الفصل الأول.

221 23 43
                                    


"صباح الخير، كوثَر." ابتسمت زهرَة بعذوبة نحو صديقة عمرها، والتي عوضَتها حنان الأم والأُخت الكبرى، كانت جارتهم التي تسكُن في الطابق الذي يسبقهُم، وقد تعودَت زهرَة المرور عليها يومياً قبل الذهاب للجامعة.

لقد كانَ اليوم هو الأول في سنتها الأخيرة، فهِي طالِبة في مدرسة التمريض. وأخيراً ستتخرج لتعمل في المجال الذي لطالما أحبَته وأحبَته والدتها، ورُبما تستطيع قضاء بعض الوقت بعيداً عن بُشرى وعجرفتها المُستمرة.

"صباح الخير يا زهرَتي، تعالي للداخِل."
كانت كوثَر تعيشُ وحيدةً، فهي لمْ تتزوج وقد توفى والدها تاركاً لها مشغَلاً للخياطة وهو ما تعِيش به.
بعد جلوسهُم وتقديم الشاي، تحدّثت كوثَر بعتاب.

"علمتُ من رغدَة ابنة جارتنا أنّ هُناك رحلة سوف تُنظمها الجامعة هذا الفصل، لما لمْ تُخبريني يا ابنتي؟" ابتسمت لها زهرَة ووضعت فنجانها جانباً.

"وما فائدة إخبارِك، كوثَر؟" تنهدَت زهرَة، "فأنا لا أملُك ثمن تذكرَة الحافلة حتّى." عبسَت بحُزنٍ بادٍ على ملامحها الطفولية.

"لما لا تطلُبين من والدكِ ثمن التذكرة؟ فهُو 'باشكاتبٍ' مرموق، ومؤكد يملُك ثمن تذاكر الحافِلة بأكملها!" قالت كوثَر بحماسها المُعتاد، رُبما تكون في أواخرِ الثلاثينات، ولكن روحها تبقى دائماً عشرينية يافعة.

قهقهت زهرَة ساخِرة، "أبي غنياً، ولكنّي لستُ كذلك.. فـزوجة أبي بالكاد تسمح له بدفع رسوم جامعتي، والتي لا تتجاوز الخمسين جُنيه سنوياً." عاشَت زهرة في تِلك الخمس سنوات التي تلَت وفاة والدتها حياة يتيمة الأُم والأب، فزوجة أبيها لا تكتفي فقط بجعلِ حياتها مأساوية في المنزل، لكنّها أيضاً تحرِص على جعلها تعيش في تقشُف، ليس وكأنها ابنة باشكاتب. ومن جِهة أبيها، فهو بالكاد يتواجد في المنزل، وحينَ يفعل، يكون على الأرجح نائماً، لذا تحظَى بُشرى بصلاحية إدارة المنزل طوال الوقت.

"آه حبيبتي زهرَة، لقد استمريت في رؤية طلّتك عليْ في طريقكِ للجامعة طوال السنوات الثلاث الماضية. أنتِ في الثانية والعشرين عزيزتي، في ريعان شبابكِ! كمْ أتمنى رؤية طلّتكِ عليْ بفُستانك الأبيض في طريقك للعِش السعيد!" بدى الُحزن واليأس على وجه كوثَر، وكأنّها ترى نفسها في هذه الشابة الصغيرة، التي تيتَّمت مُنذ صغرها.

"كوثَر، لقد قُلتِ بنفسكِ، أنا ما زِلتُ في الثانية والعشرين. لما القلق!" قهقهت زهرَة وقد رمقتها كوثَر بتلك النظرة التي تعنِي 'لقد اعتدتُ إخبار نفسي بهذا أيضاً'، "كما أنّي خائفة، خائفةٌ مِن الخروج من بيتِ الساحِرة، لأدخُل بيت الغول."
كانت زهرَة فتاة صغيرة حالِمة، تسعى لتحقيق حُلمها وحُلم والدتها، ولكنّها كانت أيضاً كأي فتاةٍ في زمانِها، لا تُمانع الارتباط برجلٍ مُناسب، يُعوضها حنان ورعاية الأب.

| حكاية أبيض واسود |Where stories live. Discover now