(33)

21.3K 908 69
                                    

( 33 )

_ أنت يا صبية ! _

كان الجميع يركض... و هي أيضًا.. كانت تركض مثلهم... صحيح أنها لا تعلم ما الهدف أو الغاية من ذلك السباق الذي ضم البشر قاطبةً بدون مغالاة بكافة سجاياهم !

لكنها لم تجد بدًا من مشاركتهم هذا.. و كأن الأمر إجباري.. إذا لم تركض وسطهم في هذا الطريق المجهول تحت السماء الملبدة بغيوم رمادية غريبة الشكل.. ربما تدهس بالأقدام لو توقفت

كان هذا الشيء الوحيد الذي أبقاها مستمرة معهم، الخوف من السقوط... رغم أنها تعبت.. و أرادت أن تقف.. أرادت أن تستسلم فهي أصلًا لا تريد حياتها.. منذ أمد تمنت لو أنها تنتهي ...

لكن ثمة أحداث رأتها خلال السباق أشعلت جذوة الأمل بداخلها.. حين شاهدت البعض... منهم من يهتدي إلى طريقه المنشود.. بقدر ما كان يؤذيها أن ترى ما حرمت منه يمنح للآخرين.. إلا أن إيمان لا تعرف ماهيته كان يتغلل بداخلها أكثر مؤكدًا بأن لمعاناتها نهاية... و لعلها نهاية ترضيها و تسعدها !

تميد الأرض فجأة تحت قدميها.. تهتز بقوة أجبرتها على التوقف، فتغمض عينيها بسرعة موقنة من مصيرها الشنيع الذي ينتظرها باللحظة التالية مباشرةً ...

لكن مرت الثوان و لم يحدث شيء !!!!

لم يحدث أيّ شيء و عم الهدوء الأجواء !

لتزيح جفنيها بتردد بادئ الأمر...ثم ما تلبث تفتحهما على سِعتهما... لترى خواء !

مجرد خواء عظيم، و ظلمات حالكة.. شديدة السواد، حتى أنها بالكاد كانت ترى يديها... في الحقيقة أنها كانت ترى

لكن بدا هذا و كأنها ترى ما هو مسموحًا لها بأن تراه !!!

كتلك الفتاة الصغيرة على إمتداد بصرها، ميّزتهاوسط كل هذه العتمة... كانت تقف على قارعة الطريق، ترجف و تبكي و هي تتلفت حولها بين الفينة و الأخرى خائفة، بل مذعورة

أجفلت الأخيرة مرتبكة و لم تشعر بنفسها إلا و هي تنطلق صوب الصغيرة بأقصى سرعة لديها.. ما إن إقتربت و أطلت على وجهها حتى جمدت مكانها مصدومة، و كأن المفاجأة صعقتها ...

فتلك الصغيرة ببساطة شديدة لم تكن سوى هي

أجل.. نسختها المصغرة... تلك الطفلة التي كانت عليها قبل سبع سنوات.. ذات الأحد عشر عامًا

ها هي تقف مقابلها، تتطلع إليها بعينين ملؤهما الدموع و الحسرة، و كأن نظراتها رسائل تبلغها بها بأنها تعلم كل شيء، رغم أنها تزورها من الماضي، لكنها تدرك ما حل بها و ما يثقل كاهل صبية بريئة لا ذنب لها بأيّ شيء مثلها ...

إرتعشت الصبية الكبيرة و تشنجت و هي تنظر نحو الطفلة و قد أطل غل مفاجئ من عينيها، فلم تردد للحظة و لم تمنع نفسها عندما هجمت عليها و أخذت توسعها ضربًا و تكيل لها الصفعات العنيفة و الضربات الموجعة ...

كيف أقول لا ... للمبدعة مريم غريبWhere stories live. Discover now