•الفَصل الأوَل•

433 32 20
                                    

.

بعيدًا عن المدن والأرياف، تقبع غابةٌ خلابة لطالما امتازَت بأشجارِها الضخمة وزوّارها النادرين، ويبدو أنّها اليوم تستقبل أحدهم.

فها هو طفلٌ صغير يركض بين الأشجار، يتمسّك بذراعيّ حقيبته الموضوعة على ظهره، حيث يلاحقه والده ويحذره من الإسراع حتى لا يتعثر.

«بيتر تمهّل! أنتَ الآن في ضيافة أمنا الطبيعة؛ عليك إحسان التصرف.»

توقّف صاحب الشعر البندقيّ عن الركض، ليلتفت كاشفًا عن عينين زراقاوين، ونمشٌ خفيف قد استقر على أنفه وأعلى وجنتيه، ثم ابتسم بخجلٍ.

«أعتذرُ أيتها الطبيعة.»

ضحِك الأب بينما يربّت على رأسِ طفلهِ بكفّه الذي لوحتها الشمس.

«أحسنتَ.»

ثُمَّ مدّ يده ليمسكها الطفل بابتسامة، ليكملا سيرهما حتى وصلا إلى نهرٍ صغيرٍ في أعماق الغابة وكانت الشمس قد انتصفت السماء حينها؛ لذا أخرجَ الطعام الذي أعدّته زوجته لكليهما ووضعه على العشب.
ونادى على طفله الذي كان مشغولًا بمراقبة النهر بأعين متسعة.

«بنيّ... تعالَ لتتناول الطعام.»

ليهتف الصغير من بعيد ...
«ها أنا قادم!»

أسرع ليجلس بجانبه ويبدآ في تناول طعامهما.

جلسَ الوالد أمام النهر يستند بظهره على جذع شجرة خلفه بعدما انتهيا، يمد قدمًا ويثني الأخرى.
أسرع بيتر له بعد أن انتشلَ من حقيبته كتابًا.. ثم طرح سؤاله.

«كيف تُقرأ هذه الكلمة؟»

أجابه بينما يلقي نظرة
«إنها جورمنكاند»

أومأ ونطق بتفكير
«إذًا، الابن الأفعى للعملاق لوكي يدعى جورمنكاند!»

ضحك والده ليسأله
«ماذا تقرأ هذه المرة؟»

أجاب بأكبرِ ابتسامة يملكها
«راجناروك.. وجدته في مكتبة السيد مايكل.»

عادَ بعد جملته تلك للقراءة؛ ما دفع والده لإعادةِ نظره للنهر، يفكر بابنه المعجزة، ليس عبقريًا، هو ذكيّ لكن لا يتخطّى المعدل الطبيعيّ للأطفال في عمره، وليس اجتماعيًا ماهرًا؛ غالبًا ما يمنعه الخجل.

لكن، ظمأه الشديد للمعرفة والقراءة في عمره هذا أدهش الجميع!
بدأ بكتبِ الأطفال ثُمَّ سرعان ما أصبح يقرأ كل شيء!
كل كتاب يجذبه عنوانه يطلب استعارته.

نظر نحوه ليراه يقرأ بتمعن ويحرك شفاهه بدون صوت، أثناء ذلك، توقف الطفل قليلًا وعقد ما بين حاجبيه؛ يحاول قراءة كلمة ما.

فكّر بأنّه رغم ذلك لا يزال طفلًا في الثامنة، وكثيرًا ما يجد كلمات تصعب عليه قراءتها، فيستعين بأحد والديه.

أمضيا يومهما ينتقلان من مكانٍ لآخر، بين الأشجار العالية والتي تخللها لون ذهبيٌ بفعل ضوء الشمس، والعصافير التي تزقزِق فوقهما، أضافت ترنيمةً جميلةً تناسبت مع نسيم الرياح الذي يعبث بشعريهما.

بعد ذلك، تحرّك الاثنان للخروج من الغابة، فقد كانت الشمس على وشكِ الإيواء لمخدعها...

«بيتر ابقَ قريبًا مني، إياك والابتعاد.»

التفتَ خلفه عندما لم يستقبل ردًا ليتفاجأ بسنجابٍ صغيرٍ يحدق به، ثُمّ هرب سريعًا...
سنجاب؟ أين ابني إذًا؟

بحثَ الأب بعينيه في جهة اليمين، اليسار، التف حول نفسه دورة كاملة.. ولا أثر للصغير!

فزعٌ رهيبٌ استولى عليه، بدأ يركض بينما يصرخ باسمه... لكن ما مِن مجيب.

أما في النصف الآخر من الغابة كان ذلك الطفل يسير وهو يقرأ بكتابه؛ وأثر ذلك، تعثّر بحجرٍ صغير سبب سقوطه أرضًا، نهض يتأوّه ويمسك بركبته التي جُرحت ونزفت قليلًا.

«كنتَ محقًا أبي... لم يكن عليّ ارتداء بنطال قصير.»

استقام عندما لم يسمع أي رد، أباه ليس هنا!

أمسك بالكتاب يضمه لصدرهِ بقوة مناديًا

«أبي؟»

جفل لصوتِ طائرٍ مرتفع، ترقرقت عيناه هامسًا مرتجِفًا

«أبي أنا خائف... الظلام قارب على الحلول!»

تراجعَ بخطواته حتى لامس ظهره جذع شجرة كبيرة، لم يعلم ماذا عليه أن يفعل.
يخاف أن يتحرك وحده، ويخاف الظلام! نظر إلى الكتاب وهمس

«تقول أمي إن الوقت يمضي سريعًا بالقراءة، إن قرأت، أسيمر الوقتُ ويجدني والدي؟»

جلس تحت تلك الشجرة العملاقة، وفتح الكتاب حيثما توقف، يقرأ بقلبه قبل عينيه؛ لقد نجح الكتاب بالاستحواذِ على عقله بالفعل! ورويدًا يزداد تضييقه لعينيه بسبب ضعف الضوء.
قلب صفحة أخرى ليهتف

«ماذا؟ الصفحات الباقية ممزقة!»

زفر بضيق، وتذكر مشكلة ضياعه، نَظر حوله لتعود مشاعره السابقة جميعها.
إنّه وحده، أباه لن يجده، سيعيش هنا طوال حياته.
سيصبح كماوكلي! ووسط زوبعة أفكاره غطَّ بالنومِ بالفعل.

يتبع ...

تَحت ظِلال إغدراسيل|| مسابقة الخيال~Where stories live. Discover now