16

73.9K 1.7K 35
                                    



ظل عاصم واقفا متسمرا بمكانه عدة لحظات .. السكون الذي يسبق العاصفة , جاسر رشيد !! ... اندفع هذا الأسم من غيمة ذكرياته القديمة ... تلك الذكريات التي كان يفضل أن ينساها ,حيث لم يكن عاصم رشوان البارحة هو عاصم رشوان اليوم ... أيام التمرد و الجموح ...... أيام الغضب الأعمى و قتال الشوارعو الآن بمجرد سماع الاسم حتى اندفعت المشاعر القديمة في عروقه , و تذكر قسمه بأن يقتله إن رآه مرة أخرى بعد أن سافر و ترك حنين قبل أيام من زفافهما ....لم يتجرأ أحدا على إهانة الحاج اسماعيل رشوان بهذه القذارة من قبل .... لا يزال يتذكر شكل و الده حين عاد ليجلس في كرسيه الكبير مسندا جبهته الى يده بتعب .... بينما معالم الاحساس بالذنب مرتسمة على وجهه . وكأنه هو المسؤول عن فشل زواج حنين من ذلك الحقير ....يومها أقسم عاصم أن يقتله إن رآه مجددا .....كل الفترة السابقة وهو يتعامل مع شركة حنين دون ان تخبره !! ..... من المؤكد أنه عاد ليلهو بها من جديد , فالحقارة في دمه منذ صغره ...و هي ... كيف لم تتجرأ و تطلب مساعدته الا إن كانت راضية بما يحدث , وصبا !! ...... صبا !!!اشتعلت عينا عاصب بنيران الهمجية و الغضب و اندفع جاريا يصعد السلالم كل درجتين معا ,حتى وصل الى غرفته فاقتحمها اقتحاما و صفق الباب خلفه بقوة .....كانت صبا واقفة تنظر من النافذة وهي أيضا تشعر بالقلق على حنين ... الحمقاء لم تستمع لنصيحتها و ذهبت بمفردها للحفل , أي تفاهم ذلك الذي يدعيه ذلك المبتز و هو يأمرها أن تذهب اليه ترتدي مثل فتيات الاستعراضو طبعا سيكون التفاهم بعد الحفل , وما لو أخذها لبيته ... و حنين المسكينة لن تستطيع صده إن حاول معها شيئا ....اشتعل الرعب في نفس صبا اضعافا مضاعفة حين و صلت بتفكيرها الى تلك النقطة ... ماذا لو كان فخا لحنين و كان ناويا على أن ........رفعت اصابعها الى وجهها وهي تشحب بشدة ... وما الذي سيمنعه ذلك المجنون الذي يظن ان له حق عليها ....كيف ... كيف ... كيف سمحت لها بالذهاب ؟ ..... لكن ماذا كان بإمكانها أن تفعل وقد أصرت حنين بشدة و الحاجة روعة كانت راضية وهي غير ملمة بالكوارث الخافية ........و في اثناء تفكيرها المرعوب و قبل ان تلتقط هاتفها لتطمئن على حنين و تأمرها بالعودة حالا .... كان باب الغرفة قد فُتح بصوتٍ أرعبها و دخل عاصم صافقا الباب من خلفه بقوة .....استدارت برعبٍ اليه .... و شاهدت نظرته المتوحشة التي لم ترها في عينه من قبل .... ما الجديد ؟ هناك كارثة قد وقعت , تراجعت صبا حتى التصقت بالنافذة بينما اقترب من عاصم و الغضب جعل منه وحشا مرعبا في أسوأ صوره ....تقدم عاصم اليها في خطوةٍ واحدةٍ و قبل أن تجد الفرصة لتسأله كان قد مد يده ليمسك بشعرها بقوةٍ وهو يصرخ عاليا( كنتِ مع جاسر رشيد ؟ ...... كذبتِ و خدعتني و ذهبتِ للقاء رجلٍ غريب و بكل هدوء كنت تخبريني أنه لقاء عمل ؟؟ !!! )صرخت صبا على الرغم من رعبها وهي تحاول جذب شعرها من يده بشراسة( اتركني .... اتركني , لا تعاملني بتلك الطريقة , أنا لست عبدة لك )ترك شعرها بأن قذفه بعيدا بغضب ثم رفع اليه سبابته محذرا وهو يقول بشراسةٍ خطرة( انها ثان مرةٍ تتجاوزين حدودك في الكلام معي .... و أنتِ لستِ بقادرة على تحمل عواقب غضبي صدقيني , )مد يده ليمسك بذراعها بقسوةٍ وهو يجذبها اليه ليقول هادرا( كلمة واحدة و لا أريد غيرها ..... هل تعرض جاسر لحنين ؟؟ )كانت تلهث بقوةٍ ... وهي ترى غضبا أسود قادر على إحراقها حية و حين تأخرت في الرد شدد عاصم اكثر على ذراعها و هو يصرخ بغضب( أجيبي ........)صرخت صبا بخوف و غضبٍ معا ( نعم ........نعم ....)اشتعلت عينا عاصم و هو يترك ذراعها ببطء مما جعلها تفكر في حكمة ما تفوهت به للتو .... ابتعد عنها ليلتقط سترته و مفاتيحه بحركةٍ سريعة ... مما جعلها تركض خلفه و امسكت بذراعه قبل أن يخرج من الغرفة لتقول برجاء(عاصم .... انتظر , لا تذهب و أنت في هذه الحالة , انتظر حتى تأتي حنين و اهم منها الأمر بهدوء )نفض يدها عن ذراعه بقوةٍ ... و نظر اليها نظرة مرعبةٍ طويلة قبل أن يقول بصوتٍ خطير( أنا و أنتِ لم ننته بعد ...... وحسابك على ما فعلته سيكون حين أتفرغ لكِ و حتى ذلك الوقت إياكِ و أن تتجرأي حتى على التفكير في مغادرة باب هذا البيت )التمعت عيناها رفضا و تمردا من لهجته الغريبة ... الا أن الحالة التي كانت مرتسمة على وجهه جعلتها تلتزم الصمت رفقا بحنين أولا ثم بها ..... و به .......خرج عاصم بعنف .... بينما وقفت صبا مشبكحة يديها معا فوق صدرها اللاهثيالهي ... الآن فهمت خوف حنين من اخبار عاصم , وماذا إن علم بالباقي من القصة , .... كل خوفها حاليا على مصير حنين المسكينة , أما بالنسبةِ لها ..... فلم يكن خوفا بالمعنى المفهوم , لكن أحساس غريب لا تعرف له تفسيرا ... يشعرها بالضيق .تجاهلت مشاعرها الغريبة حاليا و اتجهت الى هاتفها لتطلب حنين .... الا أن الهاتف أخذ يصدر صوت الرنين دون ان ترد . اشتعل قلب صبا خوفا عليها و هي تعض على شفتها .. وتهمس( يا رب ... يا رب سلم العواقب ... ).................................................. .................................................. ....................................في نفس اللحظة التي خرج فيها من البيت , كان مالك مقبلا عليه , ودون كلمة جذبه عاصم من ذراعه ليتجه به حيث سيارته ليركبا و ينطلق عاصم بكل جنون ..حاول مالك سؤال عاصم عما به و قد انتابه القلق من منظر عاصم المخيف ..... فرد عاصم بكلمةٍ واحدة من بين أسنانه وهو ينظر أمامه بكل بأس؛( جاسر رشيد ......)تجمدت ملامح مالك .... و عينيه .... و قلبه , و شعر من مجرد سماع الاسم بالفِ خنجرٍ يدب نصله في صدره ......جاسر رشيد .... اسم جلب اليه ذكرى العويل و النواح .... ذكرى السواد و الدعاء على آل رشوان جميعهم .....ذكرى طفلةٍ كانت كزهرةٍ يرعاها لتطير مع الريح أمام عينيه .... ابتلع مالك غصة في حلقه وهو الآخر ينظر أمامه غير قادرا على النطق بكلمة أخرى .الي متى يظل الألم نابضا دون أن يمحو ذكراها .......................................................... .................................................. .....................................تلك النظرة في عينيها ... نظرة غريبة , ضربته رأسا و كأنه حجرا ضرب صدره في غفلة ....... طال التقاء أعينهما بينما بهتت ابتسامته العابثة قليلا ....أمام نظرتها . .........ارتجفت ابتسامته ومالت قليلا ... الا أنه رفض أن يفقد مظهر تسليته وعبثه , رفض أن يفقد ولو لحظة من انتصاره .... كم هو جميل أن يحظى بما هو ملكا له ....عادت القسوة ممتزجة بالزهو ..... بينما بداخله شيئا ما يخدش ابتهاجه ......عم سكون تام القاعة بعد الهياج و التصفيق ..... منتظرين أن يكتمل المشهد العفوى الذي تأتي نهايته دائما سعيدة كما في الأفلام .... حيث يدبر الحبيب عرض زواج لحبيبته في أغرب الأماكن ....و كانت أعينهما في صراعٍ من نوعٍ غريب .... بدأت الهمهمات من حولهما بينما هو واقفا , ممسكا بالعلبة المخملية المفتوحة لتظهر خاتما من أروع ما يكون .... خاتما منقوشا بنقوشِ تكاد تحاكي نقوش خاتمه ..أخيرا و بكل و ضوح خرجت الكلمة من بين شفتيها , ودون تحيد عيناها عن عينيه ......( لا ............. )تعالت الهمهات و بعض الشهقات .... و توتر الجو في لحظة , بينما برقت عينا جاسر قسوة و تصلبت ملامحه و من بين نظراته لمحت طيفٌ خفي من الصدمة ......مالت شفتي حنين في شبه التوائة لإبتسامةٍ قاسية ... مصدوم ؟؟!! ..... حتى في اللهو بحياة البشر شعر بالصدمة لأن الضحية أعلنت أنها لا تأبه بفخه الذي نصبه لها .... و كأنه لم يتخيل أن تستطيع الاستفاقة من ضربته المحكمة .....كل هذا الحوار دار في نظرتهما لبعضهما خلال ثوانٍ معدودةٍ من إعلان رفضها ........قال جاسر بصوتٍ بطىء ... بطيءٍ جدا و ممطوط بتهديدٍ خفي( حنييين .........)قالت حنين بصوتٍ عالٍ قوي( يبدو أنك نسيت الخاتم الذي في إصبعك أنت يا سيد جاسر ...........)لا إراديا حانت منه نظرة الى الخاتم الفضي المنقوش في خنصريده اليسرى .... ثم ببطءٍ عاد ليرفع عينيه اليها فتابعت حنين و هي تشدد على كل حرفٍ بقهرٍ و غل ..( هناك زوجة لك تركتها تنتظرك في مكانٍ ما ......أم أنك نسيتها و أنت تقدم عرضك الحالم )تعالت أكثر الشهقات .... و تحدته عيناها و تجمدت عيناه على هذا التحدي السافر , لكن ليس التحدي هو ما سمره .... بل عودة تلك النظرة ..... و كأن روحها هي من انتفضت لتصرخ قهرا ... غضبا ..... كرها ....... ألما ...................................................... .................................................. .......................................كان عمر لا يزال واضعا يده على جبهته مذهولا مما يحدث أمامه ... الغبي المجنون , لم يتخيل في أسوأ كوابيسه أن يقدم جاسر على فعل مثل ها التصرف الحقير ليضع حنين أمام الأمر الواقع .......أفلتت منه كلمة واحدة همسا بكل غضب العالم( غبي ........)لكن رنيم المذهولة بجواره سمعتها ووصلت الي أذنها كالقذيفة , فالتفتت اليه بسرعةٍ وهي تراقب ملامح وجهه المشتدة غضبا , ظلت مسمرة نظرها على عينيه الغاضبتين و هي تتسآل هل تتآكله الغيرة الآن ؟رغما عنها شعرت بشعورٍ قاسٍ و طعمٍ كالمعدن الصدىء في حلقها ... فأبعت نظهرها عنه بسرعةٍ و هي تحاول تخبئة خيبتها الغريبة من شخصٍ لا و لن يمت لها بصلةٍ يوما ......سمرت نظرها المحبط على أرض القاعة الي أن سمعته يتابع و هو يكاد يركل الأرض بقدمه( الغبي فضح كل شيء .......)نظرت اليه رنيم مذهولة مما قاله و هتفت قبل أن تستطيع إمساك نفسها؛( هل تعرف بإرتباطه بحنين ؟؟ !!! ............ )جاء دوره ليستدير اليها مذهولا ثم قال بخفوتٍ خطير( ماذا تقصدين ؟؟ ...............)ابتلعت ريقها و شعرت بالخوف من نظراته القاسية و بأنها قد خاضت في مياهٍ خطرةٍ بالنسبة له فتمنت لو كانت قد استطاعت امساك لسانها الغبي قبل أن تتهورارتبكت و عضت على شفتها و هي تنقل عينيها ترمش بهما منه الي جاسر وحنين ..... و حين لم ترد مال عليها ليقول بغضب( ماذا تقصدين عن ارتباطهما ؟؟ ......... )تسائلت رنيم بينها و بين نفسها عما ستكون ردة فعله إن علم بزواج حنين في تلك اللحظة .... لكنها طبعا لم تكن لتفشي هذا السر بعد أن وعدتها ...... لذا أخفضت راسها و هي تهمس بخفوت؛( قصدت أن .....أن شكلهما يوحي بأن شيئا ما بينهما منذ فترة )فجأة طار من عينيه أي حنانٍ كانت قد لمحته فيهما من قبل في لحظةٍ ما .... وحلت محله نظرة تحوي بعض الإزدراء جعل قلبها يسقط من بين ضلوعها ..... ثم قال بجفاء( يبدو أنكِ كما توقعت .... ممن يحبون نقل الأقاويل و ليس بناءا على معلوماتٍ حقيقية بل على مجرد رغبةٍ تافهة في تصيد الخبر اللامع المشوق .... تماما كما يحدث في أنديتكم التافهة التي أصبحت مستنقع للإشاعات حول أعراض البشر .... لكن هنا .... هنا يا آنسة رنيم , لا مجال لخوض مثل تلك الأحاديث عن زملائنا ........ )كانت تنظر اليه خلال خطبته الطويلة بعينين متسعتين بصدمة .... وقلبٍ يرجف بشدةٍ من عمق الإهانة التي تتلقاها كضربات الرصاص ....و ما أن انتهى حتى عقدت حاجبيها قليلا بينما عينيها المصدومتين امتلأتا فجأة بالدموع ..... ثم همست ما أن استطاعت بصعوبة( لست أنا من هذا النوع أبدا ...... و لن أكون , و ما يفعله عميلك المحترم الآن و سابقا .... قد فتح ابواب الأقاويل للجميع )ثم ودون كلمةٍ أخرى استدارت بعيدا عنه و قد بدأت أول دموعها في التساقط على وجنتيها .... و هي تبتعد بعرجٍ طفيف زاد أكثر عما دخلت دخلت به ......فتح عمر فمه يريد أن يناديها لكن جملة صادرة عن حنين في وسط الجمع جعلته يرتد بسرعة و هو يسمع عبارتها المدوية( هناك زوجة لك تركتها تنتظرك في مكانٍ ما ......أم أنك نسيتها و أنت تقدم عرضك الحالم )تعالت الشهقات المصدومة ... بينما همس عمر بيأسٍ و غضب( يالهي ..... يالهي ..... الوضع تدهور لأسفل حد )نقل نظره بين الباب الذي خرجت منه رنيم تتعثر ... و بين جاسر وحنين و هو يشعر بغضبٍ على الجميع ..... و على نفسه قبل الكل ...

بأمر الحبWhere stories live. Discover now