الفصل| 16

6.1K 729 1.1K
                                    

في أُمسية الشُّكوك الحارَّة، رغمَ برودَة الفصل، كُنت على موعدٍ معَ خيبة أُخرى

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

في أُمسية الشُّكوك الحارَّة، رغمَ برودَة الفصل، كُنت على موعدٍ معَ خيبة أُخرى.

وجدتُني طرفًا ثانِيًا، في حربٍ شفَّافَة، ما استعرضت قوامَها أمامِي، وما أعلنت عنها معمعتُها، حربٌ بكماء، وربَّما مُلثَّمةٌ بالغدر، لم أدرِ أنَّها قائمةٌ، حتَّى أطلقت الحياةُ أهازيجَ الانتِصار، وجثوتُ أنا على ثرى الهزيمَة، أرثي كِبريائِي.

احتَرقت واحتَرقت، وما انطفأت نيرانِي إلَّا لأنَّ مخزونِي مِن العواطِف قد نفد. أنا رجلٌ لا يشعُر بالصَّقيع حتَّى في عزّ الشِّتاء، لأنَّ دواخِله مُشتعلة دائمًا، أعصابِي أقشاش، تكفيها شرارةٌ وحيدة لتقدح، ومُهجتِي مِن الحطَب تتآكلُ رويدًا رويدا.

استَعرت السيَّارةَ العسكريَّة، ذات الدّهان الزيتيّ الأدهَم، والطَّلعة المهيبَة، فمركَبتي مقيَّدة بالمرأب، في قصرِ عائِلتي. الفضلُ لها في تجاوُزي لجميع نقاط التَّفتيش بلا تريُّث. مُؤشِّر السُّرعَة يكاد يُدرِك حافَّته، لحُسن الحظِّ لم يعترِض أيُّ بشريّ طريقِي، وإلَّا لقبضتُ روحَه. ما خشيتُ على نفسِي مكائِدَ القَدر، لاسيَما وأنَّ الأرض الإسمنتيَّة رطبة، بسبب التّساقُط الأخير للمَطر؛ إذ ذرفَته السَّماء على شاكلة رذاذ. الزَّمهرير يجيشُ في الحيِّز الَّذي يضمُّني بغزارَة، بسبب النَّافذة المفتوحَة، أنا من سمحتُ له بمُقاتلة ملابسي، عسى أن يُخمِد نيراني.

دونَ سابِق إنذار، اقتَحمتُ المَنزل، ذُهِل السَّائِق لرؤيَتي، لقد كان يتأهَّب للقُدومِ إلى بوسان مِن أجلِ اصطِحابِي ككلِّ يوم. صفقت البابَ ورائي بقوَّة، فارتجَّ زُجاج النَّوافِذ، كذلِك سومين الَّتي استَقبلتني بابتِسامة، ابتسامةٌ أوقَدت ما غفل عنه سُخطي على خِداعِها لي، اغتلتُها وهِي في مهدِها، حيث قيَّدتُ مِعصمَها وسُقتها إلى غُرفتِنا، لم أبالِ بإمكانيَّة تعثُّرها على الدَّرج، لهوجِ خُطاي، وعجزِها عن مُجاراتِي في كثيرٍ مِن الأحيان. واصَلت سُؤالِي عن خَطبي بغباء، أرجِّح أنَّها قد تصنَّعته، وطالبتني بتحريرِها، لكنِّي أحكمت أسرها انتقامًا منها.

حينما صرخت احتِجاجًا على مُعاملتي البربريَّة لها، خرَج والديّ مِن وكريهما، وعلى هيئتيهما قامت أماراتُ الصَّدمة، هما يعلَمانِ جيِّدًا أنَّ الشَخص الَّذي يجلِسُ على عرشي الآن، ليسَ أنا، بل الكولونيل ذو القلبِ الشَّبم الَّذي ألِفَ صيحات المعذَّبين، والنَّجوى المُتسلِّلةِ مِن بينِ القُضبان، إن التفَّت قبضتُه حولَ عنق أحد فلن يُعتقَه حيًّا. لحِقَا بِنا إلى الطَّابِق الثَّانِي، وقبل أن يمنَعا ميلادَ الفاجِعة، أقفلتُ بابَ المُحاوَلة. دفعتُ سومين إلى الدَّاخل بكلِّ ما أوتيتُ مِن قوَّة وحالَفتني الجاذبيَّة على إرسالها إلى الأرضِ بشهقة. خفَّفت مِن شدَّة الاصطِدام بكفَّيها الضَّئيلين، كما خرجَت خصلاتُ شعرِها الطَّليقة من الجانبين عن رتابتِها، وانسدَلت على وجهها.

جسَد || BodyWhere stories live. Discover now