الفصل الثاني.

149 20 19
                                    


تعريف لوظيفة الـ 'باشكاتب' المذكورة في الفصل الماضي: الباشكاتب يُعادل وظيفة المُحاسب حالياً، ولكن الاختلاف أن الباشكاتب كانت تعتبر وظيفة مرموقة وصاحبها يُعتبر من الطبقة المتوسطة العُليا.

..

ظلّت تُتمتم لنفسها بغيظٍ طوال طريق عودتها للمنزل كمْ كان ذلك الرجُل مُتعجرفاً ومُتكبراً، ولكن.. أكان صوتُها مُرتفع لهذه الدرجة؟!
لطالما عانت من التفكِير بصوتٍ مُرتفع عندما تدرُس أو تقرأ، أَو حتّى أثناء جلوسها بهدوء.

عادت للمنزِل لتجده هادِئاً على غيرِ العادة. توجّهت لغُرفتها لتسترخي قليلاً قبل البدء بتحضير العشاء. كانت قد قامت بتغيير ملابسها لفُستانٍ منزلي خفيف حينما دخلت عليها بُشرى بوقاحةٍ ترمِي على سريرها فُستاناً يبدو باهظ الثمن.

نظرت لها زهرَة بتشوش لتُجيب بُشرى عن تساؤلها، "ارتدِي هذا وتجهّزي، فبعد ساعةٍ سيأتي عريساً لطلب يدك." صفعت بُشرى الباب خلفها بينما ما زالت زهرَة تقف مذهولة، تُحاول استيعَاب ما أخبرَتها بُشرى به.

عريس! لطلبِ الزواج!
كان والِدها على علمٍ تام برغبتِها بإنهاء دراستها أولاً قبل الارتباط، حتّى لا تُقصّر في حقِ دراستها، وفي حقِ من سترتبط به. إذاً ماذا يحدُث! لا بُد أنّ هذا من فِعل الساحرة الشريرة.
لم تجِد بدّاً مِن أن تذهب ركضاً لـكوثَر، علّها تُساعدها.

"أرأيتِ ماذا فعلت بُشرى يا كوثَر! تُريد تزوِيجي لشخصٍ لمْ أره قط، لقد أخبرتنِي للتو!" تحدّثت زهرَة بلهفةٍ بينما تُحاول التقاطِ أنفاسها.
"أمان يا ربّي! ماذا تُريد منكِ تلكَ المشعوذة! ألمْ يكفيها ما تفعله بكِ!" طبطبت كوثَر على كتِف زهرَة بحنانٍ بينما تقُودها للداخِل.

"أنا مُتأكدة أن والدكِ لا عِلم له بذلك." أخبرتها كوثَر وقد بدأت زهرَة تشُك بالفِعل أن والدها له عِلم بالأمر، فـبُشرى لن تستطِيع الإقدام على خطوةٍ كهذه دون علمه.
"ولما أنتِ واثِقةٌ هكذا؟" تساءلت زهرَة بحسرةٍ.

تمنّت لو أنّ والدتها لا زالت موجودة، لكانت احتمَت بها كما كانت تفعل دائماً في طفولتها. ولكن صدَق القول "سيظَل الإبن طفلاً حتّى تتوفّى أُمه، فيشِيخَ فجأة"، ويجِب عليها أن تشِيخ وتنضَج هي أيضاً، وتنقِذ نفسها بنفسها.

"أنسيتِ يا ابنتي؟ فأبُوكِ هو الحُب الأول، ولنْ يفهمهُ أحداً بقدرِي.." تحدّثت كوثَر وعلى وجهها ابتسامةُ حسرة.
"كما أنّه على علمٍ تام بمدى أهمية دراستك بالنسبةِ لكِ، فأنتِ فخرُ حارتِنا البسيطة، غداً سيكون بيننا طبِيبة!" أكملَت كوثَر بحماس لتُقهقه زهرَة.

"لستُ طبيبة يا كوثَر وإنما مُمرضة."
دحرجَت كوثر عينيها مُتمتمة بـ 'الأمر سيان'.

"حسناً عزيزتي، هيا لنذهب الآن لشقتِكم وسأبقى معكِ حتّى عودة والدكِ، وحتّى يأتي 'عريس الغفلة' ذاك." ضحكت زهرَة بحلاوةٍ ونهضت معها.

| حكاية أبيض واسود |Where stories live. Discover now