ِالدِّفْءُ، وجُرْحُ السِّكِّين

133 14 30
                                    

يعلمُ هَيُّنُ الفرقَ الفاصلَ بينَ مستجلِبي النقابةِ ومستجلِبي الشوارع.

فالأولون يستجلبون تحت علم القانون ورضاه وحمايته ليحلُّوا قضايا الناس الاستجلابية. بينما الآخرون يستجلبون تحت سخط القانون، ووراء مطاردته، ليحلُّوا قضاياهم الدنيوية. ولكن الاثنين اشتركا بأمرٍ واحد؛ ألا وهو جهلهما بما يفعلانه.

أبوا هينٍ كانا من مستجلبي الشوارع، وقد لجآ للاستجلابِ ليحلَّا من مشاكلهما الوفير. ما ساعدهما هوَ كتابٌ قديم هرئ ورثاه من عمِّ هَين، مستجلبٌ من النقابة.

كلُّ مستجلَبٍ جلَبَاه طلبَ ثمنًا، وكلُّ خدمة من مستجلَبٍ دفعوا ثمنها. وتنوعت الأثمان بتنوع المعلِّقات، حتى جاءَ يومٌ وقعَ فيه والدُ هينٍ تحت ابتزاز سيئي النفوس فوصلَ هو وزوجته زاويةً لا مفرَّ منها استدعتهما لاستجلابِ ابنةِ آلِ عقيم.

وثمنُ ابنةِ آلِ عقيمٍ هو هيِّن، طفلهما.

الفرقُ بين مستجلبي النقابة ومستجلبي الشوارعِ لدا هينٍ واضحٌ وضوحُ الشمس، فالأولون يعرفون كيفَ يتصرفون، بينما الآخرون فيعتقدون أنهم يعرفون.

خطتهما كانت في أن يَعِدَاها بِهَينٍ شرط أن تنهي المهمة، وفي ذلك الوقت يستعينان بالنقابة ادعاءً منهما أنَّ أحدًا استدعاها، وتنقذ النقابةُ هينًا منها.

وطبعًا كانت الخطة فاشلة، لأنَّ معلِّقَ ابنَة آلِ عقيمٍ تحوَّلَ من هرٍّ ذكر -حيث أن مظهرها أشبه للهررة- إلى هينٍ نفسه. فلم يستطيعوا استدعاءَ النقابةِ لأنَّهم وبكلِّ تأكيد سيسألونَ عن كيفية الاستجلاب.

استيقظَ هينٌ الصغير بطعمٍ غريبٍ في فمه. بصقَ مسرعًا، ملتفتًا حوله ليرى أنَّه وسط صحراءٍ فتذكَّر أن قد أغميَ عليه بعدَ أن سَلَخَت ابنةُ آلِ عقيمٍ ضديًّا من بني جنسها أمامه، هذا بعد أن رفضَ سلخَ قتيلها بنفسه.

"أينامُ بنو الإنسِ وقتما ضعفتِ الأعين؟"

قفزَ قلبه، ولمَّت أصابعه قدرَ ما استطاع من التراب تجهيزًا للدفاع عن نفسه. أمالتِ العقيمُ رأسها لزاوية مؤلمة، عيونها الخمسُ كعيونِ القطط تراقب يديه، شكرَ هينٌ ربَّه لمَّا رأى أنها لم تعلِّق، فكيف لحبات الغبار أن تهزمَ مستجلَبَةً قتلت من بني جنسها أضعاف حجمها؟

انكمشت معدته وخارت عضلاته عندما رمتِ العقيمُ جلدَ قتيلها عليه، عجزَ عن التحرك وإبعاده عن رأسه، يداه ضعيفتانِ أمام فزعه.

"ارتده، لن يعلمَ المغفلون عن بشريتك"

حاولَ هينٌ فتحَ فمه والحديث، الاحتجاج أو الصراخ ولكن حلقه مطبقٌ على بعضه لا يتحرك.

"لمّ لا تتنفس؟" اقتربتِ العقيمُ منه، خصلاتٌ طويلة حمراء تتمايلُ مع حركتها.

أخذ هينٌ شهيقًا عميقًا ومقطوعًا، يحاولُ جمع الهواء بألم، فجثمتِ ابنةُ آلِ عقيمٍ عنده، يدها تضربُ ظهره بعنف "تنفَّس، تنفَّس، سمعتُ أنكم تحتاجون الهواء كما يحتاجه بعضنا، وعالمنا كعالمكم مملوء به"

ابنُ آلِ نَفَسٍ |Where stories live. Discover now