الفصل الثانى

15.4K 336 14
                                    

الصوت الرزين رغم جليده جعله ينتبه من أفكاره الخاصة فمال برأسه قليلاً ورسم ابتسامة هادئة وهو يخبرها

"انتظركِ .. لي حديث مطول معكِ"

ألقت نحوه نظرة عابرة بطرف عينيها .. ثم عادت تلقي حذائها أرضاً ترتديه برتابة وهو تقول بهدوء "ليس بيننا شيء يستدعي الحديث أو حتى التطويل يا جلاء .. كل ما بيننا انتهي قبل أن يبدأ"

تخلى جلاء عن هدوئه الظاهري فأنزل قدمه على الأرض واقترب نحوها بتمهل وهو يجيبها بإصرار

"بل هناك الكثير .. وأنتِ تعلمين هذا .. أنا أريد أن أوضح موقفي"

رفعت آيتان رأسها عندما اقترب منها إلى حد خطر كانت تحرص خلال الاسبوع الماضي أن لا يحدث .. عيناه عليها بنفس النظرة القديمة وكأنه يحرص على أن يترك تأثيراً خاص به وقد فعل .. حاولت ألا تتوتر ولكنها لم تستطع أن تداري تشنج صوتها وهي تقول

"لا لن توضح أي شيء لي .. كل ما بيننا انتهي ليلة أن تسببت أنت في وئد حلمي في مهده"

للحظات لم تدرك مدى تعلق نظراتهم ببعضها بغير تنازل .. كلاهما يحدق في الاخر بما يشبه التحدي .. لطالما كان جلاء يترك ذلك الأثر فيها بطريقة لم يسبق أن احستها في حياتها قط .. بنظراته المتوحشة وكأنه يبحث عن شيء ما فيها .. عن سبب يجعله يتغذى على روحها هي دون باقي البشر .. حتى وسامته الخشنة رغم شقرته الفرنسية وكأنها اعلان سافر يؤكد أن تلك البلد التي انتمى اليها جلاء لم تطبع داخل عقله افكارها المتوحشة ولكن ملامحها الباردة.

انتفض شيء داخل قلبها وهي تتذكر ما عاشاه كليهما هناك .. ورغم كل ما كان منه إلا أنها تدرك أنه كان الحدث الحقيقي الوحيد في قصتهم.

ابتسم ابتسامة جانبية صغيرة جعلتها ترتعد وتوقن أنه عرى روحها ليكتشف ما تخبئه داخل عقلها .. ابتسامه ضارية كانت تأكيداً على نظرتها فيه .. أحالته لكائن غير آدمي ..كائن مفترس متوحش يعيش ليصطاد ويقتات على أرواح الأخرين ، ربما يعوض جزئه الذي نقص وعاناه مع والديه.. احست بالشفقة عليه لوهله وهي ترى في عينيه العسليتين كل تلك المشاعر السلبية المرارة والغضب كنمر جريح حُبِس داخل قفص دون أن يهتم احد بسؤاله ما الذي يؤلمه .. جلاء كان ومازال تائهاً لا هو قادر على الاندماج معهم ولا هو يعرف من الاساس ما هو طريقه ؟!

كان دورها أن تقطع سيل النظرات والذكريات التي تتدفق دون رحمه فهتفت بدون مقدمات "لماذا عدت .. ومتى تغادر؟"

أجفل جلاء للحظات من فظاظتها فعقد حاجبيه وهو يقول عابساً

"لم أكن أعرف أن وجودي يسبب لكِ الألم هكذا .. حسنا ربما أنا سأبقى ولن أعود هناك"

لم تتأثر البته بتلميحه وهي تقول ببرود "وجودك من عدمه صدقني لا يحرك فيّ مقدار شعره واحده ولن يفرق معي يوما، أما عن بقاءك فهذه كذبة ابريل .. سرعان ما ستشتاق لحياة التشرد التي كنت تحياها"

فرشاة وحشية Donde viven las historias. Descúbrelo ahora