من شرفة منزله في الطابق الخامس وقُبيل حلول الظلام.. كان الكاتب بهجت نبيل يراقب على استحياء مشاهد الفصل الأخير في حفل الزفاف الذي حاول مرارًا ألا يحضره!
ذلك الوداع المحتوم الذي يعقب مراسم الزواج في كل آن وزمان.. قلوب تسعد بلُقيا قلوب، وأخرى تشقى بفراقها.
سيارة بيضاء اللون ذات سقف مكشوف طولها عشرة أمتار والناس من حولها يبدون صغارا كالنمل.
وبينما كانت فتاته ماثلة أمامه بكامل حسرتها كان حبيبها ماثلا أمامها بحزنه وبؤسه.. فكأن المسافات قد خجلت أن تفرق بينهما كما فرقهما الدرهم والدينار، ولم يعد أيّ منهما يدري أصعدت هي إليه أم أنه تدلّى نحوها!
تقدم عدد من اﻷصدقاء والجيران نحو العروسين لتبادل اﻷحضان والقبلات وشتى عبارات الوداع!
بينما كانت العروس في ذروة شرودها تحاول جاهدة أن ترسم على وجهها ابتسامة الفرح المعتادة في مثل هذا اليوم.. وكلما أرادت أن تحرك شفتيها ضاحكة شعرت بوخزة في القلب تُخبرها أنه في ساعة كهذه لا يحق للمغلوب أن يبتسم.. مغلوب دَكّ حصونه غريب ودمر قلعته قريب.
وسلب الحبيب درعه الذي كان يحتمي به من سهام الهجر المنتظر، قلبها العاشق الذي تخلّف عن الركب واختار البقاء في روضة المحبوب، ليترك وراءه كائن أجوف حسنُ ظاهره وباطنه ممزق وبالكاد يُمكنه أن يتنفس!
وفي غفلة من اﻷحداق التي أحاطت بها رفعت العروس ناظريها إلى أعلى حتى بلغت مُقلتيّ الحبيب فعانقتهما بحرارة، ثم وضعت على جبينه قُبلة اﻷمل والحياة من جديد.. ورسمت شفتاها على خده خطين مزدوجين يلتقيان عند البدء وفي المنتصف يفترقان، ثم يعودان للإلتئام من جديد قبلما ينتهيان!
فما أجمل لقاء اﻷعين بل ما أقساه من لقاء!!!
===================
#محمود_زيدان
#رواية #وريث_إبليس
#يافي_للنشر_والتوزيع
#صالة3_جناحC1
#معرض_القاهرة_الدولي_للكتاب2020
#حفل_التوقيع - الجمعة 24 يناير بمشيئة الله.
