هذا عقابك

107 4 1
                                    

وفيما كُنت سائرا خافض الراس من همومي واذا بصوت طفل يناديني باسم "مهاد " فنظرت فإذا امامي طفلٌ صغير تفيض من عينيه الحياة ،يرتدي معطفا كبيرا يبدو كأنه ورثه من ابيه او أخيه الأكبر انني اعرف هذا الوجه جيدا هذا الطفل الذي يتفرس بوجهي ثم اطرق قائلا هذا انا ألم تعرفني رددت وانا اتهرب من الإجابة بكل تأكيد اعرفك، بل اعرفك جيدا ثم قال لقد مر ما يزيد عن عشر سنوات منذ اخر لقاء بيننا ،لكي اكون اكثر دقه لقد التقينا يا مهاد عديد المرات بل اننا نلتقي في كل يوم لكنك تعرض بوجهك عني، هل سرقتك الحياة مني ام انك بت متعجرفا
بعد دقائق من الصمت بدت كساعات رد مهاد على الطفل، لستُ كذالك ابدا، على العكس تمام فلقد التقيتك عدة مرات وانت من كان يهرب من لقائي دوم بل تكتفي بمراقبتي من بعد و انا انسان لا يسعى خلف شخص يتحاشاني  ولولا ان التقيتك وجها لوجه لهربت مجددا، هذا لا يهم الان ،دعنا نشرب القهوة ونتحدث قليلا في المقهى المقابل، دخل مهاد و الطفل إلى المقهى وجاء إليهم الصنادل العجوز السمين البطين ذو وجه هزيل مكتنز و أنف كزر و نظارة تبعث على الكآبه وكانه غراب، مليء بالشر و الشهوانيه عيناه متلصصتان كمنحرف يراقب عروس في زفافها، جلب العجوز لهما القهوة وبدل يتحدثان اطرق الطفل سائلا مهاد عن ما بات يعمل ،فرد مهاد انا سمسار، بدا وكان الطفل لم يفهم ما هو السمسار فسارع مهاد بالكلام، السمسار هو محتال لعين فقد يزيف أمام عينيك بعض المال ثم يرغمك على اخذ المال المزيف وانت تبتسم على الرغم انك رايته و هو يزيفها ونرتدي ملابس انيقه لا تليق بحقيقتنا، ثم انك اذا اخذت أحدنا إلى مجلس من اهم مجالس البلد لخُدع بنا الناس و غالبا سيعتقدون ان أحدنا أمير او وزير  فنحن نملك من حلو اللسان ما يجعلنا نتلاعب بالدنيا، أدرك مهاد ان الطفل ينظر اليه بطريقة فيها من الغضب الشيء الشديد فسارع بالقول لماذا تنظر الي بهذه الطريقة؟ هل انت مستغرب؟ حسنا لقد تغيرت اعترف لك بهذا لكن الدنيا غريبه جدا و يحدث بها ما لا يمكن توقعه بل ما تعجز الأحلام عن تخيله، انظر ايها الطفل مهما يبدو انني تغيرت فما زلت أمتلك ذالك القلب ذاته فهو لم يتغير لكن الظروف تغيرت ومهما تلطخت يدي فلستُ بشخص سيء ،حاولت جاهدا ان اصبح طبيبا تماما كما وعدتك لكنني فشلت في القبول و عكفت على دخول كليه الإدارة و تعلمت حيل البنوك و التجار وللحق ارى انني لم افشل فبالرغم ان الطبيب من اشرف المهن نظريا الا انه لا يزيد عن كونه طبيب لا يملك قوة لكن نحن السماسرة نبدو بسطا لكننا مصدر و مكمن القوة التامه ونتحكم في كل شيء.
فرد الطفل و زواجك؟ اسرع مهاد بالرد كنت على وشك الزواج كما تعلم بل انني خخطت لكل شيء ثم قررت خطيبتي ان تهرب في آخر لحظة تحت مسمى انها لا تستطيع أن تتزوج فهي لا تستطيع حمل المسؤليه لكنها كاذبه فلقد تزوجت بعد ذالك بفتره من معلم، الحقيقة انها لم تطق عملي هذا، رد الطفل بسخرية اذا خسرت فقوتك لا شيء على الرغم انك تكسب الكثير من المال بدون عمل فأنت تتوسط للناس فقط أسد أمام النعاج، لكنك في الحقيقة مجرد كبش امام الأسود، فرد مهاد : انني انسان عملي و اعلم ان القوة تكمن في الكثرة سكت مهاد لدقائق ثم قال ان ما قلته صحيح فقد مات الإنسان في داخلي ان الانسان المادي انسان مجرد لقد خسرت و انا اطارد ما يريده هذا العالم للنجاه، القوة المال لكن من أجل النجاه في هذا العالم كان علي ان اموت قبل كل شيء و ان اموت كل يوم. لكن دعنا من هذا ايها الطفل الصغير و لنتحدث عنك فعالمي مضطرب اتعلم ايها الطفل لقد قرأت مذكرات وكدت ان أعود انسانا سويا، بل انني كلما قرأت بها اكثر كلما بكيت اكثر و أحسست بكم الفراغ الذي اعيشه، فرد الطفل لقد كنت من خيرة الفتيان  و كثير العاطفه لكن منذ أن ماتت عاطفتك ضاع طريقة ان هذا هو عقابك يا مهاد فأنت موهوب بشده لكنك كسيارة فارهه يقودها سكران فأنت مضطرب بل و تقاتل و تخالف ضميرك وانت بوعيك عامدا متعمدا انك لا تكتفي بارهاق نفسك بل انك تمضي قدما نحو موتك بقدميك  فرد مهاد غاضبا انظر لنفسك ايها الطفل تتفوه بكلام لا تعرفه فصحيح انني ميت الضمير لكن في نهاية اليوم اخلد إلى قصري و اجالس من اشاء و احلم كيفما اشاء اما انت فلا تستطيع أن تحلم حتى اتعلم لماذا؟ لأنك ملتزم بما تسميه اخلاق فتهلك معها فالحياة لا تتوقف تحت طلبك و لن تسير كما تشاء لذالك عليك أن تسير وفق ما تشاء الحياة كما فعلت  رد الطفل غاضبا أشعر بالاشمئزاز منك انك تنظر إلى الأخلاق كأنها حمل ثقيل على كتفيك غضب مهاد واخذ القهوة و رماها على رأس الطفل لتسقط أرضا لينصعق فليس هنالك اي طفل إنما هو حديث بين مهاد و مهاد الطفل بين الماضي و أحلامه للمستقبل و بين الحاضر و الواقع وكما ابتعد عن ما كان يطمح اليه وعن مبرراته و أكاذيب التي كان يغذي فيها نفسه
هذا عقابك يا مهاد وعقاب كل يختار ان يسلك الحياة كما يريدها الآخرون و من يرى الحياة بعين غيره لا بعينه وكما يريد،
عقابك ان تفقد صلتك بالحياة ان تغدو مجسما مفرغا، وحتى إنك اذا حاولت  تعود إنسانا مرة أخرى فانك لا تريد ذالك بل وانك ان رغبت بذالك فلن تفعل شيئا منه   فان ذالك الشخص الذي أردت أن تكونه قد مات بيديك، باكاذيبك على نفسك فلا يوجد افصع من أن يكذب الشخص على ذاته فيغرق في بحره الاسود فبت لست غير قادر على تغير نفسك فحسب بل لا تستطيع فعل اي شيء حيال هذا الأمر، ان هذا ضريبة الإدراك الشديد و ضريبه ان تكذب على نفسك فلا عجب بل الحقيقة من الطبيعي جدا و لا يلام الإنسان أن أصبح نذلا فقد وجدت دائما دافعاةفي داخلي لاكذب عن نفسي هربا من ادراكي للحياه ظننا مني انني احمي نفسي هاربا من الواقع لكنني كنت اول من يضع السكين في روحي تحت تصفيق حار من الجماهير، بل انني لم أستطع ان اتحكم بهذا الدافع وبت احب ان اكذب على نفسي حتى فقدتُ صلتي بنفسي اولا و بالحياة ثانيا لقد فقدنا الصله ونحن ندرك ان الحياة وسط الأكاذيب التي نتلوها على أنفسنا أسهل بكثير، لماذا نخدع أنفسنا؟ ماذا نريد؟ ومن نكون ؟ولماذا نعيش؟ نحن أنفسنا لا نعلم لأننا غرقنا منذ زمن بعيد بل ان الغريب في الأمر اننا نكره هذه الحياة التي لوثناها بأيدينا ولو جاء خطر الموت لتمسكنا بالحياة باسنانا ،اجل هذه الحياة التي نلعنها هذا عقابنا ان لا نعلم ما نريد كرجل أعمى في وسط الصحراء لا يعلم أين ولما يسير

حوار مع نفسيWhere stories live. Discover now