الجاحظ ومحفوظ النقاش

704 10 0
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

روى الجاحظ عما جرى له يوما مع صديق له كان اسمه محفوظ النقاش،
قال :

صليت ومحفوظا النقاش يوما صلاة المغرب في مسجد كان أقرب إلى داره من داري، وكان الليل والمطر قد دهمانا،

فقال _ولعله كان لابد له من ان يقول،لما بيننا من إلفة وطول صحبة، او هي غلطة غلطها وندم عليها_ نعم،
قال :

" الليل مظلم والمطر لا ينقطع، وداري أقرب من دارك، وعندي لبأ 1 لذيذ يسعدني ان اطعمك منه "

وكان لابد لي _ والحال كما كانت وصحتي ليست بالقدر الذي يسمح بتحمل الليل والبرد والمطر _ من أن ألبي، فعرجت ملبيا دعوته

ولما صرنا في داره، وجلس وجلست، نادى الخادمه وطلب إليها أن تأتي إليه باللبأ،  فأتت به.

ولما رآني قد تهيأت له، قال :

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

ولما رآني قد تهيأت له، قال :

" يا أبا عثمان 2 ! أني _والله_ أشفق عليك من كظة 3 تتخمك 3 وأنت على ما أنت عليه من عمر له عليك حقوق الحمية عن مثل هذا الطعام الدسم،

ولا ينقصك مرض يضاف إلى ما أنت من فالج مازلت تعاني عقابيله 4  "

_ على أني  _والله، يا أبا الجود_ تصعب علي ثلاثة أشياء .

_وماهي، يا أبا عثمان!؟

_ أولا: يصعب علي أن تدعوني إلى طعامك، ثم لا ألبي.

_ ثانيا: يصعب علي أن يحضر الطعام ثم لا أحضره.

_ ثالثا: هذا لبأ شهي، ومعدتي تتشهاه من زمن.

وأنه لأصعب الثلاثة على نفسي أن أمنع معدتي عما هي في شهوة إليه.

على إني ما انتهيت من صعوباتي الثلاث هذه حتى كانت يدي تسافر في عجلة بين اللبأ وفمي إلى أن أتيت عليه كله.

ثم! انصرفت بعد ذلك إلى ضحك أثار في نشاطا جعل معدتي تهضم ما أتخمتها به هضما ما أراحني هضم مثله من قبل.

أما صديقي محفوظ فقد كان فمه في أثناء ذلك ينفتح ليقول شيئا، ثم ينغلق  فلا يقوله، وعيناه تجحظان فيي بدهشة تزيد من ضحكتي .

** بعض المفردات اللغوية **

1- اللبأ : أول اللبن بعد الولادة، ويكون غليظا .

2- أبو عثمان : كنية الجاحظ.

3- الكظة : البطنة، امتلاء البطن.

4- أتخمه الطعام : ملأ معدته وأفسدها.

5- العقابيل : مفردها عقبول، وهو بقية من علة تماثلت إلى الشفاء.

.....
..

طرائف البخلاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن