خمسة

102 11 5
                                    

خمسة أيام دون أن يظهر صغيره، أربعة ليال قضاها دونه في هذا البرد القارس دون ملجأ، و صغيره ضعيف المناعة، يمقت نفسه أكثر من أي وقت مضى فمن كسره بجموده كان الوحيد الذي فعل كل شيء من أجله.

ركز بصره على نار المدفأة المتقدة، من أنت؟ كيف إنتهى بك الحال هكذا؟ فكر و قد كان يجهل نفسه.

الضياع الأكبر هو أن تجهل نفسك، أن تنظر بحيرة لشخصك الماضي و الحالي فتراهما نقيضان و يطول بحثك عن جواب، تريد جواب لتعرف كيف سارت الأمور لتصبح بهذا الحال.

يذكر ماضيه فرحا، ربما بورك من السماء أن كان أقل السبعة وحدة، فقد كان الثالث معه و كذا كانت هي.

وجدها ذات يوم ماطر، كان فؤاده باردا إثر الفراق لكنه كان يحاول تدفأته عبثا من أجل الصغير فقط، و تماما كما تلهب الشعلة الصغيرة أعواد الخشب الجافة و الباردة، ألهبت هي ماضيه و الآن و قد خمدت نارها لا يزال سوى أثرها من دخان و حروق.

يذكر أنه أخرج سيجارته يريد أن يحرقها و كأنها ما يعيشه من أيام عجاف، لكن الأخيرة أسرعت بطرحها أرضا، كان يكره أن يبتدأ الأحاديث فلم يصل الدخيلة منه سوى نظرة كبرودة يومه هذا، و بتململ أخرج أخرى.

"توقف" صرخت فيه باكية " لا أدري ما علاقة البشر و الغباء، أنى لكم أن تقتلوا أنفسكم بكل أنانية دون أن تفكروا بمن حولكم، أتجهل أن أحدا في أطراف هذا العالم يهتم لأنفاسك الخافتة التي تزفرها، أتجهل أم تتجاهل؟"

كانت أنظاره قد وجهت للسماء، السيجارة تتوسط ثغره منطفئة كنظراته، زفر أنفاسه الحارة لتصير دخانا و كان كل ما يراه سبعة وجوه يتوسطها طفل ضاحك، إبتسم بحزن.

يعلم أنه حين يعود للمنزل و قد تنفس الصبح سيجده و ككل يوم ينتظره نائما على الأريكة و كان يعلم أن الصغير و تماما مثله يخاف الوحدة، لكنه لم يكن يوما وحيدا، فالشياطين التي تسكن عقله تحبسه في قفص العزلة.

لمن سيبقى جونغكوك إن حدث له شيء؟ فكر، لا أحد سيعتني بصغيره، و لا حتى السبعة فالكل قد تفرق كمزهرية تكسرت و تباعدت قطعها، لم يكن كجونغكوك الذي يؤمن أن بإمكانه ملأ الشقوق ذهبا فتصير المزهرية تحفة كما جرت عادات اليابانيين، كان دائما أكثر السبعة واقعية للحد الذي جعله متشائما و ظن أن لا لقاء بعد فراق.

أعادته لواقعه شهقات تلك التي تقبع أمامه، التي إقتحمت حرم عزلته و جردته من سجائره لتبكي أمامه دون أي سبب يعرفه.

"ما بالك؟" سأل و قد ضاهى صوته الثلج برودا.

"كان لي أخ" نطقت من بين شهقاتها، " وقد كان كل ما أملك حتى حين، فقد قرر أن يكون أنانيا تماما مثلك، و راح يدخن صحته بإستمتاع قاتل، و هو يعلم أن رئتيه المهترئتان سرطانا يبكيان حزنا و دما، و اليوم قد كللت مسيرة إنتحاره البطيء نجاحا، هنيئا له قد مات و حقق مناه!"

واجهة السبعةOù les histoires vivent. Découvrez maintenant