الفصل الخامس

6.2K 170 1
                                    

مر بعد الظهر , و ابيغيل مهتمة كثيراً بمحتوى ملاحظات ماكس المدونة على الورق .. وكانت قد تنهدت بارتياح إذ رأت بأن ماكس قد رقم الصفحات على الأقل , بالرغم من أنها كانت مبعثرة . بعد أن تفحصتها , أخذت تطبعها على الكمبيوتر وكان في أولها :
إن بلدي سويسرا شهيرة بالعديد من الصناعات كالساعات مثلاً , الآلات , وصناعة الأنسجة . كذلك , تشتهر بالجبال التي يحلو التزلج عليها , لذلك فهي بلد سياحية جميلة ولكن ما لا يعرفه الكثيرون هو وجود مناطق عديدة حيث تزرع الدوالي وحيث أصبحت صناعة الدبس من التجارات المحلية المهمة .
رن جرس الهاتف وقطعت ابيغيل عملها . ثم قالت : " أنا ابيغيل هايلي . مرحباً مارتينا , نعم هذا أنا كيف عرفتِ ذلك؟ "
" لقد اتصلت بقاعة الاستقبال . وكان أحدهم قد رآك تتوجهين نحو المكتب . هل تستطيعين إعطائي القليل من وقتك؟ لقد أجريت بعض التعديلات على ثوبك . هل تتذكرين كيفية الوصول إلى مشغلي؟ "
بعد بضع دقائق وصلت ابيغيل إلى مشغل مارتينا فقالت لها : " هل تمانعين إن طلبت منك قياسه؟ حسناً . "
قالت مارتينا بعد مرور بعض الوقت : " أليس رائعاً هل يعجبك يا ليليان؟ " وعبرت عن إعجابها بمظهر ابيغيل " أقترح عليك عليكِ أن تعطيني الثوب حتى تقوم ليليان بكيه عندها ستتمكنين من ارتدائه في المساء وذلك ... سيكون بعد عشرين دقيقة . سوف تتناولين العشاء معنا رايموند وأنا , هل توافقين على ذلك؟ حسناً والآن أرجو أن تشغلي نفسك بشيء حتى أنتهي من ترتيب الأغراض . "
تأملت ابيغيل فستاناً وضع وراء الباب ثم جالت في المشغل وهي تمعن النظر بالتصاميم والأقمشة التي وضعت في كل مكان . وقد أعجبت بألوانها , بقصاتها بقماشها الناعم . قالت ابيغيل : " أنتِ شديدة الذكاء ."
ضحكت مارتينا وقالت : " يمكنني أن أدعي الحياء وأنكر ذلك ولكن ... إن كوني من عائلة فلدر يجعلني أبتعد عن الخجل ودربت جيداَ كذلك , فقد سافرت ... إلى بلدك أيضاً ... لأتعلم تقنيات جديدة , لديك ... أنتِ أيضاً موهبة لا تزال مخبأة ... أعني موهبة فذة ... ومعظم الناس يملكون واحدة إن ذلك هو رأيي الشخصي . على كل حال حسب هيئة أصابعك أنتِ تعزفين على البيانو؟ "
أجابت ابيغيل متعجبة : " إن لديك وقة ملاحظة كبيرة . نعم , أنا أعزف على البيانو . لقد أخذت دروساً في العزف إذ كنت طفلة وقد خضعت لعدة امتحانات في مادة الموسيقى , ولكنني لا أحيي حفلات موسيقية! "
قالت : " لا يستطيع الجميع الوصول إلى ما يريدون . "
قالت وهي تنظر بسرور إلى صورة ابيغيل في المرآة , " كأن هذا الثوب قد صمم خصيصاً لكِ . وأنا أعرف على الأقل شخصاً قد لاحظ ذلك . "
" اتعنين رايموند بالطبع ."
" هل فهمت الأمر بهذه الطريقة؟ نعم إن رايموند قوي الملاحظة ولكن كلا كنت أفكر بـ .. دعك من الأمر لن يكون هنا في المساء . "
لا يمكن أن تكون مارتينا قد عنت شقيقها البكر بكلامها هذا.
كانوا قد وصلوا إلى طاولتهم وأحذو يقرؤون لائحة الطعام , عندما رفعت ابيغيل نظرها نحو المدخل . توقف الواصلان الجديدان واصطدمت عينا الرجل واللذان تصعب قراءتهما بعيني ابيغيل وقفت رفيقته تراقب المشهد . لم يكن من الممكن أن تكون رفيقة رولف تلك سوى لورا مارشان , أليس كذلك؟ سألت ابيغيل نفسها , وقد أخافها إحساس الغيرة الذي شعرت به .
: " هل نجلس على طاولتنا المعتادة يارولف؟ " سألت لورا بينما لعلعت نبرتها الانجليزية في المطعم . دون أن تنتظر الجواب , اتجهت ضيفة رولف نحو النافذة ووقفت بالقرب من إحدى الكراسي .
ساعدها رولف على الجلوس ثم جلس قبالتها .
" إن حضرتها تحاول دائماً أن تجعل الانظار تلتفت نحوها . " علقت مارتينا بلهجة ساخرة وهي تملي طلباتها على النادل : " ولكن ذوقها في انتقاء الثياب يدعو إلى الاشمئزاز ولكن لا باس ..." ثم نظرت بإمعان إلى صديقة رولف وتفحصتها بعيون جيدة ... " لا بد وأنها دفعت مبلغاًَ طائلاً لتبتاع هذا الثوب , ولكن لا يلائمها . إن البائعة التي نصحتها به كانت تفكر فقط بالمكافأة التي سوف تنالها . "
قالت مارتينا متوجهة إلى أخيها : " لماذا ذوق رولف في انتقاء صديقته خاطئ إلى هذا الحد يا رايموند؟ "
" لماذا توجهين إلى هذا السؤال؟ إنني أحاول أن أحزر ولكنني أتصور بأن الأمر هو على هذه الحال لأن رولف ليست لديه النية ابداً بالارتباط . أنتِ تعلمين أراه بهذا الصدد وذلك منذ أن تركته بياترس لترحل مع ذلك المليونير . "
قالت مارتينا وهي ترسم حركة مضحكة على وجهها : " ولكن أنظر إلى الوراء , أنها تحاول جاهدة لفت نظر رولف , إنها لا تعلم بأنها تدق على باب موصد تماماً . "
قال لها أخوها مؤنباً : " أنتِ كل ما تجنيه هو العمل . أنتِ ورولف تتقاسمان هذا الولع بالعمل . "
قالت مارتينا وهي تدفع فنجان القهوة وتنهض : " بما أنك تكلمت عن العمل ... "
سأل رايموند شقيقته : " هل ستذهبين إلى مشغلك؟ هل ستكون ليليان هناك . إذن سوف أرافقك . "
حاولت ابيغيل جاهدة إخفاء ابتسامتها إذ أن رايموند حول اهتمامه بشكل مفاجئ : " ابيغيل؟ ابيغيل؟ " سمعت صوت رولف يناديها إذ كان الثلاثة يمرون أمام طاولة رولف ولكنها تجاهلت نداءاته فاجتازت الممر قرب الطاولة وهي مرفوعة الرأس . لماذا يجب علي أن أركض ملبية نداءه في كل مرة , تساءلت ابيغيل , خاصة وأنني أعلم بأنه يود تقديمي إلى صديقته , لكي يجعلني افهم كم أن خطوبتنا هي مؤقتة وخالية من المعنى .
بعد بضع دقائق , أحست وكأن المنظر المترائي لها من خلال النافذة , حيث اختلط الضباب الخفيف باللون الذهبي للشمس التي بدأت يناديها بشكل لا تستطيع مقاومته عندها , أدركت أنها تشعر بالقلق الكبير . كذلك فهي قد شعرت بالحاجة الملحة إلى الخروج للتنزه قليلاً .
" ابيغيل . " كان هناك نبرة آمرة في ذلك النداء , فلم تستطع تجاهله هذه المرة لأن الرجل الذي تلفظ بتلك الكلمة كان يعترض طريقها علمت بأنها لن تستطيع الوصول إلى المصعد . لذلك . استدارت حين وصل رولف أولاً إلى هناك , ففتح باب المكتب وأشار إليها بالدخول قبل أن تستطيع أن تهرب أو تغيير وجهة سيرها توجهت نحو مكتبها ثم أدعت بأنها تتفحص الأوراق التي دون عليها ماكس ملاحظاته . سأل رولف وقد تعكر مزاجه : " لماذا أدعيتي بأنكِ لم تسمعيني إذ ناديتك وذلك عندما كنت في قاعة الطعام؟ " كان بإمكانها أن تفصح عن غضبها , كذلك يمكنها الادعاء بأنها لم تسمعه . ولكنه سوف يعلم بأنها لم تكن تقول الحقيقة . " لقد أردت فقط أن تقدمني إلى الآنسة صديقتك لقد افترضت الكثير من الأمور ... مثلاً أنني فعلاً أود مقابلتها . على كل من الطبيعي جداَ أن تقول الحقيقة لصديقتك تلك . "
قال رولف : " إنها لا تعلم شيئاً عن خطوبتنا المزيفة فهي ليست من العائلة قولي لي , هل أنتِ وشقيقي مقربان؟ . "
" أنتِ لا تعلم شيئاً . فلدى رايموند احترام كبير للقيم الأخلاقية " وشعرت ابيغيل بأنه ما كان يجب عليها التكلم بهذه الطريقة .
" إذن أنتِ تعترفين بأن رايموند يعني أكثر من صديق بالنسبة لك , كما كنت تدعين دائماً . "
قالت ابيغيل : " كلا ليس الأمر كذلك . " ثم تقدمت نحو الباب لتخرج .
سألها : " إلى أين أنتِ ذاهبة ؟ "
" أني خارجة لكي أتنزه أرجو ألا تتبعني . "
لم يتبعها رولف , ولكنه مشى إلى جانبها حتى وصلا إلى الباب . كان المصعد قد وصل فقررت أن تغلق بابه بوجه رولف وأن تضغط على الزر قبل أن يتمكن هذا الأخير من الدخول إلى المصعد ولكنها سمعت أحدهم يناديه في قاعة الاستقبال ثم تناهت إلى مسامعها تمتمة مخنوقة ونظرت خلفها فرأته يختفي داخل المكتب .
تنزهت ابيغيل على مهلها ثم استدارت ونظرت إلى فندق بانوراما . كان مبنياً على منحدر صخري عند الشاطئ . لا عجب إن كان المصعد الموجود على مستوى الأرض يستعمل في تلك الغرف يتمتعون بمناظر رائعة حيث ليس هناك أي مبنى من الطراز الحديث , فكرت ابيغيل وهي تشعر بالامتنان بعد أن عدت النوافذ , استطاعت أن تحدد موقع غرفتها في الفندق , كان ستار النافذة الأرجواني الذي اقفل جزيئاً ظاهراً حيث تتناول فطورها في الصباح الباكر عادة . وكان ستار النافذة يحميها من أشعة الشمس وهو يناسب الستائر الأخرى وكون مجموع ذلك بقعاً جميلة من ألوان توزعت على طوابق عدة من المبنى . استدارت إلى ناحية البحيرة .
وجدت ابيغيل مقعداً في ضل الشجرة , نظرت إلى المياه , ولكنها لم ترها حقاً . كان جمال الجبال المحيطة بها مهيباً إذ أعطاها ضوء الشمس الغاربة مظهراً جذاباَ فاتناً . كانت السفن تطفو , تعلو وتهبط بحذر عند ارتطامها بالأمواج الخفيفة , بينها أبحرت المراكب الشراعية . لفت انتباه ابيغيل خيال موجود إلى شمالها ورأت رجلاً يقف عند حافة المياه وكان يحدق بالأرض . إنه ذلك الرجل الذي يوحي بالحنان والذي يزعجها كبرياؤه ويفرحها في آن معاً ... كانت متأكدة من أن رولف لم يرها . فهو يعتقد بأنها قطعت مسافة كبيرة وهي تتنزه .
سمعت رولف يناديها وشعرت بأنها لم تعد وحيدة إذ كان يتقدم نحوها .
" لنجتاز هذا الشارع . أنه خطر لا يجب أن تجتازي هذه الطريق العريضة حيث تكثر السيارات أليس كذلك؟ بالإضافة إلى هذا الأمر تذكري ما حصل في المرة السابقة عندما قطعتِ الطريق إذ كانت السيارات تسير بسرعة . "
علت احتجاجات ابيغيل وكلنها سمحت لرولف بمساعدتها على قطع الطريق بسلام . قال : " هل تستطيع ابيغيل هايلي أن تتظاهر لفترة قصيرة بأن رولف فلدر هو صديقها وليس عدوها؟ "
" الآن سوف نسير معاً هل تمانعين إن قمنا بتسلق جدار المدينة وليس الهضاب فقط؟ حسناً لنمشي من هذه الجهة."
ابتعدا عن البحيرة واتجها نحو جزء آخر من المدينة . بعد قليل , كانا يقتربان من الحقول حيث توزعت الأبقار لتأكل العشب . كانت الأجراس المعلقة برقبة كل منها تصدر اصواتاً قوية ومتناغمة كما لو كانت تخبر عن الراحة والسكون اللذين يتوافرا مع نمط من الحياة , وصلا إلى أسفل الحائط الكبير حيث امتدت الطريق الرئيسية وكانت رؤيتها جميلة كأنها تبين الفرق الشاسع بين عراقة الريف البدائي وحداثة الطرقات والسيارات ... قال رولف وهو يشير إلى سلم طويل : " إن الدرجات ألتي ترينها تؤدي إلى أسفل إحدى هذه الأبراج . هل تودين تجربة هذه اللعبة؟ "
" لم لا؟ " قالت ابيغيل وهي تفتعل التحدي : " ربما أبدو لك فتية ولكني قوية على كل لقد استطعت الصمود بجدارة عندما صدمتني سيارتك أليس كذلك؟ "
كانت تتبع رولف في الصعود وتحاول جاهدة اللحاق به عن قرب .
" لقد بني الحائط حوالي 1400 وهناك تسعة ابراج . " قال لها رولف عندما توقفا للاستراحة بعد أن صعد السلالم ، " إن كلاً من هذه الأبراج يختلف عن الآخر , أنظري هذا البرج له سقف مثلث الشكل وهو مغطى بالقرميد الأحمر ولكن لذلك البرج الثالث نوع خاص من القمم أما الرابع , فلديه قمم مزدوجة . "
" هل وصلنا فعلاً إلى القمة؟ خلت بأننا لن نصل إليها أبداً."
بدآ بالسير بمحاذاة الحائط واندهشت ابيغيل لروعة المنظر الذي رأته .
عندما سارا في طريق العودة , قال بسرعة : " اعترف بأنني تساءلت عندما كنا في الأسفل عما إذا كنتِ قادرة على الوصول إلى القمة . "
نظرت إليه : " هل اعتقدت فعلاً بأنني سأطلب معروفاً وأتوسل إليك بأن نعود أدراجنا؟ "
" سوف تتحملين عواقب استفزازك . " ونظر إلى يدها التي تحمل الخاتم .
" ولكن ذلك لا يجعلني ملكاً لك . كذلك ليس لهذا الخاتم أي معنى حقيقي . "
أدارت ابيغيل عينيها لتتأمل مياه البحيرة المذهبة ونظرت بعدها إلى الفضاء ذي اللون البرتقالي , إلى الهضاب القريبة التي أصبحت داكنة ومستعدة لتستقبل الظلام الذي سوف يحل قريباً .
همست ابيغيل وقد أحست بالغصة في حنجرتها : " أليس هذا رائعاً؟ "
قال رولف موافقاً : " إنه رائع حقاً . " وصلا إلى مدخل الفندق بعد أن عادا من المدينة سيراً على الأقدام . ألقى رايموند عليهما التحية إذ كانا يدخلان إلى الفندق .

لا وعود في الحبWhere stories live. Discover now