1

1.3K 82 23
                                    

لا اذكر يوما كنت به طفلةً خجولة ، لطالما احببت محادثة الكبار، وأن استمع الى كلامهم المشوش المليئ بتفاهات البالغين ، وشائعات يتم تداولها يوميا  وكأنها نهر دافق لا يُخرج سوى سائلاً بات ساماً ومراً كالعلقم .

كنت اكتفي بالتمرد والتهور ، وما كان ليعنيني امرُ أبٍ سكير او عائلة مكسورة الخاطر .
ذلك لا يعني أني لم اتألم لذلك ، الا انني تجاهلت ذاك الحِمل الهائل ونظرت نحو افق لامع يكسوه الغيوم الحالمة ، كنت ارسمها في مخيلتي باشكال كثيرة ، فتارة هي ذئب وتارة ارنب ..

كنتُ راضيةً بواقع يكاد يتوسلني كي احاول ايقافه ، لم اتغلب يوما على طابعي العملي ، أن ارى  زجاجة الخمر فأشيح بوجهي رافضةً الخضوع للامر الواقع .

وكنت في التاسعة من عمري حين عدت الى البيت ابكي ، ابكي كما لم ابكِ يوما في حياتي .
اخفيت وجهي عن الانظار وتسائلت في نفسي ، أيكون مثوى ابي جهنم ؟ وقد اخبرتني المعلمةُ ان شارب الخمر خالد في نار السعير !

لم يخطر لي ساعتها ان الانسان يختار طريقه بنفسه ، وأنه اراد ذلك لنفسه متكبراً وعاصياً .
كنت اراقبه ، يصيح ويُعنِّف ويضرب ، وكانت شجاعتي تخونني فاصطنع النوم .
كانت لي شخصية فريدة ، لا تصهرها كئابة ولا تضعفها قوة ، وإن تكلمت ، كان لكلماتي معنى وتأثير .

اعتدت وقتها على مجاراة الامر ، ان ارى فاتجاهل ، حتى جاء يوم عادي ، اخترقه موقف صغير ، جعلني راغبة في تغيير مسلكي وشخصيتي العنيدة .
دخل يومها والدي الى المنزل ، لم ار وجهه فكنت في انشغال تام بضرب وطرق حبات الزيتون الخضراء استعدادا لتخليلها ، وكنت وقتها في الحادية عشرة من عمري .

سمعت صوت فواقه ، فواق متكرر فما يكاد يلفظ كلمة حتى ينتابه الفواق ، ادركت ساعتها انه سكير، وكالعادة اخفيت وجهي واكملت عملي بحرص ، وكان عقلي في مكان اخر ، يتتبع تلك القدمان اللتان اقتربتا نحوي دون توازن .
انحنى ابي وسأل اختي التي تكبرني بسنة  والتي كانت تساعدني في عملي

" ماذا تفعلين ؟! "

ابتسمت وقالت

" ادق حبات الزيتون التي احضرتها لنا في الامس "

ضحك ابي بدوار وسذاجة واعاد سؤاله لاختي الاخرى ثم التفت نحوي وقال

" ماذا تفعلين ؟! "

لا اعلم ، لكنني غضبت ...
غضبت حينها بشدة ، ولا ادر السبب فقد رفضت الاجابة واكتفيت بالصمت والعبوس ، ولم انظر الى وجهه بل اكملت عملي بتجاهل تام .
تلك كانت مرتي الاولى التي اوضح بها موقفي الكامل من شربه وتعاطيه ، بدوت في عالم اخر ، وكأن الضجيج حولي لم يستطع ايقاظ انتباهي الغافل ، صامتة وتائهة وغاضبة بشدةٍ لم اعهدها في حياتي .

اذكر اجابته ، اجابة صغيرة وكافية ايقظت النيران داخل جوفي
" انتِ الوحيدة المدركة الواعية "

نهض ودخل غرفته بعد معركة كبيرة انتهت ببكاء امي وتلقيها لعدة شتائم فظيعة .
رده ، جعلني ادرك انه يعلم بما اعرف عنه ، انه يدرك ذلك ولا ينكره ، بل يتجاهله بكل بساطة ،فهو لم يحببني يوما، كنتُ مصدر فخره في بعض من الاوقات ،وذلك بلساني اللاذع وردودي المقتضبة الا انني في النهاية لست الفتى الذي تمنى الحصول عليه.

*******

ثمانيةَ عشرَ عاماً من السلام Where stories live. Discover now