الفصل الثالث

7.8K 179 3
                                    

نقلت مارتينا ابيغيل إلى أسواق المدينة في سيارتها الصغيرة . قالت : " أولاً , سوف نذهب إلى متجر جيزلا , حيث هناك بعض الأعمال التي يجب عليّ إنهاؤها . "
دخلت الفتاتان متجراً صغيراً وفخماً حيث بدا لأبيغيل بأن ثمن قطع الثياب المعروضة يفوق قدرتها على الدفع . وفكرت بأنه ربما , في سويسرا , تقبض الفتيات العاملات أكثر مما تقبض الفتيات العاملات في إنكلترا .
رحبت السيدة المساعدة بمارتينا بحرارة وشجعت ابيغيل على تأمل الثياب بينما كانت تناقش أمور العمل مع مارتينا . اقتربت مساعدة أخرى من ابيغيل .
قالت السيدة : " ما هو طلبك يا آنستي؟ "
فكرت ابيغيل على الأقل , يمكنني مجرد سؤالها عن ثمن الثياب , ثم أشارت إلى واجهة المتجر . " هذا الثوب . " لحسن حظ ابيغيل , كانت المساعدة قد غيرت لغة الحديث وكلمتها بالإنجليزية : " انه جميل , يا سيدتي , وإنني متأكدة من أن هذا الثوب سوف يناسبك كذلك لونه . " وكانت البائعة تتجه نحو الواجهة .
" ولكن كم تكلف قطعة كهذه؟ أعني ما هو ثمنها؟ "
" أتودين أن أقول لك ثمنها بالعملة الإنجليزية؟ " بعد أن استعملت آلة حاسبة صغيرة , صرحت البائعة لأبيغيل عن ثمن القطعة .
" لا يمكنني تحمل كلفتها . شكراً لك ولكن ... " وطال تحديق ابيغيل إلى الثوب .
لقد كان يناسبها إلى حد كبير كأنه خيط خصيصاً لها . واستفادت البائعة بسرعة من تردد ابيغيل , فقالت لها : " سوف اجلبه لك من الواجهة . "
انتظرت وهي تفكر بأنها لن ترتكب أي جرم إن حاولت فقط قياس الفستان .
" نعم , إنه من مقاسك تماماً , يا سيدتي . " قالت السيدة مشجعة ووافقتها ابيغيل , ثم أومأت متأسفة .
قالت البائعة : " أرجوك يا سيدتي , هل أنتِ زائرة ؟ "
" نعم , ولكن ذلك لن يفيد فأنا لا أستطيع . "
" ما الذي لا تستطيعين فعله؟ " سألتها مارتينا وقد تقدمت منها وفهمت الوضع بسرعة : " هذا الثوب؟ نعم كأنه قد صمم خصيصاً لأجلك . وهو كذلك إحدى تصاميمي . يجب أن تحصلي عليه . "
" كلا! " قالت ابيغيل وهي تبتسم لتخفف من حدة لهجتها الرافضة : " ليس من دون ..."
" أرجوك , يا آبي , إنسي أمر ثمن الثوب . أخي سيتكفل لهذا الأمر . إنه مدين لك بالكثير . على كل انظري إلى ما فعله بك , وقد تسبب لك بالكثير من الألم والانزعاج . سوف أرسل له الفاتورة . لقد حلت المسألة . " واتفقت مارتينا مع البائعة , غير مبالية بصوت ابيغيل التي بدا عليها الانفعال إذ قالت هذه الأخيرة لها : " لا يجب أن تفعلي هذا."
قالت مارتينا بعد أن انتهت ابيغيل من قياس الثوب : " تعالي سوف نقوم بجولة حول المدينة . "
بعد أن رتبت أمر تسليم الثوب إلى الفندق في فترة ما من بعد الظهر تنقلت مارتينا و ابيغيل بسرعة في شوارع المدينة المرصوفة بالحصى الكبيرة حيث كثرت الأشجار , كذلك ساحات البيوت التي كانت مخبأة جزئياً , والرسومات الكبيرة الموجودة على جدران المنازل والمباني العالية . ورسماً ساخراً يمثل أناساً في الأزمنة الغابرة وهم يجلسون حول الطاولة , حيث كانت الأم تحمل طفلاً صغيراً وكذلك صور جماعة من المهرجين وهي تنفخ في أبواق .
على طول المساحات الضيقة المرصوفة , كان هناك متاجر كبيرة ومتاجر صغيرة قد حجبت عن النظر مبانٍ قد زينت بمجموعة من الأعلام الملونة وضعت حولها .
" إن المدينة القديمة تقع هنا . " قالت مارتينا , وهي تقود ابيغيل المشدوهة بالمناظر الخلابة , وقد كانت الصديقتان تتنقلان بين هذه المناطق بواسطة سلالم طويلة : " أنظري هنا , تحت المناظر , هناك لعبة شطرنج عملاقة . وهنا يوجد مربع صغير مع ينبوع صغير في الوسط , وهناك العديد من تلك الينابيع موزعة في المدينة . "
تناولت الصديقتان الغداء على طاولة تقع بالقرب من الساقية حيث تصب مياه البحيرة . كانت الطيور ترفرف عالياً ثم تخترق صفحة المياه , فيتطاير ريشها في الجو بين الفينة والأخرى . ليغط ويطفو على سطح المياه .
كانت ابيغيل مأخوذة وهي تتأمل انعكاسات الأبنية , إذ كانت تتحرك على شكل متموج . كانت قوارب صغيرة مصطفة على الضفاف , بينما البجعات كانت تشق طريقها بنعومة خلابة بينها .
قالت مارتينا , وهي تحتسي قهوتها : " استمعي إلى جميع اللغات التي يستعملها الناس هنا . فهم يأتون من كل مكان حول العالم ليزوروا هذا المكان . "
أشارت بإصبعها إلى محل يقع على الطرف الثاني من الطريق : " إنه ايوتيكي . متجر قديم جداً وهو مغلق الآن . انظري إلى الكلمات التي كتبت عليه باللغة الألمانية سوف أترجمها لك : " ليس هناك أي نوع من الأعشاب يشفي من الحب . "
انفجرت مارتينا ضاحكة : " إن ذلك يبقى ضمن الأشياء التي لم أجربها بعد . إنني جداً مشغولة بإدارة أعمالي . ماذا عنكِ؟ "
لأسباب بقيت خفية حتى على ابيغيل , وجدت هذه الأخيرة أنه من الصعب الإجابة على سؤال مارتينا : " لم يحصل ذلك . "
ولكنه بدا وكأن مارتينا , لحسن حظ ابيغيل , قد اقتنعت بجوابها . مشت الصديقتان في طريق عودتهما إلى السيارة , فاجتازتا مربعاً آخر غطي بالحصى ... وهو يعود إلى منتصف القرن السادس عشر , كما شرحت مارتينا ...وسارتا تحت شرفات وضعت على أطرافها زهور زاهية الألوان كذلك مشت الصديقتان تحت أعلام ركزت بفخر على شبابيك الطوابق العلوية .
علقت مارتينا : " يجب أن يكون ثوبك قد سلم الآن . " وكانت الصديقتان تستقلان المصعد حتى مدخل الفندق : " لقد طلبت أن يرسل إلى مشغلي حتى أرى إن كان يحتاج إلى بعض التعديلات . أتمنى ألا يكون لديك أي مانع في ذلك . "
ضحكت ابيغيل وهي تومئ . كانت مقتنعة بأن صديقتها سوف ترفض أي اعتراض من قبلها . نزلت الفتاتان بواسطة المصعد وأشارت مارتينا إلى ابيغيل بأن تتبعها إذ فتحت الباب ثم دخلت إلى المشغل .
" أرجو أن تعذري حالة الفوضى العامة في المشغل . " قالت مارتينا ذلك وهي تشير إلى المكان : " لأنني أعمل دائماً في جو مماثل . إنه الجو الملائم حيث يمكن للفنانين المبدعين أن يبتكروا . إن هذا هو العذر الذي أقنعت نفسي به على كل حال ."
شعرت ابيغيل بأن الثياب والأقمشة توجد في كل مكان حولها , وهي معلقة في أماكن عالية كما لو كانت ستائر , أو ممدودة بين الطاولات والكراسي , أو موضوعة بتعاليق وراء الأبواب . كان هناك كذلك ألآت خياطة و إكسسوارات ملقاة على طاولات , على كراسي قليلة الارتفاع , وكذلك على حافات النوافذ.
" ان الجو هنا لايشبه جو المشاغل . " قالت مارتينا بشيء من الفخر : " أنني أعمل ضمن إطار ضيق , وبنجاح لحساب سيدات يردن الظهور بمظهر مختلف هناك .." ولوحت مارتينا بيدها نحو صف طويل من الثياب كان قد أخفى وراء قطعة قماش كبيرة للغاية ... " هناك توجد تصاميمي التي سوف تظهر في عرض الأزياء ."
تابعت مارتينا : " سوف يقام عرض الأزياء في الطابق الأرضي من البيت الذي يتم تجديده لنقيم فيه ... هل أخبرك رايموند عنه؟ بعد وقت قليل , سوف نعود إلى نمط طبيعي من الحياة إذ أننا سوف ننتقل للعيش في منزلنا . سوف أنقل مركز عملي إلى غرفة اخترتها خصيصاً لهذا الغرض إذ أن الضوء يدخلها بطريقة جيدة . سوف يقام احتفال كبير بمناسبة انتهاء أعمال التصليح وانتقال عائلة فلدر إلى المنزل . "
" مرحباً . " قالت مارتينا لفتاة كانت خلف لوحة الكي وهي تعمل بدقة على كي سترة : " أقدم لكِ ابيغيل هايلي , إنها صديقتي . إنها فتاة إنكليزية . ابيغيل , أقدم لكِ ليليان شميدت . "
وردت الفتاة على ابتسامة ابيغيل بابتسامة مماثلة . سألت مارتينا :" هل احضر ثوب من محل جيزلا؟ "
أجابت ليليان باللغة الإنكليزية إذ أن مارتينا وجهت إليها السؤال باللغة ذاتها : " نعم , لقد حصل ذلك فعلاً , إن الثوب هنا . "
كان الثوب معلقاً بواسطة تعليقه ثياب على الباب , وكانت ألوانه زاهية . أضافت ليليان : " اني متأكدة , بأن هذا الثوب هو من تصميمك يا مارتينا . "
قالت مارتينا :" إنه كذلك . لم يمض على قدومك وقت طويل ولكنك دقيقة الملاحظة كما أرى الآن , سوف ترتدين الثوب يا ابيغيل لقياسه من جديد , أليس كذلك؟ "
نظرت ابيغيل حولها وقد عقدت حاجبيها : " هنا؟ "
" لم لا؟ هناك توجد غرفة للقياس مزودة بمرآة ."
عندها , سمع طرق على الباب ودخل رايموند : " يا شقيقتي , لم يأت أي عدو ليسرق أفكارك ."
قال رايموند :" مرحباً ." تسمرت عيناه على الثوب وهو يقول :" يا للروعة ."
استطردت شقيقته :" هل أ،ت تعني بكلامك هذا ابتكاري الرائع أم كما اعتقد مظهر ابيغيل؟ "
" إن اعتقادك في محله ." أجاب رايموند ونظر حوله , فلاحظ وجود المساعدة الجديدة للمرة الأولى . قال رايموند لشقيقته :" مارتينا؟ هيا , يجب أن تعرفيني بهذه الفتاة ." كانت نبرة صوته ملحة فقالت :" ماذا تريد؟ ليليان , هذا أخي الصغير رايموند ."
" لست فعلاً صغيراً ." قال رايموند وفي صوته بعض التأنيب :" هل تعملين هنا منذ فترة طويلة يا ليليان."
أجابته أخته إذ أن ليليان ظهرت في غابة الارتباك :" منذ ثلاثة أسابيع ."
قال رايموند :" إذن , يجب ..."
قالت شقيقته :" يجب أن تدخل المصعد ليقلك إلى فوق ."
وغزت وجهه تعابير مضحكة بسبب هذه الطريقة الجديدة التي اتبعتها شقيقته لاخباره بأن عليه الذهاب , ولكنه فهم رسالتها جيداً .
بعد قليل دخل رولف .
" ابيغيل ."
" نعم ."
" أود التحدث معك ."
لقد عرفت , إذ رأت وجهه الذي خلا من التعابير , بأنه سوف يخبرها بعدم توفر أية وظيفة شاغرة .
" سأراك لاحقاً ." أضاف رولف , سأل مارتينا :" كم من الوقت ستحتفظين بزبونتك هنا؟ "
" لن تضطر ابيغيل إلى البقاء أكثر من بضع دقائق ولمعلوماتك ... " قالت مارتينا لشقيقها , وعيناها تبرقان إذ انها كانت تتصور وقع الخبر على رولف ... " يمكن ألا تكون على علم بذلك ولكنك أنت زبوني . " رفع رولف حاجبيه مستفسراً عن الأمر . أضافت :" سوف أرسل لك أنت فاتورة بثمن هذا الثوب يا أخي الكبير ولن تكون قيمتها ضئيلة فأنت مدين لأبيغيل إذ أنك صدمتها في الحقيقة أنت مدين لها بالكثير ."
قالت ابيغيل موبخة مارتينا :" لقد قلت لك بأن أخاك لا يدين لي بأي شيء لقد كنت أنا السبب في ..."
أجابتها على الفور :" أن المكابح كانت بمتناول يده أليس كذلك؟ ولا أعتقد أبداً أن لدى أخي أي خلل يحول دون تحكمه بردات فعله , لماذا لم يتوقف في الوقت المناسب؟ "
قال رولف :" مارتينا على الرغم من أنك شقيقتي فإن ما قلته ينم عن نقص الذكاء لديك . عندما لا يرى السائق حتى ذلك الشيء الذي يعترض طريقه , لديه كل الحق في الافتراض بأن الطريق أمامه سالكة ولا تعترضها أي حواجز على الرغم من ذلك . " أضاف رولف وهو ينظر إلى ابيغيل : " إنني أكثر من مستعد لأسدد الفاتورة . اتلاقيني بعد خمس عشرة دقيقة يا ابيغيل ؟ "
قالت مارتينا بعد أن غادر رولف المكان :" إن أخي يؤثر علي فعلاً عندما يرغب في فعل ذلك ."
وصلت ابيغيل في الوقت المحدد ولكن على الرغم من ذلك كان رولف ينظر إلى ساعته وهو يقطب حاجبيه .
قالت ابيغيل :" إنني آسفة إن كنت تأخرت ."
أجاب رولف :" لقد حضرت تاماً في الوقت المحدد . هلا تبعتني , إن سمحتِ؟"
أدركت أنه يود التحدث بشأن العمل وذلك لأنها لاحظت بأن نبرة صوته مشحونة بالجدية . انتظرت وهي تفكر كيف ستحزم حقائبها وقد عقدت أصابعها بشدة ومشى باتجاه المكتب الذي كان مركزاً في زاوية من المكان .
عندها أدركت بأن الغرفة التي وصلا إليها تحتوي على مكتبتين وكان على احدهما آلة كمبيوتر وآلة كاتبة وضعت بالقرب منها . حقاً فكرت ابيغيل إن المكان مناسب إذ يمكن القول هنا لأي شخص بأنه غير مرغوب به .
قال رولف وهو يشير إلى كرسي :" تفضلي بالجلوس .. تبدين وكأنك تنتظرين تنفيذ حكم اعدام بحقك ."
وابتسم ابتسامة بدلت تماماً مظهره وجعلتها تكتشف ذلك الإنسان البعيد عن الرسميات . انتظر رولف حتى جلست ثم جلس بدوره على كرسي المكتب.
" إنكِ تلحين على تغطية نفقات إقامتك هنا ." قال رولف ذلك ثم أخذ السكين الذي يستعمل لفتح الرسائل , وتفحص حده . إذن , هل يمكن أن يكون رولف على استعداد لتوفير العمل لها؟ أومأت مؤيدة كلامه .
قال باستهجان :" إن ذلك جنوني إلى أقصى حد ممكن ولكن ..." رفع يده ليمنعها من الاحتجاج .
" ... هناك عمل يمكن أن تقومي به من أجلي ."
تنفست الصعداء
" بالأحرى , سوف تعملين لحساب أبي فهو قد تقاعد ولم يعد يدير مجموعة فنادق فلدر ... نعم فنحن لدينا فنادق أخرى في هذا البلد ... لذلك فهو قد تخلى عن منصب الرئاسة و أوكلني به بعد موافقة أفراد مجلس الإدارة . فأنان أحاول تولي هذه المهام إلى جانب عملي في شركة الهندسة التي املكها في زوريخ ."
" هل أنت بحاجة إلى سكرتيرة؟ "
" ليس الأمر كذلك بالضبط , هناك العديد منهن في البلاد ."
ودون أن يظهر عليه التأثر , أخذ رولف ينظر إلى خيبة الأمل التي ظهرت على وجه ابيغيل :" هناك عمل آخر . لقد تقاعد أبي من وظيفة إدارة الشركة ولكنه لم يتوقف عن العمل فهو يقضي وقته بالعمل على تحقيق إحدى أمنيات حياته , إنه يعد كتاباً عن أنواع العنب في سويسرا . هل تتقنين الطبع على الآلة الكاتبة؟ "
أومأت إيجاباً . فتابع :" هذا جيد ولكن هل بإمكانك استعمال الكمبيوتر؟ هل بإمكانك ذلك حقاً؟ " نهض رولف وقد بدت على وجهه علامات الرضى ثم أشار حيث كان الكمبيوتر .
" هذه مجموعة من الملاحظات , وقد كتبت باللغة الإنكليزية . فإن الناشر الذي يتعامل معه أبي هو إنكليزي . هل تعتقدين أن سيكون بإمكانك فهم خطه؟ انظري ."
وبدأت تقرأ هذه المخطوطات بصوت عال حتى تبين لرولف بأنها تفهم الكلمات المكتوبة . بدا مسروراً عندما أعاد الاوراق التي دونت عليها الملاحظات إلى مكانها على المكتب .
" باستطاعتك البدء بالعمل في أي وقت ." قال لها رولف ذلك : " سوف اشرح لك الأمر ... لن تكون السلطات الرسمية في سويسرا راضية إن حصلت على عمل في هذا البلد وقبضت راتبك كذلك دون إذن رسمي منها!" أومأـ وهي تنتظر متسائلة عن الكلام الذي سيتبع .
" سوف يأخذ ذلك بعض الوقت وفي النهاية يمكن ألا تحصلي على الإذن الضروري."
أجفلت إذ أنها استطاعت أن تعي الأمر جيداً الآن وتابع :" ولكن إن أدعيت بأنك أصبحتِ من عائلة فلدر ...."
" أتعني بذلك أن أصبح خطيبة رايموند؟ ليس باستطاعتي القيام بذلك , يا رولف حتى ولو كان مجرد ادعاء فلن يكون الأمر منطقياً بالنسبة إليه . لا أستطيع استغلاله لأحقق مأرب شخصيه كما قلت من قبل , أنا أكن له الكثير من الاحترام ولكنني أنظر إليه كصديق لا أكثر ."
أجابها :" لقد أردت القول بأنه يمكنك أن تصبحي خطيبة الابن الكبير لعائلة فلدر ."
ولم تستوعب ابيغيل ما قاله رولف سوى بعد عدة لحظات :" خطيبتك أنت؟ إن هذا غير معقول . أنت تعلم . لست مجبراً على التعويض علي بعد ذلك الحادث كما اردد مراراً , كان ذلك ..."
قاطعها ومنعها من اكمال كلامها :" لازلت تحملين آثار الكدمات كذلك الأمر بالنسبة للجروح . أنتِ ..."
قال رولف أخيراً وهو يبتعد عنها :" إن هذه الخطوبة هي مؤقتة ."
قالت ابيغيل :" أود أن أفكر ملياً بهذا الأمر . " ثم أضافت :" هلا منحتني بعض الوقت! "
" نعم ولكنني سأمنحك القليل من الوقت فقط ."
" لماذا... لماذا تستعجلني هكذا؟ "
" لأنني غداً صباحاً سوف أجري مقابلة مع أحد العاملين في طاقم الفندق وأرى إن كان مناسباً للوظيفة التي أخبرتك عنها . "
فكرت ابيغيل بأن تعطيه جوابها في اللحظة نفسها سأقول لا , لا و لكنها سمعته يقول :" تعالي , سوف نتمشى قليلاً كي تفكري بالأمر أتودين ذلك؟ "
سألت ابيغيل :" سأذهب لمدة سبع دقائق أيناسبك ذلك؟ "
ثم أضافت :" هل نلتقي بعد سبع دقائق تماماً؟ "
ابتسمت عينا رولف إذ أنه دهش من جرأتها .
قال رولف بعد مرور سبع دقائق :" لقد وصلت في الوقت المحدد تماماً كما وعدت ."
خرج رايموند من المصعد ورأى رولف مع ابيغيل " مرحباً ألن تأتيا للعشاء؟ "
قال رولف :" يجب أن نتناقش بموضوع العمل . وإن تجرأت وقلت بأنك سوف تأتي معنا سوف ..."
رأت ابيغيل تجهمه وذهبت لملاقاته هي تقول لرايموند :" سوف أشرح لك ذلك لاحقاً يا رايموند ."
سألها رولف وهو ينظر إليها :"أنت غارقة بالتفكير أليس كذلك؟ هل هذا هو سبب سكوتك؟ "
أومأت ابيغيل موافقة .
عند وصولهما إلى ضفة البحيرة اقتربا من السوق ورأيا جمهرة من الناس تشاهد مجموعات الحمام وطيور النورس تتطاير في مختلف الاتجاهات . كان الناس يرمون فتات الطعام فكان بعضها يصل إلى سطح المياه , بينما كانت مناقير الطيور تلتقط بعض القطع الأخرى وهي ما تزال في الهواء .
كان عدد الطيور كبيراً وكانت حركتها سريعة وعنيفة حتى أنها أخافت ابيغيل التي وجدت نفسها وسط هذه المخلوقات التي تصدر أصوات صراخ . وطارت واحدة منها بالقرب من وجهها وكادت أن ترتطم به , كأنها غير قادرة على تقدير المسافة المناسبة التي تخولها تجنب الارتطام بشيء ما . انقطعت أنفاسها من الخوف .
" شكراً لك إن ما فعلته هو سخيف ولكن ... "
" إنها ردة فعل عفوية . " علق رولف : " إنه حب البقاء سمها ما شئتِ ولكنها ردة فعل طبيعية وإن تغير الموقف على كل يفرحني كثيراً فأنا اسعفك الآن بدلاً من التسبب بالمتاعب لك . "
" شكراً على حمايتك لي على كل حال . " قالت ابيغيل ذلك , وتمنت لو أنها تتمكن من فهم الأخ الكبير لعائلة فلدر كما تستطيع فهم رايموند .
وصل الاثنان إلى جسر خشبي قديم , رفع عن المياه بواسطة اعمدة خشبية وكان سطحه يمتد على مسافة كبيرة بينما حاجزه مزين بعدد من الأزهار .
" إنه الكاييلبروك , سيركا 130 . " علق رولف بينما وقفا جنباً إلى جنب بالقرب من السكة : " يقال انه اقدم من جسر خشبي في العالم . إن الرسومات .. " تابع وهو يشير إلى مجموعة من الألواح الخشبية : " قد انجزت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر . وهي ترمز إلى شارات العائلات القديمة النبيلة في المدينة وإلى الإحداث المحلية والوطنية المهمة . "
نظرت ابيغيل إلى الرسومات وهي معجبة بألوانها وطريقة رسمها الفنية . قال رولف وهو يشير إلى مبنى حجري كبير : " من هذه الجهة على الجسر هناك محلات وإن برج المياه له شكل مثمن وسطح ذو شكل ثلاثي , وقاعدة تخرج من البحيرة ... قد بني تقريباً سنة 1300! "
عم السكون لبعض الوقت , ثم نظرت ابيغيل إلى رفيقها إذ كان يتأمل الجبال البعيدة .
" وماذا إذن ؟ " قال وهو يدير رأسه كأن ابيغيل قد كلمته , ثم سألها : " هل اتخذت قراركِ؟ "
قالت ابيغيل وتنحنحت لتجعل صوتها أكثر وضوحاً .
" نعم , يا رولف ! لقد قررت أن اقبل عرض العمل . "

لا وعود في الحبWhere stories live. Discover now