لا شيء يُذكر |5

4K 565 219
                                    

كانت أشبه بلفحةٍ ربيعية لي؛ لأنني علمتُ ما خطب جسدي الذي أمسى في ليلةٍ خريفية يضيع مني!.

لا زلتُ أرتجف كما قبلاً، لكن على الأقل تلاشت الغصة من نصف حنجرتي و انسابت الى فؤادي .. هناك، هناكَ دفنتها كما سابقاتٍ مماثلات.

كان ذاك السر في عدم تدفق الدمع من عيناي، و كان الدفن يتم على مراسمٍ أتبعها بخفيةً شديدة..!

مراسمٍ تكللُ بالأنين الداخلي، بالتذمر الصامت .. ببكاءٍ يتضرع الرحمة الإلهية دون دموع يمتلكُ نخزةً حقيرة، كان ألم الروح أصعب و أدق تعذيبً من الجسد فلماذا أحزن و أعتبرها صفعةً مدوية كما أمي؟!..

ألمي مُختلفٌ عن ألمها ..
وجدانها لن يسمح بترحيب ذلك الخبر، أما أبي فقد رمقني نظرةً مُستاءة و كأنما كَبُر أعواماً شاقة الأحداث في ثوانٍ معدودة ..!

رباه.. عدة أحرفٍ كوّنت جملة تسببت بكسر قلبين الى أشلاءٍ متناثرة!.
ايعقل؟! .. ام لأنهم والدين! تلك علاقةً روحية بين الطفل و الأبوين لا يشعر أحدهم بالمحبة و الثبات إلا عندما تهب رياح متثلجة تتقصد هز الشجرة .. !

هدأ جسدي تدريجياً، لم تبقَ سوى رفرفاتٍ خفيفة في عيني اليُمنى، وجدتُ أمي تحضني، تمسح على شعري، تقبل خدايَّ و جبيني و أبي يجلس القرفصاء في عجز!!.. يسوّر رأسه بكفيه جل نظراته على الأرض.

كان ذلك صعبٌ عليَّ أن أبصر والدي يمسد جبينهُ و يتظاهر بمسح وجهه من الصدمة إلا أنه كان في محاولاتٍ فاشلة لبتر دموعه!.

- ما سببها أيها الطبيب؟!.
سأله بعد أن وقف و أستل أنفاساً عالية الرنة، كان شهيقٍ عالي و ذلك لمنع دموعه الصلبة من الانجراف..

- خلقية، ولادتهُ تمت في المنزل صحيح!.
كان نطقهُ آلياً، أعتقد أنه معتادٌ على تلك المناظر من الأسى حتى استطاع إرتداء اقنعة البرود ..!

-صحيح..
همست أمي و إزداد نحيبها..

-لا تبكي.
قُلت علّها تتوقف فذلك يؤلمني أكثر من آلام جسدي و يدي و كلُّ جرحٌ ينزف في داخلي.

مضى وقتٍ ليس بطويل وصف لي أثناءها الطبيب أدويةً .. مُهدئة، عصبية، ضد الإكتئاب ..!

الإكتئاب!! هذا ما جعلني أقطب حاجبيَّ مُستنكراً و حينما سألت بصوتٍ قوي يظهر اعتراضي اجابني الطبيب بأبتسامة ..
- لأنك تفكر و تسأل كثيراً.

أفكر، اسأل!.. هل يجب على الإنسان الإمتثال لأي شيء حتى يكون طبيعياً؟!..

أكان الإنسان حقاً بتلك القناعة البالية!.

كم مرةً عليَّ أن أتعجب في اليوم؟!..
من الخطأ ومن الصواب!!..

الديجورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن