الفصل الثالث/ احفاد الساهر

6.8K 300 115
                                    

- الخالة غالية ليست هنا، هذا هو منزلها.
اجابت ايلول بارتباك مُشيرة الى المنزل المُجاور ليخرُج عامر يلحقه ابنه ذي الست سنوات وابنته الصغيرة مُتعلقة بعنقه، جلست ايلول على الارض وبكت من فرط الاحراج فللمرة الثانية تضعها الاقدار في موقفٍ مُخجِل امام هذا الغريب، ظلّت لدقائق قبل ان يتغلّب عليها فضولها لتنهض وتمسح حُبيبات التراب عن ثوبها الاخضر وبداخلها فضول لمعرفة سبب قدومهم لغالية، ولكن بذات الوقت لا تستطيع مواجهتهم مرّة أُخرى ففضلّت الانتظار الى حين ذهابهم لمعرفة الامر.


دلفت الى غُرفتها وقد كانت مهام يومها قد انتهت باكِرًا فأبدلت ثيابها لتأخُذ الافطار الى شقيقها؛ فقُرب موسم حصاد العِنب يُحتّمُ عليه البقاء في الحقل لمُعظم الوقت، كان في تلك الاثناء ابيها يقوم بسقي الاشجار فاقتربت لتُلقي عليه التحيّة وتُغادِر ولكن ما سمعتهُ منه جعلها تتراجع دون ان يراها؛ فقد كان يُمسِكُ بهاتفه ذي الطِراز القديم ويقولُ مُحادِثًا احدهُم:
- لستُ خائفًا منها؛ فلتفعل اقصى ما تستطيع، ليس زياد مصطفى من يُهدد؛ واذا كانت تظُنّ انني قد اموت قريبا وتأتي هي لتُدمّر عائلتي فهي مُخطِئة، انا سأُخبِر الجميع بالحقيقة كاملة قبل ان تفضح هي المستور، ابنائي سيكونون حصنًا لعائلتي وسيقفون امام كُلّ من يرغب بتحطيمنا.


اغلق الهاتف وقد اطبق الحديثُ على قلبه نازِعًا نبضاته المُرهقة تارِكًا اياهُ في مواجهة حتمية مع الموت، اسودّ العالمُ امامه وخفقات ضئيلة تطرُقُ صدره، صرخت ايلول بصوتٍ عالٍ عند رؤيتها لوالدها ساقِطًا على الارض دون حِراك، اختلطت مشاعرها بين الخوف والقلق والجنون وكُلّ ما فيها ينطِقُ:
- لا! لا تمُت يا ابي!

صرخاتها جعلت والدتها تخرُج من الداخل لتركُض باكيةً بجانب شريك عُمرِها غير قادرة على فعل شيء؛ ولكن في تلك اللحظة ارسل اللهُ عامر الذي لم يكُن قد تحرّك بعد من منزل الجيران ليلحق بالعم زياد فور رؤيته على الحديقة، ولحُسن الحظ انّهُ يحمِلُ حقيبتهُ الطبّية ليُسرِع بإسعافه، مرّت لحظات مريرة على ايلول ووالدتها اللتان تشاركتا رُعبًا قاسيًا، وعندما تأكد عامر بأن قلب زياد لا زال ينبض ادخله لغُرفته واكمل بقيّة الاسعافات الاوليّة التي قللت من فداحة انتكاسة حالته.

وعندما فتح زياد عيناه وجد زوجته تُربّتُ على جبينه بأسى ودموعها تسقُطُ دون صوت ولا زالت صورتهُ فاقِدًا لكُلّ مقوّمات الحياة مرسومةً على ناظريها، فليس هنالك اصعبُ من العيش بخوفٍ من فقد الاحباء، ربّتت على كفّة بين يديها وقبّلت جبينه هامِسةً ببكاء:
- لا شيء في هذه الحياة يستحِقُّ ان تترُكنا لأجله، كيف هُنّا عليك يا ابا حسان؟! الى من ستترُكنا خلفك.
اغلق عيناهُ بتعب واردف بنبرةٍ حزينة:
- لم يعُد لحياتي فائدة وانا غير قادرٍ على حماية عائلتي.

وسرد عليها ما قالهُ الرجُل الذي هددهُ عبر الهاتِف لينتقِل الفزعُ الى ملامحها مُدرِكة انّ ما خافتهُ طويلًا سيحدُث؛ سيبتعِدُ ابنائها عنها الى الابد، لم تستطِع الكلِماتُ مواساتها فنابت عيناها بدموعٍ حارقة ولسان حالها يقول:
- إلّا ابنائي، إلّا بريق النور في نهاية حياتي! إلّاهُم يا الهي.

عناقيد مُرّةWhere stories live. Discover now