جحظت عينا إلينا بالذهول و الصدمة .. تمهل عينيها علينا من غير أن تطرف .. أو حتى أن يكون بها قدى ..
تحاول أن تبتلع دموعها حتى لا تخدش كرامتها ..
أخوها الكبير و الرجل الذي تحبه بشدة يتشاجران من أجل خادمة !
إعتراها غيظ .. و عقبها جرح نزيف يتوسط قلبها ..
تسللت دمعة حارقة لا يُطفئ نار الحقد الدي بدأ يأكل قلبها ..
هرولت مسرعة .. يقتاد خطواتها الى غرفتها .. و تبعها يوري يتوغل في داخله ندم أو ربما خجل .. و لكن لا أدري !
أنا كنت فقط قابعة وسط الغرفة .. تملؤني الصدمة أو دهشة أو كليهما .. و لا أدري ! كنت أرتجف بشدة .. أطرافي مرتعشة .. تجثم أفكار سوداء على رأسي ..
تمزقني و تحدث بي ثقوبا بنفسيتي المتشردة ..
كم أنا حقيرة ؟! لا أساوي شيئا ! و لا أستحق الحياة ! حتى أنفاسي الملوثة ..
كيف سمحت لنفسي أن أكون مضغة يلعكها كل حصيات الطرق .. فنلت منها القذارة و الحقارة و الشر .. حتى وصلت بي أن أكون عشيقة رجلين .. أحدهم يكون صهرا للآخر.
كيف أفرضت علي نفسي المتشردة أن أكون علاقة برجال المنزل .. أنسيت أنني كنت خادمة .. لا أبني سوى قصورا من الأحلام .. أنا لست سوى خادمة .. مجرد خادمة ..
أو عاهرة .. على الأقل هذا ما كانت تحاول أن تقول لي إلينا و هي تخرج راشقة نظرات الإزدراء تجاهي ..
مسكينة أنا .. إنهار أبراج العنفوان داخلي .. و كل ما كنت أحافظ عليه من سنين تنهار في لحظة مروعة .. لم يعد لدي شرف أحافظ أو أجادل لأجله بعد اليوم .. فتلك الإشاعات التي كانوا يروجونها أعطيتها مصداقية تصديق في فوضى الدي أحدثتها بغرفتي الليلة ..
سوف يتكلم عني الجميع غدا .. و سأصبح مضغة لكل ماضغ في شرفي و كرامتي المنهارة ..
لبرهة أمسكني إستيفن من بين دراعي ليوقفني برجلاي اللتان لا تزال تتلاعب دبيب الإرتعاش بها ..
كلمات الشكر تنساب بين شفتاي بشكل بائس .. نظرات اليأس تطفح على عيناي الباهتتان ..
لاحظ علامات الإنهيار الداخلي البادية على ملامحي .. إندفع نحوي و حضنني بتهور .. و كنت من بين ذراعيه كالثلج أو كالجماد لا روح فيه ..
أي روح أتكلم عنه ؟! تلك التي بعتها لحظة خوف و جبن مني ؟! أو تلك التي جعلتها مضغة في كل فم ساخر !
كيف سينظر إلي الجميع بعض اليوم ؟!
بعد أن أيقظت صفوتهم بإحتكاكات بين رجلين في غرفتي .. ستتواتر تلك الإشاعات بشدة دون صدأ ! و من سيلام بذلك غيري .
أنا من أدخلت إستيفن غرفتي ذون أي حياء .. أنا من كانت تقترب ليوري بتلميح أو رغبة داخلية .. أنا السبب في كل شيء ..
و ها هو يحتضنني الأن بكل جرأة و أنا واقفة جاثمة بين ذراعيه لا أفعل شيئا .. حتى فمي كممتها بشريط لاصق إسمها الصمت ..
خاطبته مشجعة " أتركني الآن .. "
لم يعر إهتماما لكلامي ..
دفعته بتهور ..
أخاطبه بلهجة ثائرة " أتركني .. لم أعد أريدك بقربي بعد اليوم .. لقد سببت لي المشاكل بما يكفي "
" هيا أخرج من غرفتي حالا "
هكذا تكلمت بجرأة و بكل قوتي و نظراتي الجريحة تخترق جسده المتسمر في مكان دون أن يصدأ ..
خاطبني بنبرات رخيمة هادئة ذات وقع على النفس
" حبيبتي مارية "
" حبيبتي .. حبي .. لن أسبب لك المشاكل و لن أسمح لأي أحد أن يمسح سمعتك على أرض "
إقترب بنعومة مني جعلني أرضخ لوقعاته و كلامه المعسول .. كانت ملامحة تنم على الجدية و هو يخاطبني
" هل تتزوجين بي يا مارية "
عقدت الدهشة لساني .. فهناك مواسم للكلام الذي لا صوت له ... فتحدث بلبلة في عقلك و تبدأ الأفكار و التساؤلات تترنح في داخلك .. تظهر كل تفاصيل الدهشة في ملامح وجهك ..هكذا طلب يدي ذون أي خاتم و لا حتى مقدمات .. هكذا فجأة يتغلغل دهشة ممزوجة بشيء من السعادة ينساب في عروقي لحظة إستسلام مخيف ..
بادرته بقولي " نعم .. نعم يا إستيفن .. سأكون زوجتك ! "
و رميت نفسي في حضنه .. تتدلى على شعره الذهبي الفواع تتعطر به أنفاسي لتعلوا الى السماء بلا قيود .. يتلألأ ضوء القمر التي تخرج من الشرفة على عيناي كالألماس ليعكس وجه إستيفن بريق الإبتسامة و يخاطبني بإهتمام ..
" سنجعل خطبتنا حفل العائلي في هذا الأسبوع .. حيث سيحضر جميع أفراد عائلتي .. أبي.. أمي .. أقربائي .. جميعهم سيكونون هناك .. "
أحسست بأنني أعيش لحظات حلم جميل قد ترتطم في أي وقت بأرض الواقع .. نعم فأخته تكرهني .. و لازالت أكافح العبودية من قيود يوري .. و لكن كل هذا التشائم لم تمنعني أن أنسجم مع تلك اللحظات الحالمة .. فقلبي الصغير يخفق نبضاته بحماس .. أسمع لهاث أنفاسي تضارب أنفاسه ..
أحدقه بكل إفتتان ..
يأسرني عينيه الزرقاوين الحالمتين .
قسمات وجهه المنحوتة .. دقنه المرتفع .. شاربه الدي يدأ يخط أول ملامحه بين قسمات وجهه الآسرة ..
أنا حقا أحبك يا إستيفن .. بل أعشقك ..
لقد أنقذتني حقا مما كنت غارقة فيه من بؤس ووحدة و شقاء بطلبك الصاعق ..
كان سعادتي كبيرا .. و أحسه ثقيلا في تفكيري الفطري البائس .. ربما لأنني لم أعش لحظة أسعد من هذه الليلة ..
أحس تماما أن هموم أيامي قد ولى .. و أن أيام الأنس و المشاركة تلامسني كأمواج البحر تلامس نسمة الرياح ..
وتسللت دمعة رغما عني .. و شقت طريقها على قسمات وجهي ..
بدأ يكفف إستيفن من خدي .. و يرمقني بنظرات طويلة صامتة ..
خاطبته مترددة " أحقا ستخطبني حفلة هذا الأسبوع "
إنحنى برأسه المثقل لتستقر على كتفي الهزيلة .. و تنسدل شعره على ظهري ..و هو يردد " أنا أحبك ..أنا أحبك مارية .. أنا حقا أحبك "
رفع رأسه .. كانت نظراته هائمة تفيض صمت عميق في داخلي .. لم أشكك أبدا في كلامه ..
خرج يودعني بقبلة دافئة في خدي .. غاب عن أنظاري .. ليتركني أسبح في خيالي المستقبلية حيث سأعيش زوجة إستيفن في غير هذا المكان البائس !
في شاطئ الحب .. في شجر السديان أيام الربيع ..
تأهبت للنوم .. غيرت فوطة فراشي .. أويت إليها .. إرتميت .. سرحت في أحلامي حتى غضت في نوم عميق ..
سيذهب الليل بهدوء و صمت و يأتي الصباح بإشراقة جديدة .. بيوم جديد يتجدد بها الأمل .. و تتجدد معه نسمات الريح .. أشعر بلهفة ما هو قادم لي !
..........
إستيقظت الصباح بشروق جميل .. ألج في عملي بسعادة .. تملؤني اللهفة و التفائل حتى لو قام الجميع بتكبيلي بسلاسل الإزدراء و السخرية و الضحك حينما قلت لهم بأنني سأتزوج إستيفن .. لم أستطع أن أنتظر حتى أجعلهم يصمتون من الدهول و أستعيد بعضا مما فقدته من شرفي أمس ..
كبست عليهم بقصة حبنا ..
لم تصدق هاني و ميرنا .. أعقدهم الدهشة بعد ما إنتهوا من سخرياتهم و ضحكاتهم ..
تخاطبني هاني بإعتراض
" أنت تكذبين علينا "
و أردفت ميرنا تقول
" لا أصدق .. أنا و هيري نتواعد ما يقارب سنتين .. حتى أنه لم يلمح لي بأني قد أستحق يوما أن أكون زوجته .. كيف فعلت ما عجزت أنا بفعله .. لا بد أنك دبرت مكيدة بليل أسود و هو وقع في فخك بكل غباء .."
نظرت إليهم بشيء من الثقة و قلت " هو الحب .. الأمر بهذه السهولة .. لا يحتاج الى مكيدة "
و مضيت في عملي .. بينما إنهمكوا في جدل و ثرثراتهم لا ضائل منها ..
بعد ثوان بزغت ميرنا من المطبخ و لابد أنها ذهبت الى صديقتها لتفاجأها بالخبر .... يتبع
أنت تقرأ
خادمتي اللذيذة ( غموض/رومانسي)
Mystery / Thriller.كان يقول لي صغيرتي و عزيزتي .. و كنت أصدقه كالبلهاء .. وعدني ببيت أسكنه فأخذني الى قصره لأعمل خادمة وضيعة تستحقرني زوجته .. كنت أرى الهناء في عينيه و ألمس يديه فأشعر بالإطمئنان و أشعر أنني في أمان .. و أقول لنفسي أحبه ! و لكن كان مجرد مسرحية إسمها...