الفصل الرابع

7.8K 365 41
                                    

لمدة ايام استمريت بالتفكير بك .. بطعم شفتيك .. بتلك القبلة .. بأنفاسك .. بتلك الاحرف التي نطقتها عندما قلت انك تحبني !.. سالت نفسي ان احببتك مالذي سيحدث !.. لاشئ .. اجابة نطقها عقلي بسرعة .. فعلا لن يحدث شئ .. كلانا مختلفان من عالمان بعيدا كل البعد عن بعضهما !.. انا انتمئ لشئ وانت لشئ اخر !.. وجدت نفسي امسك بهاتفي وانا متوترة .. هل اتصل بك !.. لا لن افعل .. اني بحاجة الى لمساعدة احد ولكن من !.. جدتي!.. اجل هي الوحيدة التي قد تفهمني ...
استقليت سيارتي متجهة الى منزل جدتي الدافئ .. وصلت لمنزلها فأوقفت سيارتي امام منزلها المتواضع .. تحب الهدوء والبساطة .. لم ازر منزلها منذ مدة طويلة كنت اراها في المدة التي مضت في منزلنا .. ترجلت من السيارة وسرت للداخل .. عبر البوابة الصغيرة الخشبية التي تصل لمستوى خصري .. سور خشبي يحيط بحديقتها حيث تزرع الخضروات والزهور .. تحب الزراعة كثيرا والنباتات .. منزلها حجري من الخارج .. نوافذه مطلة على الحديقة .. واعلى منزلها ( قرميد احمر ) .. وقفت امام باب المنزل الخشبية الداخلية .. طرقت الباب فتحت لي خادمتها وهي ترحب بي .. ابتسمت لها وانا اسألها عن جدتي .. ذلفت للداخل الى غرفة المعيشة التي يتوسطها موقد .. امام الموقد كرسيان مبطنان بقماش ابيض باهت عليه ورود زهرية .. ورق الجدران به ورود زهرية .. اريكة زهرية امامها طاولة بيضاء عليها تحف صغيرة كثيرة .. اعلى الاريكة على الحائط ارفف به كتب قديمة انجليزية كانت لجدي .. اما جدتي فقد كانت تجلس على الاريكة الاخرى التي بجانب النافذة المطلة على الحديقة .. سرت باتجاها وقد ملأت اللهفة قلبي .. انحنيت لأحتضنها قائلا : حبيبتي اشتقت اليكي .
حاوطت ذراعها ظهري وهي تقول : وانا ايضا ماهذه المفاجأة الجميلة .
قلت بغصة : انا بحاجتك .
اجلستني بجانبها وبدأت تمرر يدها على خصلات شعري .. اتسعت عيناها الناعستان من خلف تلك عدسات النظارة الطبية .. قالت بقلق : مابالك حبيبتي !.. لقد اقلقتني .
- انا مشوشة .. جدتي هل يمكننا ان نقع في حب اشخاص الخطأ !.
ابتسمت لتقول : هل وقعت قطتي الصغيرة بالحب ؟.
- لايمكنني الاعتراف بذلك .. جدتي هو من الاقليم السادس .
بقيت صامتة لم تبدي اي رد فعل .. مدت يدها المجعدة والتي برزت عروقها لتمسك بيدي .. قالت لي : في عصر من العصور كنا نعيش معا على اننا واحد لافرق بيننا .. نتزوج ولانسأل الى اي مكان او طائفة ينتمي .. هذه الارض ضمتنا لقرون طويلة .. لايعني اننا تقسمنا ان لا نتعامل مع بعضنا ان نكره بعضنا .
- ولكن قرار التقسيم جاء لنعيش مع من يشبهوننا بسلام .
- السلام بأن نعيش مع من نحب ليس مع من يشبهنا .. الحب لا يأتي الا من الاختلاف .
ابتسمت وانا اسمع كلامها الذي بدا وكأنه بلسما على قلبي .. انحنيت لأقبل يدها قائلة : حبيبتي ارجوكي لا تتأثري بأهواء من حولك .. استقلي بشخصيتك .
ابتسمت وانا اسألها : اووه جدتي يبدو انك كنت مغامرة جدا عندما احببتي ابي .
ابتسمت وهي تقول : اجل .. جدك كان يدرس في انجلترا كان يسافر كثيرا .. والداي كانا يرفضانه بسبب سفره .. فوقفت امامهما واصريت على انتظاره الى ان انهى دراسته الماجستير .. تزوجنا حيث كان يحضر للدكتورا لم اكن حينها متعلمة لأنني تركت المدرسة في الابتدائي ولكنه اصر على ان اكمل .. كنا ندرس معا يوميا .. في كل مرة يسافر بها كان يحضر لي مجموعة من الكتب لأقراها في غيابه وعندما يعود اخبره برأيي في كل كتاب .
تجمعت الدموع في عيني وانا استمع لها .. هل يمكن ان نصبح هكذا في يوم من الايام انا وانت !..
سألتني جدتي وهي تقول : لم تخبرينني ما اسمه ؟.
قلت وانا ابتسم بخجل : علي .. جدتي هل تذكرين منذ اشهر طويلة تقريبا .. اتيتي للمهرجان الذي في الجامعة رأيتي رجلا اخبرتني انه سيكون زوجي انذاك !.
- ذاك الوسيم .
صفرت وانا اقول : هيييييي جدتي لم تنسه .
ضربت يدي بخفة وهي تقهقه قائلة : ادعيه يأتي لأراه .
فتحت عيني بتعجب !.. قلت لها بشك : ادعوه لمنزلك !.
- اجل .. هل يمكنه المجئ قبل العشاء .
نهضت وانا اقول بحماس : بالطبع ههههه اااه جدتي .
جريت بسرعة لأصعد للردهة التي في الاعلى كي اتمكن من الانفراد معك في مكالمة ...
....
وضعت يدي على صدري وانا اشعر بالاحماس .. اخذت نفسا عميقا ثم اتصلت بك .. لم تجبني .. اتصلت مرارا وتكرار بك الى ان اجبت بتذمر : نعم !.
قلت وانا احاول ان ابدو بحالة طبيعية : جدتي تدعوك على العشاء معنا .
صمت قليلا !.. ثم سألتني : انتوا منو ؟.
- اني وهي .
- هي منين تعرفني ؟.
ضحكت وانا اقول : هههه قلتلها خلي نعزم الخاطفني .
- هههههه الله عليج .
- لا جد بس يعني .. يعني تعال .
- اني شضمني انه مو فخ .
قلت باستنكار : فخ !.
- هههههههه اي .
قلت بعصبية : اي فخ وحاطين سم بالاكل .
بنبرة جذابة قلت : اذا هيج اني جاي .. دزيلي العنوان .
- حسنا .
انهيت المكالمة وانا متحمسة .. اكاد ان اقفز من مكاني فرحا بقدومك .. بدأت انا وجدتي نحضر العشاء .. صدمت مني عندما رأتني اعرف الطهي .. سألتني وهي تنظر لي بصدمة : هل تعلمتي الطهي !.
- أأ.. اجل اخذت دروس في الطهي وترتيب المنزل .
ابتسمت وهي مدهوشة : اووه حبيبتي فخورة بكي .
ضحكت في قرارة نفسي لو تعلم انك من اجبرتني على ذلك ...
...

اهز قدمي بتوتر .. افرك يداي ببعضهما اثناء انتظارنا لك .. متحمسة وخائفة .. متحمسة لرؤيتك وخائفة من الخوض معك في المجهول من جديد !.. سمعت صوت قرع الباب نهضت فورا وكأن هناك صعقة كهربائية اصابتني .. وضعت جدتي يدها على قلبها وهي تقول : مابك !.
جريت بسرعة وانا اقول : الباب يطرق .
كاد الخادمة ان تفتحه فحاولت ضبط نفسي .. توقفت رفعت رأسي واغمضت عيني .. قلت لها : افتحيه .
فتحت الباب فسرت باتجاه الباب دخلت انت حاملا باقة من الورد متردي ثياب انيقة جدا !.. قلت وانت تبتسم : الورد للورد .
ابتسمت قائلة : اووه شكرا لك .
سمعت صوت جدتي خلفي مرحبة بك قائلة : اهلا بك .. تفضل .
تجاوزتني بعد ان سحبت الباقة مني !.. ناولتها اياها قائلا : الورد للورد .
!!.. كدت انفجر ضاحكة ولكن كتمت ضحكتي .. قبلت يدها برقي .. قلت لها : تشرفت بمقابلتك .
- وانا ايضا بني .. تفضل .
سارت جدتي امامك فبطأت انت بخطواتك لتتحدث معي قائلا بهمس : الورد يمشي لو جان المفروض اجيب حلويات !.. لوعدها السكر .
- ههههه لا حلو .. بس ترا مجان اكو داعي تسوق هالعرض كله واللباقة تدري انت من الاقليم السادس .
رفعت حاجبيك واتسعت حدقة عيناك البنيتان قائلا : تعرف !.
- اي .
- لحظة .
قمت بخلع معطفك رميته علي وانت تقول : اكمشيه .
التقطته .. بدأت تفتح ازرار قميصك الاولى .. ثنيت اكمامك وعبثت بشعرك قائلا : اي هسة الواحد يرتاح .
رفعت حاجباي وانا اقول : احلف !.
تجاهلتني وانت تدخل للداخل قائلا : ديري بالج ع جاكيتي مو تعقجيه .
- ههههههه .
...

بدأت تثرثر مع جدتي كثيرا .. من خلال حديثكما شعرت انكما رقتما لبعضكما .. كنت انظر لكما وانا سعيدة .. اشعر ان هناك شيئا بداخلي قد ارتاح بسبب حديثي مع جدتي .. بسبب رؤيتي لك .. تجمعت تلك الاسباب لتجعل وجهي يشع بالحياة .. انتيهنا من تناول الطعام بعدها خرجت برفقتك الى الحديقة لنجلس في الارجوحة .. كنت بجوارك جالسة .. ساقي بجانب ساقك .. تترأجح اجسادنا الى الامام والخلف .. تمر نسمات الهواء لتداعب وجوهنا .. يتطاير شعري .. كنت اثبت يدي على طرفتي الارجوحة التي اجلس عليها وانت كذلك .. قلت وانت تنظر امامك : حبيت بيبتج .
ابتسمت وانا اومئ برأسي .. تجرات لأقول : لقد اخبرتها بانني .. احبك .
توقفت الارجوحة اوقفتها بقدميك .. شعرت بك تلتف الي لكنني لم احرك ساكنا كنت انظر امامي ... ضربت ساقك بساقي فابتسمت وانا اعض على شفتي السفلى .. قلت لي : شقلتي ؟.
رفعت كتفي وانا اضحك قائلة : ولا شئ .
كررت سؤالك : شقلتي !.
التفت اليك وانا ارفع حاجبي قائلة بعناد : ما .. قلت .. شي .
مددت يدك لتقرصني من زندي قائلا : اعترفي.
تأوهت قائلة : ااه .. احبك .
امسكت بي من رأسي من بكلتا يديك واقتربت .. اغمضت عيني بخجل .. شعرت بأنفاسك قريبة .. ولكن شعرت بشئ يضرب جبيني !.. فتحت عيني ضربت جيبنك بجبيني .. قلت وانت تضحك : حتى تحرمين .
رفعت يدي على جبيني : هههههه مجنون .
....
اخذت يديك بين يدي وسألتك بجدية : اخبرني الان .. لم سرقت ؟.
صمت قليلا كأنك تفكر .. ثم قلت : لازم تشوفين بنفسج .
- شنو اشوف ؟.
- باجر اجي اخذج نروح للاقليم مالنا .
قلت بحماس : موافقة .
مددت يدك وكأنك ستصافحني : اتفقنا .
- هههههه اتفقنا .
....

سعادة غمرتني في تلك الليلة .. عندما وضعت رأسي على الوسادة واطفأت الانوار فقط كانت صورتك منعكسة على سقفي .. ابتسم وارفع يدي لفوق كانني اتلمس ملامحك .. قلبي كبير للغاية يمكنه ان يسع العالم باكمله .. اتذكر كل كلمة دارت بيننا .. كل همسة .. لمسة .. اغمض عيني واتخيلك .. افتحها واجد صورتك .. بين الحلم والواقع تكون انت حاضرا !..
...

يدي تعانق يدك .. اصابعك تتشابك مع اصابعي .. تضغط على يدي بقوة اكثر فأبتسم .. هكذا قضينا الطريق الطويل الواصل بين اقليمينا ... وصلنا الى هناك .. دخلنا لتلك الحارة الشعبية من جديد .. هذه المرة كنت انظر لكل شئ وكأنني جزءا منه .. ابتسم تارة عندما اتذكر الوقت الذي قضيناه هنا .. واحن تارة اخرى الى تلك الايام .. ولكن لدي امل بأن القادم افضل مادام معك !.. لامستقبل بدونك !..
...
الغريب اننا لم نتجه لمنزلك بل توقفنا عند احد المنازل .. كان الباب خشبي جدران المنزل من الخارج قديمة .. طرقت الباب .. ففتحت الباب امرأة كبيرة في السن .. ترتدي الحجاب .. وجهها تكسوه التجاعيد وقد بان الحزن على ملامحها ولكن الجميل ان شفتاها كانتا باسمتان رغم كل شئ .. نظرت لك بفرح ثم فتحت الباب اكثر وقالت بترحيب : هلا يمة تفضل تفضل .
امسكت بيدي لندخل للداخل .. لم اكن منتبهة لحديثكما .. فقد دارت عيني في المكان الصغير جدا لايكاد يتسع لأشخاص كثيرين .. سقف مستواه هابط قليلا حيث شوهت ملامحه بسبب الرطوبة وقد انتزعت منه طبقة الدهان لتظهر طبقة من الاسمنت .. لايوجد ارائك بل مجرد سجادات مفروشة اعلاها فراش ووسائد مسندة على الجدار لمن يجلس يتسند عليها .. تلفاز صغير قديم جدا .. معلق في زاوية الغرفة .. تبعتك وانت تسير مع المراة .. ممر تقريبا طوله ثلاثة امتار .. على اليمين مطبخ من المفترض ان يكون كذلك .. ولكنه كان عبارة عن مساحة اقل مايقل عنها انها صغيرة .. مجلى صغير بجانبه موقد الطبخ .. اعلاهما رف علقت عليه الصحون .. لم يكن هناك ثلاجة !.. على يساري حمام صغير جدا .. حوض صغير لغسل اليدين .. والمرحاض القديم .. وماصدمني ان هناك وعاء كبير يوضع به الماء للاستحمام !.. ونحن في هذا العصر!.. فمي كان يفتح ببلاهة كلما دققت النظر في الاشياء حولي !.. دخلنا اخيرا لداخل الغرفة اليتيمة .. فراش على الارض لاتوجد اسرة .. الثياب موضعة في سلال .. كان هناك ثلاجة صغيرة .. وايضا !.. طفل ربما لايتجاوز عمره السابعة مستلقيا على الفراش الارضي .. سرت انت مقتربا منه .. انحنيت لتجلس بجانبه .. امسكت بيده وقبلتها قائلا : شلون البطل مالنا .
ابتسم وهو يجيبك بتعب : زين .
- لا لا .. انت قوي !.. يلا شوفني عضلاتك .
رفع الطفل ذراعه بضعف وهو يقول : اني قوي .
هنا لم استطع التحكم بنفسي .. انفجرت باكية .. بل باكية بصوت عالي .. جريت لأخرج من هذا الذي اقل مايقال عنه انه مأوى !..
خرجت وانا ابكي والتقط انفاسي بصعوبة .. وصلنا الى عام 2033 وهناك اشخاص اقل مايقال عنهم انهم تحت خط الفقر .. بل حتى كلمة فقراء قليلة عليهم .. العالم يرتفع من حولهم وهم ينزلون الى القاع .. لايطولون شيئا من التطور سوى المشاهدة !.. مشاهدة غيرهم ينعمون بالتطور !.. جلست على الرصيف ابكي مثل طفلة والها رحل للعمل وتركها .. لم اشعر بك وانت تجلس على الرصيف بجانبي .. بكيف طنا هائل من الدموع على هذا العالم !.. تسائلت كثيرا كيف يمكنهم الحياة هكذا لم اجد اجابة !..
قلت بصوت مسموع : كيف لهم ان يعيشوا هكذا ؟.
سمعتك تقول لي بلغتي : لأن ابسط امنية لديهم هي الحياة !.. ليست حياة فارهة بل حياة فقط !.
التفت الي وانا امسح دموعي .. تداركت نفسي كي اسالك : منو هذا ؟.
- هذا الطفل الي شفتيه ماعرف ولايعرفني .. بس مريض بالتهاب الكبد الوبائي .. لازم يسووله عملية زرع كبد .. وهالعملية تكلف هواي ..
قاطعتك قائلة : علمود هيج خطفتني ؟.
زفرت قائلا : اي .. جانت حالته ممطورة من تعرفت عليج وحبيتج .. خطفتج بس لاني احبج صرت اماطل ماتصل لابوج .. بس لمن تطورت حالته مجان بايدي حل ثاني غير اني اسرق هذاك الرجل صديق ابوج .
- هسة هالطفل حيتعالج ؟.
- ان شاء الله خلال ايام حيسافر .. المستشفى مال منطقة هنا كلش تعبانة مستقبلوه لكثرة المرضى .
بقيت صامتة اشعر بالذهول !.. استرسلت انت قائلا : ترا صديق ابوج كل فلوس من هالناس الفقرة .. مصادر وصخة .. واغلب الي بطبقتكم هيج .. اني دارجع الحق .
ابتسمت بحزن قائلة : روبن هود !.
- هههه .
...
بدأنا نتجول في الازقة واصابعي تشبك اصابعك .. وصلنا لمنزلك الذي اشتقت اليه .. دخلت خلفك وانا اشم رائحة المنزل التي اعتدت عليها .. نقلت بصري من جهة الى اخرى في الارجاء .. القيت بجسدك على الاريكة وانت تمد يدك مشيرا الي باقتربي .. امسكت بيدك لتسحبني بقوة ارغمتني على الجلوس على فخذك .. قلت لي بمزاح : وهسة يابنتي حطيج تعليمات تمشين عليها .
رفعت حاجبي وانا اقول : تعليمات !.
- اولا .. لبسج تعدليه .. طلعة من البيت ماكو بدون اذني ..
قلت لك بدهشة : شنوووو !.
رفعت حاجبك وانت تقول : معاجبج كلامي !.
بقيت صامتة افكر .. امسكت راسي بكلتا يديك وضربت جبهتك بجبهتي .. قلت وانا امسك جبهتي : ههههههههه حسنا موافقة .
- ههههه اي عفية .
...
قلت وانا امسك بيدك بين يداي : لم اكن اعلم انك طيب لهذه الدرجة .. فعلت كل هذا من اجل مساعدة الاخرين .
- مرح ارتاح الا اذا رجعت كل شي مكانه .
- شلون ؟.
قلت وانت تبتسم : اني اساوي بين الثنين .
عقدت حاجبي لم افهم ماقلته !.. سألتك : كيف بالسرقة ؟.
- لتعتبريها هيج .. هالفلوس من حق هالناس .
- في النهاية اسمها سرقة .
مسحت بيدك على ذراعي قلت بصوت هادئ : لتخافين اني اعرف شدأسوي .
....

ولكن لايمكنني ان اطمئن عليك وانت تفعل هذا .. ولايمكنني الاقتناع بأن ماتفعله هو الصواب !.. نعم الناس بجاحة لهذه النقود من اجل الحياة ولكنها قد تكون كالزقوم علينا انا وانت لأنها في النهاية سرقة ..
....


جالسة أأكل بصمت وانا افكر هل افاتح والداي بالموضوع ام لا !.. بلعت تلك اللقمة الذي شعرتها انها ثقيلة على حلقي .. قلت بارتباك  : ابي مارأيك ان نساعد الناس الفرقاء مثلا ان نقيم لهم مشروعا !.
فجأة شعرت ان والداي مصدومان مما قلته !.. رفعت حاجبي بتعجب وانا اقول : ماذا !.
سألتني امي : مالذي خطر في ذهنك ؟.
قلت الطعام بشوكتي وانا انظر له قائلة : ممم لقد رايتهم عبر التلفاز كانت حالتهم يرثى لها .
قال ابي : انا اساعد الفقراء لاتقلقي .
رفعت رأسي حيث شعرت بفرحة تغمر قلبي قلت له بفرح : حقا !.
ابتسم برضا : اجل .
سألته وفمي واسع بسبب هذا الامر : تساعد الاقليم السادس !.
تلاشت تلك الابتسامة التي على وجه ابي .. رفع يده ليمسك ذقنه الذي يخلو من الشعر قائلا : لا انا اساعد الناس في جنوب افريقيا .
جنوب افريقيا !.. استنكرت الموضوع !.. سألته : ولم تساعد الناس في افريقيا بينما هناك الكثير من الفقراء والعشوائيات في الاقليم السادس !.
ببرود سألني حيث لم استطع تفسير النظرة التي في عينيه : ولم مهتمة بالاقليم السادس !.
- اخبرتك انني رأيتهم في التلفاز .. حالتهم يرثى لها ارجوك لنساعدهم .
- انهم عبارة عن مجموعة مجرمين .. لايستحقون حتى عطفنا عليهم .
قلت بعناد : انهم ليسوا كذلك ابي صدقني .
اكمل تناول طعامه قائلا : حبيبتي لا تشغلي ذهنك بحثالة مثلهم .
!..
انا كنت مثل ابي استصغر جميع من في الاقليم السادس .. عندما سكنت بينهم .. تعرفت عليهم .. لامست وجعم ادركت اننا نعيش في غفلة .. غفلة عن اناس مثلهم .. غرتنا حياتنا واصبح همنا سلعة نشتريها .. مكان نسافر اليه .. نحتار في اختيار المكان الذي سنستمتع به ..
بينما هم همهم الوحيد قضاء يوم واحد بخير !.. يوم يجدون به العشاء هذا يكيفهم !.. مكان يأؤون اليه .. يحتارون هل سيأكلون الطعام الذي بحوزتهم الليلة ام يخبئونه للغد .. ايامهم متشابهة لايوجد جديد ..
...



جالسة في الحديقة احرك قدماي لأجعل الارجوحة تتحرك .. افكر طويلا هل اخبرك !.. ولكنني خائفة ربما ستغضب علي .. امسكت بهاتفي فاتصلت بك وانا احاول ترتيب الكلام .. اجبتني حيث كانت مكالمة ثلاثية الابعاد تراني واراك .. قلت لي بغضب : وين جنتي متردين علية !.
- قتلك ويا ابوية .
رفعت حاجبك وانت غير مقتنع قلت لي : يلا قوليلي شضامة عني !.
- مضامة شي شبيك !.
قلت لي بتهديد : لج .
ضحكت بسببك وانا اقول : لج !.
- اي لج .. لج يلا قولي .
- ماكووو شي .. يلا حبيبي اهلي يريدوني .
بسرعة انهيت مكالمتي معك .. دخلت للداخل واتجهت الى غرفتي .. شعرت بالانزعاج لأن ابي اخبرني ان احدهم يريد التقدم لخطبتي .. من المؤكد انني لن اوافق ولكن لم افكر بأن اخبرك كي لا تغضب علي ... مضى الوقت وانا مستلقية على سريري اتنهد اثناء تفكيري بحجة لأرفض العريس ...
سمعت صوت باب غرفتي يفتح .. فجأة رايتك فوقي !.. شهقت وانا انهض : ااااااه .
ثبت ذراعي على السرير بكلتا يديك .. قلت بفزع : مالذي تفعله اجننت !.
- يلا اعترفي .
- شنوو شعترف قوم عني .
- قولي .
- دقومي ابني عيب ترا .
- ترا اسوي بييج شي خصوصا ان الوضع يساعد .
تأفف وانا اقول : حسنا .. لقد تقدم احد لخطبتي وانا سأرفض انتهى الامر .
فتحت عينيك بصدمة !.. صككت على اسنانك قائلا : منو !!.
- دعوفني يمعود .
كان قربك مني يربكني .. جلوسك على بطني وانحنائك اعلى صدري وامساكك بمعصمي يجعلاني اكاد ان افقد عقلي بسبب قربك ..
سالتني بغضب : منو !.
- مادري ماعرفه ابن صديق ابوية ع الاغلب .
- عنوانه !.
- صرخت بك قائلة : واني شدراني .
قلت وانت ترفع حاجبك قائلا : سمعيني محد حيفكر يباوعلج حتى غيري .
ضحكت قائلة : حبيبي اني شعلية !.
- عندي فكرة .
قلت لك : انهض من فوقي واخبرني بأفكارك .
بمكر قلت وانت تقترب مني وضربات قلبي تتسارع : شرايج اغتصبج وماخليج تزوجين غيري .
قلت وانا اضحك : موافقة ههههههه .
اقتربت اكثر .. فأكثر ادرت وجهي لتهطل قبلتك على وجنتي .. شعرت بك تأخذ نفسا عميقا حيث انفك مستقر على وجنتي .. قلت لي بصوت يجعلني اذوب معك : ريحة عطرج عشق .
....
ابتسمت فظهرت غمازتي امامك فقبلتها ... سمعنا صوت طرق باب غرفتي فدفعتك بسرعة لتسقط من على سريري .. نهضت وانا ارتب نفسي قائلة بارتباك : من !.
سمعت صوت امي تقول : حبيبتي انها انا .
بسرعة امسكت بذراعك وانا اهمس لك : ادخل للحمام .
دخلت للحمام فقلت لأمي : تفضلي .
فتحت الباب لتدخل امي كانت مزينة وكأنها تهم بالخروج .. قالت وهي تسير وتطرق الارض بكعبها العالي : حبيبتي الا تريدين الذهاب معي للسوق للتبضع .. اخبرني والدك ان صديقه وعائلته سيأتون لزيارتنا غدا .
- امي لا اريد مقابلتهم الموضوع منتهي لدي .
- اخبري والدك بذلك ولكنني متأكدة من انه لن يوافق على ماتقولينه .
انهت كلامها وخرجت من غرفتي ... بعد ان اغلقت الباب خرجت انت من الحمام تسير بغضب تجاهي تعقد حاجبيك .. اقتربت مني ليتلصق جسدك بجسدي وانت تقربني منك حيث تمسك بخصري من الخلف .. قلت : وتقوليلي ماكو شي !.
- حبيبي صدقني مرح اقابلهم خليهم يسوون الي يريدون .
- اطيني اسمه .
- ماعرفه .
ابتعدت وانت تشتط غضبا : اني حعرف منو .
امسكت بذراعك وقلت بتوسل : ارجوك لتسويله شي .
- رح أأدبه بس وماخليه يفكر يقرب من شئ يخصني .
...
جررت ذراعك من بين يدي وسرت لتخرج من الشرفة !.. وقفت انظر لك بذهول كم انت مجنون !..
....
طوال اليوم بقيت منعزلة في غرفتي قلقة من حماقتك التي سترتكبها .. امي لم تأتي لتشرف على انني ساكون حاضرة !.. سحقا مالذي فعلته !.. قررت انا ان اتقصى عن الامر .. اتجهت الى مكتب ابي .. كان يعمل توقفت عند باب مكتبة طرقت الباب وانا ابتسم له .. ابتسم وهو يخلع نظارته الطبية عنه .. سرت باتجاه مكتبه وانا اقول : كيف حالك !.
- بخير .
مسح على وجهه بتعب فسالته : ابي هل انت متعب ؟.
ابتسم قائلا : لا .. ولكن حدث شيئا غريبا .
انتباتني الرهبة وبدأت ضربات قلبي تتسارع ... سالته : مالذي حدث لقد اقلقتني .
- صديقي وابنه كانا سيحضران اليوم ولكن فجأة اعتذر عن المجئ .
وضعت يدي على قلبي ااه تنفست الصعداء .. الحمد الله انه لم يعلم شئ بخصوصي وخصوصك ...
...
قبل ان انام ارسلت لي صورة سيارات محطمة !.. كتبت الي : لخاطرج بس تساهلت وياه هالمرة .
!!..
فتحت فمي وانا مصدومة ! ماهذه الغيرة ! .. بعضت لك رسالة ثلاثية الابعاد وانا اضربك قائلة : انتتتتتت مجنون .
اجبتني برسالة مشابهة : وانت حمارة .
...
ضحكت كثيرا على طريقتنا الغريبة في الحب !.. التي اختلفت تماما عن تلك التي اتبعناها في البداية .. اصبحنا اكثر حيوية واكثر حياة ..
....


كان كلما تقدم الي احد يغير رايه في اليوم الثاني ... كان ذاك الموضوع يثير تسائلات ابي بخصوص مايحدث ولكنه لم يكن يجدا جوابا لتساؤلاته !..
...
حل الشتاء علينا ومضت اشهر ودفئ حبنا يحتضننا في البرد .. كنا نقضي اغلب اوقاتنا معا في الاقليم السادس لأنك لاتحب ان تجلس معي في مكان باهض الثمن لايمكنك تولي الريادة به .. ولكن تلك الاماكن البسيطة التي تحاذي النهر لاسيما ان الجو بارد كانت تشعرني بالراحة .. مادامت الراحة تسكنك ..
...
كنت انا اشرب شوكولاته ساخنة بينما انت تجلس بجانبي امامك الشاي تدخن بشراهة .. قلت وانا ابتسم وبداخلي كمية كبيرة من الحماس : حبيبي اريد ان ادخن .
توقفت عن التدخين والتفت الي تنظر ببرود .. رفعت كتفي قائلة : شنو !.
عدت لتدخن وانت تقول ببرود : حبيبتي تريدين احرق ايدج !.
امسكت بذراعك قائلة : حباب نفس واحد .. احمد ربك دأستأذن منك .
مددت لي السيجارة وانت تقول : اخذيها .
رفعت حاجبي وانا مستغربة !.. سألتك : متأكد .
اومأت برأسك : اي اخذيها حتى متلحقين تاخذين نفس تلقين نفسج غرقانة بالشط .
ضربتك على صدرك بقوة قائلة : هيي شبيك عنيف ترا اني حبيبتك .
وضعت يدك على صدرك وانت تضحك : هههههههههه دأشك صراحة .
قلت لي : تعالي حشربج اني .
عقدت حاجبي وانا لم افهم ماقلته !.. ولكنني اقتربت منك .. اخذت نفسا من السيجارة وقربت فمك مني فمي .. نفثت الدخان على فمي .. فنفخت عليه ليتطار بيني وبينك .. ضحكت بعذوبة وانا اقول : ههههههههههههههههه تجنن بعد بعد .
قلت بمكر وانت ترفع احد حاجبيك: ترا اتهور واسوي شئ ثاني .
بسرعة غطيت وجهي بيداي الاثنان وانا اشعر ان صوت قلبي مسموع .. وحرارة جسدي ترتفع اكثر واكثر وسط هذا الكم الهائل من البرد ...
...
اثناء جلوسنا ونحن نتسامر .. سقطت نقطة من الماء في كوبي .. رفعت راسي انظر للسماء .. سقطت نقطة اخرى .. تلتقها قطرات خفيفة من المطر .. نهضنا انا وانت نسير تتشابك اصابعنا ببعضها بينما المطر يزداد غزارة الى ان اصبح غزيرا جدا فتبللت ثيابنا .. قلت لك بحماس : هيا لنرقص .
- اي رقص الذي تتحدثين عنه وسط هذا المطر لنعد للمنزل .
- لا لا ارجوك .
امسكت بيدك وانا اقترب بجسدي منك وضعت يدك بنفسي على خصري قائلة : هيا راقصني .
- بدون موسيقى !.
ببساطة قلت : صوت المطر موسيقى .
..
بدأنا نرقص .. ادور معك في المطر .. تتبلل يدينا ولكن لاتنزلق عن بعضهما .. حرارة العشق الذي بداخلنا كان يدفئ اجسادنا .. يضم قلوبنا .. كان المطر يعزف لنا ايقاعا عندما يصطدم بالارض فيتلقيان هما الاثنان بعد  شوق دام اشهر من الجفاف .. ترتوي الارض برؤية المطر فتصبح ندية .. اما الغيوم تبكي اثناء مرورها في السماء شوقا باعثة في اجوائنا مؤثرات صوتية لاسيما عندما تصطدم غيمة باخرى .. فيظهر البرق لينير المكان بصعقة تتجه فورا الى قلوبنا لتصيبنا بشجن تجاه بعضنا ..  تهب الرياح لترحق اوتار الاشجار مصدرة نغمة موسيقية .. وكأن كل شئ حولنا سخر ليصنع جوا يليق بحب كحبنا !..
اقدامنا تعلو وتهبط على بركة المياه التي تجمعت .. تضرب الارض قدمي ليستثير الماء المتجمع على الارض فيقفز سعيدا معنا .. المكان اصبح خاليا فالجميع اختبئ في منزله الا نحن نعزف سميفونية المطر !.. نرقص في مسرحية واقعية عن حبيبان مختلفان في كل شئ ولكن العشق ربطهما برابطة لايمكن لأن تكسر .. رابطة لاتتكون من دماء ولا نسل ولا عشرة .. رابطة غزلت من الاختلاف !..
انتهت رقصتنا المسرحية بقبلة .. اشتقت لطعم شفتيك .. اشتقت لأن اتذوق ذاك العسل .. اشتقت لأن نكون واحد !..
ابتعدت عنك واناا اتنفس وابتسم ناظرة اليك .. قلت لي : هيا ياعروس المطر ستمرضين .
ابتسمت وانا امسك بيدك لنكمل طريقنا ...
.....

عدنا معا الى الحارة التي تسكن بها .. وهنا تبدلت الاجواء وانا انظر للنساء يحملن اوعية ينقلون بها المياة من منازلهم الى الخارج !.. مررنا من جانب منزل بابه مفتوحة .. لأن الارض منخفضة فقد دخل الماء الى الداخل واغرق المنزل !.. توقفت وانا اقول لك بحزن : علي لازم نساعدهم .
- رجعي انتي البيت مالتج هسة المنطقة مالتنا حتغرق واني اتكفل بكل شي .
- لا ماريد .. اريد اساعدهم .
...
سرت لتتحدث مع احدى السيدات التي شكت لك من ان السقف يقطر ماءا على رؤوسهم بكمية كبيرة ... التفت لي قائلا : خليج هنا حروح اجيب اشياء من الورشة واجي .
بقيت انا انظر للجميع بذعر وهم حزينين بسبب المطر .. هونعمة للبعض ونقمة للبعض الاخر !.. هل يمكن للمطر بأن يتحول لشئ بشع !.. هل يمكن ان يصبح المطر كابوسا !.. من خلال الصورة التي اراها الان اجل .. انه كابوس على من يسكن في اماكن كهذه .. كابوس على من لايملك شئ يدفئه .. كابوس لمن سقف منزله ايل للسقوط !.. اخبرني ابي انه بعد السقوط عام 2003 اصبح الوضع في جميع ارجاء العراق كهذا ولكنه تغير بسبب التقسيم .. مثلا في اقليمنا وبسبب التطور من المستحيل ان يحدث شيئا كهذا لأن البنية التحتية بنيت بشكل رائع .. ولكن مع كل اسف التطور لم يشمل الاقليم السادس مازالوا على البنية التحتية التي بنيت منذ اكثر من مئة عام !.. مازالوا يسكنون مساكن قديمة !..
...
وجدت جسدي بتلقائية يتحرك فهممت بمساعدتهم .. اكثر شئ اوجعني هو ان هناك منزال جلوسهم ومكان نومهم هو الفراش الذي يفرشونه على الارض .. وبعد ان تبلل المكان اين سيجلسون الان وينامون !.. لم الغيوم قاسية لهذه الدرجة !.. لم تهطل فوق تلك المنازل وهي تعلم انهم ليسوا اهلا ليتحموا من دموعها !..
....
اتيت انت من ورشتك حاملا حقيبة العدة التي تخصك وبعض اللالواح المعدنية التي يمكن ان تسد بعض الاسطر .. ولكن المشكلة ان الماء لايرحم يدخل ايضا من اسفل الباب !..
وجوه كثيرة بائسة .. اطفال باكية .. امهات حائرات لايعلمن كيف يصبرن صغارهن .. نساء ينظرن بحسرة على اثاثهم التالف !.. ورجال يحاولون اصلا مافسد !.. هي ليست غيمة ماطرة !.. بل غيمة من الحزن تغطي تلك المنطقة .. بل ربما تغطي كل من هو بائس هكذا !.. لو انني في منزلي الان لكنت صنعت لنفسي شيئا ساخنا وادرت الموسيقى وجلست بقرب النافذة اراقب بفرح المطر !.. اين نحن من كل هذا !.. شتاء قاسي عليهم .. وصيف دكتاتور بحرارته .. ومابين الاثنين هناك عذاب لهم !..
هل يمكنني النظر للحياة كما كنت في السابق بعد مارأيته الان !.. اين الجميع عن مايحدث لهؤلاء !..
...

الاقليم السادسWhere stories live. Discover now