(8)

5.8K 170 3
                                    

بقلم: نهال عبد الواحد

مر شهر بعد شهر والعلاقة بين أحمد وليلى تزداد سوءًا، تبلدًا، برودًا وجفاءً، تزداد قسوةً.

وللأسف قسوة أحمد قد تشربها محمد مع بعض الإضافات التي قد أضافتها عليّة إلى حفيدها، فصارت ليلى تعاني القسوة والتبلد من زوجها وابنها.

لكن الوضع مع مريم قد تحسّن كثيرًا، صار لديها ثلاثة أصدقاء صدوقين لا يفارقوها مريم ابنتها ومنى صديقة طفولتها وذلك الصداع الشديد الذي يقحم نفسه داخل حياتها عنوة.

أما عن عمها فقد بدأ المرض يتملك منه بفعل تقدم السن، لم تعد ليلى تتحدث معه بخصوص أحمد أبدًا، حتى إن سألها تخبره أنهما بخير وعلى مايرام، هو يعلم أنها تكذب عليه، لا زالت تعاني وتتألم فيحزن من أجلها كثيرًا.

ومرت شهورًا أخرى، ازدادا بُعدًا فيها، ربما لم يهينها لفظًا أو ضربًا حتى الآن، لكن الإهمال والتجاهل والقسوة في حد ذاته إهانة قد حولتها إلى كائنٍ متبلد، صارت لا تبالي، تلاشى حبها ومشاعرها تدريجيًا، تحولت إلى مجرد صورة لامرأة قد تبتسم في الوجه، قد تعطي جسدها، لكن قد جفت أحاسيسها منذ زمن لينتهي الشوق والشغف، تنتظر وتتهيأ لكن دون روح كأداء واجب ليس إلا، فما أقسي عذاب تلك المرأة!
وما أغبى ذلك الرجل!

إن كان للحب مراحل نظرةٌ فابتسامةٌ فموعدٌ فلقاءُ فللبعد أيضًا مراحل:
انفصال فكري بالجفاء وانعدام الكلام،  انفصال عاطفي تنتهي معه المشاعر وأي حنين وشوق، ثم الانفصال الجسدي فحتى إعطاء الجسد وحده يصير أصعب ما يكون وصولًا إلى الانفصال الشرعي بالطلاق...
وأخيرًا الانفصال النفسي مع قرار لمسح ذلك الشخص بكل ذكرياته حلوها ومرها.

تفاجأت ليلى بنفسها قد صارت كتلة ثلج، لم تعد تنتظره بأي شغف، لم تعد تتصل به إلا للضرورة، وقد انطوت صفحة الحب، تلك الكلمة التي بدلًا من أن تكون مصدر سعادتها قد صارت سر جرحها وتعاستها.

بدأ أحمد يتأخر ليلًا، لم يعد له موعد ثابت مثل ذي قبل، لكنها لم تأبه له، لم تسأله، ترى لو سألته فهل سيجيبها من الأساس؟!

وذات يوم كانت تجلس مع عمها في فراشه تلح عليه حتى يأكل.

نظر محمد إلى ابنة أخيه، وجهها الشاحب تطل منه الأشجان والأحزان، تنهد بحزن قائلًا: ليلى ابنتي الغالية!

أجابته بابتسامة مصطنعة لم تصل إلى عينيها، فتساءل: كيف حال أحمد معك؟

-الحمد لله يا عمي! بخير.

نظر نحوها، أبعدت نظرها عنه حتى لا يكتشف كذبها، لكنه يتأكد من ذلك، ملكته العَبرة، تابع يخالط صوته البكاء: سامحيني يا ابنتي، ليتني ما فكرت في أسوأ فكرة.

أمسكت ليلى بيد عمها، ربتت عليها قائلة: لا عليك يا عمي، رجاءً لا ترهق نفسك، تلك هي أقدارنا التي قدّرت لنا ولا مفر منها، الحقيقة أنا المخطئة ليتني استجبتُ لما قيل لي من البداية بدلًا من سنوات السباحة عكس التيار، لكن لا ينبغي نسيان أن في أحمد صفاتٍ طيبة كي لا أكون جاحدة.

(قبل نهاية الطريق)   By : Noonazad حيث تعيش القصص. اكتشف الآن