القرن الأخير- الفصل 2

51 4 0
                                    

قبل تسعة عشر عاماً في شتاء عام 2000م
في جنازة والد نارا حيث كان جدها لأمها والسيد كيم ووالده وزوجته في دار الجنازات يستقبلون التعازي بوفاة والدها.
كان الأطفال الثلاثة يقفون بجانب بعضهم البعض ونارا تنظر لصورة والدها وتبكي بصمت. نظر لها السيد كيم فاقترب وجثا على ركبته أمامها ومسح دموعها ثم قال: عزيزتي نارا، أعلم بأنك حزينة على فراق والدك ولكن كوني واثقة بأنه سيبقى حياً في قلوبنا للأبد، والدك سيبقى يراقبك ويحميك من السماء. إياك أن تظني بأنك أصبحت وحيدة، سأعتني بك جيداً وهذين المشاكسين أيضاً سيعتنيان بك وسيبقيان بجانبك للأبد مهما حدث.
نظر السيد كيم لجو هيون وشي هيون وقال: اصطحباها للخارج وابقوا معاً، اتفقنا؟ لا تبتعدوا كثيراً ابقوا بالقرب من المدخل.
أومأ جو هيون برأسه موافقاً وأمسك بيدها وبيد أخيه شي هيون وخرجا من هناك نحو الحديقة وجلسوا على أحد المقاعد بينما كان سائق السيد كيم يتبعهم ليعتني بهم كما طلب منه السيد كيم.
كانت نارا لا تزال تبكي بصمت فمسح جو هيون دموعها وقال: لا تبكي، والدك سيحزن إن رآك تبكين.
ردت نارا ببراءة: لا يمكنني منعها، تستمر بالنزول وحدها.
بدأ شي هيون يبكي بصوت مرتفع فنظر كلاهما له باستغراب حيث سأله جو هيون عن سبب بكائه فقال: لأن نونا تبكي.
عانقته نارا وأجهشت بالبكاء وفي الوقت ذاته كانت تطلب منه عدم البكاء. شعر جو هيون بالحيرة فنهض ووقف أمامهما ثم وضع يده في جيبه وأخرج قطعة حلوى وقال: من يتوقف عن البكاء ويمسح دموعه سيحصل على هذه الحلوى، أما من سيستمر في البكاء سأعاقبه بشدة.
مسح كلاهما دموعه بسرعة وتوقفا عن البكاء فابتسم جو هيون وقال: أحسنتما، وبما أن كلاكما توقف عن البكاء سأقسمها مناصفة بينكما.
قسمها جو هيون بينهما وفرح شي هيون بالحصول على قطعته وشرع بأكلها بينما توقفت نارا في اللحظة الأخيرة وقد كانت تهم بأكلها ونظرت لجو هيون وقالت: ماذا عنك أوبا؟
ابتسم جو هيون وقال: لقد تناولت خاصتي قبلكما، هيا تناوليها.
ابتسمت نارا بلطف وبدأت بأكلها فوضع يده على رأسها يمسح على شعرها ثم قال: هل هي لذيذة؟
أومأت نارا برأسها إيجاباً وابتسمت ببراءة.
نظر جو هيون لصورتهم المعلقة على حائط غرفته وهم أطفال ثم ابتسم بألم وقال: ألم يكن من الأفضل لو بقينا أطفال؟!
في صباح اليوم التالي أتت السيدة كيم لتوقظ جو هيون وتستعجله حتى لا يتأخر ويضطر للخروج دون فطور كعادته. خرجت نارا من غرفتها وقد بدلت ثيابها وكانت مستعدة للمغادرة فاقتربت منها السيدة كيم متسائلة: صباح الخير يا ابنتي، لماذا استيقظتِ مبكراً؟
- في الحقيقة لم أستطع النوم يا خالتي، المكان جديد تماماً بالنسبة لي لذا ... لم أستطع النوم. سأذهب لرؤية الشقة وما حدث بشأنها.
- آه، حسناً دعيني أبدل ثيابي بسرعة وآتي معك.
- كما تريدين.
- حسناً سأبدل ثيابي بسرعة ريثما تتناولين الفطور إنه جاهز.
ابتسمت نارا بلطف وأومأت لها إيجاباً وتوجهت للمطبخ ولم تجد أي أحد من الخدم فيه فقالت بصوت منخفض: ربما الوقت لا زال مبكراً للبدء بدوامهم؟! حسناً أين الفناجين يا ترى؟!
بدأت نارا تفتح خزائن المطبخ تبحث عن الفناجين لتجدها في أحد الرفوف العلوية. لم تستطع الوصول إليها رغم محاولاتها بالوقوف على أطراف قدميها وإذا بجو هيون يقترب ويخرج فنجانين. تجمدت نارا مكانها للحظات ولكنها سرعان ما تظاهرت بعدم الاكتراث بينما وضع جو هيون الفنجان بقربها وأخذ فنجانه لآلة صنع القهوة.
رمقته نارا بنظرة حائرة ثم عادت بالنظر للفنجان وهي تتساءل إن كان عليها شكره وتفاجأت بسماعه يتنهد ثم يقول: آه ... على الرغم من السوء الذي أتلقاه من الآخرين إلا أنني لطيف ولا يمكنني أن أحقد على أحد. الحقد سيء جداً على الصحة الجسدية والعقلية.
أحكمت نارا قبضتها ثم نظرت له بغضب ورفعت حاجبها وقالت: أتساءل إن كان كسر قلب أحدهم والتخلي عنه فجأة يسمى لطفاً أيضاً؟!
هم جو هيون بالرد وإذا بوالدته تدخل وتسألهما إن كانا قد تناولا الفطور. أخذ جو هيون فنجان القهوة خاصته وجلس يتناول بعض الشطائر بسرعة بينما أخذت نارا فنجانها لآلة القهوة وهي تكتم غضبها.
بعد دقائق هم ثلاثتهم بالخروج فطلبت السيدة كيم منه أن يوصلهما في طريقه. ولم يستطع التهرب لذا اضطر للقبول. فتح باب السيارة الأمامي لأمه والخلفي لنارا فابتسمت والدته ووضعت يدها على وجنته وقالت: ولدي اللطيف.
ابتسم جو هيون ثم أغمض عينيه للحظات وأغلق الباب. ركبت نارا في المقعد الخلفي ولم تكن تود انتظاره ليفتح الباب ولكنه قام بالفعل بفتح البابين معاً فلامست يده يدها بينما كانت تهم بفتح الباب.
ركب جو هيون السيارة وهمهم بصوت منخفض: على ما يبدو سيبدأ اليوم ببداية مثيرة.
سألته والدته ماذا قال فابتسم وأجاب بلا شيء ثم أتبع قائلاً: أمي، إن كنت ستزورين شي هيون فاقرعي الجرس ولا تدخلي الشقة على الفور.
- ولكنك تعلم بأنه في غالب الأحيان لا يسمع بسبب وضعه للسماعات في أذنيه.
- أعلم ولكن انتظري قليلاً حتى يفتح لك الباب.
- ما خطبك، هيا انطلق.
تنهد جو هيون بإحباط وانطلق بسيارته وبعد نزولهما من السيارة قال جو هيون: لقد فعلت ما بوسعي.
دخلت كلتاهما المبنى وسألتا عن المدير المسؤول فهرع إليهما راكضاً بعد أن عرف بقدومهما واصطحبهما لمكتبه. سألته نارا عما حدث بشأن شقتها.
- في الحقيقة يا آنستي بعد أن تحدثت معك اكتشفت بأن الموظف قد وقع عقداً مع أحد الزبائن وتم تأجير الشقة بالفعل.
- ماذا؟ لماذا تخبرني بالأمر مبكراً. لقد ظننت بأنني سأنتقل لها اليوم أو غداً كحد أقصى.
- أنا آسف جداً. أردت الاتصال بك ولكنني لم أجد لك بديلاً مناسباً كما طلبتِ.
نظرت له السيدة كيم باستغراب وقالت: حضرة المدير، كيف لك ألا تجد شقة مناسبة وهناك العديد من الشقق التي لم يتم تأجيرها بعد. كيف لصاحب المبنى ألا يجد شقة يسكن فيها؟
توتر المدير وقال: سيدتي، طلبات الآنسة نارا كانت ألا تكون الشقة في أي طابق بعد الرابع وأن تكون في الجهة الشرقية من المبنى لتدخلها أشعة الشمس ولم أجد أي شقة تناسب هذه الصفات في أول ثمانية طوابق حتى لا يوجد سوى ...
ردت نارا بحنق: سوى ماذا؟
ازدرد ريقه وقال: الشقة الثانية للسيد شي هيون في الطابق الثالث.
قالت نارا باستغراب: ماذا؟ شي هيون لديه شقتين، لماذا؟
ردت السيدة كيم: لقد أخذ الشقتين كي لا يجاوره شخص مزعج فلديه حاسة سمع حساسة جداً ويحب الهدوء التام ليركز على عمله.
نهضت نارا وقالت: سأتحدث معه إذاً. ليس وكأنني مزعجة ولن أراعي مثل هذه الأمور البسيطة فأنا أيضاً أحب الهدوء لأركز على عملي.
تبعتها السيدة كيم بقلق بينما رمقت المدير بنظرة غاضبة وفي طريقهما للمصعد كانت تحاول إقناعها بأخذ شقة في طابق آخر ولكنها لم تأبه للأمر.
وصلت كلتاهما لشقة شي هيون وقرعت السيدة كيم الجرس مرة بعد أخرى ولم يفتح الباب فأدخلت الرمز السري ودخلت لتجد شي هيون يخرج من الحمام يغطي نصفه السفلي بمنشفة ويضع أخرى على رأسه وهو يقول متذمراً: ما خطب هذه العائلة التي لا تراعي الخصوصية، تدخلون وتخرجون كما تريدون و ...
سحب شي هيون المنشفة عن رأسه ورأى والدته ونارا متجمدتين بالقرب من الباب فتفاجأ وشعر بالحرج حتى عاد خطوتين للخلف وبعد لحظات من التحديق بصمت بين الجهتين وضع المنشفة على صدره وهرع إلى غرفته.
ابتسمت السيدة كيم وقالت: لا بد من أنه محرج ويحمر خجلاً الآن.
دخلت كلتاهما وجلستا على الأريكة ونارا تقول: من كان هذا الوسيم صاحب عضلات البطن هذه؟
ضحكت السيدة كيم وقالت: قلت لك بأنك لن تعرفينه، إنه شي هيون.
- يا إلهي، لم أتوقع تحولاً كبيراً لهذه الدرجة.
- لقد أصبح شاباً وسيماً أليس كذلك؟
- أجل. (قالتها بابتسامة لطيفة)
كان شي هيون في الداخل يصرخ بصمت ويتذمر من شدة حرجه وقال بصوت هامس: كيف لهذا أن يكون أول لقاء بيننا بعد كل هذه السنوات؟ يا له من إحراج، تباً!!
ارتدى شي هيون ملابسه وقبل خروجه من الغرفة نظر لنفسه في المرآة ورفع قميصه وقال: هل عضلات بطني بارزة لهذه الدرجة ... آه الفتيات مخيفات حقاً هذه الأيام.

القرن الأخيرDonde viven las historias. Descúbrelo ahora