5_لمسات تحيي الألم الماضي

5.6K 125 1
                                    


ما إن سمعت تيس صوت بابها الخارجي يغلق خلف شايد حتى جلست على الأريكة ووضعت رأسها بين يديها. ما الذي فعلته؟ لقد سمحت لغريب بأن يتعامل معها بحميمية الحبيب. لم تتقبل عناقه وحسب, بل استمتعت به.
و خطر لها أنها إما استحالت عانسا محبطة وإما ان زمنا طويلا مضى منذ عرفت الرجال.
هذان الاحتمالان لمسا منها وترا حساسا. لقد مضى وقت طويل منذ لمسها رجل, تسع سنوات طويلة موحشة. حتى هذه الليلة لم تشعر قط بالحاجة إلى أي رجل بعد روبرت.
لم يجذبها رجل بنفس القوة التي جذبها بها زوجها الراحل. لكن شايد أثار فيها مشاعر ظنتها ماتت منذ زمن طويل وهذا ما أزعجها. . . كثيرا.
منتديات ليلاس
لم تشأ أن تتملكها هذه المشاعر نحو رجل مرة أخرى. إن فقدها لروبرت كان أسوأ ما حدث لها في حياتها. . . لم تتصور قط أنها ستشفى منه فخصصت طاقتها كلها ووقتها لعلمها. و الآن, وفيما هي توشك أن تكون أصغر نائب مدير في الشركة, لن تعرض هذا للخطر من أجل أي شخص أو أي شيء. وها هو شايد يهدد بتعريض ترقيتها للخطر و ذلك بإلهائها في مثل هذه اللحظة الحاسمة من حياتها المهنية. وفضلا عن هذا . . . ماذا لديه ليقدمه لها؟ بعض اللهو الذب لا معنى له, وهذا كل شيء.
وانتصبت في جلستها ببطء. لم يكن شايد يهمها كرجل, كما أخذت تحدث نفسها بحزم وقد زمت شفتيها بشدة. كلا. إنها غير مهتمة بشخصيته أو بماضيه او بالظروف التي جعلته الرجل الذي هو عليه الآن. اهتمامها به لم يأت من مثل هذا الينبوع النبيل بل من سبب ديوي مختلف تماما هو المشاعر الجسدية التي اثارها فيها.
حسنا, يمكن لهذه المشاعر ان تكبح او تطفأ, على الأقل أثناء مدة عملهما معا. والآن, وبعد أن اتخذت قرارها, ستذهب إلى سريرها, وفي الصباح ستعود إلى التحكم بنفسها مرة أخرى. وأوشكت أن تترك الأريكة ثم ترددت.
عادت فتكورت على ألاريكة من دون أن تفهم ما يحدث لها. ملأت رائحة شايد أنفها فأغمضت عينيها وهي ترتجف. يجب ان تذهب إلى سريرها وتحاول أن تبتعد ما أمكنها عن الصور التي اثارتها الساعات الماضية. لكنها, وبدلا من ذلك عادت فاندست اكثر بين الوسائد التي ما زالت تخزن دفء جسد شايد ثم عادت بالذاكرة الى كل دقيقة أمضتها بين ذراعيه. إذا كانت لا تستطيع أن تحصل على الرجل, فستحصل على الذكريات.
وبين آثاره الباقية, سمحت للنوم بأن يغزوها.
* * *
كان غبيا حقا!
سار شايد في شوارع ستيل, آملا أن تساعده هذه الرياضة على استعادت تحكمه في نفسه. ما الذي كان يفكر فيه؟ يمكنه ان يدعي أنه كان يجعلها تتآلف مع ناحيتها الأنثوية, ويذكرها كيف يفترض أن يتفاعل الرجل و المرأة. لكنها ليست له. . . يفترض به أن يثير فيها مشاعر الحب نحو من اختارته اللجنة, وها هو يحاول أن يمتلك السيدة لونيغان الحلوة.
وهذا يعني أنه يرغب فيها.
أيرغب فيها حقا؟
ورن جرس هاتفه, فأجاب:" شايد".
-أريد آخر المعلومات عن مشروع لونيغان.
عبس. هذا أفضل ما يتوج به نهاره, مخابرة من السيدة التنين:" كيف حالك في هذه الامسية الرائعة؟".
-هذا لا يهم.
ماهذا ؟ إنها مفاجأة. متى كانت الثرثرة في الامور الشخصية تطغى على اهتمامها بالعمل؟
-أعتقد أنني طلبت تقريرا عنها؟
تقرير عن تيس لونيغان؟ . . . إنها أحلى و أنعم امرأة عرفها في حياته. حميمية عناقها أنسته أي افكار أخرى. وتملكه الشك في أن ترضى مخدومته بوصف مشاعره في تقريره وقال:" تيس شبه ناضجة".
-اوضح كلامك.
-لعلها الآن جاهزة للرجل.
-اوضح.
ولم يكن هذا سؤالا بل امرا. و اختار أخوه شيدو هذه اللحظة ليتدخل في الحديث:" هذا لا يبدو شبيها بالمهمة التي اوكلناها إليك, يا أخي. ما الذي يدور في ذهنك؟".
أجفل شايد. ربما كان عليه أن يكون أكثر حذرا في كلامه:" في بداية تعارفنا, كان اهتمامها الوحيد هو بالعمل و ربما تغير هذا".
فاستلمت الرئيسة الكلام مرة أخرى:" كيف تغير؟".
فقال بتذمر وحقد:" يبدو أنها الآن أكثر استعدادا لعلاقة غرامية".
-وكيف عرفت؟
أتراها تمزح؟ فقال:" هيا, بإمكان الرجل أن يعرف".
تدخل شيدو قائلا:" لقد تحدثنا في هذا الموضوع من قبل, وهو أن تيس ليست لك".
شعر شايد بغضب متعذر تفسيره, فقال صارفا بأسنانه:" ليس عليك أن تكرر هذا القول. أن تخبر رجلا أنه لا يستطيع أن يحصل على شيء معين يزيده تصميما على الحصول عليه".
-إنس هذا, يا أخي. لا يمكنك أن تحصل على تيس لونيغان.
فزمجر شايد يقول:" أتريد آخر المعلومات؟ هذه هي المعلومات. اهتمام السيدة منصب على عملها وهي لا تحتاج الرجل إلا إذا كان سلما للارتقاء في عملها. اظن أنها ما زالت تحب زوجها الراحل وهي تعاني من إحباط جنسي لا يتلاءم مع الزواج. هل أنت سعيد؟".
فقال الأخ:" غدا مساء ستقدمها إلى الرجل الذي اخترناه لها. هل لديك سؤال؟".
-نعم لدي سؤال. . . و سؤال كبير. . . إنها لم تطلب من اللجنة أن تساعدها في العثور على زوج بل في العثور على زوجين لصديقتيها. . . فلماذا تتدخل في حياتها هي؟
-كان أخوها قد وضع اسمها على قائمتنا قبل أن تأتي هي إلى اللجنة. كان قدومها لأجل زوجين لإيما و رين مجرد مصادفة.
يالجهنم! سيشنق سيث! قال:" ولماذا يطلب شقيق تيس هذا لها؟".
فقال شيدو بنعومة:" ألا تظنها تستحق أن تكون سعيدة؟".
-تستحق؟ يبدو لي هذا عقاب لها.
-لأنك تعتبر الزواج عقابا, لا يعني أن كل شخص يوافقك الرأي. يبدو أن تيس هي أيضا لا توافقك الرأي و إلا لما طلبت منا العون لتزويج صديقتيها.
رغم رغبة شايد في الاحتجاج على هذا الاستنتاج المنطقي إلا أنه لم يستطعز ولكن, لماذا يقاوم ما لا مناص منه؟ لقد سبق و ذكره بأن اللجنة لم تخطئ قط كما أنه رآهم يعملون و رأى مدى حسن اختيارهم في الماضي. ومهما كان من اختاروه ليكون زوجا لتيس فهو حتما الأفضل لها.
وسأل أخاه رغما عنه:" لكن من هو ذلك الفارس, على أي حال؟".
ولما استلمت رئيسة شيدو دفة الحديث قالت:" إنها تعرف الرجل, و أنت أيضا. وهذا هو السبب في اختيارك لهذه المهمة. لقد أرسلنا إليك المعلومات الاولية عنه عبر الإنترنت. كل ما عليك أن تفعله هو أن تشجع العلاقة الغرامية بينهما".
-علي أن أعرفهما ببعضهما البعض ثم أدع الطبيعة تفعل فعلها؟
-هذا هو المفروض.
-هذا حسن. سأبدأ غدا. أي سؤال آخر؟
و جاء دور شيدو في انهاء الحديث:" شيء أخير. . . قم بعملك".
لم يعد هناك ما يقال فوضع شايد الهاتف في جيبه ثم أخذ يحملق في الشوارع الخالية. حسنا, سيقوم بعمله, كعادته دوما. لكنه لم يشعر قط من قبل يمثل هذه الكراهية لمشروع زواج بسيط. ربما إذا قابل هذا المرشح للزواج فسيغير رأيه. وربما سيقر بانهما متلائمان تماما. لكنه, ولسبب ما, شكك في هذا. عندما تذكر حركاتها وهي بين ذراعيه, ازدادت شكوكه. إنه مؤمن تماما بان اللجنة مخطئة.
و سيفعل كل ما بإمكانه ليثبت ذلك.
***
وصل شايد في السادسة و الربع. فتحت له تيس الباب فجاهد ليتمالك نفسه. بدت مذهلة بسترتها القصيرة المطرزة بالخرز اللامع التي أبرز لونها بياض بشرتها الناصع وحيوية شعرها و أضفى على لون عينيها ظلا أزرق. وقد رفعت شعرها إلى أعلى و انتعلت حذاء عالي الكعبين, كما لفت نفسها بجو بارد ناء جدير بأن يجعل اميرة الثلج نكرة.
سره أنها مالت إليه مسترخية بين ذراعيه ثم تأوهت. ولم تكن ردة فعلها هذه نتيجة توتر أعصابها بل عن وعي. . . إنه بالضبط ما تتمنى أن يلحظه زملاؤها في العمل. وكأنما أدركت تيس ذلك هي أيضا, فتراجعت خطوة إلى الخلف, رافعة الحواجز بينهما بسرعة بالغة.
تمتم يقول:" لن أخبر أحدا".
فرفعت حاجبها:" لم أفهم".
قال مازحا:" لن أخبر أحدا بأنك أنزلت دفاعاتك عندما لمستك فهذا سرنا الصغير".
تصارع على ملامحها الغيظ و التسلية, وبعد لحظة افتر فمها عن ضحكة:" يا لك من رجل صعب".
-هذا ما قيل لي.
حدقت إليه بإحباط لا تدري كيف تتصرف معه, ثم قالت:" لقد قررت, بعد خروجك الليلة الماضية, ألا أدعك تؤثر في مرة أخرى".
لم يستطع أن يقاوم رغبته في ملامسة عنقها الجميل مرة أخرى:" لا تأسفي لهذا. لقد صبرت ثلاثين ثانية كاملة".
فتلاشت ابتسامة التسلية عن شفتيها و هي تهمس:" بل خمسة. كانت خمس ثوان فقط".
يا لجهنم. . . إنهما في ورطة حقيقية وارتجفت ذقنه وقال:" إذا نحن لم نخرج الآن, فلن نخرج أبدا".
تناولت حقيبة يدها الصغيرة من على منضدة الردهة, و أشارت إلى الباب قائلة بلهجة رسمية:" هل نخرج؟ لا أريد أن نتاخر".
و شايد لا يريد ذلك أيضا. كان مستعجلا ليعثر على زوج المستقبل لتيس و ليدفعهما إلى انشاء علاقة غرامية. . . ومن ثم يخرج من حياتها, و تحصل هي على السعادة إلى نهاية العمر. سيكونان راضيين. هو سيذهب في طريقه, بينما تذهب هي في طريقها. تبعها إلى الخارج وهو عاجز عن أن يبعد نظراته عن حركاتها المغرية. سار بجانبها وهو يطوقها بذراعه. نعم. سيذهب في طريقه. . . في النهاية. 
قاما بالرحلة إلى قلب المدينة صامتين. وعدا عن نظرة سريعة متأملة لم تعلق تيس كما التزم هو أيضا الصمت. فقد تملكه الشك في قدرته على الكذب عليها إذا ما سألته عن قدرته على تسوية اموره بالراتب الذي سيستلمه من وكالة الوظائف المؤقتة. فلسوء الحظ, ستطرح مزيدا من الأسئلة التي لا يريد الإجابة عليها. كيف يمكنه أن يشرح لها أنه يمضي معظم أيامه في ادارة الثروة التي كسبها من سوق الأسهم اثناء عدم انشغاله بعمل المحرض؟.
و لسبب ما, تملكه الشك في أن يمر هذا الأمر بسهولة.
وصلا إلى الحفلة الخيرية المقامة من أجل مرضى السرطان مبكرين فاغتنمت الفرصة لتقدمه إلى زملائها في العمل و إلى رئيسها آل بورتمان, وهو رجل بدين بشوش دو عينين ذكيتين داهيتين. وخشي شايد أن إقناع هذا الرجل بحميمية علاقتهما يتطلب الكثير. و بعد أن قاما بجولة, ابتدأ الرقص, فطوق شايد خصر تيس بذراعه وسار بها إلى الحلبة.
همس في ذهنها:" حان الوقت لنبدأ العرض".
تملكه الارتياح عندما لم تبتعد عنه بل تقبلت عناقا خفيفا. اشتد عناقه ولامست يده ظهرها برقة فاندست به و كأنه حبيبها حقا, على الأقل وهما في طريقهما إلى الرقص. وعندما رقصا خطوات عدة رفعت بصرها إليه وما إن التقت نظراتهما حتى تعثرت.
رد فعلها تجاه هذه الغلطة لم يكن جيدا فقد جمدت مكانها و بدا الحذر في عينيها:" لا أدري إن كنت أحسن هذه الرقصة".
قال مشجعا وهو يلتزم بالخطوات التمهيدية:" طبعا يمكنك ذلك".
همست له بذعر:" أرجوك يا شايد قلت لك إنني لا أريد أن أرقص معك مرة أخرى".
-أتذكر هذا كما أنني أنذرتك بأننا سنجرب هذا مرة واحدة.
-من فضلك, في هذه الحالة, أن نترك حلبة الرقص و إلا أفسدت كل شيء.
-استرخي يا حبيبتي. لن تفسدي شيئا بل سنرقص كما رقصنا الليلة الماضية تماما.
داست داست على إصبع قدمه كما فعلت الليلة الماضية. وتمنى أن تكون قد نسيت هذه الحوادث بالذات, لكن يبدو أنها لم تنس إذ بللت شفتيها وقد بدا الياس عينيها:" أرأيت؟ الأمر غير ناجح. علينا أن نغير الخطة. سوف. . . سوف أتظاهر بأنني أصبت بالتواء في كاحلي. يمكنك أن تساعدني في مغادرة الحلبة, ومن ثم لن نحتاج إلى الرقص بقية الحفلة".
-اهدئي يا تيس.
إذا لم يستطع ان يقنعها بتأدية دورها بطريقة مقنعة اثناء رقصتهما الأولى فكل ما تدربا عليه سيذهب سدى. امرها قائلا:" أغمضي عينيك".
-ماذا؟
-أغمضي عينيك. افعلي هذا الآن.
أصدر أوامره هذه بصوت خافت أجش, عالما بأنها الطريقة الوحيدة التي تجعلها تطيعه.
خففت بأهدابها وهي تهمس بجمود:" ماذا بعد ذلك؟".
-اصغي إلى صوتي. تخيلي أنني أتحرك معك في ردهة بيتك و أننا وحدنا.
اغفلت خطوة ثم ما لبثت خطواتها أن انسجمت مع خطواته بسحر ساحر:" هذا حسن. استمري في التركيز علي فقط, فأنا لن أخذلك أو اهجرك, و ساقوم بكل ما استطيع لأساعدك على الحصول على هذه الترقية. ثقي بي, يا تيس".
كانت ضحكتها ترتجف وهي تقول:" إن كلامك معسول مع النساء".
-هذا ليس كلاما معسولا, بل أنا صادق جدا.
-ليتني أستطيع أن أصدقك.
-تستطيعين ذلك. لا أفهمك يا تيس. إنك امرأة قوية, حازمة مركزة, فكيف تهزك رقصة واحدة بهذا الشكل؟
كان يريد بهذا الكلام أن يشتت أفكارها عما يقومان به.
-إنه ذنبك أنت.
-ذنبي؟ كيف؟
هذا جميل إذ حل الغيظ محل الخجل الآن. ربما إذا بقيت كذلك فستستمر في الرقص كالملاك.
فتحت عينا واحدة تأملته بها:" إنه استنتاج منطقي تماما. فأنا لا أعاني من هذه المشكلة مع أي شخص ىخر, لذا لا بد أنه ذنبك".
-فهمت. كل الرجال الذين رقصوا معك قبلي كانوا مخنثين بحيث يسلمونك القيادة.
-ليس هذا ما عنيته.
فشدها إليه بحذر:" أراهن على أنهم لم يحضنوك بهذا الشكل, حتى ولا للعرض أمام الناس".
ارتجفت وهي تطوق عنقه بذراعيها:" هل أنت واثق من أن هذا للعرض فقط؟".
دفن ابتسامته في قمة رأسها.
أخيرا, عاد ذلك التكاسل الذي شعرا به في الردهة, وحركاتهما التي تماثل بحميمينها حركات العشاق.
-من الأفضل أن يكون الأمر كذلك, لأجلنا, نحن الإثنين.
فتحت عينيها ثم نظرت إليه بجد:" إذن, فأنت توافق على عرضي الأساسي".
-الحدود المهنية, نعم. هذا صحيح, أيتها السيدة.
أخذت تشعث شعره ببطء وسألت:" هل تراني أمثل دوري جيدا؟".
تراجع قليلا ليتمكن من أن يتاملها جيدا؟ وقد بدت التسلية في عينيه:" هل هذا ما تفعلينه؟ تمثلين؟".
لاحظ شيئا ما في تلك الابتسامة على ملامح هذه الحمراء الشعر, الزرقاء العينين وقالت:" وماذا يمكن أن يكون غير ذلك؟".
فقال وهو يسوي خصلة من شعرها فيما هما يدوران في باحة الرقص:" لا أدري. لعله حقيقي؟".
اتسعت ابتسامتها:" هذا مستحيل. قلت إن علينا أن نبدو مقنعين للآخرين, هذه الليلة. وقلت لي أيضا الليلة الماضية إننا سنجري تجربة واحدة, غريب ما يفعله حافز صغير للمرأة".
-إنك تقومين بعمل ممتاز في محاولة إقناع زملائك في العمل بأننا جادانو إذ لم يرفعوا أعينهم عنا منذ دخلنا حلبة الرقص.
-هل يبدو عليهم أنهم انخدعوا بتمثيلنا؟
-أنا نفسي انخدعت به يا حبيبتي فلماذا لا ينخدعون؟
خاب أمله حين انزلت يديها عن شعره ووضعتهما على كتفيه:" لا تبالغ يا شايد, و إلا توترت أعصابي. و أنت تعلم ما يحدث حين تتوتر أعصابي".
-أتعنين أني إذا بالغت في احتضانك, بهذا الشكل, مثلا. . . 
وشدها إليه:" ماذا سيحدث إذا أنا فعلت هذا".
شعر برضا بالغ وهو يرى أنها ترددت قبل ان تجد الجواب:" قد يتملكني شيء من الاحتفال و الانفعال".
فتظاهر بالتفكير:" أحقا؟ لا نريد أن يحدث هذا".
هزت رأسها فانفلتت خصلتان من شعرها, واستقرتا على خديها كنار متوجهة على بشرتها الناصعة.
-لا. لا نريد ذلك. 
ضحك بصوت خافت لهذه الكذبة الوقحة:" أظن أن هذا لا يترك لنا سوى الرقص البسيط الساذج".
نظرت إليه من تحت أهدابها:" هذا صحيح لكن ثمة مشكلة صغيرة أمامنا".
-وما هي؟
-ما من شيء بسيط أو ساذج, أو قديم الطراز في طريقتك في الرقص.
فقال بابتسامة عريضة:" هذا ما أرجوه".
شدها إليه و أخذ يدور بها في الحلبة, مستمتعا بالحركات الجريئة. تملكه شعور لا يوصف, شعور بالدفء و الحياة و الرضى. اما هي فبدت أكثر من راضية, ما تسبب بمشكلة واضحة.
يمكنه أن يخترع كل أعذار العالم ليعيد إليها اهتمامها بالرجال. لكن الحقيقة البسيطة تكمن في أنه يريدها. . . 
هذه المرأة لم تخلق له. 
جاءت هذه الكلمات من مكان ما, خرجت من التزامه بموعده لأخيه. إنه, في مكان ما في هذه الحفلة, سيعثر على الرجل الذي اختارته اللجنة لتيس. الرجل الكامل الذي سيمنح المرأة التي بين ذراعيه السعادة حتى نهاية حياتها. عندئذ, ستبدأ مهمته الحقيقية. سيتوجب عليه أن يجد طرقا ليدفعهما إلى إقامة علاقة عاطفية, يغض النظر عما تريده هي, أو هو.
وتوترت شفتاه فاشتدت قبضة تيس على كتفه:" ماذا حدث يا شايد؟".
سار بها ليقف في آخر باحة الرقص:" عفوا؟".
-يبدو و كأن أفكارك بعيدة آلاف الاميال.
عليه أن يتركها الآن ما داما قد توقفا عن الرقص لكن ذراعيه اشتدتا حولها, متجاهلا أي رادع عقلاني:" كنت تائها في أفكاري".
مالت بين ذراعيه وقالت:" أفهم من ملامحك أنها أفكار غير سارة. أتريد أن تشركني في أي منها؟".
-إنه إلتزام أفضل أن أتجنبه.
فأومأت بتفهم كامل:" أعرف الكثير عن الالتزامات لاسيما غير السارة منها. هل يتعلق الأمر بهذه الوظيفة؟".
وقبل أن يجيب, اقترب منهما آل بورتمان وقال بابتسامة عريضة:" المعذرة لمقاطعتي لكما. إننا على وشك التوجه إلى مائدة العشاء. بعدئذ, سأقدمك يا تيس إلى رجل عنيد"!
فأجابت:" أنا متشوقة إلى ذلك".
شيء ما في لهجتها أنبأ بأنها تكذب. و نظرا لرغبتها في الحصول على الترقية, لم يستطع إلا أن يعجب لنفورها هذا. و عندما اتجها إلى غرفة الطعام سألها بهدوء:" هل من خطب ما؟".
-أظنني أعرف من اختاره آل لي.
-إذا؟
-إذا كان ظني في مكانه, فلن أحصل على هذه الترقية.
-لماذا؟
-فلنقل فقط أن ثمة تعقيدات شخصية تتداخل مع طلب التبرع.
-تعقيدات شخصية, كما في. . . العلاقات العاطفية؟
-أنت ماهر جدا.
-هذا صحيح.
كما أنه ماهر في القراءة ما بين السطور. لعل هذا الرجل العنيد سيتبرع بعطاء سخي لجمعيتهم الخيرية على أن يحصل على عطاء سخي مماثل من ناحية تيس فاختارت أن تستخدم رجلا يلعب دور العشيق لكي تمنعه من عرض حبه عليها.
جاهد شايد ليبقي صوته متزنا لكنه لم ينجح, فقد ازداد خشونة وهو يقول:" و الآن, كيف يمكنني أن أساعدك؟".
لم يقل لها إنه يرغب في أن يضرب ذلك اللعين, فقد تحاول أن تقنعه بألا يفعل.
نظرت إليه وتمتمت تقول:" إبق بجانبي".
-هل هذا الرجل هو من استخدمتني بسببه؟
-نعم.
-و يفترض أن أظهر ارتباطنا عاطفيا ليرفع يده اللعينة عنك عندما تقتربين منه طالبة التبرع. أليس كذلك؟
لم تنظر إليه, لكن ما ارتسم على ملامحها أعطاه الجواب الشافي. عندما ينفرد بها سيسألها عن اسم ذلك الرجل و كيف عبر عن اهتمامه بها بالضبط. وصمم شايد على أن يقتفي أثر ذلك الرجل ليشرح له أنه من الأفضل له ألا يقترب منها مرة أخرى إلا إذا أراد أن يخسر عددا من أسنانه.
وهز رأسه باشمئزاز. يمكنه أيضا أن يسدد إلى وجهه بضع لكمات. وخطر له احتمال آخر, وهو أن هذا الرجل هو نفسه الذي اختارته اللجنة. وارتمت على وجهه ابتسامة عريضة. آه, نعم. . . و اعجبته الفكرة.
لسوء الحظ, صحة هذا التخمين هي واحد في المليون فشايد يعرف الرجل المختار لتيس. لكن غرايسن شو ليس من اولئك الرجال الذين يتصرفون بحقارة, لكن. . . لعل غراي تحول منذ آخر مرة التقيا فيها, أي منذ أسبوع, إلى رجل أحمق!
إذا ثبت أن هذه الفكرة الحمقاء صحيحة. فيسره جدا أن يكلم غراي قبل أن يضع نهاية لأول قرار خاطئ تتخذه اللجنة. كما قد يفرك أنف شيدو لغلطته هذه, وذلك بشكل أخوي ودود. . . ثم . . . و نظر إلى المرأة التي بجانبه.
وتصبح تيس له.

^^^^^^^^^^^^

لن تسامح_سلسلة الكاتبة داي لوكليرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن