الفصل الثامن / عشق ونكران

7.3K 293 143
                                    

حلّ الصباح ولم يغمض لعامر جفن منذُ وقوع تلك المُصيبة الجديدة على رأسه؛ فعودة غادة تعني ارتباط الاطفال بها وهذا ما لا يُريده حيث انّ طفليه قد اصبحا نُقطة ضعفه الكُبرى ومن المُستحيل ان يتخلى عنهُما تحت اي ظرف من الظروف، وآخر ما قد يتمنّاهُ هو ان يؤذي اطفاله نفسيًّا بإرتباطهم باُمهم التي لن يتقبلها بحياته مرّةً أُخرى.

نظر الى ميسوت النائمة بجانبه وتأّمل وجهها الملائكي بحنانٍ عميقٍ يخُصّها وحدها؛ فهي اكثر من تأثر بفراقه عن غادة، ومُجرد ذكرى طفولتها الحزينة يزيد من كُرهه لغادة، كيف سمحت لنفسها ان تتخلى عن ابنتها التي لم تتجاوز بضعة شهور؟!
انعقد حاجبيه بألمٍ وقبّل جبينها هامِسًا بحزم:
- على جُثّتي يا صغيرتي! لن يأخُذكُما احدٌ منّي.

نهض تارِكًا ايها تُكمل نومها وتفحّص ساعته ليتأكد من ان ابنائه لن يستيقظوا الآن، يجب ان يواجه غادة قبل ان يفيقا لكي لا يكون هنالك ادنى احتمال لسماعهما ما قد يحدُث.
توجّه مُباشرة للغُرفة التي قضت فيها ليلتها وطرق الباب بضعة مرات لتفتح لهُ الباب وهي ترتدي ثوب نومٍ حريريّ قصيرٍ للغاية يكشفُ عن جسدها اكثر مما يستُر وقد كانت مُتأهبة منذُ دقائق لهذا اللقاء، مّرت عيناهُ على ملامحها لبُرهةٍ وقال:
- ارتدي ثيابك، نحنُ يجِبُ ان نتحدّث.
- وهل تراني عارية يا عامر؟


قالتها بنبرةٍ مُشبّعةٍ بالدلال وهي تميلُ بجِذعها على جانب الباب ليُجيبها باقتضاب:
- سأنتظركِ بالأسفل، ويُفضّل ان لا تتأخري.
غادر بهدوء كما عاد لتعبس وقد فشلت اولى مُخططاته بإغراءه وادركت انّ شخصية عامر لم تتأثر بالسنين فلا زال رجُلًا مُهذبًا للغاية لا يتأثر بأي نوع من انواع المُغريات مهما كان نوعها، ولكنها لم تفقد الأمل فلازالت بأولى معركة إرجاع زوجها وعائلتها.

بعد دقائقٍ قضاها عامر متوتِرًا بتفكير اطلّت اخيرًا غادة بثوبٍ خريفيّ طويل يتنافى مع اجواء القرية الباردة ابرزت من خلاله عظام كتفيها النحيلين وجُزءً وفيرًا من جيدها الطويل، نظر اليها بعدم رضا ولكنّهُ لم يُعلّق بل اكتفى بأمرها بالتوجُّه معهُ الى الخارج وقد قرر ان تكون مواجهتهُما بعيدة كُلّ البُعد عن اطفاله.

خرجا من البوابة بالتزامُن مع خروج ايلول التي بدأت للتوّ عملها الصباحي حيثُ كانت تحمِلُ اكياس مُخلفات المزرعة لتضعها في مكانها المُخصص عندما اصطدم بصرها بغادة لتتسع عيناها بحيرةٍ وهي تتأمل ذات الشعر الأحمرِ وهي تلتصِقُ بعامر بحميمية، خفق قلبها بجنون وثمّة مشاعر حارقة تلتهمُ ملامحها الصافية وقد ظهر ضيقٌ شديدٌ على ملامحها وسُرعان ما دخلت لمنزلها دون ان تُلقي بالًا لعينا عامر التي شيعتها بنظرة مُماثلة فقد شعر بالحنق من تصرُّف غادة خاصّة امام ايلول وايقن ان ابعادها عن طريقه شيء لا بُدّ منه لكي لا تُفسِد ما يُحاول اصلاحه من دمار.


عناقيد مُرّةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن