الفصل الأول

6.6K 167 10
                                    

★ وانكشف عن روحي الستار ★

★ المقدمة ★
ألقت برأسها للخلف بعنف مسندة أياها على ظهر المقعد الخلفي للسيارة وعاد عقلها يسترجع تلك الكلمات التى تقاذفت على لسان أمها في شجارهم الأخير منذ لحظات قبل أن تحمل حقيبتها وتندفع بغضب أعمى الى الخارج ...
أدمعت عيناها على هوان حالها بقلب أمها فلطالما رددت تلك الكلمات دائماً على أسماعها الا أنها اليوم قد فاقت حد تحملها ... تنهدت بقوة ولازالت الكلمات تتلاعب بعقلها وكأنه يتكاتف مع أمها ليزيدا جرح قلبها النازف ....
( أنتِ مش عايزة توافقي على العريس ليه ؟ ...... أنتِ عارفة سنك كام ؟ ..... زمان كنتي بتتحججي بالدراسة وأديكي أهو أتخرجتي و أشتغلتي وبقى عمرك ٢٥ سنة عايزه ايه تاني انا قرفت منكِ ومن الى بتعمليه فيا ده .... كل ما أنزل الشارع ولا اخرج الناس يسألوني بنتك مش عايزة تتجوز ليه ... بنتك بترفض العرسان ليه ..... الناس الفوا عنك ألف حكاية وحكاية وانتى ولا أنتي هنا ..... انا تعبت منك وقرفت خلاص محدش تعبني من أخواتك قد ما أنتِ تعبتيني أنتِ ايه مبتحسيش .... يا ريتني ما خلفتكِ يا شيخة يا ريتني ما خلفتك ... أنا بكره اليوم الى خلفتكِ فيه )
أغمضت عيناها بقوة وأطلقت العنان لدموعها علها تخفف عنها ولازالت كلمات أمها تطرق أسماعها بقوة ...
فتحت عيناها بفزع إثر سماعها لصوت أبواق مرتفعة وسرعان ما أتسعت عيناها بفزع حينما وجدت السائق يفقد سيطرته على السيارة الاجرة خاصته وسرعان ما شعرت بتخبط السيارة عدة مرات وأنقلابها ...
وضعت كفيها على رأسها تحميها من الاصطدام وما هي الا لحظات حتى تحجرت عيناها و سقط كفيها عن رأسها حينما رأت خيال والدتها وهي تهتف بها .. ( يا ريتني ما خلفتك ... أختفي من حياتنا بقى ) ليكون ذلك آخر ما تعيه قبل أن يتسرب عنها وعيها ببطئ شديد ليسحبها سجينة في قاع المجهول .....
★ وأنكشف عن روحي الستار
★ بقلمي بسمة عبد الغني

الفصل الأول ★

بأحدى المستشفيات الحكومية وأمام إحدى الغرف المدون عليها {غرفة العناية الفائقة }
تقف إمرأة خمسينية مسندة رأسها على إحدى حوائط المشفى عيناها تسكب سيولأ من الدمع مغرقة وجهها ذو التجاعيد وقد طبع الحزن على ملامحها بوضوح بينما لسانها لا يكف عن الدعاء وطلب الإغاثة من الله تعالى والى جوارها يجلس زوجها على أحد المقاعد الحديدية منكس الرأس
والى جواره يقف إبنه يربت على كتفه بخفة عساه يخفف عنه ويمده بالدعم ....
أنفتح باب الغرفة لتندفع الأم وإبنها إليه بينما وقف الاب وقد تيبست قدماه خوفاً من المجهول ......
تشبثت الأم بذراع الطبيب هاتفة بصوت مختنق :
_( ها يا دكتور بنتي كويسة ؟ بنتي فاقت صح ) أتبعت قولها الاخير بنظرة رجاء عله يرأف بحالها ويطمئنها على فلذة كبدها
أشفق الطبيب عليها فمد كفه مربتاً على رأسها بشفقة هامساً :
_( أطمني يا حجة بنتك كويسة وبخير وفاقت كمان )
هزت رأسها بعدم تصديق فأخيراً قد أستفاقت أبنتها التى أنفصلت عنهم بغيبوبة دامت لأكثر من خمسة أيام لذا لم تستطع منع شفتيها من الهتاف :
_( طاب ممكن أشوفها يا دكتور .... الله يكرمك يابني عايزة أشوف بنتي )
تحرك الطبيب بتلجلج ولا يدري كيف يخبرها بوضع ابنتها ولكن يبدو أنها قد فسرت أرتباكه هذا بالرفض لذا تشبثت بذراعه هاتفة بأستجداء :
_( أبوس ايدك يابني هموت وأشوفها ..... طاب ... طاب بلاش أشوفها سيبني ألمحها حتى من بعيد يابني أبوس إيدك )
تنهد الطبيب بإرهاق ثم أشار الى إحدى الممرضات قائلاً :
_( ساعدي الحجة علشان تلبس لبس معقم ودخليها تشوف بنتها )
ثم رفع سبابته محذراً ( لكن من غير كلام كتير ولا إجهاد يا حجة ماشي ؟)
أومأت عدة مرات بسعادة ورفعت كفيها داعية له :
_( ربنا يخليك يابني ويكرمك قادر يا كريم )
أومأ لها راسماً البسمة المصطنعة على شفتيه بإتقان وانتظر حتى ذهابها ثم التفت الى كلاً من زوجها وإبنها الصامتين وأشار إليهم ليتبعوه في صمت الى حيث غرفة مكتبه وبداخلهم تراودهم الشكوك عن حالتها ....
***********
وبداخل غرفة المكتب هب الإبن واقفاً عن مقعده وصاح بذهول :
_( انت بتقول إيه ؟ يعني ايه فقدت الذاكرة من غير سبب ! اختي انا فقدت الذاكرة !! معقول )
جز الطبيب على ضروسه بغيظ وصاح هو الآخر :
_( ممكن تهدأ وتقعد علشان اكمل كلامي ؟ حسام لولا اني مقدر انك صاحبي ومقدر حالتك وأن أختك في حالة حرجة مكنتش هسمحلك تعلى صوتك في مكتبي –ثم التفت الى الاب المكلوم في ابنته الجالس على المقعد امامه منكس رأسه وواضعاً كفيه على وجهه بألم والدموع المتحجرة تلتمع بعينيه وأستأنف حديثه _ على الأقل راعي حالة ابوك وأمك يا اخي اما انت تعمل كده امال هم يعملوا ايه ؟ )
زفر حسام بهم وعاد الى جلوسه ليستمع الى تفسير حالة أخته الصغرى (أبرار)
عقد الطبيب كفيه أمامه على المكتب وأستأنف حديثه بمهنية بحته :
_( زي ما قولتلكم أبرار فقدت الذاكرة .... بعد ما فاقت من الغيبوبة فحصت مؤشراتها الحيوية وموضع الإصابات والغريب ان الاصابات كلها سطحية .... هي اصاباتها كلها كانت عبارة عن خدوش سطحية وكسر رجلها اليمين ودي إصابات عادية جدا مش بتأثر على الذاكرة دا حتى كسر رجلها مش بالخطورة دي علشان تفقد الذاكرة ... دا حتى مفيش سبب للغيبوبة أساساً ولحد دلوقت مش عارف أحدد السبب في فقدها الذاكرة )
أبتلع الأب غصته بصعوبة وأخيراً خرج عن صمته متسأئلاً :
_( طاب وايه الحل يا ابني )
حرك الطبيب كتفيه بعدم معرفة قائلاً :
_( هي معندهاش اسباب عضوية تخليها تفضل هنا وزي ما حضرتك شايف دي مستشفى حكومي فمش هيسمحولها تفضل مادام مفيش سبب يستدعي ده .... انا هكتبلها على خروج وهبقى آجي من وقت للتاني عند حضرتك البيت واتابع حالتها )
نهض حسام من على مقعده مصافحاً الطبيب قائلاً :
_( متشكر قوي يا أحمد ومعلش أنفعلت عليك شوية )
أومأ الطبيب مبتسماً وقال بمودة حقيقية :
_( ولا يهمك يا حسام انا مقدر حالتك وأختك هي أختي )
هم حسام وأبيه بالانصراف من مكتب الطبيب ولكن قبل خروجهم أقتحمت إحدى الممرضات المكتب صائحة :
_( الحقنا يا دكتور .... الحجة الى قولتلي ادخلها عند بنتها في العناية أغمى عليها)
هرول حسام وأبيه الى غرفة العناية الفائقة يتبعهم الطبيب ....
تم إفاقة الام ليتسائل حسام :
_( مالك يا ماما ايه الى حصل )
وضعت الأم كفيها على وجهها وراحت تشهق بعنف مرددة من بين شهقاتها :
_( معرفتنيش يا حسام ..... بنتي معرفتنيش ) رفعت كفيها عن وجهها تطالعهم بعيون جاحظة وهمست بشرود : _( مرضيتش تخليني احضنها ..... مرضيتش تخليني األمسها ) .... رفعت أنظارها لتطالع أولئك المتجمعون حولها من الاطباء والممرضين اللذين يطالعونها بشفقة على حالها وحينما أستقرت أنظارها على زوجها هبت من على المقعد متشبثة به وتصيح بهياج هستيري ... :
_( بنتي مالها يا إسماعيل ... بنتي حصلها ايه .... ) وراحت تدفن وجهها بين طيات قميصه وشهقاتها تمزق نياط القلب .. ( بنتي معرفتنيش يا إسماعيل بنتي معرفتنيش ) .
أغمض عيناه وسمح لدمعة تفر من عينيه .... دمعة واحدة كانت كفيلة لتفجير سيول عيناه وهو يضم زوجته بقوة إليه ملتمساً منها الدعم على ما حل بصغيرته ...
***********
★ وأخيراً حطت أقدامهم بداخل بيتهم مصطحبين إبنتهم سالمة (جسدياً فقط ) بعد مرورهم بالعديد من الإجراءات لخروجها من المشفى
مد إسماعيل ذراعه ليضم أبنته إليه ليجدها أنكمشت على نفسها كما أعتادت أن تفعل من استيقاظها من الغيبوبة وعدم وعيها لهم بذهنها المفقود ...
رفع أنظاره إلى إبنه ملتمساً الدعم ولم يخيب إبنه آماله اذ سرعان ما أقترب منه هاتفاً بمرح مفتعل ...
_( شوفت يا بابا مش قولتلك ابرار دي محظوظة .... حتى في الحادثة محظوظة خرجت منها صفحة بيضه ونسيت كل الماضي ... يا بختك ياريتني أنسى انا ) ليتعالى صراخ زوجته المستنكر من خلفه :
( تنسى ايه يا احمد ! عايز تنساني وتنسى عيالك !!)
ارتجف بفزع متمتماً بنبرة خافته لم يسمعها سوى ابيه وابرار لقربهم منه :
_( بسم الله الرحمن الرحيم بيطلعوا امتا دول اشتاتاً شلتوت )
أنفرجت شفتي أبرار عن بسمة خفيفة سرعان ما تحولت لضحكة خافته لم تستطع كتمها أكثر من ذلك .... تعلقت أنظار الجميع بها متبسمين بأمل بينما نظر احمد إلى أبيه وأومأ مؤكداً على أنها ستكون بخير فهل ستكون كذلك ام للقدر رأي آخر ؟؟!!!!
********
وانكشف عن روحي الستار
بقلمي بسمة عبد الغني

وأنكشف عن روحي الستار ..بقلمي بسمة عبد الغنيWhere stories live. Discover now