||الأسماء||

428 64 47
                                    

"رباه، هذا أسوأ فيلم شاهدته على الإطلاق، إياك اقتراح أفلامٍ مجددًا عين، أضعتُ أموالي على لا شيء" قال جيم بانزعاج فور خروجه من صالة السينما برفقة عين، والذي على ما يبدو يملك ذوقًا سينيمائيًا سيئًا.

فكر عين سريعًا بكلامٍ منمقٍ في محاولةٍ فاشلةٍ لتحسين الوضع، فقال: "لا تكن شديد الدرامية، لم يكن الفيلم بهذا السوء! نعم، هناك جملةٌ من الأخطاء، لكنها لم تكن واضحة، والممثلة التي أدت دور البطلة تاء كانت محترفةٍ بحق".

كلام عين المخادع دفع جيم إلى التوقف، فسأله وهو يلوح بيديه: "أتمازحني؟ التمثيل الجيد لا يغطي على الأخطاء الفظيعة. وعلى ذكر تاء فأنا لم أحبها؛ شعرت بمبالغة شديدة تجاهها".

أجابه عين ممازحًا: "هيا جيم، أعلم أنك من مناهضي حقوق المرأة؛ من المفترض أن شخصيتها القوية أعجبتك"، سكت للحظة ثم دفع جيم بخفة مستخدمًا قبضته وأكمل: "كما أنها جميلة"، وأنهى كلامه بغمزةٍ ضحكَ على إثرها جيم.

تابعا مسيرهما بصمتٍ، حتى زقزقت معدة جيم المسكينة. رمقه عين بمكرٍ وقال: "وجدت طريقةً لتعويضك؛ سأشتري لكلينا الشطائر على حسابي، أعرف مطعمًا جيدًا قريبًا".

ابتسم جيم برضا، لكن عاد وجهه للتجهم وتحدث مع نظرة مرعبةٍ: "يستحسن ألّا يكون ذوقك في المطاعم شبيهًا بالسينما؛ وإلا سأقتلك بشطائرك!".

• • •

رست الأطباق على الطاولة أمام الصديقين، ابتسم النادل بأدبٍ ثم رحل. التقط عين شطيرته وقضم منها، ثم أغلق عينيه بشكل مبتذلٍ دلالةً على لذتها. ابتدأ الكلام قائلًا: "لو كنت مخرج الفيلم، ماذا كنت ستغير؟".

"اسم البطلة" رد جيم وهو يلتهم ما أمامه بشرهٍ. ظهرت تعابير الاستفهام على محيا عين، فبرر جيم كلامه وقال: "شعرت أن اسمها لا يليق بدورها؛ ما أقصده أن اسم تاء رقيقٌ للغاية، ويدلُّ على نوعٍ من الخجل".

إجابة جيم لم تكن كفيلةً بإيقاف تساؤلات عين، فوجه سؤالًا جديدًا وتحدث: "هل تعتقد أن الأسماء لها هذا التأثير الكبير على المتلقي؟ ما الفرق الذي سيشكله الاسم؟".

أجاب جيم: "من الغريب أن ملاحظةً كهذه لم تطأ ذهنك قبلًا! الأسماء وُجِدت للتعبير عن الأشياء والإشارة لها، من هنا ظهر مفهوم المعنى؛ أي أن كل كلمةٍ أو اسم تدل على وصفٍ أو هيئةٍ أو مفهومٍ ارتبط بذهن الإنسان، عندما أقول لك سيارة فأنت تتخيل آلة بعجلاتٍ يقودها الإنسان، وعندما أقول قمر فسيتبادر إلى ذهنك جرمٌ مضيء في السماء؛ كذلك الأمر يُقاسُ إلى الأشخاص أحيانًا".

تأوه عين بتعجبٍ، ثم أضاف ملاحظةً: "ما تعنيه أن استخدام الاسم المناسب يساعد المتلقي على تخيل الشخصية، نعم هذا مقنع، لكن أسماء الأشخاص يختارها الوالدان".

شعر جيم بغصةٍ عندما سمع الجزء الأخير من كلام عين، شرب الماء ثم قال: "أيها المغفل؛ كيف سيعلم الوالدان صفات ابنيهما وهو رضيع؟ يختار الآباء الأسماء لمعناها أحيانا، أو لكونها رائجة، أو استنادًا إلى اسم الجد الأكبر مثلًا، بصرف النظر عن ما سيكون عليه الطفل عندما يكبر؛ فقد يدل الاسم على صفةٍ غير موجودةٍ في الشخص.
أعرف شابًا اسمه ظاء، لكنه ضعيفٌ وهزيلٌ رغم القوة التي يحملها اسمه. وعمومًا ما عنيته أنك كمؤلفٍ يفضل أن تختار اسمًا يتلاءم مع شخصيتك. كنت سأفضل لو كان اسمها الآنسة ضاد عوضًا عن تاء؛ فهذا سيعطي انطباعًا أفضل عن قوة شخصيتها".

تأمل عين كلام صديقه بإعجاب وأخبره: "فهمتك، وأتفق معك، لكني أتصور أنه بإمكان الكاتب اختيار اسم لا يناسب البطل مع تبرير السبب. لو عرض الفيلم مثلًا أن تاء كانت خجولةً وضعيفةً في مراهقتها، ثم تعلمت كيف تكون قويةً وبنت شخصيتها التي صارت لسانًا يطالب بالحقوق، بهذا يكون اسمها يلائم شخصيتها القديمة.
بعد تفكيرٍ، أصبت جيم، اسم الشخصية يساعد في بناء تخيلات القارئ أو المشاهد عمّا ستكون عليه الشخصية".

أشار جيم بسبابته مفتونًا بكلام عين وقال: "هذا هو صديقي الذكي الذي أعرفه".
نظرات عين المتبجحة غزت وجهه. لمع سؤالٌ جديدٌ في رأسه، فسأل: "لم أفكر مسبقًا بسبب اختيار والديّ اسم عين لي، ماذا عنك؟".
همهم جيم مفكرًا ثم رد بسخريةٍ: "ربما جيم من الجمال، عرف والداي أنني سأصبح شابًا وسيمًا في نهاية المطاف".

إجابة جيم دفعت عين إلى الضحك حتى سقط هو وكرسيه أرضًا. نهض وهو يلتقط أنفاسه وقال: "أي جمالٍ يا جيم؟ أي جمال؟".

رفع جيم عينيه باستنكار، وقال: "حقًّا إن ذوقك سيءٌ في كل شيء، باستثناء هذا المطعم. اشترِ لي شطيرةً أخرى؛ فكل هذا الكلام هضم ما أكلته".

هز عين رأسه موافقًا، وقال قبل أن ينادي على النادل مجددًا: "أتعرف ذوقي جيدٌ في ماذا أيضًا؟ اختيار الأصدقاء"، قالها وعادا للضحك مجددًا.

• • •

كان عين في سريره يريد النوم، لكنه قرر الاتصال بوالده كي يطمئن عليه أولًا، وكي يسأله عن أمرٍ آخرٍ..
"هذا جيدٌ لك أبي، أنا حقًّا سعيدٌ لأجلك. لدي سؤالٌ باغتني اليوم، لماذا سميتماني عين؟ ما الصفة التي تقبع خلف هذا الاسم؟".

شعر عين بابتسامة والده عن بُعدٍ، والذي أجاب: "كنا متيقنين بأنك ستغدو مبدعًا عندما تكبر يا بني، عين من الإبداع".
توردت وجنتا عين، وصار يفكر في كونه مبدعًا أم غير ذلك حتى قاطع والده أفكاره قائلًا: "أخبرتني جدتك أنهما أطلقا علي اسم سين لسببٍ غريب، أيمكنك أن تحزره؟".
أجاب: "هل علما أنك ستكون سعيدًا؟ أم متسرعًا؟".
قهقه والده بخفةٍ وقال: "بل ساخرًا يا عزيزي، ساخرًا للغاية!".

• • •

-هل ترون أن الأسماء لها تأثير على القارئ وتخيله للشخصيات؟

كتبه العضو: كوكب.

نفخة روح |عنصر الشخصيات|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن