حيث تكون.....اكون

9.5K 276 14
                                    


لم يكن مقر قيادة الجيش المحاي مكانا فاخرا , إلا أنه أحتوى , على الأقل , حماما خاصا مزودا بالماء الساخن , وكذلك بابا يقفل من الداخل , الأمر الذي أفرح سوزان بشكل خاص , حين أغلقت الباب لتستحم.
كان عليها الأنفراد بنفسها لتفكر وتخطط للخطوة القادمة , ورغبت بالخلوة لتحقيق ذلك , وفكرت بأن ميندوزا لن يمتلك الجرأة اللازمة لكسر باب الحمام وأقتحام خلوتها.
أستخدموا سيارة الجيب لنقلهم من ديابلو وسرت سوزان لوجود لوبيز معهما في السيارة مما منعها من تداول أي حديث شخصي , وأحست بنشوة غريبة تسري في جسدها لحظة أنغمارها بالماء الساخن , وآلمتها الخدوش والكدمات العديدة في جسدها , ذكرى مؤلمة لليلة الماضية وللزحف في النفق الطويل , الحقيقة أن ضربات ميندوزا لم تؤلمها جسديا بقدر ما جرحت كرامتها , ثم كانت الصدمة , حين جعل من الواضح لها أنه لن يسمح بأبتعادها عنه.
منتديات ليلاس
تنهدت سوزان وهي تغتسل ولا زالت فكرة خداعه لها , مسألة لن تغفرها له , رغم توضيحه الدائم لها برغبته في تسديد دينها له في ديابلو , كما أنه لم يوضح الظروف الخاصة المحيطة بأستيفاء وعدها , وكانت هي بدورها مصممة على رفضها لها لأسباب تعرف وجاهتها الآن , هذه حقيقة لا تستطيع أنكارها حتى في أقصى لحظات غضبها.
على الأقل أوضحت لها أحداث الأيام الأخيرة بعض ما خفي عليها طوال الرحلة فعرفت أن ميندوزا تركها في بيت ماريا نهارا كاملا ليلتقي بالكابتن لوبيز وخلال ذلك علم بوجود مارك وأحتجازه من قبل رودريغو ورجاله , وكان لوبيز على وشك مهاجمة رودريغو إلا أن ميندوزا منعه من ذلك حماية لأخيها , لأحتمال أصابته بطلق ناري طائش أثناء القتال بين لوبيز ورجاله من جهة ورودريغو وعصابته من جهة أخرى , حينئذ أتخذ ميندوزا قراره بالتوجه لوحده لأنقاذ حيتة الشاب الأنكليزي , شقيق حبيبته كما قال كارلوس , وأدرك فداحة الثمن المطلوب منه حين قرر أبعاد رجال العصابة عن مارك وأقتيادها الى مكان أختباء رجال الدورية.
أما التغير الحاسم الأخير فجاء نتيجة لعصيانها أوامره وأحتجازها من قبل رودريغو , حينئذ فقط قرر ميندوزا أقتياد رودريغو الى مخبأ الزمرد ودفعه الى تفجير المكان ودفن الكنز جنبا الى جنب مع جثة رودريغو.
توقفت عن فرك جسدها لتفكر جيدا بما حدث خاصة بعد أن زالت موجة الغضب الأولى , وبدأت تعتقد أن سلوكه لم يكن خادعا كليا , ربما كان صحيحا ما ذكره لوبيز عن الأخطاء غير المتوقعة ونتائجها الخطرة , وأقل تلك المخاطر كان سقوط صخرة على رأسه لتحطمه كما حدث لرودريغو.
ثم كان هناك شيء آخر لم تأخذه بالأعتبار , إذ أن فاتاس تقدم لأنقاذهما معتقدا أن مارك حبيبها وكان ذلك لوحده دليلا على عدم أنانيته , رغم أن دافعه الأول كان الأنتقام من رودريغو , أما وجودها ومارك فكان صدفة طارئة.
منتديات ليلاس
وكان مارك مشكلة أخرى , حيث قررت العودة معه فورا الى بريطانيا غير أن طبيب الجيش لم ينصح بذلك , ثم أن سوء معاملته أثناء فترة أعتقاله وصدمة الحادث الأخير , أضافة الى رجله المكسورة , عقد من حالته الصحية مما أستدعى بقاءها فترة أطول لحين شفائه , ولخيبة أملها سمعت ميندوزا يذكر للكابتن لوبيز عن أستدعائه سيارى أسعاف خاصة لنقل مارك الى منزله حيث توجد ممرضة ستتولى رعايته , وفكرت بحتمية أهتمام الجميع بها لأنها حبيبة السيد , ولم تثر الفكرة أشمئزازها كما توقعت , بل أبتسمت مرحبة بها , حسنا , أنها لم تستجب لرغباته , أما الآن فإنها متورطة تماما في علاقاتها به.
وخرجت من الحوض وبدأت تنشيف نفسها ثم لفت المنشفة حول جسدها النحيف قبل أن تفتح باب الحمام , ورأت ملابسها النظيفة موضوعة على سرير الكابتن لوبيز , وتمنت لو أنها سألته أعطاءها روبا , كانت متأكدة بأنه مستعد لأعطائها كل شيء لأنها وكما ظن الجميع حبيبة ميندوزا
سارت الى غرفة النوم بهدوء ثم وقفت فجأة حين أمسكت يد ما بكتفها.
"أريد التحدث اليك".
" أنت ! أخرج من هنا".
" لا تصرخي , ليس في نيتي أحداث فضيحة".
" أنك تدهشني معارضتك فضيحة , والنوم معا في غرفة واحدة يتغاضى عنها الجميع , أنني أحب أن يكون للرجل مبادىء حتى لو كانت مبادىء مزدوجة".
" أرجو أن تتوقفي عن أهانتي وأصغي لما سأقوله , أذ ليس لدي وقت كاف لغير ذلك , أخبرني بابلو أنك طلبت منه إيصالك الى بوغوتا".
" هذا صحيح".
لم تستطع أنكار ذلك رغم رغبتها بكسر عنق بابلو.
" أخبرته بأن ذلك غير ضروري , وأنك قادمة معي الى بيتي".
" كلا , لست ذاهبة معك".
" ستنفذين مت أقول يا سوزان".
كانت لهجته باردة وهادئة وسلوكه سلوك السيد النبيل.
" أنك لا تفهمني , أريد العودة بأسرع وقت الى بريطانيا لرؤية جدي وأخباره أن مارك حي".
" أنتهيت لتوي من وضع الترتيبات اللازمة لذلك ولأخبار جدك بسلامتكما سوية , كما م أبلاغه أنكما نتيجة لخطورة ما تعرضتما لها , في حاجة ماسة لقضاء بعض الوقت في بيتي في لينوس وبضيافة والدتي".
" إنك واثق من نفسك الى حد بعيد , وكيف ستعرّفني بوالدتك ؟ لا أظن أن والدتك معتادة على لقاء عشيقاتك , أو ربما تريد تعريفها بمارك فقط وأخذي الى المنزل خفية؟".
" كلا , لن أفعل ذلك , كما لن أعرّفك بوالدتي كعشيقتي , بل سأقول لها : يا أمي , هذه سوزان روح حياتي , أحبيها كما لو كانت طفلتك".
ضعفت سوزان وعجزت عن الكلام للحظة ثم نظرت اليه بأستغراب :
" لا أفهم ما تقوله".
" كلا ؟ الأمر بسيط ستذهبين الى بيتي بأعتبارك زوجة المستقبل
لحسن حظها كانت حافة السرير قريبة منها , لأن ساقاها خذلتاها فجلست على السرير.
" لا بد أنك مجنون!".
ودهشت لثبات صوتها.
" هل تستطيع أعطائي سببا يدفعني لقبول عرض الزواج؟".
وتحدث بهدوء وكأنه يتحدث عن المناخ.
" أستطيع أعطاءك عدة أسباب إلا أن المهم منها , هو الأحتمال الذي بحثناه ليلة أمس".
" تعني أنني قد أكون , ولكن أليس من المعقول أكثر الأنتظار ورؤية ما سيحدث؟".
" كلا , سنتزوج وبأسرع وقت , سيولد طفلي بدون أن تمس أسمه شائنة".
" أهو مخطط مرسوم بدقة".
" نعم أذا أردت أعتباره كذلك".
" ولكن , حاول التفكير جديا , ربما لن يحدث ذلك !".
" لا يهم دعانا بابلو لتناول وجبة العشاء معه".
" سأكون مسرورة لتلبية الدعوة , أرجو ألا يتوقع مني أرتداء شيء خاص للمناسبة".
وأبتسم لأول مرة قائلا:
" أنا متأكد أنه سيتوقع رؤيتك مرتدية ما هو أكثر من منشفة , إلا أنه يعلم أن التنورة ليست أساسية لركوب الحصان في رحلة خطرة الى ديابلو".
" كلفتني هذه الرحلة ثروة طائلة , أذ تمزق كل ما أشتريته أضف الى ذلك ما مزّقه كارلوس في البداية".
" أذن , أعتقد أنه من حسن حظك الزواج من رجل سيعيد تجهيز دولاب ملابسك بكل ما تحتاجينه".
وكان صوته جافا.
حدّقت سوزان في وجهه وأرادت الأعتراض قائلة أنها لم تعن ذلك وأن ثرلءه لن يغيّر من حقيقة مشاعرها نحوه , إلا أنها شعرت أن الصمت أفضل في مثل هذه الحالة , بدلا من ذلك قالت:
" يبدو أنك واثق بأنني سأقبل عرضك ".
" هل يراودك الشك في صحة ذلك؟".
" لا أظن ذلك , أذ يبدو لي أنك تحصل دائما على ما تريد , أليس كذلك؟".
" هل ذلك صحيح؟".
وغادر الغرفة محكما أغلاق الباب خلفه , تاركا إياها في حيرتها , لا بد أنه أغرب عرض للزواج تتلقاه فتاة , بل إنه في الحقيقة , لم يعرض عليها الزواج بل شرح لها ما سيحدث لها كأنها لا علاقة لها بالموضوع , وما زاد الطين بلة أنه لم يقل أنه يريد الزواج منها , ولم يهتم بأعترافها كما أنه لم يقبلها مما دفعها للأحساس بغرابة الموقف , مدت يدها لأرتداء ملابسها مؤكدة لنفسها أن سبب أرتعاشها يعود لوقوفها مغطاة بالمنشفة الرطبة لفترة طويلة.
لم تشعر سوزان بالأسف لمغادرة موقع الدورية في اليوم التالي , كان العشاء موقفا محرجا لها إذ تبادل الضباط الحاضرون نظرات الأستغراب والأبتسامات فيما بينهم حال دخولها الغرفة , لا بد أن كارلوس أخبر الجميع بقصتها ألا أن موقفهم تغير الى الأحترام الكامل حين وقف ميندوزا معلنا زواجهما في المستقبل القريب ووقف لوبيز متمنيا لهما السعادة .
تقبل ميندوزا التمنيات بأحترام لكنه حافظ على برودته حيالها مما دفعها للأعتقاد بأنه يعاقبها على ما وصفته به في ديابلو , وأصبح سلوكه أكثر قسوة وأبتعادا حين سمع قرارها بالسفر مع أخيها في سيارة الأسعاف بدلا من السفر في طائرة الهليكوبتر المنتظرة , وللحظة ظنت بأنه سيجادلها أو يحاول أرغامها على الذهاب معه إلا أنه أكتفى بأخبارها أن لها حرية الأختيار وأبتعد متجها نحو الطائرة.
وتحوّلت رحلتها الى كارثة , أذ كان مارك يعاني من بعض الآلآم مما جعل سلوكه حملا لا يطاق وواصل طول الطريق التشكي والجدال معها , يلوم ميندوزا لكسر ساقه متجاهلا أمكانية خسارته لحياته.
وفقدت سوزان صبرها في منتصف الطريق , فأخبرت مارك أن عليه أعتبار نفسه محظوظا.
" لا أدري كيف تقولين هذا , خاصة بعد أن جرّنا كلنا الى النفق الخطر".
" أنه لم يجرك الى أي مكان , أذ كنت هناك قبله , شكرا لخصامك السخيف مع جدي وجشعك".
" كلما فكرت أن الزمرد كان هناك طوال الوقت ولم أستطع العثور عليه".
: أنت وآلاف الرجال من قبلك , أنا مسرورة لما فعله ميندوزا , الزمرد مدفون الآن الى الأبد ولن يستفيد منه أحد".
" حسنا , أعتقد بأنه مجنون تماما ليتخلص من تلك الثروة الطائلة".
" كانت الجواهر ملعونة ولعنتها أبوية , لم يخبرك ميغيل أرفاليز أن....".
" ميغيل يتصرف مثل أمرأة عجوز , ما كنت بقليل من سوء الحظ لو أنني أمسكت المجوهرات بين يدي , لا تقولي لي أن عائلة النبيل ميندوزا لم تستفد من المجوهرات منذ أجيال".
" لن أتحدث معك أكثر من هذا , أذ أنك لن تصدقني , وأظن أنك حصلت على ما يكفيك من سوء الحظ حتى الآن".
قالت ناظرة بشماته الى ساقه المكسورة.
ولجأ مارك بدوره الى الصمت ووجدت سوزان نفسها آسفة لقرارها بالسفر معه , من الواضح أنه ليس بحاجة الى وجودها , ورغم ثقل الهواء والمطبات الترابية , أستطاعت سوزان النوم قليلا ثم أستيقظت عندما أحست بوقوف السيارة , نهضت واقفة وحاولت بلمسات سريعة , تصفيف شعرها ونفض الغبار عن بنطالها , وكان أول شخص رأته عند نزولها من السيارة هو ميندوزا مرتديا بدلة صيفية أنيقة , ثم تقدم منها وقبّلها على خدها:
" أهلا بك في بيتك سوزان , والدتي تنتظرك للترحيب بك ....".
وأمسكت بذراه الممدودة نحوها وأحست بشعور أحمق وهي تسير تحت القوس الخارجي لباب المنزل وحيث الخدم أصطفوا هناك , وتمنت لو أستطاعت الظهور بمظهر أفضل من أرتدائها الجينز والقميص , وظنت أن الزي الملائم لذلك الأحتفال كان قميصا حريريا وتنورة طويلة وربما قبعة عريضة الحواشي.
وأعجبها طراز بناء البيت , بيت من طابقين عكس بوضوح جمالية الفن المعماري القديم , أما باحة المنزل فكانت مزينة بالزهور والنافورات المائي وفي الجانب الخلفي بدا ما يشير الى وجود حوض للسباحة , وكان داخل المنزل تعبيرا عن فخامة الخارج حيث صعدا أعلى سلم مزخرفة جوانبه بشكل فني راع.
" لوالدتي جناحها الخاص في الطابق الأول , وقد أمرت بأخذ مارك الى غرفته مباشرة أذ كانت الرحلة طويلة ومتعبة بالنسبة اليه".
وافقت سوزان على ما قال بصدد التعب وحاولت تجنب مجادلته لئلا يفكّرها بأختيارها الخاطىء لأسلوب المواصلات.
سارا عبر ممر طويل , الى غرفة فتح ميندوزا بابها , وفي الوقت نفسه نظر الى وجهها:
" أسترخي يا سوزان ستسر والدتي بك , خاصة وأنها صلّت كثيرا ليتحقق حلمها بلقاء زوجة المستقبل".
كانت والدته أمرأة متوسطة الطول , إلا أن كبرياءها وشخصيتها القوية تبدو أطول , أرتدت فستانا أسود مزينا بحلية ثمينة لصدر , ووجدت سوزان نفسها بين ذراعي السيدة وهي تقبلها بحنان:
" ليحفظك الله يا طفلتي".
وتلألأت الدموع في عيني السيدة.
" وليحفظك الله يا فاتاس لأنك جلبتها للقائي , أنها جميلة كالملاك , ستكون عروسة فاتنة وسأكون مسرورة جدا لأعداد فستان عرسها فقد مضى وقت طويل على زواج جوانيتا".
" منذ عامين , إذا أردت الحديث مع سوزان عن الملابس فسأترككما لوحدكما وسأذهب لتفقد مارك وما يحتاجه".
منتديات ليلاس
أحست سوزان بالحرج لبقائها وحدها مع السيدة.
" تعالسي وأجلسي هنا يا طفلتي , وأشارت لها بالجلوس على كنبة قريبة من نافذة عريضة , لن أؤخرك فترة طويلة , أذ ستحتاجين الذهاب الى غرفتك ثم الأغتسال والأستعداد للعشاء , أرسل فاتاس بطلب أمتعتك من أسانكشن , إلا أنني أخترت بعض ملابس جوانيتا لتلبسيها حاليا , وأذا ما أخترت أحد الفساتين لتلبسيه الليلة سأرسل لك وصيفتي لأجراء ما يلزم من التغييرات فيه".
ثم أبتسمت مضيفة :
" فيما بعد , أختاري الوصيفة الملائمة لك , ولكن في البداية ستتولى خدمتك مجموعة من الفتيات الى أن تتعرفي عليهن , ويتم لك أختيار من ترغبين فيهن".
ثم رفعت من على الطاولة قطعة قماش مطرز وبدأت التطريز عليها .
" كذلك طلبت من خياطتي المجيء بعد يوم غد وستجلب معها مجموعة من نماذج الأقمشة والأزياء لتختاري من بينها فستان عرسك".
" بهذه السرعة ؟".
سألت سوزان.
" طفلتي العزيزة , فهمت مما أخبرني أياه ميندوزا أن من الأفضل أتمام زواجكما بأسرع وقت , أنه يخبرني دائما بما يحدث له , هل أزعجك الأمر ؟ هل توقعت أن أصدم لما حدث ؟ هل تظنينني أجرؤ على أحتقار فتاة ساعدته على أبعاد الظلمة عنه؟".
أنهمرت دموع سوزان لتفهم السيدة لسلوكها , بعد طعن مارك المتواصل لها.
" لم أعرف ما الذي أتوقعه في المستقبل".
" أنك متعبة , كما أنك عانيت كثيرا على يد الشرير رودريغو ليرحمه الله سأطلب من جوزيتا أن تأخذك الى غرفتك ".
كانت جوزيتا أمرأة عجوز ذات وجه كئيب , إلا أنها ما أن تبتسم حتى تتغير ملامحها , وأبتسمت كثيرا حين رأت سوزان تتفحص غرفتها.
كان السرير جميلا وثمينا , ذو أعمدة أربعة تحيط به وشرشف مطرز ودانتيلا تزين حواشي الغطاء حتى تصل الأرض , أما النوافذ فمغطاة بستائر حريرية خفيفة سمحت لأشعة الشمس بالدخول من كل جانب , ودل أختيار لون السجادة وطلاء الحائط على ذوق وبذخ من أختارهما.
منتديات ليلاس
وتذكرت مساعدة ماريا لها حين بدأت جوزيتا مساعدتها على خلع ملابسها وألباسها روب حريري جميل ثم قادتها الى خزانة الملابس لتلقي نظرة على ملابس جوانيتا , بدا من الواضح أن جوزيتا فضّلت الفستان الأول وكان فستانا كلاسيكيا من الشيفون الأبيض وأكمام مزينة بالكشاكش , إلا أنها لم تكن مستعدة للنزول مرتدية فستانا من هذا النوع , أختارت لنفسها فستانا أزرق غامقا ومزينا بنقاط بيضاء , من الطراز الأسباني , كان الطول ملائما إلا أن خصرها كان أنحف من خصر جوانيتا , فأحذت جوزيتا الفستان لتصلحه لها , أستلقت سوزان على السرير وحاولت الأسترخاء , أشعرها ترحيب السيدة بالدفء , إلا أنها أدركت حاجتها الشديدة الى ميندوزا ليثير فيها الأطمئنان , حيث أخافها بروده وفضّلت سخريته على سلوكه المهذب البارد , و عاطفته المستعرة التي أعتادت الهرب منها في الماضي , هل غيّره رفضها الحاد له بعد هربهم من نفق ديابلو ؟ ودارت الأفكار مختلطة في ذهنها بلا توقف , كانت السيدة محقة , خاطبت نفسها أنني متعبة بل مستنفذة القوى , وسيختلف كل شيء غدا.
إلا أن الأمور بقيت كما هي في اليوم التالي والأسابيع التالية أيضا .
أحست سوزان أنها تعيش في حلم , أذ وقفت مثل دمية بينما قامت أمرأة سمراء قصيرة القامة بتجريب ياردات من قماش حريري حليبي اللون , سارت في الحديقة الى جوار النافورات , زارت مارك في غرفته حيث بقي تحت أشراف الطبيب , تحدثت الى السيدة , سبحت في حوض السباحة مرتدية مايوه سباحة يعود لجوانيتا وتم تغييره ليلائم قياسها , بقيت مسترخية لفترة طويلة , تحت أشعة الشمس , غيّرت ملابسها لتناول العشاء مع العديد من الأقارب ممن دعتهم السيدة لتعريفها بهم , بعد العشاء بدأت أخذ دروس باللغة الأسبانية , محاولة قدر الأمكان تجنب النظر الى الجهة الأخرى حيث يجلس ميندوزا عادة , وفي العاشرة تماما كانت تنهض لتقبل السيدة متمنية لها ليلة سعيدة ثم يرافقها ميندوزا حتى الباب , ليقبل يدها ثم خدها ببرود.
لم تصدق نفسها حين حدث ذلك كله للمرة الأولى حيث توجهت الى غرفتها دائخة ثم ساعدتها الفتاة الواقفة بأنتظارها على تغيير وأرتداء قميص نوم من الدانتيلا الجميلة , ثم أستلقت في الظلام , متوقعة قدومه , مراقبة الباب بأنتظار مجيئه.
لم يتطرق اليها الشك في صحة مجيئه خاصة بعد تحذيره إياها بأن دينه سدد كاملا في ديابلو ثم أنها رغبت في مجيئه اليها وأسترخائه الى جانبها , وحتى بعد منتصف الليل بقيت صاحية في أنتظاره , إلا أن باب غرفتها بقي مغلقا , ليس تلك الليلة فحسب ولكن كل الليالي التالية , لم يحاول الأقتراب منها وحتى أثناء النهار أذا ألتقت به صدفة كان يخلي لها الطريق بعد أن يبتسم لها بأدب وتصرف معها بطريقة أوحت بأنه سيتصرف بالطريقة ذاتها مع أي ضيف في بيته .
لكنه قضى أغلب وقته خارج المنزل ووضّحت والدته الأمر قائلة بأنه مشغول بإنجاز الكثير من أعماله المعلقة.
" إنه يعمل ضعف السابق الآن كي يستطيع التفرغ بعد الزواج , لعروسه الشابة".
وبادلتها العروس الشابة الأبتسامة وسألت نفسها عما إذا كان لها أي موقع في خططه للمستقبل.
إلا أنها لم تستطع إنكار أهتمامه بإنجاز بعض الأمور الهامة , حيث دفع أحد أصدقائه من الدبلوماسيين الموجودين في لندن للأتصال بالسيد جايلز وطمأنته على وجود سوزان ومارك تحت رعايته كما بلغ سوزان عن تحسن صحة جدها , وتم جلب بقية حاجياتها من أسانكشن إضافة الى شرائها من الملابس الجديدة بعد توجهها الى بوغوتا للتسوق مع السيدة مرتين.
وهكذا كانت أيامها مبرمجة إلا أن أحساسها بالفراغ لم يفارقها , وكلما فكّرت بأنها وبعد أسبوع واحد فقط ستتزوج من رجل لا زالت لا تعرف عنه الكثير , ينتابها الخوف.
كما لم يكن هناك من تستطيع اللجوء اليه , وحتى مارك الذي بدأ يشفى من آلامه , أنشغل عنها بصداقته الجديدة مع أبناء عم ميندوزا الشباب , يدعى خيمي , وشاركه هوايته في قيادة السيارات السريعة , وبدا سعيدا جدا مكتفيا بالذهاب معه الى ضواحي فيلافينسكو.
ذهبت معهم سوزان مرة إلا أنها لم تتمتع بالراحة لأنها لم تعجب بأسلوب قيادة خيمي ألا أنها أعجبت بجمال الحقول الخضراء وتمنت لو أن ميندوزا عرض عليها أرتيادها معها , إلا أنه لم يفعل ولم تجرؤ هي على سؤاله , وأكتشفت من خلال أحاديثها مع خيمي والبقية أن ميندوزا لا يربي الماشية فقط بل له أهتماماته الأنشائية والصناعية أيضا , الأمر المجهول لديها تماما , وهكذا أدركت أنها كلما أكتشفت حقيقة جديدة عنه كلّما أزداد جهلها به , رغم أنها ستكون زوجته خلال أيام قليلة.
وقررت أنها لا تستطيع أحتمال دفعها السلبي أكثر من ذلك , كلا لن تقبل التحول الى زوجة كولومبية لا علاقة لها بحياة زوجها وهمّها الوحيد تتبع أخبار أحدث الأزياء والحفاظ على زوجها بعيدا عن بقية الفتيات.
وكانت الفكرة الأخيرة مؤلمة أكثر من السابقات , وتذكرت صورة السيدة الأميركية معه وتخيّلت نفسها تعاني من الوضع نفسه , أرادت أن تبقى لوحدها معه , أرادت التوجه إليه وإخباره بشكوكها , قلقها.
أختارت صباحا عرفت فيه أنه سيكون في مكتبه الواقع في الجهة الخلفية من المنزل , كان باب المكتب مفتوحا ورأته واقفا يحزم مجموعة من الأوراق ليضعها في حقيبة يده , وكان وجهه كئيبا وفكره شاردا , لم يرها في البداية فتعمدت السعال لتنبّهه الى وجودها , رفع رأسه فرأت الدهشة مرتسمة على وجهه.
" شرف غير متوقع , هل تريدين شيئا؟".
وأرادت سوزان القول : نعم , أنت , إلا أنها أحست وكأنها تخاطب غريبا فتقدمت منه وعينيها مثبتة على وجهه.
" أردت التحدث اليك , لأنني ألقاك نادرا في الآونة الأخيرة".
" لسوء الحظ علي المغادرة للقاء مهم فورا , إلا أن أهتمامك يفرحني ويدهشني بحثك عني , خاصة وأنك أخبرتني منذ فترة قصيرة أنك لا ترغبين برؤيتي مرة أخرى".
" حدث ذلك في الماضي , لكننا سنتزوج , أليس كذلك ؟ ومن الصعب جدا تفادي رؤيتك أذا أصبحت زوجي".
ونظر اليها بقسوة :
" صحيح ما تقولينه , هل جئت لهذا السبب يا سوزان ؟ أن تعرفي ما سأطلبه منك بعد الزواج ؟".
" كلا ". أحتجت بسرعة : " ليس ذلك ما أريده , أردت التحدث اليك والتعرف عليك أكثر ".
أضافت بصوت منخفض .
أغلق حقيبة يده قائلا:
" يفرحني ذلك , إلا أن هناك من يقول بأننا نعرف بعضنا البعض أكثر من أي خطيبين".
" ليس هذا ما أعنيه , وأنت تعرف ما أقول".
وراقبته وهو ينظر الى ساعته.
" لا تدعني أؤخرك".
" سنتحدث الليلة , أذا كان هذا ما تريدين , ربما حان الوقت لذلك , ولكن أعذريني الآن".
وتوجه نحو الباب , إلا أنه توقف قربها لينظر الى وجهها وخاصة الى شفتيها , فأحست بالأنجذاب نحوه كأنه نوّمها مغناطيسيا.
وقفت سوزان وسط الغرفة فترة طويلة جامدة , أحست بأنها مهملة , غريبة ووحيدة , دارت بها الأرض فأمسكت بحافة المكتب لتستعيد وعيها , أرادت الأنطراح على الأرض والبكاء إلا أنها أحست بوجوب مغادرة المكتب , أذ لا بد أن السكرتيرتين تتمتعان بفترة الراحة الصباحية وستعودان خلال دقائق , ولم ترغب أن ترياها واقفة في مكتب ميندوزا وعلى وشك فقدان الوعي , وكانت على وشك مغادرة الغرفة حين دق جرس التلفون الموضوع على المكتب فتسمرت في مكانها ولم تعرف أذا كان النداء خارجيا أم من داخل المنزل , ولم تطن أن معرفتها باللغة الأسبانية تؤهلها للأجابة على النداء والتوضيح بأنها ليست السكرتيرة , إلا أنها فكرت بأنه قد يكون النداء والتوضيح بأنها ليست السكرتيرة , إلا أنها فكرت بأنه قد يكون نداء مهما , فقررت الأجابة , كان الصوت صوت أمرأة وذو لهجة أميركية واضحة.
" فاتاس , عزيزي ؟ هناك تغير في الخطة , سيكون من الأفضل لو ألتقينا في الفندق".
وتوقفت في أنتظار جوابه , ثم قالت بحدة:
" فاتاس , هل أنت هناك؟".
بللت سوزانشفتيها بلسانها وقالت:
" آسفة يا سنيورا , غادر السيد دي ميندوزا منذ لحظات وأخشى أن الخطة يجب أن تتم حسب الترتيب الأولي".
ثم أعادت سماعة التلفون الى مكانها.
جلست سوزان في المقعد الخلفي من سيارة خيمي , غير مدركة للحافز الذي دفعها للركض خارج المكتب للبحث عن خيمي , وجدته واقفا مع مارك قرب السيارة على وشك المغادرة الى فيلافينسكو فطلبت مرافقتهما , قال مارك متفحصا وجهها الشاحب:
" تعالي , رغم أنك لا تبدين في وضع يسمح لك بالذهاب الى أي مكان , وماذا عن حقيبة يدك ؟....... ألا تريدين ......".
" لا يهم ذلك , ألا نستطيع التحرك فورا , أرجوك ؟".
تبادل خيمي ومارك نظرة طويلة وسمعت خيمي يتمتم عن عصبية العرائس , فكرت : دعهم يظنون ما يريدون , لا شيء يهم".
منتديات ليلاس
طوال الطريق , بقيت سوزان صامتة غير مهتمة بسرعة السيارة ومحدقة بعينين لم تريا شيئا من روعة الطريق , أخبرها أحدهم , ذات ليلة عند العشاء , أن لاينوس منطقة صيد رائعة تتوفر فيها الغزلان , فأحست بأنها تعرف أحاسيس الضجة حين تجلس بين الأعشاب لفترة طويلة , بإنتظار القتل , ربما كانت ترحب بالقتل أخيرا للتخلص من القلق والأنتظار حيث القسوة الحقيقية.
ربما سيكون موتها محتوما حين ترى ميندوزا مع المرأة الأخرى أذ أنها , عرفت الآن معنى ألم الأنتظار المبرح.
وتساءلت عن عدد المرات التي ألتقى بها عشيقته الأميركية بحجة آداء بعض الأعمال المستعجلة.
ولم تعجب لغرابة سلوكه حين واجهته في المكتب , ربما أنّبه ضميره أخيرا , قال بأنه حان الوقت للكلام سوية , ربما كان على وشك إخبارها بعلاقته وليوضح لها أن الزواج سيتم حسب شروطه , وعليها سلوك الزوجة بدون التدخل بشؤونه الخاصة.
وأحتار خيمي حين بدأت سؤاله عن الفنادق في المدينة , إلا أنه أعطاها المعلومات اللازمة , أخبرها بوجود العديد إلا أن الفندق لدى السواح والأغلى أجرا هو بوبايات , فقال مارك بلهجة متأثرة:
" أنك لست بحاجة الى فندق , ستذهبين معنا لتناول الغداء , هناك مكان رائع نعرفه".
" ربما سألتقي بكما هناك فيما بعد , إلا أنني سأنجز بعض الأعمال أولا".
" أرجو أن يكون من التسويق , أني مسرور لأن فاتاس يدفع قوائم الحساب".
قالت بهدوء :
" هذه المرة , لن يتوجب عليه أن يدفع شيئا".
كان صالون الفندق فخما , مكيفا بالهواء , مكتظا بالسواح المنتشرين حول الطاولات الصغيرة , عثرت سوزان على مكان شاغر مظلل بنباتات أستوائية ضخمة , أشعرتها رائحتهما بالدوخة والأضطراب , ثم أنها لم تكن متأكدة فيما كانت جالسة في الفندق المعني , ربما كانت هناك فنادق أخرى تؤجر الغرف بالساعات للعشاق , ثم أنها لم تستطع سؤال كاتب الأستقبال عن ميندوزا ووجوده في الفندق , ثم رأته , رتهما , كانا ينزلان درجات الفندق وكان فاتاس ممسكا بذراعها بلطف وحماية ,كانت المرأة الواقفة الى جواره في الصورة نفسها , إلا أنها بدت مختلفة , كانت مبتسمة , سعيدة ومرتاحة , وكانت ترتدي فستانا عريضا لم يخف حقيقة كونها حاملا.
منتديات ليلاس
وأنكمشت سوزان في مقعدها , كان الأمر أسوأ مما توقعت أو حلمت , وظنت أنهما سيتقدمان بأتجاهها وأنه سيلاحظ وجودها ومراقبتها لتحركاته.
إلا أن ذلك لم يحدث , بل وقف الأثنان جانبا ليتحدثا بصوت عادي وأستطاعت سوزان سماع ما تبادلاه من جمل قصيرة.
" فاتاس أنني سعيدة جدا , أسعد من أي وقت مضى , ولكن هل ستستمر سعادتي؟".
أجابها بصوت خال من السخرية :
" لا تقلقي سعادتك بين يديك , فأهتمي بذلك".
وراقبتهما سوزان متجهين نحو باب الفندق , حيث توقفا هناك , ولم يعد بأمكانها سماع حديثهما , إلا أن المرأة ضحكت بينما قبّل ميندوزا يدها مودعا , عادت المرأة الى داخل الفندق لوحدها مغنية بصوت منخفض , وأذ مرت قرب سوزان , ألتقت عيناهما للحظة فلاحظت سوزان السعادة متجلية في ملامحها , أستدارت سوزان وصبت قهوة لم ترغب بشربها.
حزمت سوزان حقيبتها وألقت نظرة أخيرة على الغرفة , لم تترك شيئا تملكه ولم تأخذ شيئا لا يعود لها , تركت في خزانة الملابس كل ملابس جوانيتا القادمة في اليوم التالي مع زوجها لحضور العرس , إضافة الى الملابس التي أشترتها لها السيدة دي ميندوزا ببذخ.
كان هناك شيء أخير , خلعت ميدالية فاتاس من عنقها ووضعتها عل المنضدة المجاورة للسرير , وفي مكان يرى بسهولة , لم تترك أي ورقة أو أي تفسير , ربما كانت سترك رسالة إلا أنها لم تعرف كيف تبدأ فقررت أنه من الأفضل لها مغادرة المكان في صمت , أذ لم يعد بإمكانها البقاء ومواجهة آلامها.
أتخذت قرارها بالمغادرة في طريق العودة من المدينة , وأذ أنشغل مارك بالحديث مع خيمي , كانت سوزان تحسم الكثير من الأمور , قررت السفر بالسيارة حيث ستستغرق الرحلة بين فيلافيسنكو وبوغوتا ثلاث ساعات وستأخذ السيارة بدون أن تخبر أحدا لأنها تعلم أن خيمي يترك المفاتيح في السيارة عادة , كل ما عليها أن تفعله هو أنتظار أنصراف الجميع الى النوم ثم التسلل بعد ذلك لأخذ السيارة , حتى بوغوتا حيث تتركها في كاراج هناك وتطلب من أصحاب الكاراج إبلاغ خيمي فيما بعد.
لم تكن فكرة العودة الى أنكلترا ومواجهة أسئلة جدها الحتمية , فكرة مغرية , إلا أنها لم تملك أختيارا أفضل , كما لم يكن بأمكانها مصارحة مارك بما حدث إذ أنه سيشفى لأنها لأنها ورطت نفسها في علاقة حب مع رجل مثل فاتاس دي ميندوزا , وأيقنت سوزان صحة أتهاماته ولكن في وقت متأخر.
واصلت التفكير بتلك الطريقة ومحاولة , قدر الأمكان , المحافظة على غضبها , لأنه كان تحريرا لها من آلام أخرى لم تعرفها سابقا , ولم يعد في أمكانها قبول الزواج به على شرط التغاضي عن علاقته بأمرأة أخرى.
وتأكد لديها , مما رأته وسمعته , أن علاقته بفرجينيا علاقة دائمة لا يستطيع التخلي عنها وخاصة بعد حملها منه , وشعرت سوزان بالراحة لأنها واثقة الآن , تساءلت عما إذا كانت فرجينيا قد تركت زوجها , ربما كانت في أنتظار الحصول على الطلاق , وإذا ما أخلت سوزان الطريق , لا بد أن فاتاس سيعرض عليها الزواج .
مسحت سوزان دموعها وكررت لنفسها أنها حسنة الحظ لأستطاعتها الهرب في الوقت الملائم , فأي أمل لها مع ميندوزا , حتى لو لم تكتشف علاقته بفرجينيا ! إنهما ينتميان الى عالمين مختلفين , إضافة الى بقية العوامل , رآها ثم رغب فيها ولم يربط بينهما شيء آخر يمكن أن يؤدي الى أقامة علاقة دائمة بينهما إلا أنها تغاضت عن تلك الحقائق كلها حين عرض عليها الزواج وخدعت نفسها مفكرة بأنه يود أبقاءها الى جانبه , وأعتقدت أن حبها ورعايتها له سيحولانه من مليونير , يقضي وقته بالتلهي مع النساء , إلى زوج محب.
حسنا , إنها تستحق ما جرى لها , ثم فتحت باب غرفة النوم بحذر ونظرت الى الممر .
لم تسمع أي صوت , لم تنزل لتناول العشاء معهم بحجة إصابتها بالصداع لأنها تذكرت مت قاله فاتاس عن لقائهما بعد العشاء وعرفت بأنها لن تتحمل مواجهته فبقيت في غرفتها طالبة ألا يقلقها أحد وتم أحترام رغبتها من قبل البقية , وتمنت , أثناء مغادرتها , لو أستطاعت وداع السيدة ميندوزا , وأرتجفت وهي تنزل السلم على رؤوس أصابعها ثم عبر الصالة وأخيرا الى الباب الرئيسي , حيث تمكنت من فتح الباب ومغادرة المنزل , خطت خطوتين , ثم سمعت صوت سيارة فجمدت في مكانها , لم تستطع الهرب حاملة حقيبتها , كما لم تستطع وضعها على الأرض والأختفاء لأن القادم سيتمكن من رؤيتها , ورأت السارة تقف على مبعدة عدة ياردات منها , أتسعت عيناها برعب لأنها أدركت فورا هوية الفادم , المتوجه نحوها بهدوء.
" وأين تظنين أنك ذاهبة؟".
قال فاتاس غاضبا:
" أنني عائدة الى أنكلترا".
" هل أستطيع السؤال , لماذا؟".
" أستلمت رسالة في الصباح اباكر من وكيلي المسرحي أخبرني فيها عن عرض لدور رائع في مسرحية جديدة , أنها فرصة لا تعوض , لذلك قررت قبول الدور ".
" وماذا عن ألتزاماتك نحوي؟".
" لا أظن أنك تريد مني الوفاء بها فعلا , أعني لا حاجة لذلك الآن , أعني ى حاجة لقلقك علي".
" لا أقلق عليك ! أعتقد أن ما تقولينه الآن هو أكثر أتهاماتك قسوة ".
" لا تذكر كلمة القسوة أمامي".
" وماذا يعني هذا؟".
" لا يهم , لا شيء مهما , دعني أذهب أرجوك".
أطلق فاتاس شتيمة وهو يتناول حقيبة ملابسها وقاذفا بها بعيدا , بين الأشجار .
" لن تغادري المكان , لن تذهبي الى أي مكان بدوني , هل تسمعين يا سوزان؟".
وحملها بين ذراعيه وأقتادها الى داخل المنزل , الى الصالة حيث رماها على أحدى الأرائك".
" لا يحق لك معاملتي بهذه الطريقة , أنني حرة .... أنني.......".
" ستكونين زوجتي ".
" كلا , لقد سمعت ما قلته لك , لا حاجة لذلك لا أريد قيودا ".
" قيد ؟ هل تصفين الزواج مني بالعبودية؟".
" نعم , ولست مجبرة على القبول به".
" ما الذي تعنيه ؟ من الأفضل أن توضحي لي ما تقولين".
" حسنا , رأيتك معها , بعد أن تركت اغرفة رن جرس الهاتف فأجبت وكانت المتحدثة فرجينيا , المرأة التي كانت معك في الصورة".
" نعم , وماذا في ذلك؟".
" لا تبدو خجلا لذلك ؟".
" لم أسمع بعد ما يستدعي الخجل , تقولين أنك رأيتني , هل تعنين أنك تبعتني الى الفندق بسبب المكالمة الهاتفية ؟".
" نعم , ورأيتكما في الفندق , ورأيت كيف كانت , وسمعت ما قالته لك عن سعادتها , ربما ستكون أسعد حين أخلي الطريق لها , لكنك لا تستطيع توقع زواجي منك والتغاضي عن علاقاتك الأخرى في آن واحد".
فبدأ وجهه وكأنه قدّ من صخر , ناء وبارد مثل أعلى قمة في جبال الأنديز .
" هل تظنين أن هدفي من الزواج بك هو ذلك؟".
" لا أدري ماذا أظن , لكنني أعرف جيدا أنني أرغب بالفرار , بالعودة الى أنكلترا , لا شيء يشدني الى هذا المكان وفي أمكانك الزواج بفرجينيا بعد ذهابي , أذا كان ذلك ما تريد".
" يسرني تفكيرك بتحقيق رغباتي".
وكان لوقع كلماته صدى غريبا في أذنيها.
" إلا أنني لا أرغب الزواج بفرجينيا كما أظن أن لزوجها حق الأعتراض".
" زوجها؟".
" أسمه روبرت , وأنا أعرفه وزوجته منذ سنوات , كان مسؤولا عن إنشاء وحدة كهربائية في أحد معامل مديلن , فأصبحنا أصدقاء منذ ذلك الحين , ونحن نبحث الآن مشروع شركة يمثلها هو , وجاء الى المدينة للقائي قبل التوجه الى مديلن لمناقشة الموضوع مع شركتي , قررنا الألتقاء اليوم عند الغداء إلا أن فرجينيا أتصلت بي في المكتب فلم تنجح , عدت معها الى جناحها في الفندق إلا أن روبرت بدا متعبا , لذلك تركتهما , هل تريدين معرفة المزيد عن كيفية قضائي ليومي؟".
لم تجبه سوزان فواصل حديثه بعد وهلة:
" خدعتك عيناك وأذناك , فرجينيا ليس حامل بطفلي بل بطفل روبرت , طفل أنتظراه منذ زواجهما , نعم , تحدثت عن سعادتها لأنها لم تكن سعيدة في السابق , حيث أكتشفت منذ أكثر من عام علاقة روبرت بأمرأة أخرى ولامت نفسها لذلك , أذ أنها كانت منخرطة في عملها أكثر من اللازم , مهملة روبرت في الوقت نفسه , وتركها أكتشافها لوجود المرأة الأخرى شقية".
" فلجأت اليك!".
قالت سوزان بصوت منخفض.
" نعم , لجأت أليّ ولكن ليس كما تتصورين , أرادت الأبتعاد فترة ما عن روبرت والوضع المؤلم , أرادت رؤية الأمور بوضوح أكثر لتقرر ما أرادته من حياتها , وأخذتها معي الى بيت ماريا لتحصل على الهدوء , كانت بحاجة ماسة الى صديق وكنت أنا صديقا مقربا منها".
نظرت سوزان الى أصابع يديها المتوترة ثم قالت:
" لكنها رغبت بك , رأيت ذلك في الصورة , رأيت كيف كانت تنظر اليك".
" ظنت أنها تريدني , كانت وحيدة وتعيسة وظنت أن روبرت أهملها".
ثم جلس الى جانبها , رافعا ذقنها بيده مجبرا إياها على النظر اليه.
" لا أدري لم تسيئين الظن بي دائما , هل تظنين أنني سأزيد من متاعب فرجينيا؟".
كلا لم تتوقع ذلك , إلا أنها لم تخبره برأيها , فقد يقودها الجواب الى أعترافات لم ترغب فيها , وكان من الأفضل لها تفكيره بإساءتها الظن به على أنه يعرف حقيقة مشاعرها وغيرتها ويأسها , فمنذ أن تخيلت وجود فرجينيا بين ذراعيه , تحولت الصورة الى كابوس دائم.
" آسفة ....... أفترضت......".
" أنك تفترضين الكثير من الأشياء الخاطئة , منها أنني سأتزوجك على أفتراض أنك حامل , ثم ما أن أتزوجك حتى أسرع للأرتماء بين ذراعي أمرأة أخرى , ثم تفترضين أنني سأسمح لك بالأبتعاد عني , حسنا أنك مخطئة في أفتراضاتك الثلاثة كلها , ولا تكذبي بصدد العرض الرائع الذي تلقيته , حيث يمر كل البريد القادم الى المنزل بين يدي أولا , ولم نستلم اليوم أي رسالة لك , لست أحمق الى هذا الحد".
" أنا أيضا لست حمقاء , قد أكون مخطئة حول فرجينيا , إلا أنك عرفت العديد من النساء قبلها".
ونطقت جملتها الأخيرة باكية.
" من أنك ذلك , هل توقعت مني , حقا , العيش كراهب لحين مجيئك؟".
" لا أوقع أي شيء منك , لأنني لا أعرفك , ألا تفهم ذلك ؟ لا أعرف أي شيء عنك , لا شيء".
تغافلت عن ذكر جملة أوشكت على الهمس بها , عن معرفتها به كعاشق , عن حرارته وقوته وعن لطفه معها في البداية.
" أنه لغريب أن تشعري بذلك , خاصة وأنني منذ لحظة لقائي الأول بك أحسست بأنني أعرفك , وكنت أنتظرك دائما , لم تبعتك طوال الطريق ؟ هل لأجعلك عشيقتي؟".
وضحك بخشونة .
" كانت هناك نسوة أخريات , فلم تبعت أمرأة حاربتني دائما ؟ تبعتك لأنني أحببتك , وكنت على وشك قتل كارلوس بيدي العاريتين من أجلك , وإذا ما تركتني , سأتبعك من جديد حتى لو أضطر الأمر أن أتبعك الى بريطانيا".
حدقت في وجهه بعينين واسعتين ورأت لأول مرة ألمه وقلقه لسلوكها , فقالت:
" فاتاس.......".
ورمت نفسها بين ذراعيه فعانقها بعاطفة مسحت كل شكوكها , وعانقها بقوة أكثر قبل أن يوضح موقفه.
" ربما كان ذلك صحيحا في البداية , كل ما عرفته هو رغبتي االجنونية فيك , خاصة حين ذهبت الى غرفتك في الفندق ورأيتك نائمة , جميلة بلا حماية منذ ذلك الحين أعتدت الأستيقاظ معذبا نفسي بتخيّلك , عرفت أيضا , منذ البداية أن الأمر سيكون مختلفا معك , إلا أنني بصراحة , لم أعرف برغبتي في الزواج منك , بل تطورت مشاعري فيما بعد , هل تذكرين ليلتنا في بيت ماريا ؟ حين دخلت غرفتنا فرأيتك واقفة في أنتظاري , مرتدية قميص نوم ماريا الأبيض".
" كان سلوكك غريبا".
منتديات ليلاس
قالت بخجل فأمسك بيدها وقبّلها.
" كنت منذهلا , جلست طوال فترة تناول العشاء مفكرا بأنني سأحصل عليك أخيرا , وكدت أطير نحو الغرفة حين أخبرتني ماريا عن أستعدادك , ولكن حين فتحت باب الغرفة رأيتك واقفة كالعروس , شابة جميلة وخجولة وعذراء , فشعرت بأنني لو لمستك , حتى لو كان الأمر تم برضاك - سيكون الأمر أغتصابا , فقررت الزواج منك , إلا أنه توجّب علي أولا التخلص من رودريغو , فقد طاردته طويلا ولم يكن في نيتي تغيير رأيي لأنني وقعت في الحب , إضافة الى أنه كان سيكون تهديدا لنا , لن أنسى أبدا ما أحسسته حين أكتشفت ذهابك الى الدير فأقنعت نفسي بأن طنع رودريغو بزمرد ديابلو سيتغلب على رغبته بتعذيبي عن طريق قتلك بحضوري".
" هل سببت أنهيار النفق متعمدا".
" نعم , من الأفضل التخلص منها , إذ مات والدي دفاعا عن سرها , ولم أكن مستعدا لتحمل المسؤولية , كما خسر العديدون حياتهم بسببها , طوال القرون ".
" ولكن بعد أنتهاء كل شيء - حين عرضت علي الزواج , كنت باردا نحوي الى حد بعيد".
" كنت غاضبة معي الى حد لم أستطع فيه توضيح ما أردت فعلا توضيحه , كما أنني كنت بدوري مغتاظا".
" لأنك واصلت برودتك نحوي فظننت أنك لم تعد ترغب بي , بعدما حصل بيننا وأنك ستتزوجني لأن واجبك.....".
" لم أرغب بك؟".
وقرّبها منه أكثر , قائلا:
" لم تمر ساعة من الليل والنهار لم أحس بها برغبة متعطشة نحوك مثل رجل عطش في الصحراء ".
" أذن , لماذا.......".
فلم يدعها تتم جملتها , بل قاطعها وقال :
" لأنك خطيبتي الآن , وزوجة المستقبل , غفرت لنا والدتي الزلة الأولى إلا أنها أوضحت لي عدم قبولها لأي مسلك شائن بعد ذلك , فقررت أنه من الأفضل أن نبقى بعيدين عن بعضنا البعض لفترة قصيرة".
" لحسن الحظ لا يوجد من يرانا الآن".
" نعم وسأطلب من والدتي أتمام مراسيم الزواج بعد الغد لأنني أنوي بدء شهر العسل بسرعة سواء كنا متزوجين أو لا ".
" أظن أنها ستغضب من كلينا خاصة وأن فستان العرس ليس جاهزا ".
" لا تهمني ملابسك , رغم أنني أهتم بتوفيرها لك , سنذهب الى ريو في الأيام الأولى وسنشتري ما تحتاجينه هناك , ثم نتوجه بعد ذلك الى بريطانيا للقاء جدك".
" وبعد ذلك؟".
" سنعود الى بيتنا".
وحضنها بين ذراعيه مضيفا:
" بلادي مختلفة عن بلادك , هل ستكونين قادرة على التأقلم هنا؟".
عرض ميندوزا عليها العودة الى بريطانيا للقاء جدها , رغم أن جدها كان يرغب بلقاء مارك في الدرجة الأولى ودهشت لأن الفكرة لم تعد تثير فيها الألم المعتاد .
" حيثما توجد هو بيتي يا حبيبتي".
خاطبته بنعومة وعانقته بكل حبها وحنانها بقوة وأحست بأنتمائها الفعلي له.
منتديات ليلاس

تمت

🎉 لقد انتهيت من قراءة حتى تمو ت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبيرالقديمة 🎉
حتى تمو ت الشفاه - سارا كريفن - روايات عبيرالقديمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن