الفصل السابع والعشرون

4 2 0
                                    

عاد جاكلين لمكتبه لجمع أغراضه ثم أدخل يده في جيبه وأخرج الهاتف ليتفاجأ أن المكالمة مع صديقه أليكس ماتزال مستمرة... وضع الهاتف في أذنه وقال: "أيّها الوغد هل مازلت هنا! ألم أغلق السكة في وجهك!"
أجابه اليكس قائلا: " وتضن أنّك ودّعتني ولكن هيهات حتى هاتفك استحى أن يغلق السكة في وجه شخص وسيم وكاريزما مثلي"
ثم أكمل بضحك: "اه حتى أنّني كنت معكم قبل قليل في حصّة دراما كوين.."
لم يفهم جاكلين كلام صديقه: "ماذا تقصد؟"
قال: "أقصد كلام تلك الأفعى قبل قليل... وصوت مخاطها الذي وصل الى مسامعي هنا... هل صدّقتها!"
جاكلين لم يعجبه كلام صديقه وقال: "لا يجب أن تسيء الضّن بالنّاس وما الدّافع الذي يجعلها تكذب عليّ؟"
قال اليكس: "لا أعلم حاليا، لكن لا تقلق لا شيء يصيب تلك الأنواع من الزّواحف انّها فقط تمثّل دور الضّحية لجذب انتباهك!"
زفر جاكلين بقلّة حيلة: "على كلّ حال أنت تعلم أن قلبي مكرّس لفتاة واحدة فقط وهي أنجيلا"
تنحنح أليكس على كلام صديقه وقال: "جاكلين سأذهب اللّيلة لأزور منزل أنجيلا لأطمئن على كريس خاصتي كما تعلم غدا لديها امتحان وأريد أن أقدّم الدّعم المعنوي لها كما تعلم"
نظرت جاكلين للهاتف في عدم تصديق .. ثم سألته متأكّدًا :
" ماذا تعني يا أليكس؟ لا يمكنك ذلك ! "
قال بصوت متحد :
" بلى ، يمكنني "
أجابه جاكلين بصوت خشن
"اذن تقول الدّعم المعنوي! وتذهب لمنزل أنجيلا وليلاً أيضا! "... أغمض عينيه وقال بهدوء لا يتناسب مع أنفاسه:" انزع الفكرة من رأسك قبل أن يحلّ عليك غضبي"
هتف أليكس بحيرة: "نعم!!"
جاكلين: "كما سمعت" ثم تابع: "ثم انني سأزورهم اللّيلة"
قال أليكس باندفاع: "بصفتك ماذا يا هذا؟"
جاكلين متابعا: "بصفتي جارها وصديق طفولتها وبصفتي منفذ الوصيّة فقد أوصتني جدّتها رحمها الله بها مرارًا وتكرارا.."
تنهد أليكس وقال: "على كلّ حال سألتقي بها غدا وأراها حتى من بعيد" ثم تابع: "سأتناول العشاء الآن وعندما تزورهم طمئني حسنا!"
جاكلين: "حسنا وداعا"
أغلق جاكلين الاتصال وهو يتمتم: "يزور منزلها ليلا اذن!... غبي لو لم تكن صديقي لدفنتك حيًا"
رتّب أوراقه ثم غادر الشركة...
في منزل جاكلين كان ديفد يجلس في مكتبه مشغول الذّهن بالقضايا المتعدّدة التي زادت تعقيدا مع مرور الوقت... لقد كان مشهورا بحلّ القضايا المنسوبة له باتقان لشدّة ذكائه ودهائه... ولكن قضيّة هذا السفاح قد قلّبت الموازين، لقد أدرج له سلسلة من الألغاز التي لا حلّ لها!، التي كان لها دورا في جعله يشكّ في قدراته كضابط شرطة ومحققا محترما.. لم يتقبّل ليومنا هذا طريقة وفاة زوجته الغامض... الشيء الوحيد الذي استنتجه هو أن للسفاح دخل في وفاتها... حاول مرارا الوصول لطرف خيط بسيط لكنّ الظروف لم تساعفه... كيف له أن يكون بهذه الدّقة!...
ومع كل هذا فهو يؤمن بشيء واحد، سيعود المجرم لمسرح الجريمة عاجلا أم آجلا وهنالك ستتحقق العدالة... 
أمسك سيجارته وجعل يدخّن بشراهة لعلّه يخرج النّار المتأجّجة داخله وتهدأ الأفكار المتضاربة داخل رأسه... ولشدّة انغماسه في التفكير لم يسمع صوت ابنه الذي يناديه خلفه الّا عندما أنار جاكلين مصباح الغرفة.
: "أبي لم تجلس في الظّلام الحالك هكذا؟"
وضع ديفد اصبعيه في عينيه وأغلقهما لثوانٍ  لاعادة تركيزه ثم قال: "لم أكن في الظّلام بل اكتفيت بانارة المصباح الزّيتي فهو مريح للأعين"... ثم تابع:" اتّصلت بك ولم تُجب فعرفت أنّك انغمست في العمل مجدّدا لوقت متأخّر ولم تنتبه له.. "
ابتسم جاكلين وقال: "وكأنّك معي.." ثم اتكأ على باب الغرفة وقال: "لقد أحضرت العشاء معي.."
قام ديفد من مكتبه وقال: "وأنا حضرت السّلطة اذهب أنت بسرعة لأخذ حمام سريع بينما جهّزت الطاولة.."
قبّل جاكلين جبين ولده وقال: "أدامك الله لي يا أبي..."
                                 ***
في مكان آخر... في منزل الجدّة... كانت أنجيلا لاتزال تدرس لساعة متأخرة من اللّيل وقد أنهكها التّعب والارهاق، الّا انّها امتنعت عن التوقّف... لقد تبقّت لها هذه المعادلة المعقّدة وهاهي تحاول جاهداً حلّها...
القت نظرة على الوقت لتجدها العاشرة مساءا وقالت في نفسها أنّ الوقت لا يزال مبكّراً، وبامكانها المحاولة قدر المستطاع...
سمعت طرقاً خفيفا على الباب ثم سمحت للطّارق بالدخول...
انّها نور والدة أليس... لقد كانت ترتدي فستاناً مرفّل باللّون القرمزي وتحيط على كتيفيها وشاح كروشيه أسود... دخلت بابتسمتها الحنونة المعتادة وقالت: "أنجيلا عزيزتي لقد درستِ لساعات متواصلة عليكِ بالرّاحة قليلا!... نحن نجلس بالحديقة الخارجية، ارتدي شيئا ما وتعالي فالجوُّ بارد قليلا لكنه منعش..."
وضعت أنجيلا القلم على الطاولة وقالت: "أنا آسفه لرفض دعوتكِ خالتي لكنّني لا أستطيع حقًّا... مزال أمامي القليل بعد.."
ربّتت نور على كتفيها وقالت: "كان اللّه في عونك ابنتي..."
وبينما هم كذلك سمعوا صوت أليس وكريستن وهما تدعوان شخصا ما بالدّخول، وكان صوت أليس الأعلى... عقدت أنجيلا حاجبيها باستغراب فمن يكون الضّيف؟!..
الضّيف كان جاكلين... وقد أتى كعادته ليطمئن عليهن لو يحتاجون شيئا...
قالت له نور مرحّبة: "يا لها من مفاجأة سارّة!... تفضّل بالجلوس بنيّ... "
أمّا أنجيلا فكاد قلبها يقفز من بين أضلعها فرحا... فهي لم تره لمدّة أسبوع كامل... ومرَّ الأسبوع كأنه عام...
شعرت بسعادة كادت معها أن تضحك بقوّة!... لكنّها منعت نفسها بصعوبة واكتفت بابتسامة طويلة زيّنت بها وجهها الطفولي...
اما عن جاكلين فصوت ضربات قلبه تكاد تفضحه هو ولمعة عينيه الخضراواتين...
لقد اكتفا كلاهما بالصّمت وسمحا للعيون بالتّحاور... فلغة الحبّ مشفّرة لا يفهمها الّا العشّاق!..
قطع لحضة الهدوء الجميل صوت أليس وهي تقول: "انظروا ماذا أحضر لنا جاكلين... سلّة بها شتّى أنواع المكسّرات"
ضحك كلّ من في المكان على تعليقها الّا نور... حوّلت اليس نظرها الى أمّها لتجد تنظر لها بعيون تحذيرية فقالت بهدوء
: "أنا لم أفعل شيئا"
أنتم تعرفون جيدًا حركة الأمهات الشّهيرة عندما نكون ضيوفا في منزل ما ونبدأ في طلب الأكل!...
قال جاكلين معلّقًا على كلام اليس: "انّها لتنشيط الذّاكرة!"
قالت نور: "شكرًا بنيّ هذا لطف منك.."
حكّ جاكلين رأسه بخجل وقال: "لم أفعل شيئًا.."
سكت لثوانٍ ثم نهض وقال وهو يتأمّل ملامح أنجيلا: "سأذهب هل تحتاجون شيئًا؟"
قالت أنجيلا بسرعة: "نعم! "
ثم أضافت بصوتٍ هادىء: "هلّا ساعدتني في حلّ هذه المعادلة؟"
ابتسم ثمّ قال: "بالطّبع!"
ثم اتّجه نحوها وجلس بالمقعد االذي أمامها وقال: "أين هي؟"
قالت كريستن وهي خارجة: "لنذهب اذن"
قالت نور بتفهّم: "معكِ حق لنتركهم يركّزون"

ما بعد الهدوء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن