعيش بنفسه و لنفسه ........
الا انها كانت حقا تعتاد عليه بسهولة و سرعة بالرغم من خوفها من الجميع ......لا تعلم لماذا هل لأنه من سنها ام لأنه غريبا تماما عن عالمها الذى تريد الهرب منه لايعلم شيئا عن ماضيها ولا يثقلها بالاسئلة .........أم لأنه يمثل كل العفوية والانطلاق و الحريةِ التى افتقدتها .......
ضحكا كثيرا ومرحا كثيرا حتى باتت شخصا منفصلا تماما عن حلا القديمة المخزية .......وعن حلا التى يعرفها ادهم و التى لا تعرف الا ان تذوب به وتستمد منه الحماية .........
لم يحاول عقلها التطرق ولو لمرةٍ واحدة لردة فعل ادهم ان علم بتساهلها مع احد العاملين بالقصر .......بالتأكيد سيغضب كثيرا لأنها لا تلقي بالا بمركزها الحالى لكنه لا يمكن ان يؤذيها ..........ادهم لا يؤذيها ابدا .......حتى فى اشد حالات غضبه كان بسبب خوفه عليها
( ماذا بكِ يا حلا .......)
التفتت مجفلة الى هلال الذى يقف يراقبها بنظراته المتفحصة ......فسألته بوجوم
( ماذا بي ؟..........)
أجابها وهو يقترب ليجلس على الأرض بجانبها
(انتِ شاردة اليوم اكثر من أى يومٍ آخر ........الم يحن الوقت لتخبرينى بما يؤلمك كنت اعتقد اننا اصبحنا اصدقاء ؟)
ظلت صامتة و هى تكمل عملها الذى ادمنته و احبته ثم رفعت ظاهر يدها لتزيح خصلة شعر سقطت على وجهها .....كان ينظر اليها مأسورا ببراءةٍ مختلط باغراء فطري لم تتعمده ......ما اجملها و ما اعذبها .......وما اشد رقتها حين تعلو نظرة الحزن عينيها كما هى الآن .......
كان خرطوم الماء على الأرض بجانبه تتساقص منه بعض قطرات فمد يده ليجمع القليل منها ثم قذف بها الى وجه حلا التى انتفضت مذعورة ثم صرخت بحنق
(هلال كف عن سخافاتك .....لا اريدها اليوم )
اجابها وهو يبتسم ببراءة
(اذن اخبريني ما بكِ ؟...........)
تنهدت بحنق .....ها هو بدأ يسأل ......وهى لا تريد التحدث ابدا معه او مع غيره ........لا تريد الاعتراف ان ما يشغل بالها هو سبب التغير الذى طرأ على ادهم منذ عدة أيام ......لدرجة أنه سمح لها أخيرا بالخروج من القصر ........كانت تريد ان تتحرر من حمايته المفرطة وتخاف من سجنه .......فلماذا هى تعيسة الآن ......هل لأنها غير متزنة بالفعل ام ......أم لأنها تشعر ببدء هروب ادهم منها .....ان تركها ادهم تموت ......هو السبب.....هو الذى اذاقها الأمان الذى لم تعرفه قبله ........هو السبب ......لن تستطيع الحياة فى هذه الدنيا الواسعة المخيفة من بعده ......كيف يجرؤ و يتركها بعد ذلك .........هل تركها ؟!!.........هل سيتركها ؟؟؟.......
( حلا ..........) انتفضت مرة اخرى على صوت هلال فقالت بتذمر
(لقد أصبحت لحوحا جدا يا هلال .......)
رد عليها مبتسما ( ردي علي لتتخلصي من الحاحي .......هل تريدين ان ارشك بالماء مرة أخرى , لكن هذه المرة سأغرقك بخرطوم الماء ......)
عبست ونظرت اليه نظرة املت ان تخيفه الا انها زادت من اتساع ابتسامته فقالت بصرامة
(يبدو انك تتناسى انك تتكلم مع زوجة ادهم مهران .......)
بهتت ابتسامته قليلا الا انه رد بهدوء ( لا تلعبي هذا الدور يا حلا .......انه لا يليق بكِ )
اخفضت نظرتها بيأس ......نعم ....معه حق انها غير مقنعة تماما فى لعب دور زوجة ادهم مهران .....ان كانت لا تليق به شخصيا ....
قامت من مكانها ببطء وهى ترجع شعرها الذى ربطته على هيئة ذيل حصان الى خلف ظهرها ثم اخذت تنفض بنطالها الجينز من الاتربة ثم ابتسمت برقة حزينة
( لم أقصد هلال ......اعذرني انا لست فى افضل حالاتى اليوم ........لكن قد يتغير هذا حين اخرج )
سألها بدهشة و بسرعة قبل ان يستطيع ان يمنع نفسه
(هل ستخرجين ؟..........أين ستذهبين ؟......)
نظرت اليه بدهشة فتدارك نفسه و قال ( لم اركِ تخرجين وحدك منذ ان اتيتِ الى هنا ....هل نسيتِ ما حدث حين حاولتِ الخروج سابقا )
احمر وجهها احراجا و اغتاظت منه حين ذكرها بهذا اليوم المحرج .......فقالت بارتباك
(كان هذا وضعا مؤقتا .......وها انا سأخرج )
قال لها بغضبٍ لم يستطع كبته ( اذن فقد قرر فتح باب القفص لكِ قليلا ......ما أروع هذا )
رفعت عينيها اليه وقد ظهرت فيهما شراسة جديدة عليهما تماما .....ثم رفعت له اصبعا محذرا وهى تقول بصوتٍ خافت
(اياك .....اياك ياهلال ان تهين ادهم بكلمة أمامى .......قد اتساهل فى ما يخصني لكن أدهم مهران ....ادهم مهران فى منزلةٍ لن يصل اليها غيره ابدا .....)
ثم استدارت مبتعدة بخطواتٍ غاضبة ......الا انه قام من جلسته بسرعة وهو يلحق بها , فأمسكها من معصمها ليديرها ناحيته .....لكنه فوجىء بها تصرخ و قد بان عليها الخوف و هى تنتزع معصمها من يده و تدفعه في صدره بكل ما تملك من قوة ......
رفع هلال يديه امامه وهو يقول بلهفة
(اهدئى يا حلا .......لم أقصد اخافتك , أنا آسف )
اخذت تنظر اليه متحفزة وهي تلهث بعنف ........فقال لها يرجوها
(صدقيني لم أقصد اخافتك ........حلا لقد اصبحتِ مهمة جدا لدي ......ألم تدركي ذلك )
نظرت الى عينيه الخضراوين الفاتحتين بتشوش وهى لا تدرك ما قاله للتو .....ثم استدارت دون كلمة ٍ واحدة لتنصرف تاركة اياه ينظر اليها بندم على تسرعه الاحمق ........قد يقضي ما فعله على نيته بتحريرها ........
كانت حلا تسير واجمة بجانب السيدة اسراء تتطلع الى واجهات المحلات بصمت ......كانت تظن ان الخروج لازال ممتعا كما كانت تتذكره منذ خمس سنوات .......بما كان يسمح به وحش مهران وقتها ......لكنها اليوم لا تشعر بالحماسة التى من المفترض ان تشعر بها .......
كانت السيدة اسراء تثرثر جاهدة محاولة الهاء حلا و كأن هذه هى المهمة الخاصة التى كلفها بها ادهم .......قاطع رنين الهاتف ثرثرة السيدة اسراء لتلتقط حلا هاتفها مبتسمة وهى ترد برقة
( ادهم انها المرة الثالثة التى تكلمني بها .........ولم تكد تمر ساعة منذ ان خرجنا من القصر )
وصلها صوته العميق الرائع وهو يقول بابتسامة سمعتها في صوته
( هل مللتِ من اتصالاتي ؟.......)
اتسعت ابتسامتها وهى تخفض نظرها و ترجع خصلة ناعمة خلف اذنها ......ثم همست وهى تحاول الابتعاد قليلا عن عيني السيدة اسراء الحادة كعيون الصقر
(لم أمِل منها .....لكن كنت افضل وجودك معي )
ساد الصمت عدة لحظات ليقول بعدها بصوتٍ أجش (حقا ؟...)
اجابته هامسة ذائبة من روعة صوته ( انت تعلم هذا جيدا .......)
جاءها صوته يسأل برفق (هل تقضين وقتا ممتعا .......)
أجابته كاذبة لتسعده (نعم .....كثيرا , السيدة اسراء لطيفة للغاية )
اجابها بصوتٍ خشن ( يبدو اننى سأبدأ فى الغيرة من السيدة اسراء المسكينة .....وعواقب ذلك لن تكون جيدة )
ضحكت بمرحٍ افتقدته منذ عدة أيام ثم همست (مسكين .....لا تشعر بالغيرة أبدا , سأعوضك حين تعود الليلة )
سمعت بابتهاج صوت جذبه الحاد لأنفاسه ثم أتاها صوته اكثر خشونة و هو يسألها (متى أصبحتِ بمثل هذه الوقاحة ؟.......)
اجابته بجرأة وهى تضحك (منذ تزوجتك ......)
رد عليها بعنفوان (لازال لدي القليل من الوقاحة لأكسبها لكِ ..........)
أخذت تضحك بأنوثة و قد تناست كل مخاوفها و هواجسها التى كادت ان تخنقها صباحا ......ثم سمعته يقول بصرامة
(لا تضحكين بهذه الطريقة وانتِ بالخارج أنسيت ان هناك ناس حولك.............ثم أخبريني ماذا ارتديتِ ؟..أياكِ أن تكوني قد أرتديتِ واحدا من بناطيلك الجينز التى تكاد تلتصق بساقيكِ ؟........)
اختفت ابتسامتها بسرعة و هى تخفض عينيها لتنظر الى بنطال الجينز الأزرق الذى ترتديه .......لكنه غير ملتصق بساقيها لهذه الدرجة , الا أنها لم تحاول استفزازه بقول ذلك .......لكنها سمعت صوته يهدر
( لقد ارتديتِه يا حلا اليس كذلك ........حين أعود ستودعينها لأننى سأحرقها جميعا )
حاولت استرضاؤه فقالت بوداعة (انا ارتدى عليه معطفا يكاد يصل الى ركبتي ...........أدهم ....أدهم لا تغضب مني )
سمعته يأخذ نفسا وقد شعرت به يهدأ ثم قال أخيرا بوجوم ( حسنا لا أريد ان افسد لكِ نهارك .........استمتعي بوقتك لكن أريد منكِ ان تسيري كالعسكر ........)
عادت تضحك مرة أخرى من هذا الوحش رقيق القلب الى ان نبهها بصرامة (حلا ماذا قلت عن الضحك بالخارج ؟ .............)
صمتت لكن ظلت ابتسامة جميلة تنير وجهها ثم سمعته يقول برقةٍ خشنة ( أراكِ الليلة ............حلا)
اجابته برقة (نعم )
ظل صامتا عدة لحظات ثم قال أخيرا ( لا شيء حبيبتي ..........استمتعي بوقتك )
همست برقة (سأفعل ......لا تقلق )
استدارت لتعود عدة خطوات جريا بسعادة الى السيدة اسراء التى كانت تراقبها باهتمام ......ثم تعلقت بذراعها بمحبة وهى تقول
( هيا سيدة اسراء فلنستمتع بوقتنا .......هذه أوامر السيد و لا يجوز الا ننفذها )
نظرت اليها السيدة اسراء بتعجب ثم قالت بابتسامة صارمة
( سبحان مغير الأحوال ...........حسنا يبدو ان هذه المكالمة كان لها مفعول قوى )
ضحكت حلا بسعادة ثم تذكرت تنبيهات ادهم فاخفضت ضحكتها و ظلت تبتسم ........طوال الوقت
بعد قليل رن هاتف السيدة اسراء فاستاذنت من حلا و ابتعدت لتتكلم بانتباه ......ظلت حلا تراقبها وهى تقترب منها وقد ظهرت على وجهها علامات الانزعاج .......فسألتها حلا بقلق
(ماذا هناك سيدة اسراء؟...........)
أجابتها السيدة اسراء بتوتر ( لقد تشاجرت ابنتى مع زوجها شجارا عنيفا .........سيدة حلا يجب ان اذهب اليها الآن )
قالت حلا (حسنا لا تقلقي هيا بنا .........)
أسرعت السيدة اسراء تقول ( لا داعي لأن تأتي معي سيدة حلا ..... انها تسكن بالقرب من هنا سأذهب اليها أنا و أعود اليكِ بسرعة )
توترت حلا وشحب وجهها و هى تقول ( لا .....لا أريد ان أبقى وحدي , دعي السائق يأخذني الى القصر )
قالت السيدة اسراء برجاء ( و أنا كيف سأعود ......المسافة من هنا بعيدة جدا و انا لا احتمل )
تشنجت حلا وهى تنظر حولها الى المجمع الذى اصبح فجأة يبدو كعالمٍ شديد الأتساع و قد يحدث به أى شىء .....او أن تقابل أى شخص يعرفها ........فهمست
( سأعيد السائق اليكِ بعد ان يعيدني ........)
تنهدت السيدة اسراء و قالت بحزن ( لا لن أقبل بهذا .......اذن لا مفر سأذهب و أعود بمفردي و أمري الى الله )
أخذت حلا تتردد بطيبة قلبها وهى لا تعرف كيف تتصرف و السيدة تبدو شديدة القلق على ابنتها التى من الممكن ان يكون زوجها المتوحش قد ضربها أو أصابها .......همست حلا أخيرا
( ادهم لن يعجبه أبدا ان أبقى هنا بمفردي ............)
نظرت السيدة اسراء لها بأمل و قالت بسرعة ( لن أغيب عنكِ اكثر من نصف ساعة .......ولن يعرف السيد ادهم بما حدث )
اخذت حلا في السيدة اسراء الطيبة التى سمحت لها أخيرا بالنزول الى الحديقة بمفردها دون ان تخبر ادهم في الأيام السابقة .....
قالت لها أخيرا على مضض ( حسنا هيا اذهبي .......لكن عديني ان تعودي سريعا ....سيغضب أدهم بشدة ان اتصل وعلم اننى بمفردي وأنا لا انجح في الكذب عليه طويلا .......)
أومأت السيدة اسراء بامتنان ثم قبلت حلا من وجنتيها بحنان ......فعادت حلا تقول بترجي
( أرجوكِ سيدة اسراء عودي سريعا ......لقد بدأت أشعر بالدوار من الآن .....)
غالبت السيدة اسراء قلبها و قالت بحنان ( لا تقلقي حبيبتي ......ستكونين بألف خير )
ثم سارت مبتعدة بسرعة قبل ان تغير حلا رأيها .........ظلت حلا تنظر حولها بضياع ..... منذ متى لم تخرج بمفردها ....منذ نفس الخمس سنوات المشؤومة .....
ظلت تسير على غير هدى .......ترتعب حين يقترب رجلا منها ....لماذا لا تشعر بهذا النفور ناحية ادهم ....فقط ادهم ......و أين هو ادهم الآن .....تشعر بالخوف ,هل تتصل به .....لكن لو اتصلت به سيصب غضبه على السيدة اسراء المسكينة .....يكفيها ما هى فيه
ظلت تسير وهى تشعر باختناق من ذلك الاتساع العملاق وهذه الكمية من البشر ........الى ان اصطدمت فجأة بأمراءة كانت تسير فى الاتجاه المواجه لها .......
انتفضت حلا بشدة بينما اخذت المراءة تعتذر برقة وهي تقول ( أنا آسفة .....آسفة حقا كنت أسير شاردة )
اخذت حلا تلتقط أنفاسها بارتجاف بعد ان ظنت للحظة انها اصطدمت برجل ........حسنا لا داعي للخوف انها شابة لا تخيف
نظرت حلا اليها فوجدتها شابة قد تكون في منتصف الثلاثينات ....طويلة, أنيقة ,جميلة القوام و جذابة للغاية بعينيها العسليتين و شعرها البني الناعم الداكن و المنسدل برقة حتى يلامس كتفيها ......كانت تبدو عليها معالم الرقي و الثقة بالنفس فشعرت حلا بارتياح لوجهها المبتسم برقة .......
تكلمت الشابة مرة أخرى و هى تمد يدها لتلامس ذراع حلا برفق
(هل انتِ بخير ....لقد أخفتك اليس كذلك )
هزت حلا رأسها بصمت ثم قالت بضعف
(مما أخاف ؟.........انا ايضا كنت شاردة , وداعا )
حاولت حلا الابتعاد قليلا الا ان هذه الشابة عادت لتلمس مرفقها وهى تقول ببشاشة
( هل انتِ متأكدة ؟.......تبدين شاحبة )
أبعدت حلا ذراعها بحدة عن يد الشابة و هى تدقق النظر لها لترى ان كانت عرفتها سابقا , لكنها واثقة انها لم ترها ابدا من قبل ...لكن مع ذلك يجب عليها ان تنصرف فقالت مرة أخرى
(أنا بخير شكرا لكِ ... وداعا )
لكن الشابة قالت لها بود و كأنها لا تنوي تركها
(هل أنتِ وحدك ؟....لا أريد تركك )
قالت حلا بنفاذ صبر وهى تبعد ذراعها للمرة الثانية (لا انا لست وحدي ..... ومن فضلك انا لا أحب ان يلمسني أحد )
رفعت الشابة يدها سريعا و اعتذرت برقة ( أنا حقا آسفة ......الجميع نبهوني الى هذه النقطة من قبل )
ندمت حلا على حدتها و قالت بصوتٍ أهدأ (أنا أيضا آسفة .......يبدو أننى متوترة قليلا اليوم )
ابتسمت الشابة و قالت ( لا بأس ..... ما رأيك أن نجلس فى أى مكان لنشرب قهوة او شيئا ما , فأنا أيضا انتظر أصدقائي و يبدو أننى حضرت مبكرا و لا أحب ان أجلس وحيدة .....)
ترددت حلا ....مستحيل أن تجلس مع شخص غريب فقد تكون انسانة غير سوية بالرغم من منظرها الراقي ........ وهى تعلم جيدا عدد الاشخاص الغير الأسوياء الذين من الممكن ان يقابلهم المرء ......لكنها لا تريد ان تسير وحيدة مرة أخرى .......
انها تبدو لطيفة ....لا يمكن ان تكون خطيرة ....ثم ان السيدة اسراء قاربت على الوصول
أخيرا أومأت حلا برأسها قليلا وهى تقول بتردد ( حسنا ......)
اتسعت ابتسامة الشابة ومدت يدها مصافحة الى حلا و قالت ( أنا سمر ....)
ابتسمت حلا بتردد ومدت يدها وهي تقول بخفوت يكاد لا يسمع ( و انا ح....حلا...)
.................................................. .................................................. ................................................
كانت واقفة أمام الجدار الأثري تنظر الى نفس الصورة التى تقف أمامها كل يوم .....صورة أميرة جميلة ذهبية الشعر بعينان رماديتان تبتسم برقة للفنان الذى رسم صورتها ......انها هى .... والدة أحمد مهران , لم تخطئها رغم مرور السنين على هذه الصورة ....لكن العينين و الابتسامة لا يمكن نسيانهما أبدا .....
انها جميلة الآن كما رأتها في حفل زفافها .... لكن فى شبابها .....كانت حلما ...أميرة حقا و قد اكتشفت ان اسمها أميرة ....لكم يليق بها ...
اثناء الأيام السابقة كانت تتنقل فى هذه القلعة لتعبث بكل ما تقع يدها عليه ..... فتحت كل الدواليب التى فوجئت بوجود بعض الفساتين القديمة المخبئة بها .... فساتين رائعة من فساتين زمنٍ ماض ....بضع سترات لا تزال تحمل عطرا رجوليا أخاذ .......
فتحت كل الأدراج ....لتجد رسائل قديمة صفراء اللون من مرور الزمن عليها .....رسائل بث فيها عاشق ٌ كل حبه و هيامه للأميرة الحالمة .....صورا قديمة تآكلت أطرافها ....صورا عديدة للأميرة الصغيرة التى تضحك بولهٍ وهيام للعاشق الذى يصورها .....و بعض الصور جمعت الحبيبين .....الأميرة يلفها ذراع رجلا شديد الوسامة .....رجلا لم تره منذ اكثر من أكثر من عشرين عاما ....لكن هذه الصور أُخذت له و هو أصغر سنا ....بحوالي عشر سنوات ......هو العاشق الذى نقش اسمه فى نهاية كل رسالة غرام ........ ......عماد الراشد .......
سمعت الصوت المعتاد لقفل باب القلعة و هو يفتح ثم صوت الباب الضخم وهو يغلق ليهز أرجاء المكان ...........
( هل تنتظرينني يا زوجتي الجميلة ؟.........)
وصلها صوته الساخر من خلفها .....ككل ليلة من ليالي الأيام السابقة ..... لكن الليلة ..........
مدت يدها فى حركةٍ خاطفة و امسكت بعنق المزهرية الثمينة الموضوعة على الطاولة الصغيرة أسفل الصورة الضخمة ..........
ثم التفتت بسرعة قاذفة المزهرية بكل قوتها ناحيته وهى تطلق صرخة شرسه تردد صداها فى أرجاء القلعة ..........
انحنى فى لحظةٍ واحدة لتمر القذيفة الموجهة نحوه من فوق رأسه مباشرة لترتطم بالجدار خلفه و تتحطم الى عشرات القطع اللامعة ....
اعتدل مرة أخرى دون ان يكلف نفسه بالنظر الى المزهرية المنفجرة خلفه ......بل تركزت نظرته المتوحشة على الجميلة الواقفة أمامه ترتدي بنطالا أبيضا خفيفا و قميصا تركوازية قطنية بحمالتين رفيعتين و قد انسدلت موجات شعرها المجنونة حول وجهها و أاكتافها بهمجيه حتى وصلت الى خصرها .... بينما كانت عيناها تلمعان بشرٍ لا يمكن وصفه فى أقدم كتب السحر ......
اخذ يقترب منها ببطءٍ شديد وعينيه لا تحيدان عن عينيها .......ثم قال بصوته العميق الخادع
( لقد كانت مزهرية قديمة ثمينة ذات ذكرى لا تقدر بثمن ...........يبدو ان علي تلقينك درسا يا زوجتي العزيزة لتتعلمي الأدب )
ثم اندفع مرة واحدة ...فما كان منها الا ان صرخت مرة أخرى و اندفعت تجري الى السلم بأقصى سرعتها لتحتمي بأحد الغرف .....لكنه أدركها قبل ان تنهي آخر درجات السلم ليجذبها بعنف و يلقى بها على كتفه و يكمل صعود الدرج بينما أخذت تصرخ بشدة و هى تضربه بقبضتيها ..... وترفسه بساقيها التى احكم ذراعه حولها ........ظلت تضربه و تضربه الى ان شعرت بقبضته القوية تصفعها على مؤخرتها بقوة ....فازداد جنونها جنونا و هى تصرخ بكل الشتائم البذيئة التى تعلمتها يوما ......فما كان منه الا ان صفعها مرة أخرى ....حين وصل أخيرا الى الغرفة التى ضمتهما معا ذات ليلة ........و بعد ان دخل القى بها على الفراش بقوة حتى كادت ان تسقط على الأرض من الجانب الآخر لولا تمسكها بحافة الفراش ......استندت الى الفراش بمرفقيها وهى تحاول الجلوس وهى تلهث بعنف و تشتم بصوتٍ اشتدت بحته من كثرة الصراخ الى ان كاد يختفي تماما ..........
راقبته وهو يخلع كنزته الصوفية من فوق رأسه ثم يلقي بها بعيدا , ثم اخذ ينزع ازرار قميصه واحدا تلو الآخر الى ان قذف به هو الآخر اتسعت عيناها لحظة وقد تسمرتا على عضلات صدره القوية و التى حبست أنفاسها اللاهثة في صدرها ....شاهدته يقترب منها بابتسامة ذئب ... فاستطاعت النطق بصعوبة بصوتٍ مبحوح مجروح من الصراخ
( ماذا تظن نفسك فاعلا ؟..........)
هجم عليها ليمسكها بقسوة من كتفيها و هو ينفث لهبا الى وجهها ثم قال بوحشية
( ألم أخبرك أننى سألقنك درسا يا زوجتى الشرسة ...........)
ثم لم يلبث ان هجم على شفتيها ليقبلهما بكل عنف ..... بينما أخذت تقاومه بشراسة نمرة فأمسك بقبضتيها و لوى ذراعيها خلف ظهرها ليكبلها بامساك معصميها بقبضةٍ واحدةٍ منه ....ثم جذبها اليه لترتطم بصدره و هو يعود ليكمل تعذيبه البطىء .......
مرت لحظاتٍ لا تعلم أو دقائق .......و قد سكنت تماما بين ذراعيه و قد هدها التعب و الصراع .......... و الشوق المضني لرجلٍ سحبها الى نجوم السماء ذات ليلةٍ مقمرة ......
ترك شفتيها المتورمتين أخيرا و همس بأذنها و هو يتنفس بصعوبة
( أعترفي سابين .......وفري على نفسك كل هذا و اعترفي )
لم تصدق انه يعيد على مسامعها أمر كل ليلة ........عادت لتتلوى بعنف وهى تصرخ
(أيها الأحمق .... الغبي ....أيها ..........)
كتم كلماتها البذيئة قبل ان تخرج من شفتيها لكن ليس بشفتيه هذه المرة بل مد سبابته و ابهامه ليطبقهما على شفتيها بشدة فاخذت تصدر أصواتا مكتومة و هو ينظر اليها ضاحكا ......ثم زال الهزل من عينيه ليقول بهدوءٍ مخيف
( تعلمي الأدب حين تخاطبينني يا سابين فأنا لن أصبر عليكِ كثيرا ......)
ثم عاد ينظر لعمق عينيها الفيروزيتين اللتين تقدحانِ شرا و قال مرة أخرى
( اعترفي سابين ..... اعترفي بخطتك القذرة مع أمك لتحطيم أمي و دارين .......)
ظلت تنظر اليه بكرهٍ عميق فترك شفتيها ببطء ..... ليعود و يلتقطهما بشفتيه برقةٍ هذه المرة أذابت عظامها .......ثم مد يده ليزيح حمالة قميصها برفقٍ أهلكها .....أنزل الحمالة الأخرى و هى ساكنةٍ كقطةٍ وديعة .....
مال بها ببطء الى ان استلقت على الفراش و هو فوقها يقبل زوايا شفتيها ....فكها عنقها ....التجويف الناعم بين عظام الترقوة .....
( لقد رسمت هى الخطة لتحطيم قلب أمك ......و أنا نفذتها )
توقفت شفتاه عند مقدمة صدرها............. ليرفع رأسه ببطء و ينظر الى عينيها القاسيتين الجليديتين ...............
.................................................. .................................................. .................................................. ...
دخل ادهم غرفته مساءا ليرى حلا نائمة فى الفراش تعطيه ظهرها الناعم الظاهر من قميص نومها الأسود الحريري .....على الضوء الخافت لمصباح الفراش ...........
نزع سترته ووضعها على الكرسي ثم اقترب منها ليستلقي بجوارها وهو يمسك بذراعها الناعمة .....ثم انحنى ليقبل كتفها برقة و هو يهمس
(حلا ....)
لم تجبه ...لكنه شعر بالاهتزاز الضعيف لجسدها ....فجذبها برفق لتستلقي على ظهرها ,فرآها كما توقع و الدموع تغطي وجهها بصمت
وهى تنظر اليه بعينيها المبللتين .........فهمست و بكائها يزداد ؛(ادهم......)
ضمها بين ذراعيه بقوة و هو يهمس (هششششش حبيبتي ...... ارتاحي)
دفنت وجهها بصدره وهى تبكي بألم ..........لقد أخذت تحكي اليوم لإنسانة غريبة تماما أشياءا كثيرة ......لم تحكيها لأحد عن ذكرى قديمة لوالدها ....... و عن عنفٍ تعرضت له لكن دون تفاصيل و عن ماضٍ لا تعلم كيف تتخلص من ذكراه .......
كم ارتاحت لها وكم ظلت تسمعها و هى تبتسم لها متعاطفة دون ان تنطق بالكثير ......الى ان امسكت بيدها فى النهايه و اعطتها منديلا لتمسح دموعها ...ثم قالت أخيرا
( حلا .....لما لا نتقابل مرة أخرى , أشعر اننا أصبحنا للتو من أعز الصديقات )
اخذت حلا تشهق لتبلل صدره بدموعها وهى تعلم انها لن تستطيع ان تقابل صديقتها الجديدة مرة أخرى ......ادهم لن يسمح لها , هى لن تستطيع ان تخبره حتى لا يعلم انها ظلت وحيدة فى المجمع التجاري لمدة ساعتين برفقة انسانة غريبة ...... سيجن جنونه لو علم بهذا و قد يعود لحبسها مرة أخرى ........
أنها متعبة ...... متعبة للغاية .... وحزينة للغاية .........
رفعت نفسها ببطء ليصبح وجهها أمام وجهه ثم مسحت دموعها بيدها و هى ترسم ابتسامة جميلة على شفتيها .......ثم اقتربت لتقبل شفتيه برقة وهى تطوق عنقه بذراعيها ..... همست أخيرا و هى تشعر به يحاول السيطرة على نفسه
( الم اخبرك اليوم أننى سأعوضك عن خروجي بمفردي ......)
استلقى على الفراش و جذبها اليه لتريح رأسها على صدره .....ثم اخذ يتخلل خصلات شعرها الطويلة بأصابعه وهو يقول
(نامي الآن حبيتي ....... تبدين متعبة جدا , التعويض الذى يكفيني أنكِ هنا فى بيتي ....آمنة بين ذراعي )
و كانت هذه آخر الكلمات التى سمعتها قبل ان يخطفها النوم بعيدا


انتهى الفصل

لعنتي جنون عشقك. 🌺بقلم تميمة نبيل 🌺Kde žijí příběhy. Začni objevovat