معركة 4

123 6 2
                                    

الهواء الرطب الثقيل في داخل النفق يجعل التنفس عسيراً، والأعداد الهائلة من الناس المحشورين فوق بعضهم تجعل الموقف أصعب، القليل منهم  فقط يحملون المصابيح اليدوية، يلوحون بها في وجه نيوس والآخرين حالما دخلوا النفق، تنزل سيسيليا من على ظهر نيوس وتسأل الباقين
سيسيليا: لم لم تخرجوا حتى الآن؟! لم بقيتم هنا؟!
تجيبها امرأة في الأربعين من العمر، تبدو عليها ملامح الضعف والوهن والغبار يعتلي وجهها بصوت حزين ومرتعد
( لقد سدوا النفق بالرمال، لقد حاصرونا في الأنفاق، يريدون قتلنا هنا)  ثم يختفي صوتها وتجهش بالبكاء وتركع على الأرض متألمة مذعورة

إكس بغضب: سحقاً، سحقاً، سحقاً

قبل عشر سنوات، كان هناك مجموعة من الناس الفقراء المساكين المنبوذين، المرميين خلف أسوار المدينة المنعمة بحجة أنهم دون المستوى الحضاري الذي يليق بالمدن وانهم سيفسدون جمالها لو عاشوا فيها، فاحتملو حياة الجوع والحرمان خارج أسوار تلك المدينة في العراء والبرد، وفي يوم من الأيام، جاء الفارس المغوار على شكل شاب وسيم وقد كان إكس، اقتحم ظلمة ليلهم، وحثهم بشجاعته وعنفوانه على مجابهة مصيرهم، فحفر معهم الأنفاق أسفل السور العظيم ودخلو المدينة عنوة، وفي ذلك الجزأ القديم استطوتنوا وبنوا لأنفسهم البيوت والمدارس، وصنعوا لأنفسهم كياناً، هذا كان فضل لن ينساه رافائيل، لإكس ما حيي!!!، والآن بعد مضي عشر سنوات يقاتل الاثنان معاً مرة أخرى!

الانفاق ما هي إلا عبارة عن مجموعة من الحفر المتصلة مع بعضها تحت الأرض، تصل أول المدينة بآخرها وبالنفق الرئيسي الذي يفصي لخارج السور،وهي قريبة من البنية التحتية للعاصمة القديمة، ولكنها غير متصلة بها

صوت الرصاص يصم الآذان، يعوي داخل الأنفاق ويخترق قلوب الناس المذعورين، يتوسلون ويصلون كي يجدوا لأنفسهم مخرجاً من هذا العذاب، أصبح النفق محاصراً من كل مداخله، ورافائيل يقاتل حتى الرمق الأخير مع رجاله عند الباب الجنوبي للنفق، مانعاً جنود مورفيوس من التقدم نحوهم بكل ما أوتي من قوة

يعبر إكس بصعوبة بين الناس المرتجفين وينضم لرافائيل والبقية،في معركة حامية الوطيس،،
مازالت الدبابتين عند البوابة الشمالية والجنوبية تحاصران المدينة من طرفيها، وتدكانها بالمدفعية، والمدرعات تحوم المدينة، بحثاً عن المدنيين المساكين، وتجعل الخروج من النفق أمراً خطراً،

كان الجميع في النفق يبكون ويصرخون مع كل ضربة مدفع، ويضمون بعضهم كلما اقترب صوت الرصاص تجاه نفقهم المعتم، والجرافة خارج السور تجرف الرمال وتصبها في المخرج الوحيد، فيبدأ المحتجزون بالسعال مع كل حبة رمل تدخل المجرى الوحيد، بدا على بعضهم علامات الاختناق والضيق، وبعضهم قد اغمي عليه مسبقاً

لم يحتمل عقل نيوس كل هذا، فهو لا يحب الظلم، وبدأت دمائه. تغلي وأراد قلب الوضع لصالحهم ، استند إلى الحائط الرطب خلفه، أغلق أذنيه وشرد في عالمه الخاص، ثم فتح عينيه ببطئ فلمحت عيناه لمعة شيئ ما في الظلام، دقق النظر بعمق، إنها فؤوس، فؤوس مرمية بطريقة عشوائية، وقف فجأة وقد لمعت برأسه فكرة

سيسيليا: بني! مابك؟ 

نيوس بصوت مدوي: استمعوا إلي جميعاً
جفل الجميع وتناسوا صوت الرصاص الذي أفزعهم وحملقوا في نيوس

تنحنح نيوس ومسح جبهته بيده، ثم استجمع شجاعته وقال: لدي صديق يقاتل من أجلكم في الخارج، ومعظكم لا يجيدون سوى العويل، إما أن تقاتلو من أجل حياتكم أو تكتبوا على أنفسكم الاستسلام والموت

يجيبه رجل يبدو في الخمسين من العمر: وماذا تظن باستطاعة ناس عزل فعله؟! 

نيوس وبعينين تنضحان بالإرادة: الكثير!!!!!

نيوس: فلنحفر نفقاً معاً! والآن!!!!!!

ينظر الجميع ببعضهم وبدؤوا يتهامسون ( هل هذا الشاب مجنون!!!!

يستهجن الجميع الفكرة، لكن نيوس يمسك فأساً، ويبدأ بضرب الجدار بعشوائية، غير آبه أين يحفر وماذا يفعل، لكنه لم يشئ ولو حتى لدقيقة واحدة بأن يستسلم، والحفر بدون هدف أهون عليه ألف مرة من الجلوس والانتظار....

يتشجع الباقون ويتناولون ما يستطيعون من فؤوس وأشياء حادة ويبدؤلون بضرب الحائط الطيني الرطب بقوة وتصميم بحثاً عن فرصة أخيرة للنجاة لعلها تكون وراءه!!!!

حتى الأطفال الصغار، كانو يحفرون بيدهم الصغيرة المتجرحة، ويبعدون الحجارة عن طريقهم، وعندما يكون الإنسان قوياً، يستجيب القدر لإرادته وينصاع لغربته، لا يحتاج الأمر للكثير، فقد كن عنيداً، هذه هي إرادة نيوس التي أثرت على الجميع في نفق الموت ذاك، وبعد الحفر المضني لربع ساعة، تصل فؤسهم المثلومة لمجارير الصرف القديمة المهجورة للعاصمة القديمة!

يزفر نيوس زفرة تحوي شيئاً من لذة الانتصار ويقول بصوت متقطع بسبب التعب:يبدو أننا وجدنا طريقاً للنجاة

يدلف المحتجزون عبر حفرتهم المتواضعة نحو مجارير المدينة القديمة ويركضون بعيداً عن نفقهم المظلم، بعد أن تأكد نيوس من مرور ونجاة كل المحتجزين، يعود أدراجه نحو النفق

تمسكه سيسيليا من كتفه وتشده متسائلة: بني؟!،أين تذهب، علينا الابتعاد عن هناك! 

نيوس بثقة: سيسيليا، علي ان اخبر إكس والباقين بأننا بخير، قد يتراجعون إلى هنا، لن أتأخر أعدك بذلك 

يترك نيوس سيسيليا مع ابتسامة تملؤها الثقة، ويدير ظهره ويتسلق الرمل الرطب عائداً للنفق

سيسيليا في داخلها تسترجع شيئاً من رائحة إيميل في نيوس وتقول :إنها ابتسامةإيميل نفسها!!!! ثم تعصر قلبها بقبضتها المليئة بالعروق الشاحبة

يصل لنيوس لنهاية الطريق بعد ان لطخ نفسه بالوحل تماماً،لكن صوت الرصاص قد اختفى والهدوء يعم المكان ولا وجود لأحد من كلا الطرفين!!!
تعجب نيوس من هذا الهدوء الغريب، الغير مسبق، أخذ يتلفت يمنةً ويسرة، عن إكس ورافائيل، لكن لا أحد!!!

الشارع خالٍ وشعر أن بإمكانه العبور، وفي اللحظة التي أخذ خطوة باتجاه ذلك الشارع الرملي غير المعبد، رصاصة غادرة تتجه نحوه، يشعر نيوس بارتطام شيئ ما بجسده، يختل توازنه ويسقط في وسط الطريق.............

( مات نيوس يا جماعة........) 


















حب بالإكراه Where stories live. Discover now