السمفونية الثالثة

38 3 12
                                    

    تنحنح اولائك الذين جلسو في اطراف القاعة احتراما لملكهم المقدس الذي لم يكد ينتهي من ترياقه المسمى ماء حتى اتخذ مجلسه مجددا ليبتسم بحزن ممررا انامله على مفاتيح صندوقه ناشرا عبق سحره في انحاء القاعة.

      جمهور يملأ مسرحا مصفقا لذلك الفتى الذي تقدم في سباق نحو المنصة ليصعد درجاتها بسرعة محاكيا بذلك تنفسه واقفا امام صندوقه الغامض الذي حوى ماضيه، حاضره و مستقبله،صندوق احلامه صندوقه الاسود.
هاهو اليوم فتى الواحدة و العشرين يجلس امام ذكرياته المتمثلة في مفاتيح يتامل وجه تلك التي شاركته الركح ممسكة بيدها كمانا. تنقلت نضراته بين اناملها الزجاجية و وجهها  المماثل لاحدى لوحات معلمه. لا يمكن ان توصف الى بالنقاء، و قد انسدلت على ضهرها خصلات من الضلام منافية لون عينيها السماوي.لحضات هي التي فصلتهما عن آخر تقديم لهما في معهد الموسيقى و لم يحتاجا غيرها ليندمج كل منهما مع رفيقه ليتراقصا بين الانغام متلاعبين بقلوب من شاهد. و من سيتوقع اقل من هذا و هما روحان تعارفا ليتحابا و وولدا ليتشاركا القدر.
    لم تمض ساعة حتى كان واقفا امام الحشود جماهير و صحفيين حضروا تتويجه كموهوب. ورقة يتيمة جزت من شجرة في اطراف العالم حددت نجاحه من عدمه.لتسلم له مزينة بذلك الرباط الاحمر كعروس سيقت نحو سجانها مغللة بالتقاليد.
  
     و كعادته هاهو الكسندر يعدو نحو منزله فتى في العشرين القت عليه الايام مسحة وسامة جاعلة اياه ملكا لا على عرشه فقط بل في كل حركة يخطوها سيدا لا منازع له على سيادته، لكن ما اختلف هذه المرة هي رفيقته التي كانت تتلاعب قبل ساعات بكمان ليطيعها لينا ذائبا بين اناملها نحو قلبها. ملكة توجها على قلبه لتجلس على عرشها بسعادة.
    و لم يكد يفتح الباب حتى صدح صوته في ارجاء المنزل كعادته مناديا معلمه بحماس فتى في الخامسة من العمر . دخل الى المطبخ ليبشر ماديا بتميزه و التي كادت تطير فرحا لرؤية كلارا محطمة بذلك قلب صغيرها الذي رسم آلاف السيناريوات حيث تقبله و تأخذ منه الشهادة و تتأملها ثم تعده بعشاء فخم غير متخيل ان رفيقته ستحضى بكل هذا لتتركاه بينهما يشاهد محادثتهما بلا حول و لا قوة.

      لكن معلمه هو بطله الوحيد الذي ما لبث ان ضهر في باب الغرفة مرتديا ابتسامته المعتادة ليهنئ الشابين بنجاحهما و يجلسوا جميعا لتناول عشاء عائلي دافئ.
         سنواة مرت منذ ذلك اليوم خمس للدقة ،حملت بين ايامها آلاف الاحداث لنجد بطلنا الشاب يتربع امام عرشه امام الآلاف أمير الاوبيرا كما لقبته الصحافة و زوجا مستقبليا كما لقبته حبيبته، يعزف احدى اشهر معزوفاته على صندوقه الايود بينما تراقبه كلارا من الكواليس و قد تعلقت حدقتيها بانامله تنسج بينها نضرات شوق وقد تزينت بفستان ازرق جعلها كاميرة خاطت السماء ثوبا.
و ها قد انتهى اخيرا من عرضه ليحي جمهوره و يتوجه نحوها مسرعا عله يطوي الزمن متجاوزا تلك الثواني التي تفصله عنها غير عالم بان القادم سيحمل له ما لن يتوقع. فما ان خطى خارج المسرح حتى لمح تلك الملامح التي غرست يوما آلاف المشاعر راسمة قصة رافقته طيلة حياته و قد اضاف عليها منافسه المسمى بالزمان آثار عبثه. رجل جاوز الخمسين من عمره يقف هناك امامه بجسد نحيل كان يوما مستبدا و قد وضع عليه اسمالا لا تكاد تسمى ثيابا.
لقد كان هو.
    و تصاعدت النغمات لتتلاشى
فجأة معلنة بذلك نهاية السمفونية الثالثة.

صمت عازفWhere stories live. Discover now