الفصل الخامس والعشرون

6.4K 314 13
                                    

تتبعتها سيلڤيا بأنظارها وما أن تأكدت من إختفائها تماماً حتى إلتفتت تقول لوالدتها بقلق : أنا لست مستبشرة خير من وراء هذه الغجرية
أجابتها الأم ريڤا بلهجة مطمئنة : سبق وأخبرتك أن أوريانا خيوطها في يدي..
سألتها سيلڤيا بعدم فهم : هل أنتِ واثقة يا أمي؟
ضحكت الأم ريڤا بشدة ثم قالت : والدتك تحارب أعتى السحرة ببلورة تجعله يرى ماتريده في طرفة عين.. فما بالكِ بمجرد فتاة عاشقة.. هل تعتقدين بعقلك الصغير أنني لا أعلم نواياها؟
رفعت سيلڤيا كتفيها قائلة باستسلام : لا أعلم لكنني غير مرتاحة لاقترابها من چايدن
ضربتها الأم ريڤا على وجنتها بخفة تقول مازحة : لا تقلقي يا ابنة الساحرة.. أمك ليست غافلة وإن كنت أشك ولو للحظة أنها خطر لما أقحمتها في الأمر من البداية..
أمسكت سيلڤيا كف والدتها المجعد تقبل ظاهره ثم قالت بامتنان : سلمتِ لنا ياحبيبة.. أنا أثق بكِ وبقدراتك لكن أعذرِ خوفي على الصغيرين
تنهدت الأم ريڤا بتعب : أنا أيضاً خائفة عليهما وخاصة هيلينا.. وأتمنى ألا يخبرها چايدن بأمر إيلار حتى لا تحزن... حبيبتي تعشق ولي العهد أكثر من نفسها وكلما أتخيل مدى جرحها قلبي يؤلمني وكم تمنيت أن أخلصه من هذه اللعنة بدون إراقة دماء لكن القدر له رأي آخر
أطبقت سيلڤيا جفنيها قائلة بألم : وكأنك قرأتي ما أشعر به
مسدت الأم ريڤا على شعرها تواسيها قائلة : لعلها تمر بسلام

************
على صعيد آخر /
قام الآنجيوس بنقل چايدن إلى مملكة آجنوس بالطريقة المعتادة.. جاثياً على ركبتيه.. مطأطأ الرأس.. خائب الرجا وجميل المُحَيَّا رغم إنفطار قلبه.. عالمه يصبح أكثر سواداً كلما إلتقى باللعين الذي يتلاعب بمقدراته كمن يراقص دمية لا روح بها.. خيوطها أصبحت بالية وعروقها تنزف ألماً وبالرغم من إحتضارها على أعتاب تعاويذه المميتة إلا أنه مُصِّر على تصفيتها لآخر قطرة دماء.. لم يدري چايدن كم مر عليه من الوقت وهو جالس هكذا محني الظهر والأمل.. أفاق من شروده على صوت الآنجيوس يقول بهدوء ونبرة عذبة : أعتقد أنك قوي بما يكفي لمواجهة قدرك
نظر إليه چايدن بعيون غائمة قائلاً بضعف : لم يعد لدي أي طاقة للمقاومة.. لقد أِسْتُنْزِفْتَ بالكامل
أجابه الآنجيوس بصوت صلب : كلَّا.. مازال في روحك الصامدة بقية ياصديقي
تعجب چايدن من طريقته في الحديث ثم سأله : منذ متى ونحن أصدقاء؟.. علاقتنا لم تتخطى حدود العبودية.. انا خادمك ياوشمي العزيز أم نسيت؟
ضحك الآنجيوس قائلاً : لم تكن يوماً خادمي.. أنا وأنت أُجْبَرنا على لعب هذه الأدوار
زفر چايدن قائلاً بغضب : أنا لا أفهم شيئاً مما تتفوه به.. والحقيقة أنك تعود إلى النقطة صفر وأصبحت الشيء الأكثر غموضاً في حياتي السوداء مجدداً
رد عليه الآنجيوس بنبرة متألمة : وأنت أكثر الأشياء نقاءً في حياتي المُعَذَبة .. أرجوك ياسمو الأمير لا تضعف حتى أعود إلى هيئتي المطموسة
فغر چايدن شفتيه يحاول إستيعاب حديث هذا الثعبان الذي وللحظة شعر بالشفقة عليه ثم قال ساخراً : هل وقعت في حبي أم أنني أتوهم؟
جاوبه الآنجيوس ضاحكاً : منذ اليوم الأول لإلتحامي بوريدك وأنا أحبك .. صمت لثواني وتابع بصوت مرح : لطالما كنت أشعر بالغيرة من سينتو.. ومن جميع الحيوانات التي تفضلها على الثعابين
قهقه چايدن بشدة على حديثه مخللاً أصابعه في خصلاته قائلاً : مرحى.. يالفرحتكِ ياهيلينا.. أوريانا من ناحية والحقير الذي تحرش بي من ناحية أخرى وها أنت تلقيها في وجهي.. حقاً لم يكن ينقصني سواك
تحدث الآنجيوس يضحك على ضحكة چايدن العذبة : أفدي ثغرك الذي ضحك رغم ماتعانيه .. أثلجت صدري كثيراً .. كما أن السعادة تليق بوجهك ياولي العهد
حك چايدن رأسه يرفع حاجبه متزامناً مع زاوية شفته العليا بحركة مستنكرة قائلاً بمزاح : تفدي ثغري.. وضحكاتي أثلجت صدرك؟!.. أي صدر لديك أيها الرخو الأبله؟! .. أرجوك لا تجعلني أتقيأ من مجرد فكرة حمقاء تدور في رأسك الصغير .. أنا رجل عاشق ولن أخون حبيبتي مع زواحف ابداً ..إنسى الأمر وأبحث عن الحب في مكان يليق بك
تعالت ضحكات الآنجيوس قائلاً : أنا لم اقصد ما وصل إلى ذهنك أبداً لأنني بالفعل لدي حبيبة.. أنثى متفجرة الأنوثة
وضع چايدن يده على صدره يتنهد ثم قال بمزاح : جرحت مشاعري يا خائن .. أتفضل أنثى على ولي العهد البائس؟.. يالك من زير نساء!
إستمر الآنجيوس في الضحك وقال له من وسط ضحكاته : كفى.. أتوسل إليك قلبي سيتوقف من كثرة الضحك
سأله چايدن  : ألن تخبرني بقصتك؟
أجابه الآنجيوس بمراوغة : بالتأكيد سأخبرك يوماً ما
نظر إليه چايدن قائلاً بملامح ممتعضة : وبالطبع هذا اليوم لم يأتي بعد.. على الرغم من أنك وعدتني بإجابة أسئلتي
تحدث الآنجيوس بهدوء : صدقني ياسمو الأمير أنا أريد إخبارك بكل شيء لكنني أفضل عندما نتخلص من آلامنا ونتقابل رجل لـ رجل والآن يجب عليك تدبر أمر (إيلار) دون أن تجرح حبيبتك
تنهد چايدن قائلاً بألم : قلبي يتوجع عليها.. حبيبة روحي تغار حد الموت ومن جهة أخرى أنا لن أتحمل مواقعة أنثى غيرها و لا أتخيل ملامستي لجسد إمرأة سواها
إقترب الآنجيوس منه قائلاً بأسف : هون عليك فهذا أمر محتوم منذ بداية لعنتك وأنظر للجانب الإيجابي.. أنت ستتحرر وستستطيع ممارسة حياتك بشكل طبيعي دون تهديد لحياة سمو الأميرة
إعتدل چايدن في جلسته يضم ركبتيه إلى صدره قائلاً بحيرة: أنا لا أعلم لماذا طلب مني لوكا قتل هذه الملكة تحديداً .. أعتقد أنها تشكل خطراً عليه
رد عليه الآنجيوس بتأكيد : هذا اللعين يريد قتلها لأنها تحمل في رحمها طفلاً منه
جحظت عيني چايدن بشدة ثم سأله مصدوماً : سيقتل ولده؟.. أي قلب يمتلكه هذا الشيطان؟
جاوبه الآنجيوس بسخرية : هذا وإن كان يمتلك قلباً من الأساس.. لم أرى في حياتي أشد منه شراً وكراهية
تسائل چايدن بحزن : وماذنب إيلار في أنها إئتمنت هذا الحقير؟.. لماذا تلقى مصيراً مشؤوماً كهذا؟
تحدث الآنجيوس بثقة : لا تشفق عليها هكذا ياصديقي.. إنها أحقر منه وتستحق القتل ألف مرة عقاباً على جرائمها
مسح چايدن وجهه قائلاً بتعب : أنا لا أحب إراقة الدماء خاصة بهذه الطريقة و تجاربي السابقة مازالت تؤرقني كما أنني لا أدري كيف ستتعامل هيلينا مع الأمر و أخشى عليها من الصدمة
تحرك الآنجيوس زاحفاً حتى أصبح يقف مقابله قائلاً : لا تخبرها
أطرق چايدن برأسه لأسفل يجيبه بقلة حيلة : لا أمتلك حلاً آخر سوى هذا
ساد صمتاً هادئاً بينهما قبل أن يقطعه الآنجيوس قائلاً برجاء : هل تسمح لي بعناق وداع ياسمو الأمير؟
أجفل چايدن من طلبه الغريب وقال بتعجب : ماذا تقول؟.. عناق؟.. ووداع؟.. ألن نلتقي في آنتروم الحقيقي مجدداً كما قال لوكا؟
لم يعطه الآنجيوس فرصة للرفض وزحف ليلتف حول جذعه وعنقه بلطف قائلاً : سنلتقي عندما يعود كلاً منا كما وُلِدَ لكن أعذر روح الثعبان التي تسكنني فهو من يودعك الآن
أحاطه چايدن بذراعيه قائلاً بابتسامة : سأشتاق إليك أيها الحقير الغامض الذي سيتسبب يوماً في جنوني بحق
ضحك الآنجيوس قائلاً قبل انسحابه كلياً : إلى لقاء قريب ياصديقي..
إختفى الآنجيوس تماماً متخذاً شكل الوشم الطبيعي على ذراع چايدن.. تاركاً وراءه ألغازاً كثيرة بخصوص هويته الحقيقية .. بينما جلس سمو الأمير المثقل بالهموم في مكانه ينتظر قدوم غاليته التي تأخرت كثيراً مما أصابه بالقلق عليها.. تلفت حوله يبحث عنها بعينيه علَّها تظهر لكنها مازالت غائبة عن أنظاره المتلهفة لرؤيتها.. يشتاق إليها حد اللعنة.. يريد الراحة على صدرها وكفى.. يرغب في إلقاء مايؤرقه بين أحضانها وليذهب العالم إلى الجحيم.. يرجو قبلة من مبسمها يبثها بها شكواه وأنينه.. وأثناء جلسته الصامتة إنتبه لصوت خطوات غريبة تقترب منه.. نهض سريعاً بترقب ممزوج بالخوف لكنه سرعان ماتنفس الصعداء عندما رأى الفرس تظهر أمامه من العدم.. وضع يده على رأسه متأوهاً براحة : أفزعتيني أيتها الجميلة..
رفعت الفرس قائمتيها الأماميتين تحييه بحركة تدربت عليها بمهارة ثم إعتدلت في وقفتها تميل بعنقها الرشيق يميناً ويساراً تعبر عن سعادتها للقاء ولي العهد.. إقترب چايدن منها واضعاً جبينه على جبهتها العريضة يقول بابتسامة : فاتنتي تلقي التحية بطريقة رائعة.. لكن عليها إخباري أولاً لماذا لم تأتي هيلينا حتى الآن؟
أجابته بعينيها مثلما كان يفعل سينتو مع بعض الصهيل الخافت.. دلك چايدن جانب رقبتها بيديه ثم إعتلاها بخفة قائلاً : إذن لنذهب إليها سريعاً فحبيبها الشوق إستبد بقلبه كثيراً
إلتفتت الفرس بعنقها تنظر إليه بعينيها الواسعتين ثم أعطته إشارة من أهدابها الكثيفة أن يتمسك جيداً لأن سرعتها مضاعفة وبالفعل إنطلقت كالسهم.. تطوي الأرض تحت قوائمها طياً وكأنها تسبح فوق الماء .. لم يشعر چايدن بالوقت وهو يمتطي تلك الصهباء التي أوصلته في وقت قياسي بالنسبة للمسافة بين المنزل والأطراف المترامية للمملكة.. ترجل من فوقها ثم إحتضن عنقها الطويل قائلاً بحنان : شكراً لكِ يا عزيزتي
أجابته الفرس بحديث من عينيها الجميلتين يفهمه جيداً بفطرته مما جعله يبتسم إليها قائلاً : لدي صديق قديم كنت أحدثه بنفس الطريقة التي أحدثك بها الآن.. صمت لثواني يقاوم دموعاً تسللت إلي مقلتيه من أثر ذكرياته القريبة ثم تابع بصوت مهزوز : لم يكن مجرد صديق وحسب.. كان أماناً وطمأنينة افتقدهما بعيداً عن قوائمه التي إحتوتني في أصعب لحظات حياتي وأتمنى وجوده الآن بشدة حتي أختبئ بين أحضانه الدافئة.. بالرغم من تناقض جنسينا وبمخالفة لطبيعته الضارية إلا أنه كان سكني وداري وملاذي الوحيد.... رفع قبضته يمسح دموعه التي اغرقت وجهه مردفاً بألم : آه يا سينتو .. لو تأتي وتخبأني عن العالم الذي كسرني .. فقط تأتي وسأكون بخير ..
رفعت الفرس قائمتيها الأماميتين تضعهما فوق كتفيه ..تقربه منها ليستكين بضع دقائق بين أحضانها.. إبتعد عنها قليلاً يمسح عينيه قائلاً بلطف : كنت في أمس الحاجة لهذا العناق.. شكراً لكِ ياجميلتي..
أنزلت الفرس قدميها على الأرض تحييه بنفس الطريقة التي حيته بها عندما إلتقت به وإستدارت لتنطلق مبتعدة .. بينما هو وقف يتتبع أثرها بابتسامة واسعة حتى تأكد من إختفائها تماماً وكأنها لم تظهر أبداً .. سحب نفساً ثقيلا يعبأ به رئتيه ثم نظر نحو الباب الموصد أمامه .. رفع كفه يطرق عليه بخفة لكنه إكتشف أنه مفتوح.. دفعه بحذر كي لا يفزع هيلينا .. طاف المكان بعينيه وجده شبه خالي.. مجرد فراش بسيط ومقعدين خشبيين يجاورهما طاولة صغيرة..إنقبض قلبه بشدة لعدم رؤيتها نائمة في مكانها .. إندفع بقوة إلى الداخل يبحث عنها حتى وجدها متكورة على نفسها بجانب الفراش.. إلتقط أنفاسه الخائفة بصعوبة ثم ركض نحوها.. وجلس بجوارها على الأرض الصلبة يجذبها إلى أحضانه قائلاً بخفوت : هيلينا!.. حبيبتي أنا هنا
رفعت رأسها ببطأ تتطلع إليه لكنه أجفل من إحمرار عينيها والدموع العالقة بين أهدابها.. إحتضن وجهها الملثم بين راحتيه يسألها بلهفة : ماذا حدث لتبكي هكذا ياقلب چايدن؟..
أجابته منتحبة مرة أخرى ببكاء مرير : منعوني من القدوم إليك.. يريدون التفرقة بيننا ياسمو الأمير.. أنا لن أتحملها .. أقسم لك سأموت إذا أبعدوني عنك
سألها باندهاش من حديثها الغريب : من هؤلاء؟.. وماالسلطة التي يمتلكونها لكي يفعلوا ذلك؟
ردت عليه شاهقة بالبكاء : من أرسلوني إليك
مد يده يزيل غطاء رأسها واللثام الذي يعيق تنفسها ثم شدد عناقها قائلاً بألم : إهدئي ياحبة قلبي .. أنا بجوارك ولن أسمح لأحد أن يأخذكِ مني
تعالت شهقات بكائها تقول بإنهيار : لن يأخذونني.. بل يريدون أخذك أنت..
وضع شفتيه على خصلات شعرها يدمغها بقبلة عميقة قائلاً بصوت مهتز : لن يحدث مادمت حياً أتنفس..
دفنت نفسها بين أحضانه تقول بإرتجاف : ضع يمناك على صدري.. إضغط على قلبي إنه يحترق وأشعر بنبضاتي تتوقف
وضع كفه الأيمن على صدرها من الجهة اليسرى يقول بخوف : سَلِمَ قلبك ونبضك ..
تشبثت بمقدمة سترته قائلة بأنفاس مختنقة : ضمني إليك.. أنا خائفة يا چايدن..
أغمض عينيه محاولاً كبح جماح دموعه يضمها إلى صدره بقوة قائلاً : كفى يا هيلينا.. كفى أتوسل إليكِ لا تمزقِ روحي عليكِ هكذا..
همست له قبل أن تغيب عن الوعي : سيقتلوا أفروديت خاصتك.. سيقتلونني ياسمو الأمير
إنتفض چايدن ذعراً عندما شعر بجسدها يتهاوى بين يديه وهتف عليها بصراخ : هيلينا!.. حبيبتي أنا هنا بجوارك.. أتوسل إليكِ إفتحِ عينيكِ .. لم يتلقى منها رداً على نداءه ومازاد رعبه أكثر شحوب وجهها الذي أصبح محاكياً للموتى وشفتيها التي تخضبت بزرقة باهتة.. صرخ بإسمها عالياً والدموع تتساقط على وجهه : هيلينا!.. لا ترحلِ ..أنا أخاف بدونك.. لن تفعليها الآن وتتركِ يدي.. أنا متأكد أنكِ لن تفرطِ في قرة عينك.. وضع كفه على شقها الأيسر يتحسس نبضها وجد قلبها شبه ساكناً .. إنتحب بشدة باكياً يقول من وسط بكائه : هيلينا!... كفاكِ مزاحاً ثقيلاً الموت لا محل له بيننا أنتِ لن تذهبِ هكذا بسهولة.. ضمها إلى صدره بقوة يصرخ بصوت عالٍ : تباً لكم.. ليأتي أحدكم ويرى ما إقترفت يداكم ... ومن العدم ظهرت أمامه الأم ريڤا تجلس بجواره بملامح مرتعبة.. مدت ذراعها تحثه على ترك هيلينا لها كي تتفحصها لكنه تمسك بها أكثر هادراً : من أنتِ؟
أجابته بصوت مرتجف : أنا جدتكما.. لا تخف ياولدي لن أؤذيها
صرخ بها بقوة : لا تلمسيها.. أتركيها وشأنها
وضعت الأم ريڤا كفها على رأسه تقول بثبات زائف : إهدأ ياصغيري كي أعيدها إليك
شعر چايدن بالدوار يضرب رأسه بالإضافة إلى تهدل ذراعيه جانبه لكنه حدثها بلهجة محذرة : لن تؤذيها
إبتسمت له تجيبه بألم : لا تخف ياسمو الأمير إنها ربيبتي وقطعة من قلبي مثلك تماماً
تركها صاغراً فتلقتها بين ذراعيها تحتضنها بشدة ولم تستطع التحكم في دموعها وللمرة الأولى على مدار حياتها الطويلة تنتحب بهذه الحرقة قائلة بصوت ضعيف :  سامحيني يابنيتي.. لم أقصد إيلامك بهذا الشكل.. أقسم لكِ أن الأمر خارج عن إرادتي... حاولت التماسك قدر المستطاع ثم أخرجت عصاها تصوبها نحو شق هيلينا الأيسر تتمتم ببعض الكلمات الخافتة.. ولم تتركها حتى أصدرت شهقة ضعيفة من بين شفتيها.. رفعت عينيها الدامعتين نحو چايدن تقول له بابتسامة متوجعة : إقترب يابني...
إمتثل لأمرها سريعاً والفزع ينهش حشا روحه بينما قامت الأم ريڤا بتسليمها إليه قائلة : إنها بخير الآن
أحاط چايدن خصر هيلينا بذراعيه ثم سألها بخوف : لماذا لم تفتح عينيها؟
ردت عليه الأم ريڤا قبل أن تختفي : قَبِّلْها ياصغيري
مسح چايدن وجهه الغارق بالدموع ثم إنحنى على ثغرها يقبلها بكل ما أوتي من قوة.. تأوه بين شفتيها عندما شعر بها تبادله القبلة رافعة ذراعيها الضعيفتين لتحيط بهما عنقه .. شدد عناقها وكأنه يود إقحامها بين ضلوعه ولم يفصل القبلة إلا بعد إحتباس أنفاسهما كلياً ..إبتعد عنها بشق الأنفس يقول لاهثاً : كدت أموت من الرعب عليكِ
سألته بضعف : ماذا حدث؟
إحتضنها دافناً وجهه بين خصلات شعرها قائلاً بصوت واهٍ : لم يحدث شيء.. يكفي أنني أشعر بنبض قلبك يضرب على صدري
تحدثت هيلينا بخفوت شديد : أحبك ياسمو الأمير..
أجابها بنبرة تقطُر عشقاً : وأنا أعشق تراب قدميكِ ياروح سمو الأمير
أبعدها عنه قليلاً يحتوي وجهها الشاحب بين راحتيه ناظراً داخل زمرديتيها ثم قال مبتسماً بضعف : لم أشعر بالخوف مثلما شعرت به منذ قليل.. لا لوكا ولا الآنجيوس ولا كل اللعنات إستطاعت أن تفعل بي مافعلتِ يابلاء الرأس
تداعت نظراتها قائلة بخجل : عذراً ياقرة عيني.. لم أفعلها قصداً
رفع أصابعه يرجع خصلة من شعرها خلف أذنها هامساً بعتاب : أنتِ أزهقتِ روحي في أقل من الثانية.. كنتِ ستنقضين عهدك وتفلتِ يدي عن يدك.. أهكذا أتفقنا؟.. ألم تعدينني بأنكِ ستبقي مهما كلفك الأمر؟.. هل طاوعك قلبك ياقلب چايدن؟
أجابته ببكاء : أنا آسفة.. أرجوك سامحني
مد أطراف أنامله يمسح دموعها الشفافة ثم وضع سبابته على شفتيها قائلاً بحب : لا تبكي مجدداً .. فأنا سأعاقبك بطريقتي الخاصة
فغرت شفتيها قليلاً تحاول الحديث لكنه كان أسرع من كلماتها وإلتقطهما بين خاصته في قبلة ناعمة جعلتها تبتلع ما كانت ستتفوه به .. إبتعد عنها واضعاً جبينه على جبينها يهمس : هذه لأنكِ أرعبتيني عليكِ منذ قليل..
سألته مغمضة العينين : وماذا بعد؟
أجابها بقبلة أخرى أكثر قوة ثم قال بأنفاس تمر فوق ثغرها : وهذه لأنكِ لم تحسنِ إستقبال حبيبك يابلاء الرأس
عضت على شفتها السفلى تسأله بإبتسامة جميلة : وماذا بعد؟
ضحك بخفة ثم غمرها بقبلة اقوى من السابقتين .. يلتهم إبتسامتها الشقية وكأنها حلوى شهية يُشْبِع بها عجاف سنواته الجائعة.. رفعها قليلاً من خصرها ليجلسها بين ركبتيه لتتحول القبلة إلى شكوى متألمة .. يتأوه بأنين خافت.. متوجع .. أبعد مايكون عن الإستمتاع.. أنَّاته تستجدي منها عطفاً على حاله.. تتوسل منها رجاءً بالصبر على قدرهما المظلم .. تستقطع من الألم سعادة مُسَكِّنة.. أما هي فكانت تسقيه من ريقها سُكَر وتطعمه من عطر مبسمها عشقاً ينير دربه.. تختبر أنوثتها بوسامته التي تخذلها أمام كل إمرأة تراه .. تكابد على الحفاظ عليه في حرب تعلم أنها سَتُهْزَمُ بها صاغرة بل سيتوجب عليها قبول الهزيمة بإرادة مسلوبة وروح تحترق .. وبعد وقت ليس بقليل إبتعد عنها ليلتقط انفاسه المرتجفة قائلاً : وهذه لأن حبيبكِ مشتاق إليكِ كثيراً
إستدارت لتستند بجذعها على صدره بينما هو أحاط خصرها بذراعيه يحتجزها بين أحضانه.. واضعاً ذقنه فوق رأسها .. مطبقاً جفنيه بصمت يحاول فيه إستجماع شتات نفسه بينما بادرت هيلينا بالحديث متسائلة بهدوء : ماذا حدث بينك وبين لوكا؟
أجفل من سؤالها كثيراً وللحظة ظن أنها تعني أمر الملكة إيلار.. إبتلع ريقه بصعوبة ثم أجاب سؤالها بسؤال مترقباً : لماذا تتسائلين عنه؟
ردت عليه بقلق : لأننا وصلنا لآخر مملكة ومن المفترض أن محطتك القادمة ستكون في ليبرا
صدرت منه تنهيدة مرتجفة يجيبها بنبرة حزينة محاولاً إخفاء توتره أمامها : أتعلمين؟... لقد إلتقيت بهذا الحقير أربع مرات وفي كل مرة يؤلمني بشكل اقوى..
سألته مجدداً بتوجس : ماالذي فعله معك هذه المرة؟
أجابها ضاحكاً بألم : لن تصدقِ .. صمت لثواني تعالت بها ضحكاته يقول بصوت متقطع : إنه مهووس بأمي لدرجة جعلته يتحرش بي...
جحظت عينيها تسأله بصدمة : كيف؟ .. ماهذا الهذيان؟
قهقه بشدة حتى أدمعت عينيه ثم رد عليها من وسط ضحكاته المذبوحة : اقسم لكِ أنه مجنون بالكامل.. أشعر بالتقزز عندما أتذكر لمسات أصابعه المشبعة برائحة الأفاعي وهي تمر على وجهي..
إلتفتت إليه تراقب تعابير وجهه المتوجعة رغم تعالي صوت ضحكه قائلة بخوف : چايدن.. إهدأ من فضلك
أرجع رأسه للخلف مستمراً في الضحك كمن إنتابته هيستريا جعلته غير متوازن يزيل جانب سترته ليظهر عنقه قائلاً وهو يشير إليه : لقد إحتضنني... وأنفاسه القذرة مرت من هنا..
عانقته هيلينا بشدة حتى يهدأ لكنه لم يتمالك نفسه وبكى بحرقة قائلاً بنحيب قطع نياط قلبها : أنا أُعَاقَب على دماء لوريس التي تسري بين أوردتي بطريقة مخزية.. ولم يُخَيْل لي أن أتلقى عقاباً أشد خزياً على ملامح چوليا التي ورَّثتها لي.. حقاً أنا بدأت أكرههما وأكره نفسي معهما
مسحت هيلينا على ظهره تواسيه قائلة : هما لم يفعلا شيئاً يستوجب منك كرههما أو البغض عليهما بالعكس إنهما مفطوران على فقدانك
صرخ بين أحضانها بقوة : بلى فعلا... لقد أنجباني وهذا سبباً كافياً لكي أكرههما وألعن اليوم الذي إجتمعا به ليجلباني إلى هذه الحياة... اللعنة عليهما وعلى ليبرا التي أحارب من أجلها وأنا لا أعلم عنها شيئاً سوى أنها نزاع بين والدين غير مسئولين وساحر قذر يمارس كل أنواع الشذوذ حتى ينتقم منهما في شخصي
إبتعد عنها صارخاً بقوة أكبر : تباً لهما.. تباً لمن لم يستطع حمايتي .. تباً لمن إختطفني وسلمني لهذا القدر الملعون..
أمسكته من كتفيه تهدر به حتى يتمالك نفسه من نوبة الصراخ التي سيطرت عليه : كفى ياچايدن
دفعها بعنف مستمراً في الصراخ : تباً لچايدن ووالدي چايدن وعم چايدن وكل مايمت إلى چايدن بصلة.. أنهى حديثه بأنفاس مضطربة ثم تعالت صرخاته مجدداً بشكل اوشك على ثقب أذنيها يقول بكل مايحمل الألم من معنى : أنا أحــــتـــــرق
جذبته هيلينا تضمه إليها محتوية هدر قلبه العنيف بين ذراعيها قائلة بصوت باكي : أخرج مافي صدرك على صدري.. نَفِّس عن غضبك ياقرة عيني
أطلق شهقة بكاء من أعماق آلامه قائلاً بنشيج مرير : أنا أحترق ياهيلينا.. أكاد أَشْتَمُ رائحة النيران المُضْرَمة في أحشائي..
ظلت تهدهده بكفها الصغير ماسحة على رأسه تارة وتارة أخرى تمسح على ظهره بحنان في محاولة منها لتهدئته تهمس خلف أذنه : إهدأ ياروح هيلينا.. كل مايؤلمك سيمر..
إبتعد عنها برفق ليعيدها إلى جلستها بين ركبتيه يسند رأسها علي صدره .. محيطاً جسدها بذراعيه ثم قال بحزن : أريد منكِ وعداً وسألزمكِ بالإيفاء به
أجابته مغمضة العينين : لك كل ماتريد ياسمو الأمير..
إرتجف صوته بشدة عندما تحدث بنبرة لم تسمعها منه سابقاً : عديني ألا تكرهيني مهما بدر مني..
ردت عليه بتعجب من حديثه الغير متوقع والذي أرجأته لما مر به في مقابلة لوكا الأخيرة : كيف لي أن أكرهك وأنا وُلِدْتُ من شقك الأيسر؟.. كيف ألا أستمر في حبك وزهرة ربيع عمري نبتت بين ضلوعك؟ .. نحن حرفين هاء وچيم وُشِمُوا على عنقينا فإطمئن هائي موصولة بچيمك حتى يموت أحدنا.. وسيلحق به الآخر على الفور
طبع قبلة عميقة على بداية وشمها الملكي أسفل رقبتها ثم قال بخفوت : أفدي هائك وجميع حروفك التي تثلج صدري
قبلت باطن كفه قائلة : وأنا أمتلك چيمك وألفك ويائك وسأمتلك الدال والنون حينما يكتمل إسمك المطموس
أطبق جفنيه يتنفس بصعوبة ثم قال بتعب : هيلينا!.. أريد النوم بشدة
أمسكت ذراعه تحثه على النهوض قائلة بابتسامة : تعالى ياقرة عيني وسأجعلك تنام حتى تشبع
إمتثل لكلامها ونهض معها بتثاقل لكنهما إنتبها لطرقات خافتة على الباب.. نظرا إلى بعضهما البعض بذعر وقبل أن يتحدث أحدهما سمعا صوت أوريانا تهتف بصوت هامس : أنا أوريانا.. إفتحا الباب ولا تخافا
شعرت هيلينا بالدماء تغلي في عروقها بينما وقف چايدن متسمراً لثواني يحاول إستيعاب الأمر.. إنتفض بخفة عندما طرقت أوريانا على الباب مرة أخرى .. حك جانب رأسه ثم قال بتعجب : ماهذا الآن؟.. كيف علمت بمكاننا؟
أجابته بصك على أسنانها : إفتح الباب أولاً ياسمو الأمير
زفر بغضب واتجه نحو الباب يفتحه بحذر وجد أوريانا تقف بهيئة محتشمة عن المعتاد.. ترتدي عباءة ذات قلنسوة كبيرة..ترفعها على رأسها لتغطي شعرها ماعدا بعض الخصلات التي تمردت وظهرت من الجانبين.. إبتسمت إليه قائلة : ألن تدعوني للدخول؟
بادلها إبتسامتها بأخرى مجاملة ثم أفسح لها المجال لتدخل قائلاً : عذراً ياعزيزتي.. فالمفاجأة ألجمتني
بادرت بالدخول سريعاً وإحتضنته متعمدة إغاظة هيلينا التي مكثت مكانها تراقب الموقف بصمت مريب.. حرك چايدن رأسه من خلفها بإستنكار ينظر إلى حبيبته التي غامت عينيها بدموع غيرة مقهورة .. إبتعدت أوريانا عنه تحتوي وجهه بين كفيها تسأله بلهفة : أنت بخير ياسمو الأمير؟
أومأ لها إيجاباً ولم يستطع الرد من الصدمة بينما هي ألقت التحية على هيلينا بابتسامة سخيفة قائلة : كيف حالك ياصغيرة؟
ردت هيلينا تحيتها بحاجب مرفوع : كنت بخير حتى رأيتك
وزع چايدن أنظاره المندهشة بينهما.. يتابع حرب الكلمات التي بدأت في الإندلاع للتو وهذا ما كان يحتاجه ليكمل يومه المشحون بالضغوط والصدمات.. ساد صمتاً متوتراً بين ثلاثتهم حتى قطعته أوريانا توجه حديثها إليه بميوعة متعمدة : من المؤكد أنك تود تفسيراً لما يحدث
أجابها بهدوء زائف : أجل وبشدة
أمسكت كفه تسحبه نحو الفراش لتجلس بجواره وقبل أن يمتثل لما تفعله هدرت بها هيلينا بقوة : ماذا تفعلين؟
أزاحت أوريانا القلنسوة عن شعرها الثائر ثم نفضته بحركتها المعتادة قائلة بإغراء : مابالكِ ياعزيزتي هل لدغتكِ أنثى العقرب لتصرخِ بنا هكذا؟
ردت هيلينا عليها والشرر يتطاير من مقلتيها : أنثى العقرب لا تتحدث مع الأمراء وهي تجلس بجوارهم على الفراش..
جحظت عيني أوريانا من ردها المفاجئ ثم قالت بغضب : من تقصدين بأنثى العقرب؟
كتفت هيلينا ذراعيها حول صدرها تجيبها بلهجة مستفزة : تلك التي تداهم البيوت ليلاً .. وللأسف لا يوجد هنا مرآة حتى أعرفكِ عليها وجهاً لوجه
عض چايدن على جانب فمه يحاول كتم ضحكته على حديثها.. بينما رمقتها أوريانا بغيظ قائلة من بين أسنانها : ونعم أخلاق الأميرات
إشتعلت عيني هيلينا أكثر وهدرت بها بعنف : إخرسِ وإلا سترين أخلاق الأميرات بحق
همت أوريانا بالرد عليها إلا أن چايدن تدخل يقاطعهما بحزم : كفى ... ألا يوجد ذرة إحترام بينكما؟
نظرت هيلينا إليه قائلة بغضب : ألم ترى قلة تهذيبها؟
وجهت أوريانا الحديث إليها بلهجة مستفزة : أنتِ من بدأتِ
هدر چايدن بهما مجدداً بنبرة عالية : قلت كفى.. أنا لن أسمح بالمزيد من التجاوزات.. وأنتن كبيرتان بما يكفي كي تظهرا بعض التعقل
ساد الصمت مجدداً بين الجميع لكن چايدن هو من بادر بقطعه هذه المرة يسأل هيلينا : ماذا أزعجك؟
أجابته بغيظ : هل تريد مشاركتها الفراش وأقف لأشجعكما بنفسي؟
رفع چايدن حاجبه قائلاً بعصبية : هيلينا!.. تأدبِ من فضلك.. أنا لا أحب هذه اللهجة منكِ أبداً
فغرت هيلينا شفتيها بصدمة من طريقته الجافة معها : أتأدب؟!
إستغلت أوريانا الفرصة لتتدخل في الحديث محاولة إشعال الأمر بينهما : أرأيت ياسمو الأمير؟.. إنها تتعمد جرح كرامتي
وجه چايدن انظاره الغاضبة إليها قائلاً بصرامة : لا تصطادِ في الماء العكر أنا أعلم إنها محقة لكنها لا تتحكم في ألفاظها عندما تغار وبالمناسبة نستطيع الجلوس على الأرض .. صمت للحظات قبل أن يتابع بضغط على حروف كلماته : جميعاً
أحست أوريانا بحرج بالغ وكأنه سكب دلواً من الماء البارد فوق رأسها .. أما عن هيلينا فكانت تتابعهما وشعوراً بالإنتصار غزى قلبها على الرغم من تعنيفه لها.. وقف چايدن بينهما متخصراً ثم إتجه ليجلس على الأرض مستنداً بظهره علي الجدار خلفه قائلاً لأوريانا : من فضلك إجلسِ حتى أفهم سبب زيارتك الغير متوقعة
أطاعته على مضض وتحركت نحوه بخطوات متكاسلة.. مسلطة عينيها على هيلينا التي مكثت في مكانها مكتفة الذراعين بصلف متعمد.. جلست أوريانا بجواره تنتظر مبادرته بالحديث لكنها تفاجئت به يمد كفه إلى هيلينا قائلاً بابتسامة هادئة : تعالي هنا
حركت هيلينا كتفيها بامتعاض ولم ترد عليه .. مال برأسه جانباً يتفحصها بشقاوة ثم قال : هيلينا!.. تعالي ومررِ هذه الليلة على خير
زمت شفتيها باعتراض طفولي جعل إبتسامته تتسع أكثر تقول برفض : لا أريد الجلوس بجوارك
جاهد على أن يتحكم في نفسه حتى لا ينهض ويقبل شفتيها المزمومتين بإغواء وقال بتحذير : لكن أنا اريد..
لاح شبح إبتسامة فوق ثغرها لكنها أخفتها سريعاً وإمتثلت لأمره بضيق زائف.. لاحظ چايدن تعمدها الجلوس بعيداً عنه فأضطر أن يجذبها لتستقر بين أحضانه هامساً : مكانك هنا يابلاء الرأس
رفعت عينيها إليه تصك أسنانها : لا تدعوني بهذا الإسم أمام أنثى العقرب
أغمض عينيه محاولاً كتم ضحكاته حفاظاً على وقاره الذي إدعاه وأيضاً حتى لا يجرح أوريانا التي تراقبهما بملامح واجمة.. عض على شفتيه قائلاً بصوت مهزوز من أثر ضحكه المكتوم : كفى.. أرجوكِ كفى ياهيلينا
أهدته إبتسامة تقطُر عسلاً ثم نامت برأسها على صدره توجه أنظارها إلى أوريانا متسائلة بلهجة مستفزة : ما سر زيارتك المفاجئة؟
أجابتها أوريانا بثبات زائف : جئت لسببين.. أولهما أن أكشف عن هويتي لسمو الأمير والثاني لكي أتدبر أمر تفقد المملكة
قاطعهما چايدن موجهاً حديثه لأوريانا : أنا لن أنكر تعجبي من حديثك الأخير في إيبريوس .. لذا رجاءً وضحِ الأمر بالتفصيل
تحدثت أوريانا بجدية : أنا لم ألتقِ بك صدفة.. ظهوري في رحلتك كان مدبراً حتى أساعدك لدخول القصور الملكية بسهولة
سألها چايدن بترقب : مدبرة؟!.. ممن؟!
نظرت إلى هيلينا قائلة بإستفزاز : من قِبَل والدتها وجدتها؟
فغرت هيلينا شفتيها بصدمة : أنتِ كاذبة.. جدتي ماتت منذ فترة
إبتسمت أوريانا بتشفي قائلة : جدتك لم تمت.. أنتِ لا تعلمين شيئاً
إنتفضت هيلينا تقول لچايدن بفزع : إنها تكذب جدتي ماتت في ليبرا قبل قدومي إليك
أمسكها چايدن من مرفقيها يحتضنها ممسداً على شعرها قائلاً بقلق : إهدئي يا حبيبتي .. لعل هناك ماتجهلينه
أجابته بذعر وهي ترتجف : مستحيل.. أنا رأيت موتها أمام عيناي
نظرت إليها أوريانا قائلة : من الواضح أنكِ تعرضتِ لخدعة من الساحرة الأم لكن الحقيقة أنها لم تمت وهي التي أرسلتني لمساعدة چايدن
ردت عليها هيلينا ببكاء : هذا يعني أن أمي خدعتني أيضاً
قاطعهما چايدن متسائلاً : لماذا قاموا باخفاء أمراً كهذا عليها؟
رفعت أوريانا كتفيها تجيبه بعدم فهم : لا أدري.. إنها مسائل عائلية ولم أتدخل بها قط .. أنا مهمتي محددة وهي مساعدتك وبالأخص هنا في آجنوس
مسحت هيلينا دموعها براحتيها قائلة بحزن : سيكون لي حديث مع والدتي حول الأمر لكن الآن ماذا سنفعل بشأن جولة التفقد؟
أجابتها أوريانا بتأكيد : أنا سأتولى المهمة بدلاً منكِ وهذا حفاظاً على حياتك ومن فضلك لا تتذمرِ لأنني لن أسمح بخروجك من المنزل إلا عندما يحين موعد الدخول إلى شلال (سانجويس)
سألها چايدن بترقب : لماذا؟
أجابته أوريانا بحزن : لأنها عذراء
تسائل مرة أخرى بعدم فهم : وماالمشكلة في ذلك؟
تنهدت أوريانا بألم ثم قالت : سأقص عليكما الأمر من البداية..
أومأ كلاً من چايدن وهيلينا برأسيهما إيجاباً متحدثين في صوت واحد : حسناً سنسمعك
تابعت أوريانا حديثها بنبرة متوجعة : منذ زمن بعيد كانت مملكتنا مزدهرة.. يحكمها ملكاً عادل .. هذا الملك كان متزوجاً من ملكة تدعى (إيلار).. إمرأة تمتلك جمال وبهاء شديدين لكنها تمارس السحر الأسود عن طريق قبيلة قوية من قبائل الجن وللأسف هذه العاهرة مهووسة بالجنس منذ صغرها وكلما تقدم زوجها في السن يزداد جنونها.. حتى إستعانت بتعويذة مكنتها من السيطرة على المملكة بأكملها ثم قامت بقتل الملك وإعتلت العرش من بعده رغماً عن أنف الجميع .. فارضة قوانينها الخرقاء على الرعايا.. ومع مرور الوقت بدأت معالم الكِبَر تظهر على وجهها فإضطرت للإستعانة بسحرها اللعين الذي مكنها من فعلة شنيعة للحفاظ على جمالها وهي فض عذرية أي فتاة داخل آجنوس.. وكلما وُلِدَت أنثى ترتكب هذه الجريمة في حقها.. لذلك شبابها دائم وشبقها لا ينتهي ولم تكتفي بعد كل ما فعلته .. بل قامت بتعيين أربع ساحرات يتقصون لها عن دم العذارى ويقدمونه لها قربان مقابل إغداقهن بالمال وإذا كانت العذراء من خارج المملكة وحظها العثر أوقعها بين أيديهن يقومون بإجبارها وإذا إعترضت يقتلونها ويسلبونها شرفها وهي جثة هامدة
فغر چايدن شفتيه قائلاً بصدمة : ياللمصيبة.. إنها قاتلة.. والأمر بالفعل شديد الخطورة
إبتلعت هيلينا ريقها بصعوبة من شدة الخوف ثم سألتها : ماذا إذا لم تكن الفتاة على علم بما يحدث؟
جاوبتها أوريانا بتأكيد : للأسف الساحرات قاموا بإلقاء تعويذة في الهواء تقود الفتيات إليهن عن طريق الإختناق وإرتفاع درجة الحرارة
جحظت عيني هيلينا تقول بذعر : أنا شعرت بهذا الإختناق قبل الوصول إلى المنزل
إحتضنها چايدن قائلاً بفزع : لا تخافِ ياصغيرتي.. أنا موجود ولن اسمح لأحد أن يؤذيكِ
تحدثت أوريانا مجدداً بثقة : القصة لم تنتهي بعد..
سألها چايدن بتوجس : وهل هناك أسوء مما قلتيه؟
أجابته أوريانا بابتسامة : كلَّا.. إنه الجزء الأكثر إنصافاً ..شلال (سانجويس).. هذا الجزء من المملكة الذي رفض الخضوع إلى قوانين (إيلار).. تجمعت به الدماء الطاهرة التي أريقت على شفرة حادة لرغبة إمرأة ساقطة.. وتتدفق منه على هيئة ماس أحمر برَّاق وللأسف لا يدخله إلا العذراوات لذا لم يتم إستبعاد هيلينا كلياً من آجنوس لأنها الوحيدة التي تستطيع الدخول بك هناك
إستقامت هيلينا تنظر إليها بعيون دامعة ثم أمسكت كفها تسألها بحزن : هل تعرضتِ لهذا الإنتهاك؟
أطرقت أوريانا برأسها لأسفل تجيبها بأسف : بل تعرضت للأسوء
إقتربت هيلينا منها تجذبها إلى احضانها قائلة بمواساة : لا تحزنِ .. سيأتي يوماً وسَتُعَاقب هذه المجرمة على أفعالها المشينة
تفاجئت أوريانا من ردة فعل هيلينا الرقيقة وإستسلمت لدفأ ذراعيها تنتحب بشدة قائلة : ستنال عقاباً يمزق أحشائها عندما يضا......
رفع چايدن أنظاره يرمقها بحدة من وراء ظهر هيلينا يحدثها بعينيه محذراً بصرامة : إياكِ أن تخبريها بالأمر..
إبتلعت أوريانا كلماتها ثم ابتعدت عنها تشكرها بامتنان : شكراً لكِ
سألتها هيلينا بترقب : متى ستخرجا لتفقد المملكة؟
ردت عليها أوريانا : غداً على أبعد إحتمال
تحدث چايدن مبتسماً إلى أوريانا بقلق : سأنتظركِ مبكراً رجاءً لا تتأخرِ
أطرقت أوريانا برأسها لأسفل قائلة بحرج : للأسف أنا مضطرة للمبيت هنا .. الوقت تأخر وإذا خرجت الآن سأضطر لقضاء الليلة في بيت أحد القوادات

***************

يتبع...... إلى اللقاء مع الفصل السادس والعشرون

خادم الوشم (Jayden)..(مكتملة)Where stories live. Discover now