.|5|.

759 117 23
                                    


-" أين أبي؟ " تساءلت، موقفةً أمي عن ثرثرتها التي شرعت فيها كإستراتيجيةٍ جديدة لإخفاء أو دفن حزنها لموت أختها.

-" في العمل " أجابت إجابةً مقتضبة مع بسمةٍ مصطنعة، واضعةً أمامي فطوري المتمثل في عجةٍ مع عصير الأناناس كما أحب.

-" ألا تلاحظين أن ' عمله ' ازداد عن العادة بأوقاته هذه الأيام قليلاً؟ " نوهّت لملحوظتي لأبدأ بالعبثِ في العجة أمامي، قبل أن أردف:" زيادةٌ كانت لدرجة تفويته جنازة أختِ زوجته؟ "

-" إلى ماذا تشيرين؟! " صاحت بي، بنبرةٍ وصوتٍ لم أتوقع يوماً بحياتي أن يعلو عليّ صائحاً بمثل هكذا درجةٍ من غضب. ولا شك أنها لاحظت صدمتي، فعادت لكرسيها وقد تشربت كأساً من ماءٍ لتهدئة نفسها، قبيل أن تضيف مع تحضيرها لحقيبة عملها:" تكاليف المعيشة يا عزيزتي ليست بالسهولة التي تعتقدين بمثل هكذا بلدٍ ومدينة، وعلينا الصبر أملاً بفرجٍ قريبٍ فحسب. " ارتدت حذائها على عجلٍ ورحلت دون أن تودعني على غير العادة، بينما حملقتُ وهلةً في طعامي مفكرة إلى أن دفعته مع فقداني لشهيتي.

حملتُ حقيبتي وخرجت من الشقة مغلقةً إياها، وانطلقتُ بطريقي نحو المدرسة.

هناك نوعان من الناس.

لففتُ وشاحي حول رقبتي أبتغي بعض الدفء بين الثلوج المنهمرة، وغرقتُ بتفكيري بين تفاصيل الطريق والبشر..

هناك بالفعل نوعان من الناس.. أولائك الذين يعلمون ويتصرفون، وأولائك الذين يعلمون وببساطةٍ يتجاهلون. كِلاهما لا يدفعه بسبيله الذي اتخذه سوى هدفٌ أو أملٌ واحد؛ ألا وهو أن تتغير الأحوال التي هو فيها فحسب مع الوقت والزمن.

لكن بينهما فروق، فلطالما احتقرت ثاني صِنف. تجدهم ضعفاء، حمقى، وجِدَّ واقعيين. بحيث أن أملهم ذاك نفسه مبنيٌ على استسلامٍ مؤكدٍ قُبيل بدأ المعركة حتى، لعِلمهم بخسارتهم المؤكدة ضد عدوهم الشديد القوة.

احتقرتهم،ولازلت، فأنا احتقر نفسي لكوني منهم. والآن بتُ أحتقر أمي لوقوفها بصفهم، أو صفنا.نحن الضعفاء..    

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن