الفصل السابع

154 5 0
                                    

الفصل السابع

في يوم الأربعاء دق المنبه الأحمر بجوار مضجع كريم بتمام الساعة السابعة صباحًا نظر لبدلته السوداء وعقد يديه مع ابتسامة مشرقة، إقبال على الحياة وحزن دفين على ما قالته له والدته مشفق هو عليها وعلى حاله ليته ما تحدث أو اعترض على التجاهل فالأمر أكبر مما كان يظن لست مجرد أب قاسٍ يفرض شخصيته على ابنه، تناسى كل شيء فاليوم لديه فرصة أن يعمل ومع من؟ مع نور التي يرى بصيص أمل أن تكون هي طوق النجاة له مما يمر به كما تراه هي تماما، توجه لدورة المياه غسل وجهه وأسنانه وعاد ليبدل ملابسه. خرج من المنزل وهو بكامل أناقته.
أما نور فما زالت تقف أمام خزانة الملابس تلقي كل ما أمامها على السرير رافضة ملابسها كافة كجميع الفتيات رغم امتلاء خزانتهن بالملابس يرينها فارغة. وبعد أن تأففت قررت أن ترتدي بنطالًا أزرق چينز وتي شيرت أبيض مزينا بقلب مكسور مرسوم باللون الأحمر. وقفت أمام المرآة وجربت جميع ألوان الشفاه لكنها استقرت على اللون الأحمر. رسمت عينيها بحنكة وزينت رأسها بطوق أحمر ألقت شعرها حوله وخرجت متجهة إلى الشركة، والدها يقف أمام السيارة يضع قدمه فوق الأخرى وبإعجاب وتعجب:
- نور الجميلة عادت للحياة وارتدت الأحمر.
ابتسمت فخرًا وأعطته يدها كي يساعدها بركوب السيارة ففتح الباب وانحنى بعض الشيء
- تفضلي أميرتي الجميلة.
جلست بمكتبها تستقبل المتقدمين للوظيفة وهي تتحدث معهم برتابة معلقة عينها على الباب بانتظار كريم الذي تأخر قليلًا، جاءت ميرا بضحكة خبيثة:
- ها هي صديقتي البريئة تضع الخطط دون علمي.
نور بتعجب وشرود
- ماذا تقصدين؟
برفع جاجبها
- كريم بالخارج يطلب أن يقابل نور هانم مندور
حاولت نور أن تخفي ابتسامتها ولمت خصلات شعرها الساقطة على ثغرها ووضعت يدها فوق حاجب صديقتها وبمزاح
- أنزلي حاجبيك سيصلان إلى رأسك
- اغربي عن وجهي في الحال فأنا بانتظار ضيف
ميرا بسعادة:
- أكثر الله من ضيوفك أ. نور
خرجت ميرا من المكتب تتظاهر بالجدية تخبر كريم أن نور بانتظاره دخل كريم فبدا على نور إعجاب شديد بهيئته دون أن يتحدث سقطت عيناها على قميصه الأبيض المفتوح وبعض الشعرات الخفيفة التي تظهر من صدره لكن الخجل منعها من مجرد التفكير بإعجابها بجسده. صمت طويل ونظرات مد كريم يده لنور ثم تحدث بجدية
- هيا ندخل مكتب والدك معًا أخشى أن يرفضني
نور بخفة ظل
- معك أ. نور مسؤولة العلاقات العامة، من فضلك املأ هذه الاستمارة.
اختفى خوفه بعض الشيء وتعجب من حديثها كإنسان آلي وكأنها تحفظ الكلمات لترددها كالببغاء، أجاب بنفس الطريقة بعد أن ملأ الاستمارة
- تفضلي أ. نور أرجو أن أحظى بالقبول
استأذنها بالرحيل لكنها أقسمت عليه أن يفطر معها ويشرب مياه غازية تعلم مدى عشقه لها وفي هذه اللحظة دخل والدها فوجدها تجلس مع كريم مبتسمة فأدرك سبب اهتمامها الزائد وابتسامتها المشرقة وتمنى من الله أن يعوض ابنته عن كسر روحها من علاقة أنهكت روحها وانقضت بجرح قاطع بالمشاعر
- سلام عليكم نور أرجوكِ اطلبي لي قهوة وأحضري لي دفتر المصاريف
نور بسلاسة
- حاضر حاضر أ. خالد
أمسكت وجه والدها برفق وجعلت عينه تنظر صوب كريم قائلة
- ألم تتذكر هذا الوجه؟
خالد يسترجع ذاكرته متذكرًا حين رأى كريم مع نور على شاشة التلفاز بميدان التحرير
وقبل أن يتحدث خالد قدم كريم نفسه:
- كريم الحلواني صديق نور.
بادله السلام وبعد حديث استمر لدقائق اختفت ابتسامته بعض الشيء وألقى السلام عليه متجهًا لغرفته يضع يده فوق شعره الغزير يتعجب من ضيق الحياة، كريم عاد من جديد ليعمل معهم لكن هل سيقف الماضي حيال ابتسامة نور وكريم أم سيكون للنصيب رأي آخر؟
تريث بعض الشيء وابتسم حين تذكر أن نور أخبرته أنه مجرد صديق، لكنها افتعلت احتياجها لموظفين كي تساعده.
قطع تفكيره دخول ميرا بالملفات سألها عن نور فأخذته للباب كي يراقب ابتسامة نور ها هي نور تبتسم وترتدي ملابس مبهجة كانت فرحة ميرا تفوق الحد لكنها تشعر بالخوف فهي تعلم أنه لم يدق الحب باب نور بعد وفاة ياسر فكريم هو مجرد محاولة للحياة ومع أول كلمة مشتركة ينطقها كريم كانت تسمعها منه ستختفي هذه الابتسامة وتعود من جديد لظلمة قلبها وتعيش على ذكراه
ضحك خالد وتحدث بخيبة أمل
- سيفسد ياسر كل شيء بما وضعه بقلبها
أقسمت له ميرا أنها كانت تفكر بنفس الشيء منذ لحظات
***
وفي المساء تجلس نور على طاولة العشاء تأكل رقائق البطاطس وشرائح الدجاج تروي تفاصيل اليوم لوالدتها، كريم وتقدمه للعمل بمحض الصدفة فتجاهل والدها كذبها فوجهت نظرها لوالدها وبيدها شريحة من الخيار
- أبي من سنختار لشغل الوظيفة؟ تقدم خمسة وعشرون شابًّا
أخبرها أنه لم يتدخل باختيارها لفريق عملها منذ بداية عملها بالشركة لكنه تحدث بدهاء
- من الممكن أن نقبل شابا يدعي كريم مثلًا؟
ضحكات متوالية من والديها عبست فتراجع والدها وأخبرها أنه يمزح كي لا يرى نحيبا لم يشهده وطلب منها ألا تكذب ثانية، أعطاها الإذن أن يعمل كريم معهم بالشركة، شعرت بالخجل حيال والدها الذي علم بكذبتها لكن قطع تأنيب ضميرها هاتفها إنها ميرا تخبرها بمدى جمالها اليوم وجمال ابتسامتها وإطلالتها المشرقة فهي تعلم ما تقصده صديقتها فتحدثت بجدية وثقة
- كريم مجرد صديق طوق نجاة أعبر به من هذه الحالة أظن أنك آخر من يفكر بما يدور برأسك
ميرا بشغف: ولمَ لا؟ كريم شاب وسيم كما كنتِ تتمنين.
ضحكت نور :
- كريم مرتبط عاطفيا وأظن أنكِ تعلمين جيدًا أن قلبي دُفن يا ميرا دُفن مع من.........
صرخت ميرا بوجهها تترجاها أن تحاول نسيان الماضي فصمتت متذكرة أول من تحركت مشاعرها تجاهه، فياسر كان الكون كانت تبحث عن الحب بحروف اسمه وحين أوشكت على التأقلم مع جمود مشاعره والرضا بمعاملة لا تناسب صديقة لسيت حبيبة طلب منها أن ترحل ولمَ ترحل؟ هي أحق أن تعيش معه أيامه الباقية لكن قسوته منعته أن يسمح لها بذلك، بعد أن صرخت عشرات الصرخات وكتمت صوتها بوسادة كبيرة دلفت لتغسل وجهها لتخرج من غرفتها مدعية السعادة تدق باب والديها خبطات متوالية تشبه الموسيقى تطلب من والدها أن تذهب إلى النيل معه فوافق على مضض. وعد والدتها أنه سيحضر لها آيس كريم نزل مع نور كصديقة تاركًا مشاعر الأبوة جانبًا وقفت أمام النيل شاردة يعلم والدها أنها تريد أن تتحدث بأمر هام ما دامت طلبت أن تأتي إلى هنا، لكنه لم يبدأ بالحديث بدأت نور الحديث
- خالد أنا قررت أن أتجاهل الماضي وأعيش ما تبقى كأي فتاة بعمري، هذا ما تتمناه أليس كذلك؟
هز رأسه بالإيجاب
فأكملت: ساعدني لأخرجه من قلبي وعقلي وأمحو آثار الجرح الممدود الذي تركه بداخلي، ساعدني أن أتعايش مع الناس أكوِّن صداقات أحب أتزوج أرغب بطفل جميل يناديني ماما
نظر لها والدها بشفقة ولم يتحدث فقد شعر أنه لا بد أن يترك لها مساحة أن تقول كل ما يجول بخاطرها يعلم أن كلماته لا تطفئ بركان الألم بداخلها تسبب ياسر لها بألم نفسي يصعب على أي شخص تحمله، تعيش مع الذكريات فماذا لو علمت بالحقيقة التي يخفيها كل من ميرا ووالدها ستكرهه، تتقبل موته أم سيزداد ألمها؟

استكانة Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang