الفصل العشرين

540 97 138
                                    

الفصل العشرين|| ماضٍ آسر

قَرْعُ أقدام أخذ يسير في صالة المنزل الآخر، حيث يوسف يبيت، نهض من سريره راميا بصره نحو باب الغرفة، شعور وحيد ولج قلبه حول هوية الدخيل، فُتح باب الغرفة وصدق التوقع، لم يكن غير أمجد الذي أطل عليه بملامح هادئة كما جرت عادته، ابتسم ثم نطق:
_بما أنك لم تنم تعال لنتناول العشاء

استياء يوسف دفعه لأن يشيح ببصره عنه دون أن يعطي جوابا، سحب أمجد الباب خلفه وكأنه حصل على جواب بالموافقة وقال:
_سأنتظرك في المطبخ، هناك ما أريد قوله لك بخصوص قدومهم للبحث عنك

لم يرَ التِفاتة يوسف التي دفعه إليها بعد أن حاز على اهتمامه بتلك الكلمات، لكنه كان واثقا أنه سيفعل، نهض من سريره بثقل ناشئ من عدم رغبته برؤية أمجد، ليس الليلة على الأقل، لكنه لن يستطيع دفع تلك الرغبة الملحة لمعرفة ما حدث، بل لمعرفة من الذي أتى للبحث عنه

دلف إلى المطبخ ليجد ابن عمه ذاك يقوم بالطبخ، نطق دون أن يلتفت إليه:
_لا تتوقع عشاء فاخرا، البيض هو كل ما أملكه لأجل عشائنا الليلة، بالكاد استطعت شراء خبز يكفينا، إن كانوا يراقبونني فيجب ألا ألفت نظرهم إلى وجودك عندي

قابله الصمت من قِبَل يوسف الذي جلس على طاولة الطعام التي تتربع في المطبخ، كان غارقا في فوضى أفكاره، يفكر بالجميع دون استثناء، ولا يدري هل يعجب من طريقة تفكير أمجد التي باح بها قبل قليل؟ أم أنه يجب عليه ألا يتوقع منه أكثر من ذلك؟

نضج الطعام فوضعه على الطاولة دون مزيد من الكلام، كان يدرك أن الكلام في ظل أجواء مشحونة بالغيظ والكره لن يولد إلا انفجارا، وهو ليس بحاجة إلى ضوضاء في الوقت الراهن

تناولا عشاءهما بهدوء مخيف، ورغم ذا بدا واضحا أن يوسف فاقد للشهية، يتناول الطعام ببطء يبوح بحقيقة ما في صدره، ربما لولا قرصات الجوع التي تلسع معدته، والصداع الذي يشق رأسه -لما تناول شيئا، لم يخفَ ذلك على أمجد الذي حاول ألا يزيد الطين بلة، وبقي هادئا حتى انتهيا من تناول الطعام

أفرغ الشاي في كوبين أمامها وهو يقول:
_لقد أتى لؤي مع خليل وصديقكما الآخر للبحث عنك

رفع يوسف بصره نحوه ليواصل أمجد حديثه:
_لم يتركوا مكانا إلا وقاموا بتفتيشه

جاوبه الصمت من قبل يوسف بينما ارتشف هو من كوبه، أكمل بعد أن وضعه على الطاولة:
_ذلك المسمى جمال لقد كان جريئا جدا، لقد راقت لي تصرفاته حقا

ابتسامة المكر تربعت على شفتيه، حدق به يوسف بنظرات استشف منها رسالة تحذيرية، قهقه ضاحكا ثم علق:
_لا تقلق لن أدخله في مجال اهتمامي، على الأقل ليس الآن، ولكن هذا يعتمد عليه، لن أتسامح معه إن قرر اعتراض طريقي

عاد ليرتشف مرة أخرى من قهوته، لاحظ صمت يوسف مع تحديقه بالكوب الذي بين يديه، دون أن يأخذ منه رشفة واحدة، أزعجه ذلك لكنه أخرج انزعاجه على هيئة ساخرة:
_هل سيخبرك الكوب بقدرك في المستقبل؟ أم أنك تظن أمجد والدتك ليهتم بك إن نهضت في منتصف الليل جائعا؟

مهلا يا صاح!Where stories live. Discover now