46

1.8K 66 3
                                    


عندما فشلت "هانيا" في الخروج من الآسر الجديد الممثل في غرفتها ، و الذي إنتقلت له بعد محاولتها الإنتحار ..
قررت أن تأخذ حماما ساخنا علها تخرج منه بأفكار مثمرة ..
سارعت بتحضير بعض الملابس ، و دلفت إلي الحمام ..
وقفت تحت صنبور الماء بلا حراك ، تاركة المياه الساخنة تنساب علي جسدها ..
راحت تفكر .. لو لم تجد حلا فعالا في أسرع وقت ، سينفذ سجانها وعده و يتزوجها غدا رغما عنها ..
سيتزوجها دون إرادتها ، و لن تحظ هي بحقها في الإختيار كإنسانة لها عقل و مشاعر ، و إن يكن .. فأين عقلها و مشاعرها ؟ .. لقد مسخ هذا الوحش مشاعرها بأحقر وسيلة ، و فضلا علي هذا ..
إنتهك كرامتها ، و سرق طهارتها ..
سلب منها كل شيء ، و لم يترك لها أي شيء .. و لكن ماذا ستفعل ؟ .. ستغالبه بالتأكيد ، ستغالبه بأشد ما تملك من قوي ..
فإذا كان هذا مسلك الحيوان ، فما بال الإنسان في مثل ذلك الوضع ؟
عليها أن تستعيد شجاعتها و روحها المتمردة المتكبرة ، عليها أن تحشد كل قواها كي تستطيع مواجهته ، بل و التغلب عليه أيضا ..
فرغت "هانيا" من حمامها .. لفت المنشفة الزرقاء العريضة حول جسدها ، و شقت خطاها حافية القدمين وسط البخار المائي الذي عبأ قاعة الحمام الفسيحة المترفة ..
إتجهت نحو المرآة الضخمة التي كانت بطول و عرض الحائط ، و إقتربت منها أكثر ..
راحت تعاين تفاصيل وجهها و جسدها بدقة و هي تتساءل .. تري هل حقا جل ما يجذبه إليها هو وجهها و جسدها ؟
و إن كان صحيح ، فلماذا هي بالتحديد ؟ .. كان بإمكانه أن يتخذ من أكثر منها حسنا و جمالا ، رغم أنها شديدة الحسن و الجمال أيضا ، و لكن بالتأكيد هناك جميلات كثيرات مثلها ، يستطعن أن يقدمن أنفسهن له بكامل إرادتهن بل و يعملن علي إرضائه و سعادته مقابل أمواله طبعا ..
تساءلت "هانيا" مرة أخري ، ماذا يري فيها تحديدا ؟ .. ما الذي يعجبه بها إلي هذا الحد ؟ .. إنها تكرهه و تنفر منه ، و دائما ما تصرح له بذلك ، لن تستطيع منحه السعادة التي ينشدها ، أم أنه يتطلع إلي الإثارة عن طريق إذلالها ؟ .. هل هذا ما يريده ؟ .. هل لمقاومتها و رفضها له سببا في تمسكه بها ؟ هل هدا شيئا جعل منها تحدي يريد الفوز به ؟؟
كل تلك التساؤلات كانت تكمن فيها الإجابات كلها .. أطرقت "هانيا" رأسها هما و حزنا ، و عادت إلي الغرفة مجددا ..
إرتدت ملابسها الداخلية ، و قميص نومها القطني الرقيق علي جلدها ، و زحفت تعبة تحت الأغطية ..
و عبثا حاولت أن تنام ، و لكنها لم تقدر .. رغم إجهادها و تعبها ، ظلت تتقلب و تغير أوضاعها فوق سطح الفراش ، تحاول أن تجد وضعا تستدعي من خلاله النوم ..
و بعد ساعة تقريبا ، كانت لا تزال مستيقظة ، و لكنها أغمضت عينيها لتتظاهر بالنوم ، خاصة عندما سمعته يفتح الباب ..
نعم ، فقد باتت تحفظ تحركاته و تصرفاته عن ظهر قلب ، حتي صوت أنفاسه ، بات شيء تستطيع تمييزه بسهولة ..
كان من الصعب عليها أن تنظم تنفسها و هي تنصت إلي تحركاته الهادئة ، و لكنها بقيت بدون حركة في منتصف السرير ، عندما صعد هو و جلس إلي جانبها علي حافته ..
مرت لحظات الترقب في تقديرها دهرا ، تخشي ما يضمر لها في قرارة نفسه ، و في نفس الوقت ، تخشي لو فتحت عينيها تضع نفسها في مواجهة معه ، فهي الأن ليست مستعدة ، و ليست بوضع يشجعها علي مواجهته ..
شعرت بحرارة طفيفة تقترب من وجهها دون أن تعرف ماهيتها ، و لكنها لم تكن سوي يد "عاصم" إمتدت إلي وجهها لتربت برقة علي وجنتها الناعمة ..
بجهد جهيد ، إستطاعت "هانيا" أن تبقي هادئة ، و لم تبدي أي إشارة تعلمه من خلالها أنها لا زالت مستيقظة و تشعر به ..
لمسة يده كانت مهدئة علي نحو يبعث الطمأنينة ، و لكن بالنسبة لها كانت مفزعة تبعث الذعر ..
سمعته يتنهد بثقل ، ثم يقول بصوت خفيض هادئ:
-عمري ما اتمنيت في حياتي حاجة اد ما اتمنيت انتقم من ابوكي ، مش بس عشان نصب علي ابويا و خد منه كل حاجة و شردنا .. لكن كمان عشان اللي عمله فيا .. بسببه انتي مش قابلاني دلوقتي ، و لا حتي حد قبلك كان بيقبلني.
صدمت "هانيا" من جملته الأخيرة ، و أرادته أن يسترسل في حديثه ، و بالفعل ، تابع كلامه و لكن بصوت خشن هذه المرة:
-ابوكي هو اللي كان سبب في موت ابويا .. و هو بردو السبب في صورة الوحش و المسخ اللي بتخافي منه و بتقرفي تبصي في وشه .. ابوكي هو السبب في كل اللي حصلي يا هانيا.
شعرت "هانيا" برجفة قوية في قلبها ، الأن و قد علمت لماذا في كل مرة يقول أن والدها كان سببا في أكبر المآسي في حياته ..
تركت "هانيا" أفكارها حاليا ، و أصغت إلي بقية حديثه ، فيما قال هو بقسوة:
-بعد ما قدرت اثبت نفسي ، و بعد ما جمعت ملايين .. كان بإيدي ارجع انسان طبيعي تاني .. كان ممكن اعمل تجميل للحرق و التشويه اللي في وشي .. بس انا رفضت ، مارضتش امحي العلامة اللي فضلت معايا سنين كل مرة كنت ببص فيها للمرايا و أشوفها ، بفتكر ابويا اللي مات بحسرته و ابوكي اللي نصب عليه و استحل فلوسه ..كان عايش حياته عادي و لا كان عنده ذرة احساس بالندم .. ابوكي يستاهل كل اللي حصله ، و اللي حصله كمان كان قليل جدا عليه.
ثم أضاف بشيء من التحدي و التصميم:
-و انتي ليا يا هانيا .. انتي ملكي انا لوحدي ، انتي المكافأة اللي لازم اخدها بعد كل اللي شفته في حياتي ، و هاخدها.
كان هناك شيء أقرب إلي التهديد في نبرته الهادئة علي نحو شرس ، و أخيرا عاد يقول بنعومة:
-انما في الحقيقة .. انا بحبك يا هانيا .. بحبك و اوعدك هحافظ عليكي و هفضل احميكي لاخر نفس في عمري ، سواء رضيتي او رفضتي ، طول ما انا عايش علي وش الدنيا .. مش هسمح لمخلوق يقرب منك او يآذيكي ، و لا حتي انا.
في تلك اللحظة .. تداهمت الأفكار و تدفقت مجددا إلي عقل "هانيا" و فقدت الإحساس تماما بكل ما يدور حولها ، حتي أنها لم تشعر بالقبلة العميقة التي وضعها علي وجنتها قبل خروجه من الغرفة ..
الأن إتضح لها بعضا من كلامه المبطن ، و في لمحة ، ومضت بمخيلتها ذكري صورته و هو يقول لها بلهجة تحذيرية " كلامك مأثرش فيا ، إنما إستفزني من ناحية معينة .. و نصيحتي ليكي لو مش عايزة تتصدمي اوي في ابوكي بطلي تستفزيني " ..
منذ قليل ، كانت لا تستطيع النوم ، أما الأن فهي متيقنة أنها و حتي الصباح ، لن تذق طعم النوم ..

المظفار والشرسهWhere stories live. Discover now