.|1|.

3.5K 215 81
                                    



خطأ، كل حياتي عبارةٌ عن كومةٍ من أخطاء.

عقلي انشغل طيلة هذه الأوقات الماضية بهذه الفكرة الوحيدة، وحتى مع كوني طالبة آخر سنة ثانوية يُفترض بها التركيز على الدراسة؛ إلا أني وصلتُ لنقطةٍ أشكُ فيها حتى باستحقاقي لكل هذا الذي أنا فيه.

-" سيرين؟ ما بكِ هكذا .. مُسوّدة؟ " سألتني من يُفترض بها أن تكون أعز أصدقائي، تيا، هامسة أثناء حِصة العلوم.

رمقتُ المعلم أندرسون بملل، ثم نقلتُ نظرتي لها، مجيبة:" لا أرى أي اختلافٍ بي، ماذا تعنين؟ "

لفلفت خصلةً من شعرها مالة، وأجابت علي وهي تحدق بها:" لا أدري. أحاديثكِ تغيرت، مزاجك العام تغير وحتى أنكِ توقفتِ عن الاهتمام بشكلكِ كما السابق ! أنظري لشفاهكِ الجافة، منذُ متى لم تضعي حُمراً او حتى مرطب شفاه؟! أنا قلقةٌ عليك ! " يُقال، لتعرف شعور شخصٍ لا تحاول الاستماع لكلامه؛ فالكلام في أغلبه عرضةٌ للكذب. بل انظر له، لوجهه، ملامحه وتحديداً عينيه، ولوحدك؛ ستعرف حقيقة اهتمامه.

ومع هذه التي تحدق بأظافرها مع قولها أمامي وأجزم أنها تفكر بأي لون جديدٍ ستصبُغهم به؛ أشكُ في وجود أيّ ذرةٍ من هذا الاهتمام.

-" أنا بخير، بخير. لا تقلقي. " تمتمت، لتُكمل هي كلامها اللامنتهي حول حفلتها القادمة ومَن مِن الأولاد دعت لها مع كل بلبلتهم، بينما في عالمٍ آخر رُحت أسرح.

أُيقظت من شرودي على أثرِ وكزةٍ من تيا، انتبهت معها على مناداة أندرسون لي. " نعم؟ " تساءلت، وشعرتُ لوهلةٍ أن كل هذا المكان يضيق بي. ولا أريد سوى الخروج؛ واستنشاق بعض الهواء النقي في هدوء.

-" لا أعتقدكِ كنتِ تستمعين، وهذا سيءٌ يا آنسة. " تنهدت للعقاب الذي يرمي لي بظلاله القريبة، واستكمل هو:" على كلٍ، أنا الآن أقسمكم لأفواج للمشروع الجديد الذي وبالتأكيد لم تسمعي عنه كلمة. وأنتِ في الفوج الثالث، مع سايمون ورايلي. " أشار بإصبعه لإحدى الطاولات حيث جلس سايمون وحيداً، فتذكرت أن رايلي هي من أولائك الذين تسمع باسمهم، لكنك لا ترى وجوههم بيومٍ مطلقاً. أيجبُ أن أجلس معه؟ تساءلت، وبعد نظرةٍ سريعةٍ على المكان حولي، استنتجتُ بأن ذلك لازم. فلملمتُ أشيائي واتجهتُ لهناك.

استمر أندرسون بعدها في تقسيمه للآخرين، بينما ساد صمتٌ طويلٌ بطاولتنا. ولم أكن حقيقةً ضده، بل أعجبني.

انتبهت بعد مدة للصمت الذي ساد بكل الصف، فنظرت حولي لاستفسر ووجدت الكل يتناقشون في هدوء، إلا نحن. فلم نكن نتناقش أساساً.

هززتُ رأسي وفركتُ على عينيّ المتعبة، ثم قلتُ في صوتٍ واهن:" آسفة لقلة اهتمامي. تشغلني بِضعُ أمور. إذن، أيُ أعمالٍ يجب أن أقوم؟ "

أبعد سايمون عينيه عن الكتاب الذي يقرأ فيه مع قولي، حدقّ فيّ بعض الوقت في تصلبٍ بعينيه الداكنة، وتساءل:" أنتِ بالفعل بخير؟ "

كِدتُ أجيب، لكنني تراجعت عما كنت سأقول ورددت متنهدة:" كنت لأقول أني بخير، لكنني أهون من أكذب؛ فأنا حتى لم أنظر لوجهي بالمرآة منذُ زمن " تقدمتُ أكثر من مكانه واختطفتُ منه دفتره لأقرأ عن المشروع بما أني لم أكتب بخاصتي، بينما شعرتُ بنظراته الصامتة علّي.

-" لأكون صريحاً، لا مزاج لي حقيقةً للقيام بهذا المشروع بالوقت الحالي. إن أردتِ فلا داعي لإتعاب نفسك فيه " قال، مما فاجئني. دائماً ما أُشتهر هذا الفتى بكونه من أذكياء الفصل، دائماً وحيد ولا يبدو أن ذلك يزعجه، دائماً يمتلك درجاتٍ عالية ودائماً ما تجد بيده كتاباً ما. سايمون فتى المكتبة كما يُلّقب، ورغبته هذه في تجاهل مشروعٍ تُثير بعض الاستغراب.

-" لا، لا داعي. قد لن تؤثر درجات هذا المشروع بعلاماتك الممتازة، لكنها ستؤثر بخاصتي، ولا يمكنني السماح بذلك مع اقتراب نهاية العام." لم يردّ على قولي بعدما عاد لقراءة كتابه، كما لو أنه يوافق؛ ويمنحني بعض الوقت لفهم ما يدور حوله الموضوع من دفتره.

رحتُ أقلّبُ الصفحات وأعيني تتقلب معها، أحيانا تنجرف لإلقاء نظرةٍ على الغيوم الحرة المارة من النافذة؛ وما تلبثُ أن تنجرف للجالس بجوارها أمامي.

ويا ليت الزمن يعود بي لهذا اليوم وهذه اللحظة؛ حيث أتمنى أني خرجتُ فحسب من هذه المدرسة بهذه الحصة، أملاً في أن لا يحصل لي كل ما حصل بعدها ..

ــــــــ

وغالباً هذا أطول فصل في الرواية/القصة :')

أولاً مرحباً في الرواية الجديدة ! ستكون مختلفة عمّا كتبت، لأنها .. آخ.. واقعية :'( ستكون من نوع الفصول القصيرة، أي لن تتعدى في الواحد 500 كلمة. لطالما أردت تجربة هذا النوع من الفصول. 

قراءة مُمتعة !♥✨

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن