36"عناق دافئ"

34.6K 1.8K 463
                                    

الشر الذي ألقيته على الجميع سيعود لك في يومٍ ما، فلنا رب كريم عادل، لا يهمل المظلوم ولا يمهل الظالم، سيأتيك بحقك الذي تركته والذي حاولت لأجله عدة مرات.

_"وشـــي"
هكذا نبس «وليد» بصراخٍ شديد عندما نزف وجهه بالدماء، وتحرك الضباط ناحية الزنزانة بهلعٍ يسألون عن الأمر:
"في إيه أنت وهو؟"
وجدوا «وليد» يحاول التحرك ممسكًا بوجهه بصراخٍ وعويل كما سيدة ضعيفة أتى أحدهم على حقها فجعلها تصرخ دون توقف وبقلبٍ مرتجف خائف، هو كذلك لم يكن سوى رجلٍ يهاب الجميع ويخاف من ظله إن تواجد، يحتمي برجاله فقط.

_"يا نهار أبيض، إيه اللي هبب وشك كدا، أطلع تعالى"
قالها الضابط بفزعٍ وجذبه خلفه لخارج الزنزانة نحو طبيب متخصص هنا وجلس أمامه يتلوى كما الحية من شدة وجعه.

نبس الطبيب بتنهيدة وهو يضع اللمسات الأخيرة من اللاصق الطبي:
"عدت على خير، خلي بالك اللي جوا دول ناس بهاوات السجن زي البهاوات اللي برا السجن، هو كدا العالم، كل مكان لازم يكون فيه البيه وعامة الشعب اللي تخدم عليه"

تحدث «وليد» من بين أسنانه بضيقٍ شديد وبالكاد يستطيع التحدث من الوجع الذي أصاب وجهه:
"أنا هوريه لما أطلع من هنا، هوريكم كلكم، أنتو متعرفوش أنا مين، أنا وليــد الأنصاري"

لوى الطبيب فمه بتهكمٍ، مثله مثل الآخرين متعجرفًا، فأصبح من داخله الشماتة ناحية «وليد» عمّا أصابه.
ثم تحرك مجددًا نحو الزنزانة رفقة الضابط وألقى نظرة شزرًا ناحية «كُبرة» الذي ابتسم بمكرٍ له.

__________

كان جالسًا في شرفة منزله يحتسي الشاي رفقة تلك السيجارة التي بيده، شاردًا بعقله في ألف شيء بحياته كلها، منذ أن مات والده وهو هكذا حاملًا فوق طاقته وفوق أكتافه الكثير والكثير، كانت شاشة هاتفه المضيئة منعكسة على عينيه البُنية، يشاهد صوره مع أصدقائه والتي كانت جميعها مملوئة بالذكريات التي بينهم.

لمح أمه تلج له وتجلس جواره، فابتسم لها بخفة وأطفئ تلك السيجارة التي بيده قائلًا بترحيب:
"إيه ياست الستات كلهم"

ضحكت أمه بخفة ولكمته في كتفه بمزاحٍ قائلة:
"بطل ياض يا بكاش أنت الكلام بتاعك ده"
ثم تنهدت بخفة وهي تربت على كتفه بحنانٍ أموي جعل الراحة تدلف لقلبه:
"مالك يا حمزة، أنت بقالك كتير ساكت ومش مظبوط ومش ابني اللي أعرفه، أنت مشيل نفسك هم كبير ليه يابني، إحنا عايشين أهو الحمدلله، وأنت ربنا هيكرمك ببنت الحلال تتجوزها وتعيشوا في هنا وسعادة ياحبيبي"

وكأنه كان ينتظر تلك الكلمات ليتحرك الضجيج الذي بداخله وأسكنه هو بعد مراتٍ عديدة في محاولات الصمت التي وجدها طريقًا صحيحًا لذلك الدرب الصعب الذي يخطو به.
تحدث وهو ينظر أمامه بشرودٍ وملامحه احتلها الحزن الكبير:
"مش عارف، مبقتش عارف حاجة يا أمي، أنا ضايع في الدنيا مش عارف أنا ماشي صح ولا أنا ماشي غلط ومحتاج حاجة تقولي كمل أنت صح، الشغل ربنا موفقني فيه وزي ماكنت بحلم وفضلت اسعى عشان أوصل للي أنا فيه، بس برضو حاسس فيه حاجة غلط، مبقتش عارف ده إيه"

تشابُك أرواححيث تعيش القصص. اكتشف الآن