القرن الأخير - الفصل 17

29 3 0
                                    

أحكم جو هيون قبضته على يدها فوضعت يدها الأخرى فوق يده بلطف وأومأت له بابتسامة لطيفة ثم قالت: لن أتأخر، سأعود سريعاً.
أفلتت نارا يدها من يده ومشت برفقة سي جي الذي أمسك بيدها فهم شي هيون باللحاق بها لمنعها فأمسك جو هيون بذراعه وأومأ له بعدم فعل ذلك.
كان جو هيون يحدق بهما بألم ثم أسرع وركض نحو نارا فجذبها من ذراعها بقوة نحوه وعانقها قائلاً: سأنتظرك وسأعد لك طعام الغداء لذا لا تتأخري.
ابتسمت نارا بألم وأومأت له إيجاباً فرد جو هيون بابتسامة حزينة ثم قبل جبينها. ناداها سي جي مجدداً ولكنها تجاهلته وحدقت بعيني جو هيون وقالت: ألا تعلم بأنني بت أكره المنطقة الآمنة خاصة وسط كل هذه العيون التي تراقبنا. هل عليَّ أن أعلم كل أولئك الفتيات درساً ليدركوا بأن كيم جو هيون لي أنا وحدي؟!
ابتسم جو هيون فطوقت نارا عنقه وطبعت قبلة على شفتيه وتركته مندهشاً وسعيداً في الوقت ذاته ثم ابتعدت وقالت بابتسامة لطيفة: أوبا ... أحبك.
اتسعت عينا سي جي وأدرك بأنه خسر محاولته الأخيرة لكسب قلبها. أوقف سيارة أجرة وركب فيها كلاهما في حين بقي جو هيون يحدق بها بقلق فاقترب منه شي هيون ويونغ جاي حيث وضع شي هيون يده على كتف جو هيون وقال: ستكون بخير، عندما تعود سنبذل جهدنا لجعل كل شيء على ما يرام.
أومأ له جو هيون مبتسماً رغم شعوره بالقلق عليها. أحضر جو هيون سيارته ثم ركب شي هيون ويونغ جاي في المقعد الخلفي ثم قال شي هيون: ستبقين معنا اليوم لنتناول الغداء، صحيح؟
ردت يونغ جاي باستغراب: ماذا؟ أنا؟!
ابتسم جو هيون وأعلن عن إعجابه بفكرة شي هيون وطلب منها القدوم معهما فقبلت. في طريقهما توقف جو هيون عند أحد المتاجر وطلب منهما النزول للتسوق حيث دخل ثلاثتهم للمتجر وشرعوا باختيار الخضار وبقية المكونات التي تلزمهم للطهي.
لاحظ جو هيون نظرات شي هيون ليونغ جاي وابتسامته لها وقال في نفسه: لا أظن بأن ما أفكر به صحيح ... لا يمكن أن يكون معجباً بها ... لقد نسيت إخباره بأن الخطر ليس مقتصراً عليَّ وعلى حبي لنارا بل على كل شخص يمتلك القدرات في هذه العائلة، شي هيون أرجوك ... لا تقع في حبها. عليَّ تحذيره اليوم فلا يمكننا أن نجعل يونغ جاي ضحية أخرى لهذه اللعنة.
وصلت سيارة الأجرة لمنزل سي جي ولكنها لم تخرج فنظر لها سي جي وقال: ألن تدخلي؟
ردت نارا بحرج قائلة: أوبا ينتظرني.
قال سي جي: لا تقلقي، لن أدعك تتأخرين عليه، أحتاج للتحدث معك لبضع دقائق ويمكننا شرب كوب من القهوة أثناء ذلك. من فضلك نارا.
تنهدت نارا ووافقت على طلبه. خرجت من سيارة الأجرة ومشت معه للداخل. أراد سي جي أن يعد القهوة بنفسه فأسرعت نارا إليه وقالت بأنها ستقوم بإعدادها بدلاً منه. بعد انتهائها جلس كلاهما مقابل بعضهما البعض وبينما كانت نارا تحدق بفنجان القهوة ابتسم سي جي قائلاً: يبدو بأننا لن نتمكن من شرب فنجان القهوة الذي اتفقنا عليه.
- أنا آسفة.
- هل ما حدث سابقاً يعني بأنك اتخذتِ قرارك؟
- أظن ذلك، أنا واثقة من مشاعري تجاه أوبا أما ما أشعر به نحوك فأنا ... لست واثقة. أنا آسفة.
- لا تعتذري، فأنت تغيرين رأيك كثيراً نارا، تفكيرك بأكمله يتغير بين ليلة وضحاها لذا لن أفقد الأمل.
- هذه المرة مختلفة، لقد بذلت جهدي لأحسم الصراع الذي بداخلي، ربما لم أنهه بشكل تام ولكنني بتُّ أعلم بأن مشاعري تجاه أوبا لا يمكن أن تتغير مهما حدث بيننا. أنا أحبه مهما طال الزمان ومهما ابتعدنا أو افترقنا أو اختلفنا ... سيبقى في قلبي للأبد.
- هل قبلته أمامي لتثبتي لي هذا أم لتثبتي له؟
- بل لنفسي. أوبا هو الحضن الدافئ والسكينة والأمان وهو الشخص الذي أريد أن أمضي معه ما تبقى من عمري حتى لو تبقى لي فقط ... أيام أو حتى ساعات.
- هل هذا خيارك النهائي؟!
- أجل، لذا من فضلك لا تقترب مني مجدداً وتحاول التأثير على مشاعري لأنني سأقاوم الأمر بكل قوتي.
- لا يمكنني أن أعدك بأن هذه ستكون آخر مرة نرى فيها بعضنا البعض ولكن ... لم يعد هناك داعٍ لأحاول كسب قلبك بعد الآن لأنك ستختارين القدوم معي بنفسك.
- ماذا تعني؟ إن كنت لا زلت تأمل بأن أغير قراري فهذا لن يحدث لذا لا تتعب نفسك وتبقى على أمل أن أغير رأيي.
- ستتأخرين، هيا اذهبي إليه.
- سأجد لك خادمة لتقوم بأمور المنزل بما أنك تحتاج للمساعدة.
- لا داعي لذلك، يمكنني تدبر أموري. شكراً على اهتمامك، أنا سأدخل وأرتاح في غرفتي لذا أرجو أن تغلقي الباب بعد خروجك.
نهض سي جي ودخل لغرفته بينما أغمضت نارا عينيها وتنهدت ثم نهضت وخرجت من البيت لتوقف سيارة أجرة متوجهة إلى المبنى السكني.
كان الثلاثة قد عادوا للبيت وشرع شي هيون وجو هيون بالطهي ويونغ جاي تساعدهما. كان جو هيون يراقبهما بقلق وسمع شي هيون بعض حديث جو هيون لنفسه وهو يتساءل إن كان شي هيون معجب بها حقاً أم لا وعن شعوره بالقلق تجاه الأمر. استغرب شي هيون الأمر وتساءل في نفسه لمَ قد يكون قلقاً بهذا الشأن بدلاً من أن يكون سعيداً من أجله ثم قال: آه ربما لأنه يعتبر يونغ جاي بمثابة أخته الصغرى ويخشى ألا أكون جدياً في مشاعري نحوها؟! لا بد من أنه يظن بأنني تأثرت بسبب ما تقدمه لي من مساعدة والوقت الذي نمضيه معاً. لا بأس يمكنني أن أشرح له الأمر لاحقاً.
كان جو هيون يستمر بالنظر للساعة فالتفت له شي هيون قائلاً: لا تقلق ستصل قريباً.
بعد دقائق خرجت نارا من المصعد وإذا بشي هيون يبتسم قائلاً: لقد وصلت نونا.
هرع جو هيون نحو الباب وفتحه وما أن رآها تتقدم نحوه أسرع وعانقها بقوة فابتسمت قائلة: هل كنت تخشى ألا آتي؟!
رد جو هيون: لقد تأخرتِ قليلاً فشعرت بالقلق. لن أتركك تذهبين لأي مكان وحدك بعد الآن، من فضلك نارا لا تخرجي لأي مكان إلى أن نحل هذه المشكلة، عديني بذلك.
نظرت نارا له وابتسمت قائلة: لا تقلق بشأني، أعدك بأنني سأفعل ما تطلبه مني، لن أذهب لأي مكان بل سألتصق بك حتى تسأم مني.
ابتسم جو هيون ثم قبل جبينها وطلب منها الدخول فقالت متذمرة: المنطقة الآمنة مجدداً، ألن تجازف ببعض الخطورة؟!
ابتسمت نارا بخبث وقربت وجهها منه فابتعد ووضع سبابته على شفتيها قائلاً: كلا، هيا ادخلي.
نظرت له نارا بتذمر ودخلت للبيت ثم ساعدتهم بتجهيز المائدة وجلسوا جميعاً يتناولون الطعام. مضى بعض الوقت وجلس أربعتهم يتداولون الحديث والضحك إلى أن نظرت يونغ جاي للساعة وشعرت بأنها قد تأخرت وقالت بأنها تريد العودة للبيت فقال جو هيون بأنه سيوصلها.
نظرت له نارا وقالت بأنها سترافقهما ليوصلها إلى الفندق لتأخذ حاجياتها فقد نزلت في أحد الفنادق القريبة من المستشفى أثناء فترة بقائها مع سي جي هناك حيث كانت تذهب لتغتسل وتبدل ثيابها هناك كما أنها كانت ترتاح هناك وتفكر لبعض الوقت بعيداً عنه.
نظر شي هيون ليونغ جاي وسألها: هل بدأت إجازتك بالفعل؟
ابتسمت يونغ جاي وقالت: يمكنك القول بأنني أتهرب من العمل. سأساعد المدعي جو هيون فيما يتعلق بالقضية ريثما تنتهي الجلسات فقط ومن ثم ستبدأ إجازتي بشكل رسمي.
ابتسم شي هيون وقال: هل هذا يعني بأن هيونغ يتساهل معك، هذا غريب.
نظر له جو هيون وقال: يمكن القول بأنها مكافأة لأنها عملت بجد في الفترة الماضية لذا أقوم بالتغطية على الأمر.
قالت نارا: إنها تستحق أن تفعل هذا من أجلها، لقد كانت رائعة في عملها وهي من كانت تسهل لنا كل شيء.
ابتسمت يونغ جاي بخجل وشكرتهما على كلامهما اللطيف بشأنها. خرج ثلاثتهم متوجهين نحو السيارة ثم انطلق جو هيون في طريقه لبيت يونغ جاي أولاً ثم ذهب للفندق وأخذت نارا مفتاح غرفتها فقال لها جو هيون: ألن تطلبي منها أن تقوم بإجراءات إنهاء الحجز ريثما تأخذين حاجياتك؟
أمسكت نارا بيده وسحبته خلفها قائلة: لاحقاً أوبا. هيا بنا.
عندما دخلا المصعد نظر لها جو هيون بريبة وقال: لماذا أشعر بأن هناك فكرة ماكرة خلف قدومنا إلى هنا؟!
بقيت نارا صامتة وتحدق في الباب ببرود فقال: آه ... هناك شيء مريب، أنا لا أشعر بالراحة.
عندما فتح باب المصعد أمسكت نارا بيده وتوجهت نحو غرفتها وعندما دخل جو هيون قال: ما هذا؟ إنها ليست غرفة بل جناح فاخر.
- تعلم بأنني أحب أن أرفه عن نفسي.
- هذا ليس صحيحاً، أشعر بأنك تخدعينني نارا، إلى ماذا تخططين؟
- اجلس هنا.
- لماذا هناك الكثير من الورود والزينة وما هذه الشموع؟! نارا ... ألن تخبريني؟!
- لن يكون هذا ممتعاً، لقد حضرت مفاجأة لذا ابقَ جالساً هنا ريثما أعود.
دخلت نارا لغرفة النوم بينما كان جو هيون يحدق بها محتاراً وقلقاً ويقول في نفسه: أرجو ألا تكون تخطط لشيء مجنون.
مضى الوقت فناداها جو هيون وطلبت منه الانتظار قليلاً بعد فتنهد متذمراً وقال: ماذا تفعلين؟
ردت نارا: ستعرف بعد قليل فاصبر أوبا.
بدأ جو هيون يتجول في المكان بانتظار انتهائها وإذا بها تناديه وتصرخ فجأة فهرع نحو الغرفة خائفاً ينادي اسمها مذعوراً. وما أن فتح الباب وقع نظره على نارا وهي ترتدي فستاناً أبيضاً طويلاً في غاية الجمال وتضع على شعرها طوقاً فضياً جميلاً.
- نارا، ما كل هذا ... لقد كاد قلبي أن يسقط من مكانه.
- أنا آسفة، ما رأيك؟
- آه ... تبدين جميلة ولكن أين ستذهبين في فستان كهذا؟
- لن نذهب لأي مكان، ارتديته من أجلك.
- نارا ... ما الذين تخططين له؟
- أليس الأمر واضحاً، أريد أن نحظى ببعض الوقت بمفردنا فكما تعلم لا يوجد خصوصية بالقرب من شي هيون.
- خصوصية من أجل ماذا؟ ... ما خطب هذه الابتسامة؟!
- أوبا ... لن أطيل الحديث، قلنا بأننا سنتحدى الرؤيا وسنتجنب حدوثها أليس كذلك؟
- أجل.
- ولكن أريد تحقيق أمنياتي قبل ذلك ... في حال لم نتمكن من تجنبها.
اقتربت نارا وطوقت وسطه بذراعيها فأبعدها وقال: نارا، إياك وأن تطلبي مني ما تفكرين به الآن. هذا سيزيد الخطر.
دمعت عينا نارا ونظرت له بحنق قائلة: وما أدراك بأنه سيزيد الخطر، فأنا في خطر في كل الأحوال وأنت تستمر برؤية تلك الرؤيا اللعينة. ألا ترى بأننا نعاقب أنفسنا فوق العقاب المفروض علينا بسبب هذه الرؤيا.
دمعت عينا جو هيون وقال: الأمر لا يقتصر على الرؤيا، المشكلة في القدرات المتوارثة في عائلتنا وهذا هو ثمنها ... حبي لك من البداية كان خطأ وهو سبب وفاة زوجة كل أصحاب القدرات مبكراً ومن ضمنهم ... والدتك أنت نارا.
- ما دامت النتيجة واحدة فلماذا تستمر بالابتعاد عني ونحن لا يمكننا العيش بعيداً عن بعضنا البعض.
- ظننت بأن الأمر قد يتغير ولكن مشاعر قلبي لم تتغير ... أنت في خطر بسببي. أنا آسف على حبي لك نارا ... أنا آسف.
- لا أريد اعتذارك، لا تعتذر فأنا أحببتك أولاً. أنا حتى لا أذكر متى وقعت في حبك أوبا، لقد أحببتك لسنوات عديدة، قبل أن تعترف لي بحبك بفترة طويلة.
- نارا، أرجوك ... هيا بدلي ثيابك لأوصلك للمنزل.
- لا أريد. أحضرتك إلى هنا لأنني أعلم بأنك لن تتجرأ على الإقدام على هذه الخطوة.
تقدمت نارا نحو طاولة دائرية صغيرة تتوسطها الورود والشموع وعلبة صغيرة. أخذت العلبة ووقفت مقابل جو هيون مجدداً ثم فتحتها وقالت: أوبا، لنتزوج.
أمسكت نارا بخاتم جو هيون ثم أمسكت يده اليسرى لتضع الخاتم في اصبعه فجذب يده وهز رأسه نافياً وقال: لا نارا ... من فضلك أوقفي ما تفعلينه على الفور.
نظرت له نارا بحنق: ألا ترى بأنك تهينني الآن؟! هل تريدني أن أتحول لشبح عذراء وأستمر بمطاردتك بعد موتي؟!
وضع جو هيون يديه على وجنتيها: لا تقولي هذه الكلمة مجدداً، لن تموتي ... هل فهمت ما أقول؟
نظرت له نارا وقالت: إن كنت واثقاً من هذا فدعني أضع لك الخاتم وإن لم تكن واثقاً من ذلك فدعني أضعه وأحقق أمنيتي الأخيرة.
ضمها جو هيون لصدره بقوة وهو يبكي بحرقة وألم ويقول: لا تقولي هذا أرجوك، لن يصيبك مكروه.

القرن الأخيرWhere stories live. Discover now