الفصل الثالث والعشرون

111 5 0
                                    

قد يكون أمامك خيار يخلصك من متاعبك بلحظة عوض من الله، عن كل ما فاتك، لكنك معصوب العينين، لا ترى سوى ما يشير إليه قلبك، وكأنك مجبر على السير وراءه، تقتل حالك بكل محاولة لإرضائه، وأنت راضٍ كل الرضا عن هذا الجرح، وكأنك تمسك بسكين حادة تجرح نفسك وتلملم الجراح وتعيد فتح الجرح من جديد.

الفصل الثالث والعشرون
طلب منها أن تأتي بمفكرة وتجيب على هذا السؤال عشر إجابات.
- اذكري عشرة أسباب تجعلك تحبين نفسك.
الطلب الآخر، هو ألا تحادث ياسرًا مهما غلبها الشوق! تغير مسار تفكيرها فورًا كي لا تنتكس، تعجبت لأنها حقا تفكر في اللحظة ألف مرة، تريد أن تحادثه وتعود إليه.
عادت إلى المنزل، جلست إلى المنضدة وارتدت نظارتها الخاصة بالقراءة والكتابة، رفعت القلم ووضعته في شعرها، فكرت قليلًا، أنزلت قلمها ثم كتبت: لم أحب نورًا؟ سأكتب أسباب كرهي لها؟ لم أحبها من الأساس!
- تضحي لأجل من حولها دون أن يتنازل أحدهم ويعطيها جزءًا قليلًا من حقها.
- لا تسمح لحالها أن تغفو بوجود والدها والدتها أو صديقتها، كي لا تضيع لحظة بعمرها دونهم.
- تحب بصدق وتتحمل إهانات لن يحتملها بشر.
- تكتم صرخاتها الداخلية، تسمع ضجيج قلبها، وتكتفي به وهي تكتم صوت العالم من حولها.
- تنهار من جرحهم مشاعرها، ثم تضحك أمامهم وكأن شيئًا لم يكن.
- تظن الجميع معها، وتكتشف فجأة أن بعض الظن إثم.
- تتحمل غيرة ميرا منها وتتقبل عيوبها، لأنها ليس لديها صديقة أخرى.
- تحب والديها حبًا مرضيًا، وستموت إذا فجأة لم يعد أحدهما في الحياة.
- وحيدة وحيدة وحيدة...
ثم كتبت بخط كبير ملأ الصفحة: نور الوحيدة ستظل كما هي، لا ولم ولن أحبها أبدًا!
طوت صفحتها وكتبت موجهة حديثها إلى ياسر:
إليك يا أقسى قلب في الكون، أكتب إليك بعيني الغارقة بالدمع ويدي التي تموت كل لحظة شوقًا لخاتم ارتباطي بك.
إليك يا من قسوت حتى حطمت جبال كبريائي وجعلتني ذليلة أمامك.
إليك يا من جعلني أقولها له بكل أسف، بسببك أنا مريضة نفسيًا.
أخبرته أنها لن تسامحه حتى لو بكى أبد الدهر، حتى لو عاد ثانيةً يقبل يدها كما فعلت هي، ستعود إليه بكل سهولة لترضي رغبتها ببقائه، وبداخلها ألف سبب وسبب أن تكرهه، بعضها يرفض الخضوع لحبه والبعض الآخر يجبرها على البقاء. ماذا تفعل وهي في قمة حيرتها؟ فكلمات كريم أربكتها، جعلتها تفكر ألف مرة، أهي تستحق هذه المشاعر أم هو مشفق على قلبها؟
قطع خلوتها والدها، دق باب غرفتها فأخفت أوراقها في أقل من لحظة، طلب منها أن يتحدث مع نور الصديقة، ليس الابنة، فرحبت بذلك بابتسامة رقيقة أظهرت أسنانها الجميلة، فأخذ مقعدًا وجلس بجوارها يسألها عن حالها ومدى راحتها في العلاج مع الطبيب، فتحدثت باكية:
- العقاقير يا أبي تشعرني أنني مكبلة، تثقل لساني ورأسي، تجعلني أنام دون أي وعي، وكأنني لم أنم منذ سنوات كثيرة، أرجوك أريد أن أتوقف عن أخذها!
لم يتحدث، ضمها بقوة، فهو يعلم أن من غير المنطقي أن توقف العلاج فجأة، فإذا تعافت وقرر الطبيب ذلك فسيقلل كمية العلاج بالتدريج كي لا يتأثر جسدها بسحبه مرة واحدة.
قال خالد بحيرة وحزن دفين:
- آسف ابنتي، أنا من جعلتك تصلين إلى هذه الحالة، ليتني منعتك من البداية بأي طريقة! لكنني اخترت ألا أضايقك، اخترت الاختيار الأسهل كي أظل أمامك طيلة العمر الأب المثالي، لا أعلم أنني أحفر بيدي قبرًا لأدفنك فيه مع رجل، لا ليس رجلًا، بل هو حيوان.
نظرت إليه نور وهي تتمنى أن تمنعه من نهر ياسر، لكنها تماسكت، طلب منها أن تتناسى وجود ياسر بالحياة كي تعيش سعيدة، وهو يؤكد لها أن في الحياة مشاعر جميلة لأناس جميلة لم تقابلهم بعد.
***
دق هاتف نور وعيناها لائجة، تترد تجيب أم لا، وبعد دقائق من التفكير أجابت على الهاتف وكسرت كل قواعدها التي وضعتها مع والدها وطبيبها، استسلمت له، زفرت بعد أن سمعت صوته الحاني الذي تعشقه وهو يتحدث بصوت خافت، أغلقت الأنوار لتتحدث معه على ضوء المصباح الصغير.
تحدث بنبرة تشبه البكاء:
- سامحيني يا نور، كل شيء من حولي يحاربني، وكأن الله يعاقبني على ما فعلته معك، آسيا تعاملني بكبر، تتعالى عليّ، ووالدها يأمرني أن أساعده في عمله دون النظر إلى ما أريده أنا، يفرضون سيطرتهم الكاملة عليّ، ندمت عليك يا حب عمري، كنتِ كالملاك، لم تضعي أعباء فوق رأسي، كل ما أتمناه أن أعود إليك حبيبتي!
تنهدت نور والدموع تتساقط من أعماقها، نظرت حولها، فتحت الباب وأغلقته كي تتأكد أن لا أحد يسمعها، اعتدلت بجلستها وقالت بدلال وحب ورأسها ناحية اليمين، كأنها طفلة تشكو لدميتها من قسوة الجميع:
- اشتقت إليك حبيبي، لا حياة لي من دونك، أنت من هجرت قلبي وجعلت منه مقبرة للجراح، أنت من ألقيت بي من قلبك لتدهس مشاعري، شاخ قلبي شغفًا بك، لكنك كنت تقتلني بكل نظرة احتقار، ضحكة سخرية، اتهام باطل، أنت من قتلتني بعد أن أعطيتني قبلة الحياة، شاءت الأقدار أن يضيع الحلم وينهار ويعم حياتي المرار، أشتاقك بكل ما أملك حبيبي.
وبعد عودتها إليه وسماع كلمة منه روت عطش السنين وأخمدت نيران الهجر، عادت إلى الحياة من جديد، طلبت من والدها بعض المال لتبتاع ملابس جديدة، عادت الابتسامة تلازمها طيلة الوقت بعد أن كانت تجاهد وتضع رموشًا لتداري دمعها، ظن خالد أن حديثه أثر في ابنته، وكان سعيدًا للغاية.

استكانة Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang