4_التمثيل يصبح حقيقة

5.8K 126 0
                                    

هزت تيس راسها من دون أن تتراجع:" لن امنحك فرصة لهذا مرة اخرى. لقد نسيت نفسي لحظة أثناء رقصنا لكنه انحراف لن يتكرر".
شتم شايد بصوت خافت. انحراف؟ هل اعتبرت ما حدث بينهما انحرافا؟
ما هذه المرأة؟ إنها بارعة في إثارته من دون أن تسمح له بالحصول على ما يريد. لم يحدث هذا معه من قبل قط.
-ثمة خبر آخر لك, يا تيس. من الأفضل أن تكثري من الانحراف, وإلا سيفشل هذا المشروع كله. ففي لحظة واحدة تخليت فيها عن تحفظك, تصرفت كما يفترض ان تتصرف أي امرأة بين ذراعي حبيبها.
بدا العناد على فمها:" أنت لست حبيبي. ولا أريد أن أرقص معك بهذا الشكل مرة أخرى".
-لماذا؟
اوشكت أن تجيب, لكنها أدارت له ظهرها في آخر لحظة وهي تقول:" لقد قدمت برهانك وهو ان هذا العمل لن ينجح. لدينا مشكلة في السير و الحديث, وليس في الرقص فقط. اقترح أن نتجنب الرقص في حفلة الغد".
جاهد للتحكم في شعور الاحباط الذي تملكه:" هذا ليس رأيي. أنت تعلمين ما أحاول أن أفعله لكنك تصعبين الأمر. لماذا؟ ماذا يجري بحق جهنم, يا تيس؟".
-تأخر الوقت و عليك ان ترحل الآن.
-الساعة لم تبلغ التاسعة بعد, و نحن لم نكمل الاستعداد.
استدرات تواجهه مرة أخرى وقد زمت شفتيها و امتلأت عيناها بالألم وبدا الشرود فيهما.
كانت ملامحها من العناد ما جعله يفكر في أي كلمة غير مناسبة قد تنهي وظيفته قبل أن تبدا. قالت:" هذا يكفي يا شايد. لن أرقص معك بعد الآن وقراري هذا نهائي".
فقال مخفضا صوته إلى أقصى ما يستطيعه من النعومة.
-رقصنا معا يذكرك بروبرت, أليس كذلك؟
فأنكرت على الفور:" هذا غير صحيح".
قطب جبينه. ما الذي كدرها إذن إلى هذا الحد؟.
إذا لم يكن شيئا قاما به, هي وزوجها الراحل, قبل. . . آه, يا لجهنم. إنه إذن, شيء لم يفعلاه. كيف أمكنه أن يكون بهذا الغباء؟ وقال:" أنت متكدرة لأنك, وروبرت, لم ترقصا قط معا. و عندما أخذت أنا أصف كيف يبدو الحبيبان بين ذراعي بعضهما البعض, و الحميمية في حركاتهما. . . كان هذا امرا لم تجربيه مع روبرت قط, اليس كذلك؟".
تحرك فكها لحظة قبل أن تجيب:" كلا".
منتديات ليلاس
قالت هذه الكلمة بنعومة بالغة جعلته لا يكاد يسمعها. لا عجب ان كلماته آلمتها, فقد فعلت معه ما لم تفعله مع زوجها الراحل.
تملكه العطف عليها وحاول أن يجد طريقة يصلح بها ما أفسده.
-لا بأس. إذن, أنت وروبرت لم تستمتعا بالرقص معا. لكن هذا لا يلغي علاقتكما.
-هل يمكننا أن نغير الموضوع من فضلك؟
-إذا لم تشائي الرقص في الحفلة الخيرية فلن نفعل لكننا لم ننته, ما زال علينا أن نبدو مرتاحين معا بحيث يظننا الناس حبيبين. هل تعملين معي لفترة أطول قليلا؟
دست يدها في شعرها تشعثه.
كانت الانوار في الردهة تومض على خصلاته فتبرز تدرجاته بين الأحمر و الذهبي. إنها امرأة مليئة بالمتناقضات, مزيج غريب من النار و الثلج. إنها صلبة إلى حد يبقي الناس بعيدين عنها فيما حرارتها الطبيعية تجذبهم إليها, و تغريهم بالمجازفة بمعاناة البرودة ليظفروا بمتعة الدفء. لكنها غافلة عن مقدار جاذبيتها أو لعلها لا تريد أن تعلم, مفضلة التركيز على مهنتها.
سألته:"ماذا بقي الآن؟".
-فيلم سينمائي وبعض البوشار.
ارتسم الاضطراب على ملامحها بشكل يحطم القلب:" هل تدعوني للخروج معك؟".
-لا أنا أطلب منك أن تحضري بعض البوشار ثم تجلسي معي نشاهد فيلما سينمائيا هنا.
أحس بأنها تريد أن تجادله لكنها اومأت موافقة:" فيلمم سنيمائي واحد ثم ترحل؟".
-نعم.
-وبعد ذلك سيعتقد الناس أننا عشيقان؟
-فلندعو كي ننجح في ذلك.
لكنهما لن ينجحا إلا إذا كانا محظوظين للغاية.
لا بد أن في اقتراحه فخا ما لكن تيس لم تستطع أن تخمن ما عساه يكون. إلا أن اكتشافها لما غفلت عنه لم يتطلب سوى خمس دقائق.
أول اكتشاف هو اطفاؤه النور عندما فتح التليفزيون, فسألته:" ماذا تفعل؟".
-أطفئ النور 
-هذا واضح, اما السؤال فهو. . . لماذا؟
-لأنني احب رؤية الافلام في الظلام فهذا يريح المزاج.
المزاج. . . بعدما حدث في الردهة لم يعد يهمها إراحة المزاج. . . إلا إذا كانت الأضواء متلألئة. . . و مساحة كبيرة تفصل بينهما, بينما يدور بينهما حديث قصير قدر الإمكان.
وخرجت من الغرفة قائلة:" خذ راحتك فانا ذاهبة لأحضر البوشار".
توجهت غلى المطبخ لا تريد ان تعترف بأنها هاربة. لقد قررت أن تتأخر قدر امكانها في تحميص الذرة في الميكروويف إلا أن تحضير الكيس لا يستغرق سوى ثلاث دقائق. ضغطت على الإزرار واستندت غلى المائدة تحملق في الجهاز. لم يكن مشروعها يسير حسب تخطيطها . . . على الإطلاق.
ما كانت الأمور لتسوء بهذا الشكل لو أن شايد تصرف كما يتصرف أي مستخدم. لكنه عانقها, ورقص معها, كما أنها. . . 
و أخذت تذرع أرض المطبخ من اوله إلى آخر. تبا! لقد تجاوبت معه. لم تستمتع بعناقه و حسب, بل بادلته العناق أثناء الرقص. لماذا اختار جسدها تلك اللحظة ليثور عليها؟ ومع شايد من بين كل الناس؟
لقد استطاعت و بكل سهولة أن تبعد عنها الرجال, لمدة تسع سنوات, و أن تقدم مهنتها على أي علاقة شخصية. فبعد موت روبرت أصبح هذا أكثر امنا و أقل إيلاما. ومع ذلك, وفي ساعات قليلة, نجح شايد في اختراق كل تلك الحواجز.
واجهي الامر يا فتاة! الواقع المؤلم هو أنها تشعر بتمزق, وهو شعور طبيعي تماما. لقد افتقدت روبرت وما كان بينهما ومع ذلك لم تشأ أن تعود و تقاسي الآلام التي قاستها عندما مات. كما أنها لا تريد في حياتها تلك الفوضى التي يحسن خلقها الرجال. إنها تريد أن تركز انتباهها على عملها فقط و ليس على رجل ليس له شهرة و لن يبقى في حياتها سوى أيام. لقد بقيت بعيدة عن الرجال ولا تستطيع أن تترك شايد يعقد حياتها.
وهذا يعني. . . و توترت شفتاها. هذا يعني أنه ما إن ينتهي البوشار حتى تسير إلى العرين و تأمر ذلك المعتدي بالخروج.
وما ان اتخذت قرارها حتى شعرت بتحسن كبير, فعادت إلى شايد حاملة البوشار. كان الفيلم على وشك أن يبدأ, و شايد جالس في وسط الأريكة ممددا ساقيه أمامه.
وضعت البوشار على الطاولة أمامه, لكن و قبل أن تتلو تيس بيانها الرسمي, طوق خصرها بذراعه. وما إن شهقت معترضة حتى جذبها إليه و أجلسها قربه على الأريكة.
ابتدأت تقاوم, لكنها ما لبثت أن تخلت عن محاولاتها لعدم جدواها. إذا كان بيل لا يستطيع الفوز في مشجارة مع شايد, فهل تستطيع هي؟ ستنهي المواجهة بكرامة جريحة فقط:" ماذا تظن نفسك فاعلا؟".
-أتفرج على الفيلم معك.
-يمكنني ان أشاهد الفيلم و أنا جالسة بعيدة. شكرا. . . هذا إلى أنني قررت. . . 
فقال وهو يمد يده ليأخذ قبضة من البوشار:" أحقا؟ أنت لا تدركين ماذا تخسرين. استريحي, ياتيس".
-لا استطيع. لقد قررت ان عليك أن ترحل.
أومأ وهو يقذف بعض البوشار إلى فمه:" تصورت انك ستصلين إلى هذا القرار. ثلاث أو أربع دقائق كافية لامرأة ذكية مثلك كي تتخذ قرارا.
-هل هذا مزاح؟
-لا, أبدا. إنه مجرد تنبؤ. لقد رفضت منذ البداية فكرة استخدامي. ومع ذلك, اضطررت إلى ذلك. كان الامر أشبه بشخص جرب كل الوسائل من دون نجاح فصمم على أن يتبع هذا الطريق كقرار اخير. لكنه ليس القرار الذي يعجبك لذا تبذلين جهدك لتجدي مخرجا.
مرة أخرى ابدى مقدرة غريبة على رؤية ما تخفيه. وعبست لأنها لا تحب هذه الصفة فيه. لماذا ليس ظريفا و ذكيا مع شيء من البساطة؟ ما الصعوبة في الابتسام والثرثرة مع الزملاء و الزبائن و الظهور بمظهر المتملك في بعض الأحيان حين تحتاج إلى الاتكاء عليه أمام الناس و تابط ذراعه.
قالت رغما عنها:" لا بأس. . . إبق قليلا".
بدل وضعيته بحيث أصبحا متلاصقين فجاهدت كي تتمالك نفسها ولا تظهر تذمرها. كان المكان بالكاد لا يتسع له وحده. والأسوأ أن كل ما يجري بدا لها غريبا, بعد قضائها كل هذا الوقت بدون رجل في حياتها. . . حاولت أن تتعود على رائحته و صلابته و خشونة صوته فنجحت قليلا في ذلك. قالت:" لا أدري لما لا نشاهد الفيلم ونحن جالسين كل في ناحيته".
-لا يمكننا الجلوس بعيدين عن بعضنا البعض فالقرب هو الطريقة الوحيدة التي تجعلنا متآلفين.
لم يعجبها كلامه:" متآلفين؟ ماذا تعني بذلك؟".
-أعني الا تجفلي كلما لمستك.
-إذا وعدتك بألا اجفل فهل تدعني اذهب؟
-يا حبيبتي, أنا أتصرف بسلاسة و تمهل عادة. لكن ليس لدينا وقت. أتريدين أن تقنعي الناس ليلة الغد, بأننا عاشقان؟ هذا عظيم. أنا الرجل المناسب لهذا العمل. لكن هذا لن يحدث إلا إذا بدونا مرتاحين مع بعضنا بعضا.
-هل من حاجه لأن أقول إنني لست مرتاحة أبدا؟
تنهد بعمق وهو يبعد خصلات شعرها عن وجهها. حاولت أن تكبح رجفة تملكتها. لم تكن منجذبة إلى شايد هذا محال.
إنها متعبة و مجهدة فقط كما أنها حساسة للغاية. لم تستطع أن تكبح فكرة أن سنينا مرت منذ سمحت لرجل بالاقتراب منها فيما تصارعت رغبتها في الهرب من قربه مع رغبتها في الاستسلام لعناقه.
-أنا أعلم أنك غير مرتاحة, لكن إذا كنت لا تريدين أن يلاحظ الآخرون ذلك فأقترح عليك أن تسترخي و تركزي انتباهك على الفيلم و تتجاهليني.
تتجاهله؟ هل يمزح؟ و كيف يمكنها ذلك؟ لم تكن الأريكة واسعة بما يكفي بحيث شعرت بكل نفس يتنفسه وكل خفقة من قلبه و كل حركة من حركات عضلاته. بللت شفتيها الجافتين بطرف لسانها, وردت قائلة:" الفيلم. هذا صحيح".
-في حال لم تلاحظي, فإن الفيلم على شاشة التلفزيون أمامك.
التوت شفتاها بابتسامة عاجزة. الحمد الله لأنه لا يستطيع أن يرى وقالت:" شكرا".
مد يده وو تناول قبضة أخرى من البوشار ووضع بعضا منه بين شفتيها. اغمضت عينيها و قبلت تصرفه هذا. لم يطعمها رجل بيده قط من قبلو ورغم أنها جفلت من هذه الحميمية إلا أنها تقبلتها.
تعود أحدهما على الآخر شيء. . . اما هذا فشيء آخر. . . 
فيلم واحد فقط هو كل ما عليها أن تلتزم به. ساعتان فقط ثم ترسله في طريقه. لكنها قاست أسوأ من ذلك بكثير.
في الواقع, جزء من المشكلة هو أن قربه منها لم يزعجها كما ينبغي أن يفعل. و إذ صممت على أن تتجاهله, ركزت اهتمامها على المسرحية الهزلية الشاعرية التي اختارها, و التي ستستغرق ساعة و تسع و خمسين دقيقة. 
مد شايد يده نحوها مرة اخرى ثم سألها:" اتريدين فوطة؟".
حدقت إلى الشاشة وهي تجيب :" لا, شكرا".
-بوشار؟
-أنا باحسن حال.
وارتبكت قليلا لهذه الكذبة, ثم قالت:" هل أنت واثق من أننا لم نعتد على بعضنا البعض ما يمكن أن يقنع. . .".
-من دون شك. . . 
ومد ذراعه يقربها منه أكثر:" كيف ترين هذا؟".
تنحنحت:" جيد".
جذبها إليه اكثر:" وهذا ؟ أحسن؟".
شعرت بحريق عند كل نقطة احتكاك بينهما. كيف يمكن لهذا أن يكون أحسن؟ و ترك هذا الاحتكاك بينهما تاثيره على حبالها الصوتية فحاولت النطق ثلاث مرات قبل أن تتمكن من أن تقول:" عظيم".
لن تتحرك مرة أخرى مهما فعل ومهما انزعجت. ستتحمل حتى أنها لن تهتز لشيء.
او هكذا ظنت حتى دقت الساعة الواحدة وبقي من الفيلم نصف ساعة. أراح ذقنه على شعرها ورفع ذراعه عن خصرها, ثم استقرت يده على خدها, فانحبست أنفاسها. عندئذ هبت عن الأريكة واستدارت تواجهه:" ماذا تظن نفسك فاعلا؟".
استوى في جلسته:" أشاهد الفيلم مع عشيقتي. ما الذي تفعلينه؟".
-نحن لسنا عاشقين. لسنا كذلك ولن نكون كذلك أبدا. كيف لك أن تفكر. . . 
وسكتت فجأة ثم أغمضت عينيها.
-ليس لك أن تهتمي بما أفكر فيه بل بما سيفكر فيه كل إنسان. سيظنون أننا غريبان عن بعضنا البعض ولا يكاد الواحد منا يطيق الآخر. أرى ان تعودي إلى الأريكة ثم نجرب هذا الامر مرة أخرى.
أحدث صوته الهادئ فيها تاثيرا, فقالت:" لكنك ستلمسني إذا ما عدت".
-هذا صحيح. سافعل ذلك و سأستمر في ذلك حتى تتوقفي عن الإجفال مني.
تمنت لو تراه بشكل واضح, لكن الضوء الخافت جعل ذلك مستحيلا ما ذكرها بأول تعارفهما. كانت عيناه حينذاك حادتين غريبتين تنضحان فوة مدمرة.
-هل تفكر في لمسي بهذا الشكل غدا في الحفلة؟
-فقط إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك.
وربت على مكانها الخالي على الأريكة:" تعالي يا تيس و دعينا نشاهد بقية الفيلم".
-أظننا قمنا الليلة بما فيه الكفاية.
-لكننا لم ننجح؛ كل ما فعلناه هو أنك برهنت أننا ما زلنا بعيدين عن النجاح. أتريدين أن ينجح هذا الأمر أم لا؟ الخيار لك.
تبا له! لما هذا الألحاح؟ ولما هذه المشاحنة؟ يمكنهما ان يمثلا بما يكفي حتى تنتهي حفلة الغد. ألا يفهم؟ إنها لا تريد أن يغزو رجل بيتها. إنها لا تريده في مطبخها أو غرفة جلوسها أو مستلقيا على أريكتها. إنها تريد أن تستعيد عزلتها. نظرت إلى ساعة الحائط و كادت تتأوه. ما زال امامها ساعة و عشرون دقيقة. إنها الابدية! ثم عادت إلى الأريكة. . . في المرة القادمة سترتدي قميصا من القطن يسترها من رأسها حتى أصابع قدميها. ولا بد أنه قرأ افكارها إذ قال:" سيظل مظهرك عفوي الاناقة حتى ببنطلون الجينز".
و عادت إلى وضعها السابق. و لسبب ما, لم تشعر بأن ذراعه على خصرها مثلما شعرت من قبل.
-لعلك تريد أن تقول انيقة بشكل عفوي؟
قال وهو يزيح شعرها عن وجنتيها:" المسالة ليست في ما تلبسينه بل في كيف تلبسينه".

لن تسامح_سلسلة الكاتبة داي لوكليرWo Geschichten leben. Entdecke jetzt