يصاب القلب بالهلع عندما نفقد الأحبة، فيولج بعدها لدوامة عدم الإدراك، ثم يصيبه اضطراب ما بعد الصدمة فيظل في الحياة بجسدٍ بلا روح.
القِ السلام على قلوب أحبتنا يا الله، أزرع بهم الأمل وحاوطهم بكل السعد والفرح، وحاصرهم بالسكينة والأمان، فنحن بلا أحبتنا لا ننجو، وأحبتنا بدوننا لا يعيشون.
سئمت من كوني دومًا الخاسرة في كل حربٍ أُوضع بها دون إرادتي، فالخسارة فادحة تؤلم قلبي... قلبي الذي لم يعد يتحمل أي شيء طالبًا التوقف عن العمل ليهدئ قليلًا.
والنوع الثاني من الخسارة أيضًا حاوطني أنا وقلبي، وهو خسارة أحبتي، أمي، أبي، خسارة من ينال القلب معهما الراحة، الأمان، خسارة حبي الأول، وبدء مرحلة جديدة من اليأس.مع صراخ أمه الذي دوى في الأرجاء عندما وجدت نزيف «مرام» من أسفلها، ورأسها التي نزفت بسبب اصطدامها بحافة السلالم، تحرك وهو لا يعلم كيف تحرك بتلك السرعة وحملها بين ذراعيه راكضًا بها نحو المستشفى، لا يعلم كيف سابق السيارات والطريق، كيف وصل لهنا بالأساس، ولكنه معمي الآن تمامًا من كل شيء، فقط يتخيلها وهي تهوى بجسدها ثم فقدت وعيها على الفور، ونزيفها الذي ألم قلبه وجعله مقبوضًا.
استقبلوها منه في الطوارئ سريعًا وأخذ هو الممر ريحةً وجيئةً ينتظر أي أحد يطمئنه، ظل طويلًا كل شيء مُلقى على كاهله، كل شيء ضده وكأنه وحيدًا في وسط الحياة يصارع وحشة البشر وشرورهم.
_"متسبنيش يا مرام، متسبنيش!"
همس بضعفٍ بينه وبين نفسه، أطبقت الحياة كل الثقل على أنفاسه، كأنها تحاول كتمها ليموت حيًا.بعد مُدة خرج الطبيب يُزيل القناع من على فمه وهو يردف بتنهيدة:
"أضطرينا بسرعة ندخلها عمليات عشان جالها نزيف والجنين كان لازم ينزل!"اقشعر بدنه وهو يطالع الطبيب بعينين لامعتان بشكلٍ مصدوم، وهوى جسده بدفعة قوية من أعلى الهاوية، أصابه الخبر بالضيق والاختناق، كمن جثم على أنفاسه بقوة شديدة، ولم يتحدث سوى باستنكارٍ:
"جـ..جنين؟ هي كانت حامل!"ربت الطبيب على كتفه بمواساة:
"ربنا يعوضكم خير، بس هي كانت لسه في الشهر الأول والجنين مكنش لسه ثابت، الحمدلله إننا لحقنا كل حاجة قبل ما تضرها هي، الحمدلله، ربنا يعوضكم خير ويرزقكم بالذرية الصالحة!"
ثم تخطاه وغادر ليجلس هو على أقرب كرسي بعدما لم تعد قدميه تحملانه، لا شيء يتحمله الآن إن أتينا للحق، لا قلبه ولا عقله، لا جسده ولا أعضائه البقية، كلهم في حالة نفور وأجيج قوي!كلما أراد شيء وكلما تمنى أمنية، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن وحركتها بطريقٍ غير المطلوب، ليغوص معها بالاجبار.
للحظة أتى على باله كيف سيصارحها عندما تستيقظ وتتحمل تلك الفاجعة الكبيرة على قلبها الهش الرقيق، هل سيخبئها بين أحضانه فقط؟
والآن أتى على باله تلك العقربة التي يود أن يفتك بها، تحرك من مكانه عندما لمحهم ينقلونها نحو غرفة أخرى وهي غائبة تمامًا عن الوعي، وجهها شاحب ورأسها معقودة بشاشٍ يغطي جرحها.
YOU ARE READING
تشابُك أرواح
Romanceقُلوبهم على جرف الهاوية، مَعقودة خيوطها بين النُور والظَلام، مُتشابكة أرواحهم بشباكٍ قوية؛ ليقعوا جميعًا نحو الهلاك المُغلف بحبٍ. بينهما حرب لن تنتهي، فهل من الممكن أن تتحول لهدنة؟ أم أن تلك المعركة ستظل مستمرة، ومتشابكة الخيوط، ستظل معقودة للأبد كإ...