.|17|.

563 104 18
                                    


بدأتُ أضعف، أذبل، أوهن، وتنجلي طاقتي مع الأيام.

أصبحتُ أنا المسؤولة بالبيت، ليس مادياً؛ لكن معنوياً. أمي تعمل، بل إن العمل هو الشيء الوحيد الذي يضمن لها القيام بفعلٍ ما والانشغال به كلياً وإلا لعانت الفراغ رُغم أن الإجازة المرضية عُرضت عليها، وكنتُ أنا التي تحاول إعادة روحها لها. إخراجها من اكتئابها. لكنني ومهما فعلت، لم أكن أنجح. كان ومن الغريب لكل فعلٍ أقوم به تأثير عكسي؛ فكلما حاولت التقرب منها تبتعد عني أكثر !

لم أفهمها، مُطلقاً. هل هو تصرفٌ طبيعيٌ لمن يعانون ما تعانيه؟ هل محاولات الآخرين لجذبهم من جُحورهم السوداء تلقى من قبلهم هذا الرد الدفاعي الغريب عادةً؟ ربما، لو وضعنا أنهم يعانون الخوف من القادم. ربما هذه هي حالتها بعد كل الذي حصل لها. لكن وبهذا الوضع الذي لو استمر؛ لن يكون لي خيارٌ إلا إقناعها بزيارة الطبيب النفسي.. وهو شبه مستحيلٍ بما أنها لا تُصغي مطلقاً لي.

-" هل تُحبينني؟ " وجدتني أتساءل يوماً على طاولة الفطور، بينما كان رد فعلها لسؤالي التوقف عن التلاعب بشوكها في طعامها كما الأطفال لحظةً كما لو أنها تُفكر، وسرعان ما عادت لفعلها مع الصمت كجواب. " تعلمين، أشتاق لتلك الأيام التي كنتِ تقولينها لي دون تكلفٍ بدون سبب، أشتاق لوالدتي التي كانت بنفس جسدكِ لكنها الآن رحلت وحللتِ أنتِ محلها سارقةً إياها مني ! " قُلت ما قلته بدون تفكيرٍ مسبق، بجرعةِ غضبٍ زائدة تخللها الكثير من الحزن. وانطلقت أحمل حقيبتي وأخرج مسرعةً من البيت.

تصرفت بطفولية لا داعي لها وما كان يجب عليّ أن أقول ما قلته أبداً، لكنني أشتاق لأمي، لقد رحلت، ولا أعتقد أنها ستعود كما هي بيومٍ من الأيام.

رحلت. 

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن