الجزء السادس_شئ خاطئ وعيون زئبقية

1.7K 71 2
                                    

[ شيء خاطئ وعيون زئبقية ! ]

دوى صوت خطواتي في المنزل الشبة مظلم وكأن الوقت الغروب , قلت مفكرة بدهشة , لقد شفيت بسرعة غريبة وأنا أقف على قدمي ...
حدقت بالدرج الطويل المفضي للطابق الأعلى المظلم بشكل أشد ..
ناديت : أبي .. ؟!
لكن لم أتلقى رداً ... كان الصمت شديداً .. صعدت الدرج بتوتر غريب انتابني .. مالأمر , أين أبي ؟!.و أين جيني ؟!.
مشيت بالممر في العتمة وخوفي يزداد .. مررت من نافذة الممر و سمعت صوت غراباً عالياً فوق الشجرة قرب النافذة , حدقت بضيق في الغراب الأسود الذي بادلني التحديق بعينيه السوداوين .. فتشاءمت منه و شعرت بالسؤ ...
تبا .. أني لا اعتقد بهذا !... لكني على حافة الرعب !.
ناديت بأنفاس مقطعة وأنا أحدق بالممر الذي يغرق بالظلام أكثر وأكثر : أبي ؟! أ...أبي ؟!.
مرت ثانية ثم سمعت صوت اجابني ..." تا...تاتا ... تاا ..."
شهقت وقلبي يقع من مكانه : جينـــييي !!
وركضت بالظلام أناديها : جيني ... حبيبتي , أين أنتِ ؟!... رباه جيني ..
رأيتها تزحف داخل غرفة ما مفتوح بابها , فهرعت خلفها اتخبط , لا أدري كيف لكن الطفلة وهي تزحف أسرع مني وأنا أركض !!
دخلت خلفها شبة ميتة من الرعب أتذكر الوحش ذو العيون الحمراء قد يقتلها...!
لكن ما رأيته شيء آخر تماماً...
كانت الطفلة تزحف نحو شخص ما واقف أمام النافذة التي يطلع منها القمر المكتمل الكبير ..ولم أرى ملامحه .. لكنه رجل كبير بمعطف بني , أنحنى هو و حمل جيني برقة ... شعرت به يحدق بي عندما اعتل منتصباً.
مد إلي بيده ... كانت تتدلى منها سلسلة فضية ناعمة للغاية , بنهايتها عقدة ما ... لم أفهم ....!!
حدقت به جيداً , ماذا يريد ؟!.. لكن الصمت كان مطبقاً هنا , .. كما أنني لاحظت لون عينيه الذي برق فجأة .. عينان خضراء رمادية عميقة ... وابتسامه صغيرة جداً...
_ آ آ ه ه ...!!
شهقت منتفضة بقوة هزت كل أوصالي...
_ آوه آسفة جداً , هل أنت بخير ؟!
انتبهت للخشب الذي أمام أنفي , دار رأسي لثانية ثم رفعته لأعود للواقع ... حدقت بفتاتين واقفتين قربي .. أحداهما بشعر أشقر داكن والأخرى بشعر بني محمر قصير , ينظران نحوي وكأنني مجنونة صعقت بكهرباء !.
قالت الفتاة الشقراء بأسف مجدداً : آسفة , كنتِ نائمة بعمق وقد انتهى الصف منذ وقت طويل..!
لكن الفتاة الأخرى قالت بصوت رنان منفعل قليلا : لكني لست آسفة !, بدا لي أنك تواجهين كابوساً , كنت ترتجفين فترة طويلة قبل أن نعيدك للواقع...
ثم ابتسمت بذكاء .. فحدقت بها رفيقتها بخجل وقالت بينما أنا اعدل شعري المنفوش وارتب قميصي :
_ آمم المهم الآن كيف تشعرين تبدين شاحبة ..
بللت شفتي واستعدت انفاسي لأقول بهدوء : آوه شكراً , أنا بخير...
قالت الفتاة ذات الشعر القصير بلطف : هل تحبين أن تشربي معنا شيء ما ؟.
ترددت وأنا أنظر لهما , لست واثقة .. أيمكنني هذا . أشعر بأني أود العودة للبيت لأطمئن على جيني و والدي ..متأكدة أنه ليس الذي بالحلم الغريب...! وياله من نوع غريب من الغرابة !.
_ لا أظن أنـ...
قاطعتني الفتاة نفسها : صدقيني , ليمون بارد ممتاز جداً .. بالمناسبة أنا لونا وهذه ستيلا . أنت كلآرا صحيح ؟!
حدقت بهما بتوتر , عقلي يعمل بكد وتعب ... حسنا...
ابتسمت بوهن و قلت : تشرفت , لونا , ستيلا .. حسنا لا بأس بالنسبة للعصير.
سارت لونا بجانبي و ستيلا أمامنا .. وهما يبطئان السير لأجلي .. فحاولت ألا أبدو بائسة متعبة .. بينما أحداث الحلم تدور بعقلي .. جلسنا في المطعم الذي كان واسعا جداً ومكتظا ً بالطلاب والأصوات .. حدقت بالساعة بينما ذهبت ستيلا لجلب العصير .. كانت الساعة الثانية عشرة ظهراً , كما أنه بقي صف واحد فقط لمدة ساعة و أعود للبيت...
شعرت بأني غائبة عن البيت منذ شهر ... أود بشدة رؤية أبي و جيني ... لكني لا أريد أن أكون حمقاء .. سأهدأ .. كل شيء بخير... ذلك كان مجرد حلم ...
_ إذن .. كنا معاً في صف الحساب ^^.
كانت لونا تبتسم لي , فبادلتها الابتسام .. قالت وهي تنظر حولها بحماس : هي , كان بجانبك شاب ما غريب , أعني جديد .. هل تعرفين من هو ؟!.
التفت نحوها فكانت تغمز لي مازحة .. شاب , من ؟!... عمل عقلي بتعب أكثر ولم اتذكر شيئا...
لكني عدت للنظر متظاهرة بالتفكير بعيداً نحو الشرفات التي تطل على الخارج . واتسعت عيناي , لقد رأيته و تذكرته فوراً , وكان هو أيضاً يحدق بي بعبوس وعيون حادة ضيقة ولامعه من هذا البعد ...! كان يتكأ وحده على جدار جانبي حيث لا يراه أي أحد ألا من موقعي أو قريب ...
اللعنة ! , قلت بقلبي وأنا أعض شفتي ... ماكان اسمه ... تبا كنت آمل بأن كل شيء حلم أو كابوس .. أو هلوسة غبية...
كان يحدق بي بذقن مرفوعة وبرود , وكأنه يعرف ما أفكر به ويقول ساخراً شئت أم أبيت هذا كله حقيقي ..
_ آه ..
_ ماذا ؟!... إلى أين تنظرين ؟!.
قالت لونا بفضول وهي تحاول النظر حيث أنظر , قلت لها بتوتر : آه لا شيء... فقط أردت فجأة العودة للبيت...
نظرت نحوي بعطف وقالت برقة : آه لا عليكِ بقيت ساعة واحدة , لنا جميعاً , آوه صحيح أريني جدولك لأرى أن كنا بنفس الصف , أنا وستيلا نأخذ نفس الدروس ونستمتع معاً .. ماذا عنك ؟.. سيكون جميلاً أن كان لديك صف تاريخ بعد قليل...
أريتها ورقة الجدول بهدوء وقلت بتهذيب : شكراً , هذا لطف منك .
_ آوووه ... تقريباً نفس الجدول . لديك تاريخ بعد قليل , هذا رائع .
ابتسمت لها , و أقبلت علينا ستيلا بأكواب العصير .. شربنا قليلا , لكن الفتيات كما هو واضح فضوليات لأمري .. وأخذن يسألنني من أين قدمت وأين أسكن و من هم أفراد عائلتي ..
من الجيد أنهن لم يسألن شيئا عن أصابتي .. أو مالذي حدث .. فقط كنت كالطالبة الجديدة الآن !.
سرنا لصف التاريخ كان واسعاً وعدد الطلاب ليس كثير جداً .. كما أن المقاعد متفرقة بشكل عامودي , جلسنا أنا والفتيات بمستوى واحد .. ودخل الطلاب ليشغلوا مقاعدهم .. ضاحكين مثرثرين مع بعضهم ..
وفجأة دخل ... ذلك الشاب الغريب , ساد صمت غريب لثوان , ثم عاد الكل للكلام بصوت اهدأ قليلا وبحماس متوتر وعيون فضولية إليه ...
آخ تذكرت اسمه .. ليونارد... طيب .. لا أزال لا أفهم مالذي يريده ...
سار ببطء وبرشاقة بين المقاعد مر من جانبي متجاهلاً إياي تماماً و جلس خلفي بصمت ... لقد تصلب جسدي وتوترت كثيراً بسببه .. لكني حاولت الاسترخاء أكثر وأكثر وأحاول أن استعيد حواري السابق معه....
أني مرهقة وما كان علي النوم في الصف , ولما لم يوقظني هذا الابله خلفي .. تركني نائمة وخرج .. , المهم ماذا كان يقول لي... آه ... آه ... شيئا ما عن... محاولة حل مشكلة ؟! , وأنه للمساعدة هنا....!
أني لا أرى فيه شيئا يساعد =.=" ...
دخل استاذ التاريخ , رجل بدين لطيف ... و بدأ الشرح من فوره , ولم يلاحظ وجود طلاب جدد .. هذا جيد بالنسبة لي... لا أحب أن يلاحظني أحد .. سيكون هذا مريحاً جداً...
مر الصف بسهولة وسلام .. ثم قرأ الاستاذ الاسماء وانتبه لي و ذكر كذلك اسم ليونارد ..لكنه لم ينطق اسم العائلة .. هز رأسه عندما رآنا ولم يعلق على شيء... فتاة مقعدة تبدو كالأشباح , وفتى غامض يبدو كمصاص دماء ..!
عندما هممت بالحركة , سمعته يقف .. ثم اقترب إلى جانبي الآخر من جهة الجدار ... همس وهو ينظر بعيداً وكأنه لا يحدثني :
_ سأدفعك أنا , اطلبي من رفيقاتك الذهاب , أن سألن عني . قولي بأني صديق قديم ..
رفعت رأسي أنظر إليه , آخ عنقي !.. أنه طويل . المهم أني سمعته لا حاجة للنظر إليه .. التفتُ لأنظر نحو الفتاتين اللتين تحدقان بنا بتوتر و غرابة ...
ابتسمت لهما وتحركت قليلا , فاقتربتا وقالت ستيلا : لقد انتهينا أخيراً الاسبوع المقبل ستبدأ الاختبارات التقويمية ... هممم هل نخرج الآن ؟!.
ابتسمت بتوتر وألقيت نظرة سريعة على الذي خلفي قرب النافذة , قلت بأسف أنظر إليهما : أجل لكن , هو سيرافقني...
نظرن نحو بخجل , ثم قالت لونا : آه , هذا صديقك .. صحيح !.
قلت سريعاً : أنه مجرد ... صديق قديم . سيساعدني ..
هزت الفتيات رؤوسهن تفهماً , فمن الواضح جداً لهن أن ليونارد غير مهتم أبداً سوى بالمساعدة... كما أن وجهه لا يوحي بأنه مستمتع بالأمر ...!!
قالت لونا بمرح : حسنا إذن . نراك غداً ^^
_ إلى اللقاء كلآرا...
ودعنني و خرجن سريعاً , ارتحت لهاتين الفتاتين الطيبتين ... وشكرت الله , لا تبدوان من أصحاب الفضول الشديد بل فضول طبيعي يمكنني التعامل معه...
سأحدث والدي عنهما و سيسعد هو و يرتاح قلبه أن رآني أشق طريقي الطبيعي في الحياة !.. آه ياله من وضع ...
دفعني ليونارد فجأة فشهقت وتمسكت بقوة ... قلت بتوتر : هاي , من فضلك .. استطيع دفع نفسي .
_ كلا , ابقي هادئة ..
رد علي ببروده فصمتُ وهو لم ينطق كذلك , عند العتبات كان يرفعني وكنت مصدومة جداً منه , أنه يرفعني بكرسيي وكأن لا وزن لي ..! كأنه يرفع كتاباً عن الأرض .. ثم يضعني بسرعة وخفة قبل أن يلتفت أحد نحونا ...! أنه غريب جداً ... ترى ما يكون ؟!
أصبحنا في الباحة المتربة ... أوقفني بمكان ممتاز بعيد عن سير الطلاب وقريب من البوابة حيث أرى السيارات ...
تركني و سار قليلا ليقف في ظل شجرة يراقبني بنظراته الغريبة الدقيقة .. وكأنه يتوقع أن أتحول لدودة أرض أو ماشابه !!
_ هاي كلآرا !.
التفت بسرعة نحو مصدر صوت هادئ لطيف , فرأيته .. أنه أليكس .. الفتى الهادئ... رأيته يترك رفاقه و يتقدم إلي ...
دهشت وهو يرمي لي بقطعة شوكولا من مسافة قصيرة ... امسكت بها مبتسمة بمرح ..
قلت ضاحكة : آه شكراً ..
_ كيف حالك ؟!.
توقف بجانبي وهو يراقب السيارات ...
_ أفضل , وأنت ؟!.
ابتسم وهو يرد : جيد جداً , مع أنك تبدين شاحبة مرهقة , لكنك قد تحسنت .. كيف كانت الدروس ؟!.
مع أنه في الخامسة عشرة لكني أشعر بأنه أكبر مني بكثير... تنهدت وقلت بهدوء : لا بأس بها ...
بالطبع لن أذكر بأني نمت في آخر الصف ...حدثني قليلا عن دروسه وكم كانت مملة تجلب الصداع , ثم تحدث عن الجو الملبد بغيوم بيضاء لا تنذر بشيء سيء ... بعدها بثوان سمعت صوت والدي ينادي ..
كان يقف بالسيارة أمام البوابة تماماً .. جعل هذا بعض الطلاب ينزعجون .. لكنه لم يبال بهم بل اشار إلي بيده وقد رسم ابتسامه صغيرة ... تسائلت هل جيني معه ؟!
قال أليكس : سأساعدك ..
وأخذ يدفعني برفق نحو السيارة , في حين خرج والدي .. التفت بي وانحنى والدي يريد حملي , وأمام الفتية مستحيل ..
قلت بسرعة وخجل : لا .. لا أبي أنا أرفع نفسي ...
تراجع أليكس يكتم ضحكة من تعابير وجهي ... لكن والدي طبعا لم يستمع لي .. بل بسرعة خاطفة رفعني و وضعني على المقعد الجلدي البارد ... حدقت به بغيض لكنه تجاهلني و أخذ الكرسي... تقدم أليكس وقال بمرح :
_ اراك لاحقاً , كوني بخير ...
_ شكرا لك أليكس ..
أقترب أبي وصافح أليكس وشكره وعرض عليه أن يوصله أيضا , لكن أليكس رفض لأنه سيذهب مع رفاقه للدراسة بمكان ما ... صعد والدي وراء المقود و تحرك بسرعة ...
_ هاي حبيبتي , كيف كان يومك ..؟!
_ جيد جداً , كان اليوم لطيفاً ..الدروس لا بأس بها وقد تعرفت إلى بعض الفتيات.
تعمدت البدء بالثرثرة وحذفت ذكر ليونارد الغامض وتلك الأحاديث المخيفة ..!
نظر نحوي نظرة خاطفة وابتسم بحنان, علق قائلا وهو يحدق بالطريق : آوه هذا رائع .. سترين أنه يوما عن يوم ستتحسن الأوضاع بكل شيء... الزمن كفيل بعلاج الجراح.
_ واو يالها من حكمة عميقة . لا بأس أنت محق ..
ثم هززت رأسي وقلت فجأة : مهلاً ... أين جيني ؟!.
قال أبي بارتياح : نائمة بالمنزل .. للتو تغذت ونامت تلك المزعجة الصغيرة ..
سألته بهدوء : ماذا عن عملك ؟!.
_ أني جيد تماماً بالأمور الادارية ..تعرفين هذا عزيزتي كما أن الوظيفة رائعة والمرتب ممتاز .. أنه لا يجعلني امتيازاً لشيء لأنه صديق قديم لوالدي .. لكن السيد فرانس رجل قدير جداً .
غاص قلبي فجأة وقد عادت ذكرى الحلم ... والد أبي... هو من كان بالحلم ...!! آووه .. لأن ...لون عينيه مشابه تقريباً لعيني أيضاً... ما ... ما شأنه ؟! , وما .. كان يريد.... وما شأن جيني ؟!...
تقلصت معدتي اضطراباً , فحاولت أن اهدأ ... يجب أن اهدأ ....
حدق بي أبي وقال بتردد : حبيبتي ؟!.
هززت شعري ونظر إليه احاول الابتسام و طمظانته ...وصلنا للمنزل وقدم لي والدي بعض الطعام , ثم صعد ليطمئن على جيني ...
دخلت بغرفتي وضعت حقيبتي ولم أبدل ملابسي ... فقط غسلت وجهي و لملمت شعري مجدداً .. ثم أخذت بعض كتبي للدراسة بالردهة ...
قفزت من كرسيي إلى الأريكة الواسعة بسعادة دون أن يراني أحد و يهلع .. ثم وضع كتبي على الطاولة وقربتها مني ... بدأت أحل الواجبات ... ثم ظهر أبي يمشي بسرعة ...
حدقت به وهو يفتح بعض الأدراج بعصبية يبحث عن شيء ما ..
قلت بتوتر : مالأمر ؟!.

وريـّث الظـَلام ( Just like the ocean under the moon )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن