الفصل الرابع والعشرون

1.1K 36 3
                                    


كانت مستلقية على ذراعه تتطلع الى السقف وهي تشعر بنفسها تحلق فوق سحابة وردية , لم تشعر يوما أنها أكثر سعادة أو أنها كانت يوما في منتهى الكمال كما هي الآن ....
أفاقت من أحلام يقظتها على لمساتٍ كأجنحة الفراشات تتجول على وجنتها رفعت عيناها الحالمتان اليه فصدمتها النار التى لازالت مشتعلة بهما ... ما أجمل عينيه .... كيف كانت تخاف منهما سابقا .... هل كانت عمياء بالكامل حتى فاتها هذا النبع من الحماية و الحنان ... والحب المتدفق منهما .......كيف لم تشعر بحبه وهي أصغر سنا ......كيف تصورت أنه تخلى عنها يوم أجبروها على الزواج من طلال .......ابتسمت ابتسامة حزينة لعينيه الرائعتين اللتين تلتهمانِ كل جزءٍ من وجهها ثم همست وهي تتلمس وجهه
( أحبك يا ادهم مهران ......)
نظر الى عينيها الذهبيتين المختلطتين بخضار البحر وتاه فيهما ثم أخفض رأسه ليقبل شفتيها الناعمتين تحت شفتيه......ثم قال لها بصوتٍ منخفضٍ عميق , لايزال أجشا بعد تلك العاصفة النارية التى تشاركاها للتو
( أعشقك يا حلا الراشد .......) ثم همس متابعا وشفتاه تتجولان على وجهها الناعم
( لماذا لازلت أرى الحزن بعينيكِ ؟..........)
ابتسمت قليلا ثم همست بحزن وهي تتلمس وجهه و ذقنه التى عشقتها في غضونِ دقائق
(يبدو أن قدرك هو أن يظل الحزن مرافقا لنظراتِ حبيبتك لك )
عقد حاجبيه قليلا ثم احتواها بشدةٍ بين ذراعيه , يضمها الى صدره يريد أن يدخلها قلبه ليحميها من حزنها ...همس بعد لحظة
( مستعدا أن أدفع حياتي لأزيل هذا الحزن ..... فقط أرشديني كيف )
دفنت وجهها في كتفه القوية و لم تستطع منع دمعةٍ حزينة من التدحرج من وجنتها الى كتفه ثم همست
( لقد فعلت كل ما عليك بالفعل ..... إنه دوري الآن , علي دين تجاه نفسي يجب أن أوفيه )
أمسك بذقنها ينظر الى عينيها الدامعتين ثم همس بصوتٍ أجش يسألها السؤال الذي سأله كثيرا من قبل
؛( متى كبرتِ الى هذه الدرجة ؟.................)
ضحكت قليلا ثم همست وهي تمسح وجنتها بيدها الحرة
( لقد سألتني هذا السؤال من قبل كثيرا ........ لقد كبرت يا ادهم ..... كبرت كثيرا .......منذ أن أخذوني منك من سنين )
بان العذاب في عينيه ليعود و يحتضنها بقوة الى صدره ثم همس في شعرها
؛( لن يجرؤ أحدا على أخذك مني بعد الآن ....... أنتِ لي يا حلا دائما و أبدا )
أومأت برأسها و رفعت وجهها اليه تبتسم بعشقٍ لا نهايه لأعماقه ثم اقتربت لتحاوط عنقه بذراعيها لتقبله بقوة ٍ للمرةِ الأولى بهذه الجرأة فتاه في سحر قبلتها وهو يميل بها طويلا الى أن همس من بين أشواقه المستعرة
( فلتتأكدي أنكِ لن تخرجي من هنا منذ هذه اللحظة ...... وأنا أيضا , فليذهب العمل الى الجحيم )
ضحكت قليلا تحت شفتيه الساحقتين ... الا أنه لم يفته تهرب عينيها من عينيه .... فما كان منه الا أن قطع شوقه اليها رغما عنه و رفع رأسه ينظر الى عينيها المرتبكتين بقسوة ثم هدر بعنف
( حلا ؟!!!!...........)
لم تتصنع عدم الفهم ... فقد فهمت معنى سؤاله الخشن و هذا ما كانت تخشاه منذ أن هرب بها ........كانت تعلم قبل أن تحضر الإجتماع أنها لن تستطيع مقاومته ما أن ينفرد بها .....و لقد دربت نفسها طويلا على هذه المواجهه حتى لا تضعف أمامه ...... لكن الطبع انهارت كل مخططاتها ما أن نظر الى عينيها و تركت التفكير فى العواقب الى ما بعد ......
نظرت الى عينيه القاسيتين نظرة استعطاف ترجوه أن يتفهمها ثم همست بحذر
( ادهم ......لا زال الطريق أمامي طويلا .... أنا لم أبدأ حتى بعد ......)
أمسك بذقنها بقوةٍ و قال بقسوة
؛( ما المفترض أن أفهمه من هذه الجملة ؟............)
ابتلعت ريقها بصعوبةٍ ثم همست بتردد
( يجب .... أن أعود يا ادهم .........)
اشتدت قبضته على ذقنها حتى كاد أن يخلعها وهو يقول بوحشية
(أصبتِ تماما .... يجب أن تعودي ..... الى بيتك والى زوجك يا حلا ......)
يا الهي ها هو ما كانت تخاف منه ..... كيف ستقنعه الآن ...... لكنها في مفترق الطرق الآن و يجب الا تتخاذل حتى لا تعود الى الوراء مرة أخرى بعد ذلك الإنجاز الضئيل الذى حققته .......
حاولت الهمس بلطف و هي تتلمس كتفه برقة
؛( حاول فقط أن تسمعني قبل أن تقرر شيئا ..... يجب أن أعتمد على نفسي في ترميم نفسي قليلا يا أدهم ..... لقد اعتمدت عليك طويلا ... طويلا جدا ....حتى وصل بي الأمر حين حاولت التصرف وحدي ذات مرة ..... أن آلمتك .......وهذه كانت القشة الأخيرة .....لذا سأحاول جاهدة الرجوع الى حلا القديمة التى أحببتها .... بل و أفضل منها حتى .....لقد انتظمت في علاجي و سأبدأ العمل مع سابين , صحيح أنني لازلت لا أفهم به شيئا ..... لكنها بداية وأنا ممتنة لها .... معظم من لهن مثل ظروفي لن تتاح لهن مثل هذه الفرصة أبدا .... لذا يجب علي أن أعمل جاهدة على الا تضيع مني .....حاول فقط أن تفهمني )
لكن عينيه لم تلين أبدا .....بل ظهرت بهما الدهشة مختلطة بالقسوة وهو يهدر
( هل تظنين حقا أننى سأسمح لكِ بالخروج من هنا .................هل وصل خيالك الى هذا ....)
نظرت نظرة صافية لا خوف فيها الى عينيه الغاضبتين و قالت برقة
( تستطيع أن تحتجزني هنا .....أنا زوجتك و هذا قرارك و سأرضى به لأنك أهم عندي من أي شيء آخر في هذه الدنيا ...... لكنى أخبرتك بما أتمنى لنفسي ..... والقرار عائد اليك في النهاية )
شعر بغصةٍ في حلقه حين ضربته بوداعتها و رمت الكرة في ملعبه بذكاء .... يالهي يبدو أنها أصبحت امرأة خلابة و سيتعب معها كثيرا اكثر من تعبه معها وهي طفلة .......استطاع أخيرا أن يهمس حانقا
( وما الذى يمنع أن تحققي كل ما تريدينه و أنتِ في بيتك ......أمام عيوني لأطمئن عليكِ ...بل تستطيعين العمل معي إن كان العمل يمثل لكِ كل هذه الأهمية ...... و ضعي في الإعتبار أننى بهذا اقدم تضحية كبيرة بأن أسمح بخروجك كل يوم لتختلطي بالناس )
ضحكت قليلا ثم همست بضعف
( السبب الوحيد الذي سيجعلك تمنحني فرصة عمل هو أننى زوجتك .... حتى وإن فشلت تماما فستداري ذلك كما كنت تحميني دائما ......هل تتذكر حين كنت تحميني من سابين وأنا صغيرة ..... أشعر بأن هذا ما ستفعله دائما .....أما عملي مع سابين فلن يكون به مجال لأي تهاون ...... سابين أعطتني فرصة خرافية لكنها لن تتوانى عن سحبها إن لم أفعل ما أستحقها به .......بالإضافة الى إني أريد أن أشارك في مجموعة عماد الراشد ...... لا يمكنك تصور كم أن هذا الأمر بالغ الأهمية بالنسبةِ لنا )
زمجر بعدم اقتناع وهو يقول بعد فترة بحنق
( حسنا .....أعملي في مجموعة عماد الراشد لكن عودي الى بيتك )
أسبلت جفنيها لا تعلم كيف توصل المعلومة اليه .... تحتاج الى مزيدٍ من الوقت ..... ما أن تعود اليه حتى تجرفها العاطفة العمياء ناحيته من جديد لتشتتها عن كل ما بدأت به ......لذا آثرت أن تعطيه جزءا من الحقيقه عله يتفهمه فهمست
( إن سابين و سما في حاجةٍ الي ..... إنهما مجروحتانِ للغاية , و يجب أن أظل بجوارهما .........أعرف أنني لن أستطيع فعل الكثير لكن اجتماعنا معا من جديد كان له تأثير جيد علينا ..... لا أتذكر أننا اقتربنا يوما من بعضنا الى هذا الحد ...)
اقترب منها وعاد ليقبلها برقةٍ أذابت أطرافها الواهنة ..... وهو يهمس لأذنها بتملق
( عودي الي يا حلا ...... أنا بحاجةٍ اليكِ حبيبتي ..... فقط عودي الي )
تأوهت حلا بعذاب وهي تشعر بقرب استسلامها ..... ما اسهل ان ترمي كل مخططاتها خلف ظهرها و تستسلم و تعود الى أحضانه الدافئة من جديد ..... لكن لن يمر وقتا طويلا حتى تعود لإحدى إنتكاساتها من جديد .... وهما يعلمانِ معا بأن هذا ما سيحدث ......ستعود لتتكل عليه من جديد ..... وتعيش فقط لأشواقها العاصفةِ اليه دون أن تجهد نفسها بمعالجة أي من مشاكلها .......
همست بترجي ( سأعود حبيبي ..... فقط إن سمحت لي بفترةٍ من ترميم نفسي ......صدقني مهما كان ما تعرفه عني , فهو لا يقارن بكل ما بداخلي من جروح وآلام .....لازال الطريق أمامي طويلا لأصبح إنسانة شبه طبيعية .......)
بدا وكأنه تذكر شيئا من حديثها فقال مستفسرا باندهاش
( هل قلتِ أنكِ انتظمتِ في العلاج ؟............)
أومأت حلا رأسها وهى محرجة من القادم .... و بالفعل سألها بدهشةٍ أكبر
( مع من تتتابعين علاجك ؟........)
رمشت بعينيها ثم همست بحرجٍ بعد فترة ( سمر .....)
انتفض مصدوما ثم هتف بغضبٍ أخذ في التصاعد أكثر و أكثر
( سمر ؟!!!.......سمر؟!!!...... هل تآمر الكل ضدي ؟..... إخوتك و عمتى و السيدة اسراء و الآن ...... تخبريني أن سمر كانت مع هذا التآمر النسائي ........ ماذا فعلت , حتى تتآمرون ضدي بهذا الشكل ؟.........)
اقتربت منه لتتلمس فكه بيدها الرقيقة .....ثم همست برقة
( حبيبي ..... لم يكن تآمر أبدا ...... أنا اخترت أن أبقى مع سابين وسما ولم تكن تعلم السيدة اسراء بمكاننا صدقني .... صحيح أنها أعطت رقم هاتف سما الى سمر بعد الحاحٍ منها ..... لكنها لم تعلم غير ذلك ..... أما سمر فبعد أن هدأت و فكرت في الأمر مليا و جدت أنها لم تتعمد خداعي و أنها أرادت مساعدتي حقا ..... وحين قررت أن أبدا العلاج من جديد لم أشعر برغبةٍ في البدء مع شخصٍ غريب .....لن يستطيع أن يفهمني مثلما كانت تفعل سمر ..... وفي النهاية لقد وثقت أنت بها لتساعدني فلما أتردد ........و بالنسبةِ لعمتى ......)
لم تستطع أن تجد ما تكمل به فرفع ادهم حاجبا غاضبا وهو يستحثها قائلا ( نعم ....... أكملي )
ترددت قليلا ثم همست ببراءة وهي تتلعثم
( عمتى لم .....تعجبها تصرفاتكم ...الأخيرة معنا ... لذا قالت ..... قالت أن عليكم أن تتأدبو ...... قبل أن نعود اليكم )
ارتفع حاجباه بدهشة وهو يسمع تلك الخيانة الصادرة من عمته .....سيكون له حديث طويل مع احمد , لكن الآن فليهتم بسبب سعادته وشقائه لسنين طويلة ..... حلا ......
قال بصرامةٍ طريفة ( إن لم تعودي بنفسك فسآتى لأقيم معكن .........)
ضحكت طويلا وهي تهز برأسها علامة اليأس ......ثم قالت بعد أن هدأت
( لا ..... شكرا ...... أنا أريد أن تظل سابين قطعة واحدة ...... كنتما قديما كالزيتِ و النار طوال الوقت ......حين كنا كلنا نقيم معا هنا )
صمتت قليلا ورفعت عينيها الحزينتين الى عينيه وهمست مرة أخرى
( حين كنا كلنا نقيم معا ...... هنا )
رد عليها هامسا يتطلع الى حزنِ عينيها ( نعم ...... حين كنا كلنا معا , قبل أن يبعدوكي عني )
قالت محاولة الخروج من هذا الألم
( ما رأيك أن نخرج للحديقة ...... لقد اشتقت اليها جدا )
حاولت الخروج من ألمها فنقلته الى عينيه .....اذ أظلمتا بشدةٍ فغاص قلبها من هولِ ما رأته في عينيه فهمست مرتعبة ( ادهم ......)
أغلق شفتيها المرتعشتين بإصبعه .... ثم أخذ نفسا عميقا وهمس
( لا تخافي ...... لا أريدك أن تخافي مني بعد الآن ... أبدا )
انحنت عيناها بعذابٍ قاسٍ وهمست
( لا أخاف منك ........لكني جرحتك من جديد )
قال بصوتٍ أجشٍ قاطع ( هيا لننزل .........)
أومأت برأسها بصمت وهي تراه يحاول أن يداري الغضب الدامي الذى ظهر بعينيه .....ثم نهض ليجذبها من يدها بقوةٍ لتقف معه ثم في اللحظةِ التالية كان قد انقض على شفتيها بقبلةٍ حاول فيها أن يدمغها باسمه .... اسم ادهم مهران .....
كانا يتمشيان معا في الحديقة بصمتٍ ثقيل الى أن وصلا الى أول الممر الموصل للحديقة الخلفية..... فتوقف .... وتوقفت هي معه بقلبٍ ممزق تماما .....رفعت نظرها الحزين تسأله السماح ....ثم لم تلبث أن همست دون أن تستطيع منع نفسها
( ادهم ..... ماذا فعلت به ؟...)
نظر اليها بوحشيةٍ وقسوة ثم همس بعنف
( انسي هذا الموضوع الآن يا حلا ...... )
الا أن نظراته المتوحشة لم ترهبها ..... ما يرعبها أكثر أن يكون قد ورط نفسه بشيء بسببها ....فهمست بعذاب
(أرجوك أخبرني ..... لا تتركني لهذا العذاب , ......لقد وضعت ثقتي في شخصٍ لا يستحق ....وهو لا يستحق أن تؤذي نفسك بسببه )
نظر اليها بقسوة ثم قال
(اذن فقد عرفتِ أنه شخصا حقيرا لا يستحق .......لا يستحق الصداقة التى منحتيه إياها )
أومأت برأسها والدموع تنهمر على وجنتيها ثم همست بتحشرج
( علمت في آخر يوم رأيته .......لقد كان يعرف أشياءا كثيرة عني لم أخبره بها , لا أعلم كيف كنت عمياء وغبية الى هذه الدرجة .... الا أننى لم أكن في حالتي الطبيعية .... صدقني )
أخذ نفسا عميقا ثم قال بعده بصوتٍ أجش
( هذا غير مهم الآن ......انسيه)
شهقت شهقة صغيرة ثم همست باختناق
( ليس قبل أن تجيبني .....أرجوك ..... لا تتركني أتعذب بهذا الشكل )
أبعد عينيه عنها وعن عذابها الذي يمزقه ثم قرر أن ينهيه فقال أخيرا
( اطمئني .....لازال يمشي على قدميه , الا أنني عملت على أن يبتعد على مسافةِ بلادٍ من أي مكانٍ من المحتمل أن تتواجدي به , وتأكدي أنه نال ما يستحق جزاءا عادلا لما فعله .......)
تنهدت بقوة وأغمضت عينيها وهي تشعر بأن عذابها أخذ في التلاشي تدريجيا بعد أيامٍ و أيام من الرعب الذى سببه لها هذا الأمر
ثم فتحت عينيها لتنظر اليه باستعطاف
(وهل ستستطيع أن تسامحني ........)
قال لها بصوتٍ خافت
( ألم تخبرك الساعات الماضية .....ألم تعرفي من صوتي و أنا أتشرب صوتك كل ليلة دو أن أعرف مكانك )
قالت بضعف وهي تمد يدها الصغيرة لتتلمس صدره القوي
(أنا أقصد هنا ..... عميقا .....حيث لا يرى أحدا غيرك ما بداخلك )
رفع يده ليغطي بها يدها و يبقيها على صدره بقوة ثم نظر الى عينيها ليقول بكل وضوح
( أنتِ الوحيدة التى ترين ما بداخلي الآن ......و أنتِ تعرفين جيدا ليس هناك من شيء يستطيع أن يمس حبي لكِ )
ابتسمت بحزن .. نظر الى عينيها طويلا وابتسم ...... ثم أمسك بيدها و أكملا سيرهما .......
أول ما طارت اليه عينيها بلهفة هو حوض ورودها ..... لكن المنظر أمامها صدمها تماما .... لم يكن هناك أي حوض ..... ولا أية ورود ....... كان هناك أثار من أعشابٍ ضارة و كومة من أوراقٍ بنية و صفراء ...... كان منظره مقبضا تماما فلم تستطع منع نفسها من الهمس بصدمة
( أين ذهبت ورداتي ؟........)
مرت فترة صمت مقبضة الى أن قال ادهم أخيرا بوجوم
( لقد أحرقتهم .........)
نظرت اليه مصعوقة بعينينِ متسعتين مجروحتين .....ثم هتفت بحزن
؛( لكن لماذا .........لقد كانت .... كانت ....أول شيءٍ زرعته بنفسي )
لم تكن زراعة الورود هي تماما ما كانت تفعله بل كانت هذه الورود هي أول من سمع همسها ....أحزانها .....الآمها ......كانت أول من أفضت اليها بكلِ ما بداخلها حين ظنت أن لا أحد لديها ليسمعها .........
كان ادهم ينظر اليها وقد ظهرت كل انفعلاتها الحزينة على ملامح وجهها الشفافة التي لا تخفي شيئا ..... وشعر بقبضةٍ ثلجية تعتصر صدره من مرآها بهذا الشكل ..... لكن لن يستطيعا أن يكملا حياتهما معا و بينهما هذه البقعة السوداء ........سيتجاوزاها .... وسيعمل جاهدا على ذلك ......لقد أخطأ في حقها كثيرا لذا آن الأوان لأن يصلح كل ما فات بينهما ..... سيتألم ..... سيتألم مما سيسمعه في الأيام الآتية ..... لكن إن لم يتحمل الألم من أجلها ......فلمن يتحمله اذن .......
لن يترك أي شيء هي مستعدة لأن تفضي به ....سيسمعها و سيتألم .....لكنه سيسمع كل ما حدث لها أيام زواجها من طلال .......وكل ما فعله الحقير الذى أدخله بيته ..لكن ليس اليوم...........
همس بخشونة ( كنت غاضبا بشدة ...... لذا لم أتمالك نفسي)
شعر بلكمةٍ قويةٍ في قلبه حين شاهد عيناها تدمعان دون أن تجرؤ على الكلام حتى لا تثير غضبه اكثر ..... لذا أمسك بكفها الرقيقة و رفعها الى شفتيه ليقبلها ثم امسك بذقنها يرفع وجهها الذى انسابت عليه الدموع بصمت و قال بصوته العميق
( لكني بعدها صنعت لكِ شيئا آخر ....على أمل أن تعودي لي )
نظرت اليه بحيرة وهي تسأله بعينيها الملهوفتين عما صنعه لها .......فأشار بذقنه الى شيءٍ ما خلفها , وحين استدارت فوجئت بشيءٍ لم تره فور أن أتت الى هنا ......
كانت هناك أرجوحة خشبية معلقة بحبالٍ سميكة بين شجرتين ضخمتين متجاورتين بجانب السور الخلفي للحديقة ....فغرت شفتيها بشهقةٍ صامتة وهي تنظر اليها ...ثم دون وعيٍ منها سارت اليها ببطءٍ حتى وصلت اليها و أخذت تتلمسها.........
فقال ادهم من ورائها بصوتٍ اجشٍ من العاطفة
( هل تتذكرين ..... حين كنتِ في السادسة و كانت لدينا أرجوحة ضخمة ... وكانت دائما سابين تنزلك من عليها حتى تجلس هي.......)
أومأت حلا برأسها وهي تتطلع بشرودٍ مدهوش الى تلك الأرجوحة ثم أكملت كلامه همسا
؛( الى أن وجدتني أجلس على السلم ذات يومٍ وأنا أبكي ......وحين عرفت أنني أبكي لهذا السبب .... صنعت لي ارجوحة من مقعد واحد .....بين هاتين الشجرتين ......وعلقت على الشجرة لوحة صغيرة مكتوبا عليها " ملك حلا الراشد .... وممنوع لأي أحد أن يستخدمها غيرها ")
استدارت اليه بسرعة وهي تبكي أكثر و أكثر ....ثم همست بتحشرج
( كيف نسيتها......كيف تاهت عن بالي و أين ذهبت القديمة .........)
أخفض عينيه وهو يشعر بالذنبِ مرة أخرى ثم همس بصوته الأجش
( حين علمت بزواجك حطمتها شر تحطيم ...... كانت من مئات الاشياء التى حطمتها في ذلك الوقت ..... تصرفا أحمقا آخر يضاف الى لائحتى ...)
اقتربت خطوة منه ثم رفعت نفسها على أطرافِ أصابعها لتحاوط عنقه بذراعيها و تدفن وجهها في عنقه الدافىء هامسة
( أحبك يا ادهم مهران .......)
أحنى جبهته حتى استقرت على قمة شعرها وظلا هكذا .... ثوانٍ أو دقائق ..... لا يعلمان ... المهم أنهما معا .....مد يديه القويتين ثم حملها من خصرها ليجلسها على الأرجوحة .......ثم أخذ يؤرجحها برفق وهي تضحك برقة الى أن قالت بمرح
( يبدو أنك كبرت يا أدهم مهران ........)
عقد حاجبيه ثم قال وهو يقبض على حبلِ الأرجوحة بقوة يوقفها ( هل أنتِ مدركة لعواقب هذه الجملة المتهورة ؟..........)
أومأت برأسها وعينيها تلمعانِ بشقاوةٍ أشعلت قلبه ...... فما كان منه الا أن بدأ في أرجحتها ثانية .... لكن مع كلِ دفعةٍ كانت قوته تتزايد أكثر وأكثر .......حتى كادت ان ترتفع الى السماء وقد تعالت صرخاتها المختلطة بالضحك الهيستيري وشعرها الطويل يتطاير مجنونا متبعثرا في كلِ مكانٍ من حوله ليثير جنونه بها........الى أن لم تتحمل في النهاية فأخذت تستجديه بأن يوقفها ......فمد يد و أوقف الأرجوحة أخيرا بعد أن خاف عليها من شدة صراخها .......
بعد أن توقفت الأرجوحة تماما , كانت حلا متشبثة بكلا الحبلين وهي تلهث بشدة وعيناها متسعتان دامعتان من شدة الضحكِ و الصراخ ....وكان ادهم يضحك هو الآخر بصوتٍ عال .....لا يتذكر أنه ضحك بهذه الطريقة منذ فترةٍ طويلة ..... طويلة جدا ......
مد يديه ليمسك حلا من خصرها و ينزلها الى الأرض ... لكن لم تكد قدميها تلمسان الأرض حتى عاد ليحملها بين ذراعيها .....ثم همس بجانب أذنها همسا أجشا
( يكفي لعبا ....هناك شهورا يجب عليكِ أن تعوضيها لي .....و سيبدأ تعويضك من هذه اللحظة )
ضحكت بمرح وهي تتشبث أكثر بعنقه وتنظر الي عينيه بتحدٍ سافر .... ثم انحنت الى اذنه تهمس
( أنا انسانة عادلة .....وأحب أن أوفي ديوني أولا بأول )
ضحك بخفة وهو يتجه بها الى القصر .....حاملا اياها بجانب قلبه ...هامسا بعبث ( وهذا اكثر ما أحبه بكِ.......)
اثناء صعودهما السلم المتجه الى غرفتهما شاهدت السيدة اسراء التى كانت خارجة من أحد الغرف لكن ما أن رأتهما حتى استدارت عائدة دون أن تنسى أن تشير باصبع الابهام لحلا وهي تبتسم بخبث........
دفنت حلا وجهها الذى كاد أن ينفجر من احمراره وهمست ( يا الهي ماذا ستقول عنا الآن .......)
ضحك ادهم دون أن يهتم ......وما أن أغلق الباب خلفهما حتى نظر الى عينيها الجميلتين اللتين تلمعانِ بحبه .... ثم همس بتحدي محبب
( حسنا يا آنسة حلا ...... فلتخبريني مرة أخرى أنني كبرت )
ابتسمت لعينيه ....ثم فتنتها الشعرات الفضية المتناثرة بخفةٍ في لحيته الناعمة ......فهمست
( لقد كبرت بالفعل يا ادهم مهران ...... بشكلٍ يخطف الأنفاس )
وكان هذا آخر ما تمكنت من قوله وهي تضيع معه لعالمٍ أخر غير عالمهما ........
.................................................. .................................................. ..................................................
كانت سابين في المنزل البعيد الذى لم تعرفه الا وهي زوجة احمد مهران ...... منذ عودتها من الإجتماع ....وهي في المكتب تدرس أوراقها بعصبية ... تزفر بين كل حين و آخر ....تحاول التركيز على الأرقام المرصوصة أمامها على شاشة الحاسوب..... لتشرد بتفكيرها للحظات ثم تنهر نفسها لتعود للعمل مرة أخرى ..... هامسة بغضب
( كفى يا احمد مهران ..... ابتعد عن تفكيري )
دخلت عليها سما برقةٍ وهي تحمل معها طبقا به عددا من الشطائر وكوبا من الحليب .....وبعد أن وضعتهما أمامها على سطح المكتب ظلت تنظر الى وجهها القاسي الذى لم يرتفع اليها .... فهمست سما
( يكفي عملا اليوم يا سابين ...... أنتِ ترهقين نفسك جدا .... كما أنكِ ترهقين أعصابك وهذا ليس جيدا لكِ .... أو للطفل )
رفعت سابين نظرها الى سما ثم ابتسمت بحنان لكن دون أن يظهر المرح عليها وقالت
( سما الصغيرة تنصحنى الآن .........حسنا أمي ... لا تقلقي علي )
عبست سما وقالت ( أنا لا أمزح سابين ..... منذ أن عدتِ وأنتِ تحبسين نفسك هنا بحجة العمل .... الا أنني استطيع أن أقرأ عينيكِ جيدا .....ماذا حدث بينك وبين احمد )
اخفضت سابين عينيها مرة اخرى بلامبالاة ....ثم قالت بحزم
( لقد حدث الشيء الطبيعي .....لقد انتهى كل شيءٍ بيننا )
همست سما مصعوقة بصوتٍ لا يكاد يسمع ( ماذا ؟......... لماذا فعلتِ هذا ؟.... لماذا تسرعتِ و لم تعطهِ فرصة , أنتِ تحبينه ولن تستطيعي إنكار ذلك )
نظرت اليها سابين بغضب وقالت دون ان تستطيع السيطرة على انفعالها .... كما اصبحت مؤخرا
( ألن تنتهي بعد يا سما من تفاهاتك العاطفية تلك .... ها أنتِ أحببتِ بكل ما تستطيعين ... وأعطيتِ فرصة ...مرة واثنتين وثلاث ....وعلى ماذا حصلتِ في النهاية ؟......لا شيء .... باعك بأبخس الأثمان وترك كل شيء وعاد لحياته ......وها انتِ ستحصلين على لقب مطلقة ولم تكملي بعد عامك الثاني والعشرين .....هل هذا هو الحب الذى تريدينه لي ..... سأحصل أنا أيضا على الطلاق لكن على الأقل سأظل محتفظة بكرامتى )
كانت سما واقفة تنظر اليها بجمود دون أن يظهر على وجهها أي تعبير ... ماعدا عينيها اللتين بان الألم فيهما من قسوة سابين التى لم ترها منها من قبل ..... ثم دون كلمة واحدة استدارت لتغادر المكتب مغلقة الباب خلفها بكل هدوء ...
ظلت سابين تنظر الى الباب المغلق ولم تصدق أنها آلمت سما بهذا الشكل البشع ....ماذا فعلت لها لتقسو عليها بهذا الشكل .....
همست وهي تلقي الأوراق بغضب على سطح المكتب ..
( كله بسببك يا احمد مهران .....لقد كنت أكبر حماقةٍ ارتكبتها في حياتي كلها )
لم تستطع أن تلحق بسما الآن ....إن أعصابها على شفا الإنهيار ... وهي بالأكيد لن تتحمل أية مناظر عاطفية مرهقة من سما في هذه اللحظة .....
نظرت الى شاشة حاسوبها .....ثم فتحت الصورة المرسلة اليها ........ صورة الشخص الذى ستنتظره في المطار بعد عدة أيام .....عمار الراشد ..........
إنه يختلف تماما عن الشخصية التى رسمتها في عقلها ......عمار الراشد ...لا تعلم بعد درجة قرابته لوالدها , لكن جاء عرضه مواتيا لها تماما ...صحيح أنها لازالت تحت قيد دراسة الموضوع ولم تعطهِ رأيها مباشرة ...لكن أعجبها أن ينزل بنفسه حتى تعلم مع من ستتعامل تحديدا .....
رن هاتفها فالتقطتته تنظر الي رقم الطالب ثم ابتسمت قليلا لتاخذ نفسا عميقا محاولة تهدئة نفسها بدل أن تصب غضبها على تالا الصغيرة مثلما فعلت مع سما المسكينة .... ردت بهدوء
( مرحبا تالا .........)
ردت عليها تالا بحماسة ( مرحبا سابين ......هل اشتقتِ إلي ؟.....)
اتسعت ابتسامة سابين قليلا وقالت بهدوء ( نعم يا شريرة ....اشتقت اليكِ )
وصلها صوت تالا جذلا متحمسا أكثر وهي تقول ببراءة ( اذن هل أستطيع أن أراكِ غدا .......)
ردت سابين بهدوء ؛( تستطيعين أن تأتي مع جدتك .........)
قالت تالا بترجي ( هل يمكنك أن تأتى أنتِ الينا ........إن أبي ....متعبا جدا....)
قالت سابين بسرعة ( ماذا به ؟......هل هو بخير؟..)
ردت تالا بحزن ( لا أعلم ....منذ أن عاد اليوم وهو حزين ....حتى إنه لم يقرأ معي قصة اليوم .....)
تنفست سابين الصعداء ..ثم قالت بعد لحظات ( قد تكون لديه بعض المشاكل في العمل ..... غدا سيصبح بحالٍ أفضل , لا تقلقي )
قالت تالا بترجي ( حسنا هل يمكن أن تأتى و تقليني ....... من فضلك ... جدتي لن تكون هنا , ستذهب الى عمتي )
تنهدت سابين ثم ضغطت بإصبعيها مابين عينيها من شدة ارهاقها ثم قالت باستسلام ..( حسنا ... غدا صباحا سآتي لأصطحبك )
وصلتها أصوات تالا الفرحة فابتسمت سابين وهي تسأل نفسها ...ما الذى دهاها .....من المؤكد أنها هرمونات الحمل المجنونة .....
كانت سما في غرفتها ...تبكي بصمت و قلبها يعتصرها بشدة .... دافنة رأسها في الوسادة ..... متى سينتهي عذابها .... تريد أن ترتاح ولا تعرف للراحة سبيلا ...... الى متى ستتحمل ما تقاسيه ......متى سيموت حبه في قلبها , وهل سيموت أصلا ......
رفعت رأسها قليلا لتنظر الى هاتفها الملقى بجوارها على الوسادة ..... هل تجرؤ ؟...... فقط تريد أن تسمع صوته .....لماذا تمنع نفسها ... فلتذهب الكرامة الى الجحيم .... متى كانت الكرامة فاصلا بينها و بين حبها ؟... فلماذا تهتم الآن ؟..........
أمسكت الهاتف وطلبت رقمه ...... مسحت دموعها بيدٍ مرتجفة وهي تنتظر ....هل سيرد عليها ؟... هل سيكون قاسيا للحد الذى يجعله يتجاهلها تماما ...راميا أربعة سنين زواج خلف ظهره ...دون حتى أن يتكلما كأناسٍ متحضرين .....
ثوانٍ قليلة وكان الصوت الحبيب يرد عليها هامسا
( ياسمينااا.........)
أغمضت عينيها لا تصدق أنه بالفعل أشفق عليها وقرر أن يسمعها صوته ... أخذ قلبها يخفق بقوة وهو يتعرف على صوت ساكنه ......وصلها صوته هامسا أجشا
( ياسمينا .... هل ستظلين صامتة ؟... )
انتفضت على سؤاله ثم حاولت النطق بهدوء ... الا أن كلامها خرج متعثرا متحشرجا و كأنها تسعل
( آآ....كيف حالك ....فارس , ظننت أن من واجبي ...... من واجبي الإطمئنان عليك )
ضحك قليلا ضحكة خافتة ثم قال بوجوم ( أنا بخير ..... لا تقلقي )
تاهت عيناها وهي تبحث عن أي شيء لتطيل الحوار معه قبل أن يغلق الخط ..فقالت بعد لحظات
( هل تأخذ أدويتك بانتظام .... هل تستطيع التعامل مع الممرضات ؟......)
قال فارس ببساطة ( قلت لكِ لا تقلقي لقد استسلمت أخيرا و أنا تقبل كل ما يعطفن علي به )
ابتلعت ريقها ثم لم تستطع منع نفسها من السؤال ( هل هن ممرضات ؟؟.... أقصد هل رأيتهن ؟......)
وضعت يدها على فمها تكتم الشهقة التى كادت تصدر عنها من هولِ ما قالت .... الا انه لم يغلق الخط كما توقعت بل ضحك بخفةٍ و قال بكلِ هدوءٍ و استمتاع
( هل تريدين أن تعرفي إن كن جميلات ياسمينااا ؟........لما لا تسألي بكل بساطة ؟.....)
قالت بغضب وهي تخطىء اكثر واكثر
( وكيف ستعرف ان كن جميلات ؟؟...........)
الا إنه مرة أخرى لم يغضب أو يثور بل قال بعبث
( تعرفين أن النظر ليس كل شيء ..........فمعكِ مثلا تأكدت بالدليل القاطع من أنكِ خلابة دون أن أراكِ )
شعرت بغضبٍ أحمق يشتعل بداخل كيانها ... دون أن تدرك مدحه الشغوف لجمالها ... كل ماسيطر عليها هو أن يكون قد عاد لعبثه القديم .... فما معنى هذا الهدوء و السرور الذى يقطر من صوته .... بعد أن كان دائما متشنجا غاضبا .....
قالت بغضب و شراسة ( ما معنى هذا يا فارس ؟...... هل نسيت أننى لازلت زوجتك ؟......حتى وإن لم يكن بالفعل لكننا لم نتطلق بعد ...لذا أنا لن أقبل أن تهينني بأن تكون غير مخلصا لي كما أنا مخلصة لك .... الى أن ينتهي ما بيننا رسميا)
ساد صمتا ثقيلا قاسيا عليهما معا ... ما الذى قالته ... لم يطرأ الطلاق ابدا على بالها من قبل .... اقصى ما كانت تتمناه بعد ان تركها هو ان يترك لها اسمه .... كذكرى منه .... لكن كلمات سابين ظلت متشبثة في قلبها كمخالبٍ مفترسة ... الى أن انهارت أعصابها الآن ونطقت بهذه الحماقة ......
سمعت صوته يهمس بصعوبة وقد فقد كل سروره وعبثه ( طلاق ؟..........)
أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها ....لا ....لا ..... أرجوك لم أقصد ...لم أقصد ... أرجوك لا تنتهز الفرصة وتتصيد لي هذا الخطأ ....
يا الهي مالذى جعلني أتحامق وأكلمه الآن ؟...... كان يجب أن أعرف أننى سأنطق بإحدى حماقاتى كالمعتاد .....يا رب ساعدني ....
جاء صوت فارس خشنا صارما يناديها (سما......)
أغمضت عينيها وهي تنتظر مصيرها الذى جلبته لنفسها بمكالمتها الغبية .. لكنها لم تجد بدا من الرد بهمس مختنق ( نعم ........)
سمعت صوت نفسا حدا و كأنه يتنفس بصعوبة ثم قال أخيرا بنفس الصرامة
( أريدك أن تعديني وعدا ...... لا تفكري بطلب الطلاق الآن ....أعرف أنكِ ضيعتِ معي سنواتٍ كان من الممكن أن تكون الأجمل بحياتك ..... لكن كل ما أطلبه منكِ أن تنتظري ..... فقط انتظري قليلا......)
انهمرت دموعها على وجنتيها بصمت وهي تشعر بنصالٍ حادة تمزق قلبها .... سيطلقها .... قليلا و سيطلقها .......استمر بكاؤها دون أن تصدر صوتا الى قال بقوة ( سمااا .... عديني )
همست فبان بكاؤها ( أعدك .......)
تنهد بحزن ثم همس ( أراكِ لاحقا ......)
ردت عليه بهمسةٍ لم يسمعها ( نعم .......) و بعد أن أغلقت الخط أخذت تبكي طويلا ..... طويلا جدا ......الى أن سمعت صوتِ بابِ غرفتها يفتح و خطوات سابين تقترب منها .... لكنها لم تجرؤ على رفع رأسها من الوسادة ..... الى أن أحست بسابين تجلس على الفراش بجوارها ... لحظة و رفعتها لتضمها لصدرها وهي تقول
( كل هذا البكاء بسبب الكلمتين الغبيتين اللتين نطقت بهما و أنا غاضبة ؟؟.........هذا الطفل من المؤكد تسبب في خللٍ ما بعقلي )
ضحكت سما دون أن تجرؤ إخبار سابين بمكالمتها الغبية لفارس .... لن تتحمل الآن غضب سابين , يكفيها ماهي فيه .....رفعت وجهها المغروق بالدموع ثم ابتسمت بجهد لسابين التى سألتها برقة
( هل تصافينا ؟........)
أومات برأسها ..... ثم همست بعد فترة ( متى ستعود حلا ؟...... لقد تأخرت أم أنها لن تعود ؟...)
حين نطقت بهذا السؤال شعرت و كان حجرا ضخما اثقل قلبها .... كيف ستتعود على بعد أيا منهما بعد الآن ....يوما ما ستعود كلا من حلا وسابين الى ادهم واحمد ..... بالرغم من مكابرة سابين الا إنها موقنة من أنها ستعود اليه يوما ..... لن تستطيع أي امرأة مقاومة زوجا يحبها و يعتزم على استرجاعها......
أما هي فسينتهي بها الحال وحيدة يوما ما بعد أن تعود شقيقتيها الى زوجيهما ..... فهي لن تكون لرجلا آخر غير فارس مهران .....
أفاقت من أفكارها الحزينة على صوتِ سابين وهي تقول مبتسمة
( لقد عادت بالفعل الأستاذة .........)
( من يسأل عني ؟..........)
نظرت سابين وسما الى الواقفة بباب الغرفة .... وقد كان مظهرها كمظهر امرأةٍ عاشقة بجنون فهى ترتدي نفس زيها الرسمي لكن شعرها الرائع انساب متموجا بجنون يصل الى خصرها بدلال .....لم تكن هناك زينة على وجهها ... الا أن احمرار وجهها و بريق عينيها كانا أفضل من أي زينة بالعالم ..........
هتفت سما بدهشة ( كيف اقنعت ادهم بإعادتك الى هنا ؟............)
ابتسمت حلا برقة وقالت
( لدي أساليبي الخاصة .....لدينا عملا لم ينتهي بعد ... ولقد قطعت لكما وعدا بأني لن أترككما الآن ......ليس بعد..)
وكعادة سما في نطق كل ما هو غير مناسب ... فسألتها
( أين ذهبتما لتتأخرا كل هذا الوقت ؟...........كم أتمنى أن أخرج أنا أيضا قليلا و أروح عن نفسي )
احمر وجه حلا بشدة و هربت بعينيها من نظرات سابين العابثة التى لم تستطع كبت ضحكتها طويلا ...... فأدركت سما غباءها و احمر وجهها هي أيضا وهي تهمس متلعثمة
(أعتذر يا حلا ..... لم أكن أعرف .... أقصد لم أفكر .....)
قاطعتها حلا وهي تهتف بإرتباك ( هلا غيرنا الموضوع من فضلكما .........)
كبتت سابين ضحكها ثم قالت بحزم
( حسنا كفى عبثا .... حلا لا تنسي أنكِ ستأتين معي الى المطار لإستقبال عمار الراشد ثم نقله الى الفندق الذى سيقيم به ... سما أنتِ أيضا ستأتين معنا من باب التعارف)
أومأت سما برأسها بوجوم .....و ردت حلا بالموافقة ثم سألت سابين بقلق
( ماذا فعلتِ مع أحمد اليوم ؟........)
عادت الروح المجنونة لتتلبس سابين بعد أن كانت قد هدأت قليلا فقامت من الفراش لتخرج من الغرفة متجاوزة حلا وهى تهتف بحنق
( وما دخلكما بشؤوني الخاصة .... فلتهتم كلا منكما بحياتها بعيدا عن حياتي )
همست سما متنهدة بملل ( ها قد عادت الروح العدوانية من جديد ..........)
نظرت اليها حلا وهمست بحزن ( هل ساءت الأمور الى هذه الدرجة ؟........)
أومأت سما برأسها دون أن تجيب ...... لكن قبل أن تكمل حلا كلامها كان هاتفها الجديد يعلن عن اتصال ادهم ..فردت عليه مبتسمة
( ادهم ..... لم تكد تمر نصف ساعة على انصرافك )
وصلها صوته الحانق وهو يهدر في أذنها ( لا أعلم أصلا كيف وافقتك على هذا الجنون ........والآن تتذمرين من اتصالي بكِ؟ )
ضحكت بمرح وهي تلوح لسما و تخرج من الغرفة لتتحدث اليه .....ابتسمت حلا بحزن وهي تتذكر مكالمتها المأساوية لفارس منذ قليل ....وهمست لنفسها .... متى ستعتق قلبي .....متى .......
.................................................. .................................................. ................................................
صباحا كانت سابين جالسة في سيارتها تنتظر تالا أمام منزل احمد الذى لم تدخله من قبل .......لم يطل انتظارها حين فتح الباب و أطل منه احمد و خلفه تالا تقفز بمرح و كأنها في أسعد أيام حياتها .......
زفرت سابين بحنق .... ما الذى يفعله هنا ؟...... لماذا ليس في عمله ؟.........هذا ما كان ينقصها ....
اقترب منها احمد الى ان وصل للباب المجاور لها وفتحه دون ان تستطيع منعه ثم جذبها برفق من ذراعها لتخرج من السيارة ....لم تستطع الإعتراض مع رؤية تالا التى تنظر اليهما و كأنها تشاهد فيلما عاطفيا ......
وقفت أمامه تماما ... وجهها مواجه لصدره ... و يده لا تزال ممسكة بذراعها بدفءٍ شعرت به من خلال ملابسها ......
بدأت الكلام بهدوء دون أن تنظر الى عينيه
( كنت أريد أن أصطحب تالا لتمضي اليوم معي ..... وسأعيدها اليك في المساء )
كانت عيناه تلاحقانِ عينيها الهاربتين و ابتسامة حنان تعلو شفتيه ....ثم قال أخيرا بصوتٍ دافىء
( لقد دخلتِ الى الموضوع مباشرة دون حتى أن تلقي التحية علي )
أخذت نفسا طويلا خفيا وهي تشعر بغضبٍ لا حدود له .... الى متى ستستمر تمثيليته السمجة هذه .....لكنها لا تستطيع التصرف وتالا خلفه ... لا ذنب لها لتصدمها بوالدها ..... تبا لتلك الحنية الجديدة عليها والتى لا تعرف من أين أتت .......
رفعت عينيها الشرستين الى عينيه المغروقتين بالإستفزاز و التحدي وهي تحاول أن تجعله يقرأ ما بهما من تهديد .. الاأن ذلك لم يؤثر به ... بل زاد التحدي في عينيه .... فقالت بحزم
( هيا يا تالا ادخلي السيارة ......لقد وافق والدك )
لكن تالا ترددت قليلا ... الى أن قال احمد بهدوء
( في الواقع ...... لقد غيرت رأيي , ستمضيانِ يومكما هنا )
ارتفع حاجبا سابين و توحشت عيناها أكثر لكن قبل أن تفتح شفتيها برفضها القاطع ... تابع احمد بمرحٍ حازم
( إن لم تدخلي بإرادتك فسأحملك الى الداخل بنفسي )
أوشكت على أن تلقي بحممها الغاضبة في وجهه ... لكنها عدت الى العشرة بداخلها ثم قالت بهدوء
( لا لن أستطيع عذرا ......فهل ستسمح لي بأخذ تالا أم أنصرف من هنااااا....... )
خرجت أخر كلمتين من شفتيها و كأنهما صراخا ....دون أن تستطيع السيطرة على نفسها .....حينها أخذت تالا تقفز مرحا وهي تهتف
( لقد رفضت ....احملها أبي ...احملها ....)
اتسعت ابتسامة احمد و ارتسمت الشيطنة في عينيه ..... فحذرته سالبين هامسة بوحشية
( لا تفكر بذلك حتى .......)
الا إن احمد تجاهلها تماما وهو يرفعها بحركةٍ سريعةٍ بين ذراعيه جعلتها تصرخ من المفاجأة ثم أخذت تضربه على كتفه وهي تصرخ
( أنزلني يا احمد حالا ......توقف عن هذه التصرفات الطفولية )
الا أنه ضحك قائلا وهو يستدير بها غامزا لتالا التى تقفز وتصفق بيديها
( لا أستطيع أن أرفض طلبا لأميرتي الصغيرة ......لقد أمرت بأن تدخلي الى البيت محمولة بين ذراعي .....اذن هذا ما سيحدث )
أدخلها بالفعل الى المنزل الرائع و الذى خطف أنفاسها ما أن دخلته ... فتوقفت عن المقاومة وهي نتظر حولها للمنزل الذى يضم كل ما حلمت به يوما ..... وكأنه قد شاهد أحلامها عن البيت الذى تمنت أن تسكن فيه يوما ... فأسسه كما تحب ....
شعر بتأثرٍ عميق بداخله وهو يرى انبهارها بالمنزل ...حتى إنها أوقفت المقاومة بين ذراعيه دون أن تشعر .....فأحنى رأسه اليها وهمس في اذنها بحب
( مرحبا بكِ في بيتك ........)
نظرت الى عينيه بوحشية بعد أن أفاقت من شرودها على صوته فهمست هي الأخرى
( لن يكون بيتي أبدا ......)
همس لأذنها الحساسة ( بل سيكون .... )
ظلا ينظرانِ الى بعضهما بتحدي الى أن قطعه صوت تالا المتحمس
( جدتي .... لقد نجحنا في خطتنا , سابين ستمضي اليوم معنا هناااااااااا )
استدارت سابين برأسها لتجد أميرة واقفة عند السلم مرتبكة للغاية تنظر اليها باعتذار .....بينما أغمض احمد عينه يائسا من سذاجة تالا اللامتناهية ......
أخذت سابين تنقل نظرها بين ثلاثِ أزواجٍ من العيونِ العسليةِ المتشابهة ....وقد ظهر عليهم جميعا الإرتباك وكأنهم اقترفو ذنبا فظيعا ....
ساد الصمت للحظات و سابين غضبها يتفاقم اكثر واكثر فشعر احمد بأن سيطرتها على نفسها ستتلاشى قريبا ....فقرر أن ينهي غضبها سريعا خوفا عليها ......
فاقترب من اذنها ليهمس برقة
( سابين ..... من فضلك لا تخذلي تالا ....إنها متحمسة جدا لوجودك , كما أني لم أخبرها بعد بالطفل .... فضلت أن تكوني موجودة معنا حين أخبرها ......أقضي اليوم معنا , و أعدك أن أوصلك بنفسي مساءا )
للحظةٍ تاهت مابين عينيه الصافيتين وشفتيه المتحركتين بكلامٍ لم تسمع نصفه ..... هو أيضا خفتت آخر كلماته الى أن انقطعت حين شاهد نظرتها التائهة اليه .....شعرت سابين في هذه اللحظة بمضخةٍ عملاقة تضرب جانب صدرها ......و قد كان هذا هو قلبه الذى أخذ يخفق سريعا ......ابتلعت ريقها وقررت أن تنهي هذا الجنون سريعا ..... فقالت بهدوء
( حسنا .......سأبقى اليوم )
رمش احمد بعينه ليستفيق من سحرها المجنون ...... وتنفست اميرة بإرتياح بينما أخذت تالا تقفز كعادتها ........
ومر هذا اليوم بسحرٍ غريب على أربعتهم ..... كان هناك دفئا يلفهم لم تشعر به سابين من قلب ......أكلو معا ... ولعبو معا .... وضحكو كثيرا .....حتى أن سابين منذ بداية اليوم أن تستمتع به وتنسى مخططاتها ...... ليومٍ واحدٍ فقط ...... هو هذا اليوم ..... وغدا ستعود الى مقاتلته .... لكن اليوم ..فلتعش ما لم تعشه من قبل .....
لم يتوقف احمد طوال اليوم عن الاهتمامِ بها .... وتدليلها .... كانت كلما ارادت شيئا , يجلبه اليها بنفسه .....حتى انها بعد أن تعبت من الوقوفِ و اللعب في الحديقة ...... تمددت على الأريكة لتريح قدميها , فأتى أحمد اليها ليرفع قدميها ثم يجلس بجوارها واضعا قدميها على ساقيه ليدلكهما لها ......وقتها رفعت عينيها اليه .... فالتقت عيناهما معا طويلا .....وكأنه يريد أن يمحي بحركاته الناعمة كل ما آلمها به من قبل ......قال لها أخيرا بصوته العميق
( الم تكتفي بعد يا سابين من بعدك عني .......أعلم أن بدايتنا كانت سيئة للغاية , لكن لنصنع بداية جديدة .... من أجلنا جميعا )
ردت عليه سابين بهدوءٍ تشوبه لمسة حزنٍ خفي
( لا تدع الأوهام تتلاعب بك يا احمد ...... ليس معنى هذا اليوم أنني سأعدل عن قراراتي , لا حياة لنا معا وأنت تعلم ذلك جيدا .....أنت لن تثق بي يوما ... وأنا لن أستطيع نسيان ما فعلته بي )
أخفض عينيه وهو يشعر بقسوة كلمتها بأنها لن تستطيع النسيان .... وهل يستطيع هو .....قال لها بصوتٍ خافت
( يجب أن تعلمي أنكِ ستعودي الي ..لا شك بهذا........فلما لا نقلل أيام فراقنا )
قبل أن تجيبه أتت تالا لتجلس معهما فأنزلت سابين قدميها الى الأرض ببطء وقد شعرت بتردد احمد في تركها .....لكنه لم يتركها تماما بل اقترب منها ليلف خصرها بذراعه وهو يقول لتالا دون أن يرفع عينيه عن سابين
( تالا ....سابين تريد أن تخبرك شيئا )
نظرت سابين اليه بقسوة ... بينما انتظرت تالا بتحمس ....فنظرت اليها سابين ولم تجد بدا من التكلم بهدوء
( تالا ....أنا و والدك نريد أن .......أنه سيكون لكِ أخا أو أخت عما قريب )
ذهلت تالا تماما و اتسعت عيناها بشدة ... ثم بعد لحظات انفجرت في البكاء الشديد ..... نظرت سابين بصدمة الي رأسها المحنى و المدفون بين كفيها الصغيرين .. وفي لحظةٍ هاجمتها صورة حلا حين كانت في نفسِ عمرِ تالا وكانت ايثار تضربها في كثيرٍ من الأحيان ..هي أيضا كانت تؤذيها الا أنها كانت صغيرة في هذا الوقت ولم تدرك تأثيره على حلا ... كان من المفترض أن تعاملها كما كانت تعامل سما دائما ....شعرت بغصةٍ في حلقها . فقامت من مكانها الى أن وصلت لتالا ثم هبطت على ركبتيها وهي تضمها الى صدرها وتهمس لها
( هيا الآن يا تالا ....ما الأمر ....الا تعلمين أنكِ ستظلين فتاة أباكِ المفضلة .... لن يتغير هذا أبدا )
دفنت تالا وجهها في صدر سابين وهي تنشج ثم قالت باختناق ( لست ....لست أبكي ....لأني حزينة )
أدارت سابين رأسها الى احمد لتسأله المساعدة .... الا أن نظرته قطعت سؤالها .... كان ينظر اليهما مسحورا حزينا في نفس الوقت ...بهرته سابين في تعاملها مع تالا .... لم يتصورها أبدا بهذه الصورة .....رفع عينيه الى عينيها ثم قال بخفوت
( إن تالا تبكي دائما عندما تنفعل أو تتحمس بشدة ......)
ابتسمت سابين ثم استدارت الى تالا الباكية وجذبت خصلة من شعرها وهي تقول بمرح
( لقد أخفتني يا شريرة .....اذن فقد اتضح أنكِ طفلة مثل باقي الأطفال لقد شككت في هذا كثيرا ....هل أنتِ متحمسة للطفل القادم ؟ )
أومأت تالا برأسها وهي تمسح وجهها بيدها ثم قالت بصرامة وهي تشهق
( لكن ليكن في معلومك يا سابين حين يأتي هذا الطفل سأتين به وتعيشانِ معنا هنا...... وأنا لن أقبل بغير ذلك )
عادت سابين لتنظر بقسوةٍ الى احمد الذى كان يضحك الآن من ابنته التى تشبهه في صرامته .........
في المساء ذهبت سابين لتغسل وجهها استعدادا للرحيل و أثناء سيرها في الممر شعرت بيدين قويتين تجذبانها من خصرها لتلصقانها بالجدارِ خلفها ... شهقت بصدمة , ثم قالت بعد لحظاتٍ بغضب
( ابتعد يا احمد ......)
ابتسم وعيناه تبرقان ثم همس قرب اذنها ( حاولي ابعادي ....)
دفعته في صدره بكفيها الا إنها كما لو كانت تدفع جدارا صلبا ....
قالت بغضبٍ يتصاعد (ابتعد عني يا احمد ......)
الا إنه كان يقترب بوجهه من وجهها و ابتسامة عابثة على شفتيه فأخذت تدفعه لكنها لم تستطع النجاح حيث أمسك بذراعيها ليلفهما حول عنقه ثم تمكن من تقبيلها بكلِ ما اعتمل في نفسه من شوقٍ اليها ........مرت عليهما لحظاتٍ دافئة لتكمل سحر هذا اليوم , الى أن أبعد يديها ليأخذ نفسا عميقا قال بعده بحزم
؛( هيا....استعدي لأوصلك )
رمشت بعينيها عدة مرات لتستوعب ما يقوله ....ثم ابتعدت تسير أمامه بكلِ ما استطاعت من السيطرة على النفس
أخذ يراقبها وقلبه يصرخ مناديا إياها بشدة .....لكنه تمكن من اخماد شوقه قليلا وهو يفكر .....قريبا ستعودي الي بإرادتك يا ساحرتي المجنونة .....قريبا جدا .....
ثم تذكر جملة أميرة صباحا ....وهي تقول له .....سأساعدك لتستعيد قلبها فإن أخفقت فاعلم أنها فرصتك الأخيرة ..........
.................................................. .................................................. ........................................
كانت سابين وسما وحلا واقفاتٍ في المطار بانتظار عمار الراشد ......الى أن همست سابين
( ها هو ذا ..... تقريبا ...انه يشبه الصورة نوعا ما )
أخذ يقترب منهن مبتسما .... فاتسعت عينا حلا وفغرت سما شفتيها بينما رفعت سابين حاجبها بإعجاب من تلك الهيئة الخرافية المطلة عليهن .......
كان شابا طويلا بعضلاتٍ قوية يبدو في منتصف الثلاثينات..يرتدي بنطالا من الجينز يبين ساقيه القويتين ...وسترتة جلديةٍ سوداء على قميصٍ ناصع البياض
كان وسيما للغاية بوجهٍ رجولي صلب ...الا إن اكثر ما كان مميزا به هي عينيه بلونهما الأخضر القريب من الرمادي ....لقد حصل على عيون عائلة الراشد المعروفة بعيونهم ذات الألوانِ الغريبة ....
كان مختلفا عن رجال آل مهران المعروفين بقسوة ملامحهم ......
مالت سما الى اذن سابين وهمست
( ما هذا الكائن المذهل ؟!!!.......)
ابتسمت سابين وهمست ( كفى يا سما ......لقد اقترب )
وصل اليهن ثم تكلم مبتسما فخرج بصوتٍ رجولي عميقٍ للغاية ذو نبراتٍ رنانة
( لابد أنكن بنات عماد الراشد .....لا أرى أجمل منكن هنا )
ضحكت سما ببلاهةٍ تقريبا فلكزتها سابين بمرفقها .....بينما كانت حلا مذهولة لا تعلم بما ترد عليه .... الا ان سابين هي من تولت الحديث لتمد يدها اليه قائلة
( أنا سابين ......مرحبا عمار , حمدا لله على سلامةِ الوصول )
أمسك بيدها بيدٍ حازمة قوية وهو يقول مبتسما ( سابين الجميلة بالطبع .... سررت لرؤيتك )
ابتسمت بسحرها المعتاد وهي تقول بصوتها الرائع (هذه هي حلا وهي من ستكون مساعدتي ......أما هذه الصغيرة فهي سما )
ابتسم اليهن بابتسامةٍ ذكورية جذابه سمرتهن في أماكنهن ثم قال
( كم أنا مسرور للتعرف عليكن آنساتي .......)
همست حلا لسما مدهوشة ( آنساتي !!! ........لقد نسيت هذه الكلمة منذ زمن )
ضحكت سما وهي تحاول اخفاء فمها بيدها ثم قالت سابين
( لابد أنك متعبا من السفر .....لنذهب الآن الى الفندق الذى ستقيم به لترتاح )
أومأ برأسه مبتسما وكأنه ولد بهذه الابتسامة الجذابة .........
انتظرن الى أن يسير أمامهن .... الا إنه ظل واقفا مكانه ليقول وهو يمد يده
( بعدكن .......)
نظرن الى بعضهن بدهشة ثم سارت حلا وسما متعلقتانِ ببعضهما وقد عجزتا عن إمساكِ ضحاتهما الصغيرة المذهولة
بينما ابتسمت سابين له بسحرٍ وتقدمته لتمشي بكل ثقة .........
بعد أن استقر في غرفته و أنهى الإجراءات ...... كان يجلس معهن ليتعارفو اكثر ....
فقالت سابين ( اذن فوالدك كان ابن عم والدي ..........)
رد عليها عمار بهدوء
( نعم ..... لطالما حكى لي عما حققه عماد الراشد .. كانا تقريبا شريكان ... لكن عماد الراشد هو من أسس الشركة )
ثم تابع بقسوة
( كان يتقدم بسرعةٍ جبارة بالنسبة الى عمره ... وكادا أن يصلا الى كلِ ما تمنياه , الا أن شخصا ملقب بالامبراطور وضعهما تحت أنظاره وحاربهما بكل ما يملك .... كان يستعمل كل الطرق الغير نظيفة لمحاربتهما , لكن الأمر لم يكن منافسة في السوق لأنهما كان في البداية ولم يقتربا حتى من مستواه .. بل كان له علاقة بعداوة قديمة فقد حكى لي والدي أن عماد الراشد وقتها كان يريد أن يتزوج أخت هذا الملقب بالامبراطور .ظل يطاردهما الى أن رحل والدي عن البلاد يائسا تماما...إنه رأس مجموعة آل مهران .... بالتأكيد سمعتِ عنها طالما أنتِ متواجدة في سوق هذا العمل )
سعلت سما اثناء شربها العصير فمد عمار يده بمنديلا نظيفا لها وهو يقول برقة ( تفضلي .......)
فهمست محرجة ( شكرا ......)
الا إن سابين لم يرمش لها جفن بل ظلت هادئة تماما ثم قالت برقة
( بالطبع أعرفها .... وأعرف الإمبراطور ... لقد تزوج من أمي منذ أكثر من عشرين عام ...ايثار الراشد بالتاكيد سمعت عنها ... لقد تزوجها أبي بعد رحيل والدك على ما يبدو ......أما أنا فتزوجت من احمد مهران وهو ابن اخت الامبراطور و التى كانت سبب العداوة كلها ........)
بهتت ابتسامته تماما وهو ينظر اليها منتظرا أن تضحك وتخبره أنها مزحة .... الا أنها ظلت هادئة تماما فصدم من هذا الواقع الجديد فأكملت سابين
( ويجب أن أخبرك أيضا أن حلا متزوجة من أدهم مهران وهو رأس مجموعة آل مهران الآن )
نظر عمار الى حلا المحرجة و قد بدأت الصدمة في الظهور بالفعل على وجهه ... لم ينتظر سابين لتكمل فسأل بتوجس وهو ينظر الى سما
( من المؤكد ... أن سما الجميلة قد أفلتت من مخالب تلك العائلة ....أنتِ لستِ......)
الا أن سما قالت بارتباك و تلعثم ( متزوجة من فارس مهران .......)
ارتفع حاجباه بشدة ثم بدأ في الضحك طويلا ...ثم قال من بين ضحكاته
( لكم ستطيب لي الإقامة هنا ............)

انتهى الفصل

لعنتي جنون عشقك. 🌺بقلم تميمة نبيل 🌺حيث تعيش القصص. اكتشف الآن